شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور حمود أبو طالب))
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
أصحاب المعالي
الإخوة والأخوات
أؤكد لكم أن هذه اللحظة لم تكن ضمن أحلامي لأنها أكبر من فضاء الحلم وشطحاته وحتى مبالغاته، لكنها بدلاً من أن تكون حلماً مستحيلاً ها هي تهبط على حقيقة باذخة الجمال سوف تظل متوهجة في الذاكرة أبد العمر، والفضل كل الفضل لصاحب هذا المنبر المتميز الحفي بفضيلة الوفاء في زمن شح فيه الوفاء. لم أصدق حين بلغني أنني سأتشرف بالمشاركة في تكريم ضيفنا الليلة الذي قدمته رموز عالمية بارزة في المحافل الطبية الدولية. لم أصدق أن تلميذاً من بين الآلاف من تلاميذه سيحظى بهذا الشرف وأن أكون أنا ذلك التلميذ. شكراً لك يا رائد الاثنينية وسوف أكون مديناً لك بهذه اللحظة الخاصة من عمري.
السيدات والسادة..
في منتصف الثمانينات الميلادية حين كنا على مشارف التخرج من كلية الطب في الرياض، لم نكن نعرف من الرموز في جراحة القلب غير الأسماء التي خدمها بريق الإعلام وجعلها معروفة للمتخصصين وغير المتخصصين. لم نكن نعرف غير أسماء مثل: كريستيان بيرنارد ومايكل دبيكي، ومجدي يعقوب وعدد محدود جداً غيرهم.. شخصياً لم أكن ميالاً أو متعاطفاً مع هذا التخصص بفعل رومانسية الشاب التي تطغى على معرفة الطبيب اليافع، رومانسية تجعلني أتساءل كيف يستطيع هؤلاء الأطباء شق الصدور وفتح القلوب وغرس المشارط فيها؟ يا لهم من قساة لا يعبأون بقدسية القلب ورمزيته في الوجدان الإنساني، لكنني لاحقاً عرفت كم هم عظماء وهم يحولون الشحوب إلى نضارة والذبول إلى إشراق بالحياة، لأنهم يتعاملون مع ذلك العضو الذي تبدأ الحياة بأول نبضة فيه وتنتهي بآخر نبضة فيه.
وكان حظي أن أقضي مع بعض الزملاء جزءاً من فترة التدريب بعد التخرج في قسم الجراحة بقسم القوات المسلحة بالرياض، وهناك بدأنا نعي أن في هذا القسم جراح قلب غير عادي كان اسمه يتردد بشكل خاص محفوفاً بالإجلال والتبجيل، وكان ذلك الجراح هو الدكتور محمد بن راشد الفقيه. لم تكن قد سنحت لي فرصة لرؤيته لأنه كان منغمساً في عمله الشاق إذ كان أول من يأتي وآخر من يغادر المستشفى. وذات صباح كان اللقاء الأول لمجموعتي معه. كان أنيقاً بسيطاً متواضعاً باسماً، حازماً من غير عنف، معلماً دون استعلاء، منضبطاً منظماً دقيقاً، كل ثانية من الوقت تعني له شيئاً مهماً، وبالتأكيد لم تكن مرحلتنا تحتاج منه سوى بعض الأبجديات في تخصصه المعقد. وحين سنحت فرصة لمشاهدته وهو يجري إحدى العمليات، رأيت كيف يتحول المشرط في أنامله إلى ريشة فنان يتماهى في حالة إنسانية فريدة، يداعب خلالها أوتار القلب ويعيد دوزنتها ليصدح نغم الحياة من جديد.
هذا هو المحتفى به هذه الليلة جراح القلب السعودي الذي لا توجد مرجعية عالمية إلا وهو أحد رموزها الضخمة، ولا توجد مكتبة طبية إلا وهي زاخرة بأبحاثه وابتكاراته في جراحة القلب.. الجراح الذي مهر بإمضائه شهادات الآلاف في هذا التخصص في معظم دول العالم، وهو من القلة القليلة التي منحتها أعرق الجامعات في العالم درجة الأستاذية وهو من خارج محيطها.. الجراح الذي نال الأوسمة وحاز شهادات التقدير فلم تزده إلا تواضعاً وتصالحاً مع النفس ومزيداً من الإخلاص في العمل.. الجرّاح الذي أسس أول مركز لأمراض وجراحة القلب في المملكة، وأصبح بإشرافه واحداً من المراكز العالمية المتميزة.
السيدات والسادة..
من الصعب أن نسترسل في الحديث عن مقتطفات من سيرة هذا الرمز الوطني لأن الليل سيمضي من دون أن نحيط بها.. يكفيه أنه لم يلهث وراء البريق ولم تجذبه غواية الأضواء، رغم أننا لم نعطه أقل القليل مما يستحقه. وكم هو مخجل أن يعرفه الغير أكثر مما يعرفه وطنه.. لا بأس أيها الدكتور الفاضل فهذا هو قدر النبلاء والفرسان، ولئن كنت آثرت الاستراحة بعد رحلة زاخرة بالعطاء فتأكد بأنك ستبقى متوهجاً في ذاكرة الأجيال القادمة التي لن يكون سهلاً عليها إنجاب رمز مثلك.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
عريف الحفل: شكراً للدكتور حمود أبو طالب، الكلمة الآن للأستاذ طارق القصبي.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :858  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 24 من 209
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

جرح باتساع الوطن

[نصوص نثرية: 1993]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج