شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة سعادة الدكتور عبد الله مناع ))
- أسعد الله مساءكم بكل خير، لأنني صاحب تجربة مع جريدة (المدينة) اليومية فأنا أظنني أتحدث بهذه الصفة، ولكن قبل ذلك أريد أن أمر مروراً حول هذه المهنة، مهنة المتاعب فإطلاق اسم أو صفة مهنة المتاعب على الصحافة تسمية في موقعها، فهي مهنة المتاعب خلال أدائها وقبل أدائها وبعد أدائها، وهي مهنة قد تقود الإنسان إلى قصر منيف، وقد تقود صاحبها إلى زنزانة معتمة، وإذا كان شكسبير قال بأن مداد الكاتب مقدس مثل دم الشهيد فقد قال حقا، مهنة المتاعب هذه عشقها الأخوان هشام ومحمد علي حافظ عشقاً حقيقياً ولم يكلا ولم ينيا خلال رحلتهما الطويلة مع الصحافة ومن أجلها، أتذكر بين التجربة والقراءة مشاهد من هذه المتاعب، أحد هذه المشاهد وزير التعليم السابق في الكويت يتحدث إلى صحفي كتب في جريدة من الجرايد يقول إن نسبة رسوب الطلبة الكويتيين في اللغة الإنجليزية بلغ 90%، فقال له من أين أتيت بهذه المعلومة ؟ قال من مصادري، قال له هل تعلم أن الامتحان لم يجر بعد ؟ هذه واحدة - قصة أخرى لأحد صحفيين كتب مقالاً معلقاً على اجتماع كان معتقداً أن يتم في اليوم الاثنين مثلاً ومقالته كانت ستظهر يوم الثلاثاء، فكتب في عدد الثلاثاء يحيي هذا الاجتماع ويشيد بما جرى فيه وما دار فيه ثم يظهر أن الاجتماع لم يتم أساساً.. في جريدة المدينة اليومية التي كان يرأس تحريرها محمد علي حافظ كان هناك صفحة فنية وكان يحررها الزميل العزيز الأستاذ بدر كريِّم، وكان يحرر هذه الصفحة صباح الجمعة من كل أسبوع، وكان مقدراً في تلك الليلة، الخميس ليلة الجمعة، أن تغني سيدة الغناء العربي -كما يقولون- فكتب وصفاً تفصيلياً لحفل سيدة الغناء العربي وكيف أنها أمتعت وأبدعت ثم ظهر في اليوم التالي أنها لم تغن أساساً.. هناك قصة أكثر صعوبة من هذه وهي لصحفي بريطاني وكان يعمل لليونايتد برس، وكان في بغداد وطلب منه أن يغطي احتفالات 14 يوليو العسكرية فأعتقد أن الاحتفالات سوف لا تختلف عن احتفالات العام الماضي، وهو اعتاد أن يغطي هذه الاحتفالات فكتب وصفاً تفصيلياً لهذه الاحتفالات، وأنها كيف تمت وكيف كان الاستعراض العسكري عظيماً، وكيف يحتوي على معدات عسكرية جديدة و.. و.. الخ.. وقد فعل كل ذلك من غرفته بالفندق، ثم ظهر في اليوم التالي أن الاستعراض العسكري لم يتم أساساً، فكان جزاؤه الفصل على الأقل، هذه مشاهد من متاعب الصحافة وهي مشاهد هينة وخفيفة، وهشام ومحمد علي أصحاب التجربة العميقة بلا جدال والفعلية بلا جدال، وهم أصحاب نقل جريدة المدينة من واقعها الأسبوعي في المدينة المنورة إلى جريدة يومية تصدر في جدة، وعندما صدرت جريدة المدينة في تلك الأيام أواخر عام 1962م كان هناك صحيفة البلاد السعودية وهي صحيفة راسخة ولها قراؤها ولها جماهيرها، وكانت هناك صحيفة حراء التي تصدر في مكة ولها قراؤها وجماهيرها، وكانت هناك صحيفة الرائد الأسبوعية، وكانت هناك صحيفة الأسبوع التجاري الأسبوعية، للأستاذ عبد العزيز مؤمنة، وكلها صحف رائجة ومقروءة، فشقت (جريدة المدينة) طريقها بشكل ممتع للغاية، بل وخلال وقت قصير، انتقلت من 4 صفحات إلى 6 إلى 8 إلى 12 صفحة، واستطاعت هذه الصحيفة الناشئة الشابة أن تعبر عن هموم الناس، وطموحات الناس، وآمال الناس، وقد كانت إلى جوار البلاد السعودية التي كانت تعبر عن الجانب شبه الرسمي من أخبار الدولة وقطاعاتها المختلفة، كانت المدينة تمثل تيار الشباب الجديد والواعد الذي كان يقوده الأخوان هشام ومحمد علي حافظ، وأذكر على المستوى الشخصي أنني التقيت أول مرة بالأستاذ محمد الحافظ على باب منزلي، وقد جاءني يطلب مني أن أسهم في تحرير هذه الجريدة الجديدة في صورتها الجديدة، وقبلت أن أساهم مع محمد علي حافظ وأن أكتب في هذه الجريدة على شرط أن يبقى تعاوني وتبقى علاقتي بمجلة الرائد أو صحيفة الرائد مستمرة ومنتظمة بلا تأثير، وقبل الشرط، وبدأنا في المدينة بمقال أسبوعي سرعان ما تطور إلى مقال آخر، ثم تطور إلى صفحة أخرى نرد فيها على مشاكل القراء وقضاياهم، والحقيقة أن المدينة اليومية لم تكن تمشي على قدميها، ولم تكن تركض في شارع الصحافة، ولكن الحقيقة كانت تركب، أقول صاروخاً، ربما مبالغة، ولكن الحقيقة كانت تسير بسرعة بالغة وسرعان - فعلاً - ما احتلت - أكاد أقول - المكانة الأولى وكانت صحيفة كل الناس، وكان الخبر في المدينة يقرؤه كل الناس، وكان يزين المدينة مقال جميل صحفي بكل المعنى هو مقال صباح الخير للزميل والصديق محمد علي حافظ، وقد قادت المدينة اليومية جملة قضايا، لكن من أبرزها وأهمها الدعوة إلى إنشاء جامعة الملك عبد العزيز الأهلية، أخذت من هذه القضية وكأنها قضية شخصية وتحمست لها وأفردت لها الصفحات، وظلت تتابعها عدداً بعدد حتى خرجت الجامعة وتشكلت الهيئة التأسيسية وبدأت مشوارها.
لكن سرعان ما انتهت مرحلة الصحافة الفردية وبدأت مرحلة صحافة المؤسسات، وترك الأستاذان محمد علي وهشام حافظ (المدينة)، ولكن لأنهما عاشقان حقيقيان للصحافة فسرعان ما وجدتهما في شيء أشبه بالدكان، قادني إليه أحد الأخوان والأصدقاء قال: تعال نزور هشام ومحمد علي حافظ، أين ؟ قال هنا. ذهبنا إلى مكان كالدكان، فإذا بهذا الدكان هي محاولة جديدة للأخوين لإصدار جريدة إنجليزية اسمها عرب نيوز، كان كل شيء متواضعاً وبسيطاً، لكن كان هناك شيئاً واحداً، إصرار هذين الرجلين الشابين على أن يقتحما ويظلا عاشقين لهذه المهنة مهما كانت المتاعب، ومهما شق الطريق عليهما، ومهما صعب الطريق، ولم أكن أعتقد أن "العرب نيوز" و الشركة السعودية للأبحاث ستنمو وتزدهر على نحو ما نمت، وعلى نحو ما بلغته فيما بعد، يذكر للأخوين أنهما إلى جانب إنشائهما لأول صحيفة بمعنى الصحيفة اليومية باللغة الإنجليزية أيضاً يذكر لهما أنهما أقاما صرحاً صحفياً حقيقياً في بلد الصحافة، في لندن، حيث المواهب وحيث الكفاءات وحيث الامتحان الحقيقي والفعلي للرجال، واستطاعا فعلاً أن يقيما صحيفة من طراز أول ثم تبعتها مجموعة من المطبوعات الجميلة والرائدة، هذا يذكر للأخوين.. قد يقول بعض الناس.. ومن أين لهما ؟ وكيف لهما ؟ هذه يعني أقاويل، تظل أقاويل، ففي الصحافة هناك مبدأ (الشاطرة تغزل برجل حمار)، والحقيقة أن الأخوين غزلا ولكن ليس برجل حمار إنما بمغزل جميل نسج هذه المجموعة من المطبوعات، أنا أختلف معهما أحياناً وقد نختلف في قضايا فكرية وسياسية ولكنني أحيي فيهما عشقهما للصحافة وثباتهما وإصرارهما وسعيهما الدائب والمستمر والمتطور فهما لا يقبلان بالوقوف عند الماضي ولا يقبلان بالوقوف عند الحاضر ولكنهما يتطلعان دائماً إلى المستقبل وقد غزيا المستقبل وقد بلغا أفضل ما يمكن أن يبلغه صحفيان في مستقبلهما كصحفيين.
أحييهما في هذه المناسبة وأتمنى لهما ولمطبوعات الشرق الأوسط كل نجاح وكل توفيق والسلام عليكم ورحمة الله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :653  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 146
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.