شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار بين الضيف الكريم والسادة الحضور ))
عريف الحفل الأستاذ حسان كتوعة يبدأ بطرح الأسئلة على الضيف فيقول:
- سعادة ضيفنا: الحقيقة الأسئلة التي وردتنا كثيرة، وهذا سؤال للدكتور محمود الشهابي من جامعة الملك عبد العزيز كلية الآداب قسم اللغة العربية يقول: أتمنى أن تكون هناك منطقة في إحدى مدن اليمن، على غرار مدينة فاس بالمغرب؛ يُحافظ فيها على هيئة البيوت والشوارع القديمة، ولا تدخلها سبل المواصلات الحديثة فلا يوجد بها غير الدواب وتنتشر بها الصناعات القديمة حتى الملابس تكون تاريخية.
سعادة الضيف مجيباً
- أخي محمود هذا همنا وهمك، نحن منذ مطلع الثمانينات ونحن نسعى جاهدين لجعل مدينتين في اليمن بهذا الصورة التي عليها مدينة فاس، مدينة صنعا ومدينة شبا بحضرموت، وسعينا لأن تكون هناك حملة محلية وعربية ودولية للحفاظ على هاتين المدينتين، ولإحيائهما لتبقيا ليس على شكل متحفين تاريخيين ولكن بشكل مدينتين حيتين تنبض بهما الحياة، وأعتقد أننا نجحنا إلى حد كبير في هذا الأمر بمدينة صنعاء، واستطعنا أن نحقق بعض الشيء بالنسبة لمدينة شبا بحضرموت، وذلك ضمن هذه الجهود المحلية والدولية، ورغم هذا النجاح، لا أكتمك القول أننا أخفقنا إخفاقاً ذريعاً في منع دخول السيارات إلى صنعاء القديمة إلى الآن وسنحاول مرةً أخرى لأن إدخال السيارات إلى داخل المدينة يسبب مشاكل كبيرة بحيث تهتز المباني القديمة التي لم تصمم على الإطلاق لقبول مثل هذا الضجيج، ولتحمل هذا الثقل العجيب الذي يكاد أن يوهي المدينة ويوهنها.
- الأستاذ غياث عبد الباقي يقول: يهود اليمن هل هم من أصل عربي ثم تهودوا في العصر القديم قبل إنبثاق نور الإسلام أم هل هم يهود من نسل بني إسرائيل استوطنوا اليمن؟
- سأقول لك ما أعرفه، يهود اليمن ينتمون إلى قبائل يمنية ولو قابلت يهودياً من اليمن قد قطع زناره أو الخصلتين المتدليتين من رأسه؛ لما استطعت أن تميزه عن أي قبيلي من ريده أو صعده، وهم في اليمن من قبل الإسلام، ونحن نعرف أن تبَّع اليماني أبو كرب أسعد الذي ذُكر في القرآن الكريم أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ كان يهودياً. ونعرف أيضاً من الكتابات القديمة؛ أن أباه كان يهودياً ونعرف أيضاً أن "بانواس" الحميَري عندما تهود سمى نفسه "يوسف" ذلك لأن يونس ويوسف وغير هذه الأسماء هي من الأسماء التي ذكرت في القرآن الكريم وهي عبرية الأصل، فيهود اليمن ليسوا من اليهود المهاجرين من بلدان عديدة واستقروا في بلاد اليمن، ولكنهم قبل الإسلام عندما لم يكن هناك كتاب منزل، ولا رسول مرسل؛ إعتنقوا الديانات التوحيدية الموجودة في بلاد الشام وجزيرة العرب، ومنها إعتنقوا اليهودية وأعتنقوا المسيحية وبقي هؤلاء على دينهم يتسترون عليها إلى اليوم وكانت لهم كمواطنين، حقوق كثيرة في بلاد اليمن، وهناك جهات دولية حالية تعمل على إخراجهم من اليمن نهائياً ولم يعد يوجد من يهود اليمن حالياً؛ سوى ما يقارب المائتين أو الثلاثمائة، بعد أن كانوا في منتصف الخمسينات حوالي ستين ألفاً، إذن.. بقايا ما كان عليه الناس قبل الإسلام وليس هناك عرق يهودي، أو عنصر يهودي كما تدعي الصهيونية، وإنما اليهود من جملة الأديان في الدنيا يعتنق هذه الملة من شاء؛ إعتنقها الأوروبيون وإعتنقها الخزر وإعتنقها الحبشة، وإعتنقها أيضاً العرب في فترة ما قبل الإسلام، ومنهم من اهتدى إلى الدين القويم، ومنهم من بقي على ضلاله إلى اليوم.
- الأخ عبد الحميد النقيب يقول: ما الواجب الأكاديمي على المؤرخين العرب والمسلمين أمام تضليل الطوفان اليهودي الذي أخذ يخترق عالمنا العربي بتهويد ثقافة الأجيال العربية الناشئة؟
- نسأل الله أن يحمينا من الطوفان، ووسائل الإعلام، ووسائل الإتصالات الحالية تكاد تفرض علينا الثقافات الأجنبية المتعددة في كل زاوية وكل مكان. ولا نستطيع أن نتجنب ذلك إلا إذا أحيينا تراثنا وعرفناه وأحييناه إحياءاً حقيقياً؛ أي بالعمل على إبراز مكامن القوة فيه مثلاً: بالتحقيق تحقيق المخطوطات، أو باستخراج الآثار، أو بالحفاظ على المواد الثقافية، وفوق ذلك كله ألا نهمل ذلك الروح الذي يكتنف هذا العمل الثقافي كله الذي يقع في مكمن هذا التراث العظيم ذلك هو روح الدين الإسلامي الحنيف، إننا بهذا التراث نستطيع أن نصمد أمام هذه الهجمة الشرسة التي لا ترحم ولا تهاود. فلا بد أن نتسلح بالثقافة العربية الإسلامية، وتراثنا كفيل برد هذه الهجمة، وأنا أدعو الجميع إلى الاهتمام بالتراث الثقافي العربي الإسلامي إهتماماً حقيقياً؛ لنستطيع أن نتسلح به أمام الهجمة الحديثة الآتية إلينا من الغرب ومن شتى أنحاء العالم، إذ بدون ذلك لا نستطيع أن نقف أمام هذا الطوفان كما أن ميزة الاتصالات، موجودة في كل مكان.
إذن الحماية من الداخل هي الأهم، ومن تجربتي الخاصة وأنا قريب من الثقافتين العربية الإسلامية والثقافة الأجنبية، أشعر دائماً أن سلاحي الكبير هو ثقافتي، وأنا لا أفخر شخصياً، لا أفخر كثيراً؛ إذا أردت فخراً إلا بلغتي العربية رغم أنني أتقن عدة لغات أخرى، وأحب أن أتحدث بها، وأفرح عندما يطلب إليّ الحديث بهذه اللغة التي كُرمت وشرفت وكان التنزيل الحكيم بها..
إن معرفة العرب والمسلمين لأنفسهم ولتراثهم هو سلاحهم ضد هذا الطوفان وهذه الهجمة الغربية، وإلا سيخفقون في صد هذه الهجمة. لا بد من معرفة النفس معرفةً حقيقيةً، معرفة التراث والتسلح بهذا الدين الذي يقع في قلب هذا التراث وفي صميمه.
- الأخ عبد الحي مكي يقول: أود أن نعرف منكم دور الملك يونس ذي نواس في نشر اليهودية بين بعض سكان اليمن كما يذكر في التاريخ؟
- إسمه الحقيقي في الكتابات القديمة يوسف أسأر يزأر وحكم اليمن في مطلع القرن السادس الميلادي وهو نفس القرن الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يكن هو اليهودي الأول في اليمن، أو الذي اعتنق اليهودية، وإنما كان قبله أيضاً من اعتنق اليهودية، مثل جده كما ذكرت أبي كرب أسعد تبع اليماني وجده الأكبر ملكي كرب يهامن الذي عاش في أواخر القرن الرابع الميلادي وأوائل القرن الخامس الميلادي، فهو لم ينشر الديانة اليهودية وإنما كانت منتشرة. والواقع أن الصراع كان بين الديانة المسيحية والديانة اليهودية، في اليمن قبل ظهور الإسلام، وتلك من الإرهاصات التي أدت بعد ذلك إلى ظهور الإسلام ودين التوحيد.. الصراع كان بين ملوك الحبشة وملوك اليمن، ملوك الحبشة نصارى وملوك اليمن يهود، وكان الصراع قائماً على أشده بين الدولتين وكلٌ إستعمل دينه سلاحاً. قال تعالى وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوََقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلوُنَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ صدق الله العظيم.
- الأستاذ محمد الشامي يقول: ما هي النتائج التاريخية التي نتجت عن لقاء ملكة سبأ، بالنبي سليمان عليه السلام؟
- روح العصر كان يستدعي ذلك، إذ أن نبياً وملكاً في الشمال يسيطر على نهاية طريق التجارة وطريق اللبان الممتد بين البحر العربي، والمحيط الهندي، أو حوض المحيط الهندي، كله وبين حوض البحر الأبيض المتوسط، هذا الطريق التجاري الحيوي الهام يربط بين ملكة تملك بداية الطريق ونبي يملك نهاية الطريق، فلا بد أن يتفقا على شيء، وعلى مصالح مشتركة، بالإضافة إلى أن النبي سليمان قد تعهد إلى الملكة إلى أن تؤمن وإلى أن تسلم وتوحد الله، روح العصر التجاري اقتضى لقاءهما وحكمة الله تعالى؛ إقتضت أن تكون مثل هذه القصة العجيبة، التي ظلت أكثر من ثلاثة آلاف عام وهي حديث الناس بيننا وبين كثير من الأمم، بين ملكة سبأ والنبي سليمان، وكما تفضل صاحب الاثنينية وقال: إن هذا القصص، وهذه الآثار، وهذه الأخبار؛ هي عبرة وعظة. كما جاء في القرآن الكريم لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِى الأَلْبَابِ.
- الأخ محمود الخطيب يقول: متى كانت قصة الأخدود التي وقعت على الحدود اليمنية وفي أي مكان حصلت تحديداً ومن الظالم فيها ومن المظلوم؟
- لم يشر القرآن الكريم إلى مكان، وزمان، قصة أصحاب الأخدود. وافترض العلماء أو افترض بعضهم أنها تمت في وادي نجران. وإذا صح هذا القول إنها مرتبط بتاريخ يوسف أسأر يزأر فلا بد أن يكون ذلك بين 518 و 520م والله أعلم.
- الحقيقة سؤالان يكادان يتشابهان في مضمونهما: من الأستاذ عدنان فقي: محامي ومستشار قانوني والأستاذ عبد الله محمد أحمد، الأستاذ الفقي يقول: باعتباركم خبير آثار باليمن الشقيق الذي يعتبر بلـداً من البلاد التي تضم الكثير من الآثار التاريخية الهامة، نأمل من سعادتكـم إعطاءنا نبذةً عن إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد مع خالص الشكر.. ويقول السيد عبد الله محمد: نرجو التكرم بأن تحدثنا عن حضارة عاد التي أشار إليها القرآن الكريم الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ وهل بدىء بالكشف عنها وأين تقع هذه الحضارة بالضبط من حيث الموقع وشكراً.
- شكراً.. هو سؤال واحد.. ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد اختلف العلماء في هذا الأمر، واختلف المفسرون، وفي الواقع ليس هناك دلائل تاريخية على أخبار عاد، لأن عاد بادت وانقضت ولم يبق منها شيء وهم من العرب البائدة، ولذلك ليس في الآثار إلى الآن - حسب ما نعلم - ما يدل على ذلك، ولكن هناك من يقول - والعهدة على الراوي - أن "إرم ذات العماد" ليس المقصود منها المدينة التي تفنن الإخباريون في وصفها؛ وإنما ذات العماد؛ ذات الأخبية، ذات أعمدة الخيمة، وإن عاد كانوا من الذين كان لهم شأن ربما في طرق التجارة أو في جهود إنسانية أخرى بذلوها عندما كانوا في جزيرة العرب، وهناك من يقول أن عاداً كانوا في شمال الجزيرة، وهناك من يقول أنهم كانوا في حضرموت وفي بلاد الأحقاف، ولكن في القرآن عندما يقول الله سبحانه وتعالى وَأذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ الأحقاف جمع للحقف، والحقف: هو كثيب الرمل وليس بالضرورة أن تكون - أحقاف - هي بلاد حضرموت، الخلاف في الأخبار وفي التفسير كثير حول هذا الموضوع (وأهل مكة أدرى بشعابها) ولدينا مجموعة من العلماء الذين يستطيعون أن يتحدثوا في هذا الشأن..
وعندما بدأت أدرس النقوش الصفوية التي عثر عليها في حوراء وفي عرعر، وبَدَنَةْ من شمال المملكة، ظننت أول ما ظننت أن هذه النقوش هي نقوش قوم عاد ذلك لأنها تذكر أخباراً شبيهة بأخبار قوم عاد وأنتم تعرفون أنه عندما يقال في الأخبار: إن هذا شيء عادي يعني هذا قديم..
نحن في اليمن نقول هذا أسعدي يعني سبيل أسعد الكامل عندما نريد أن نقول إنه قديم، وربما في اللغة يقال هذا عادي أي إنه أمر قديم ووردت إشارات في كتب اللغة إلى أن بعض العادات العادية وقيل إنها من عادات قوم عاد وجدت حينها مثل بعض تلك العادات منقوشة في النقوش الصفوية فظننت أنها نقوش عاد وقلت: إن النقوش الثمودية التي وجدت في مدائن صالح هي نقوش ثمود وفي الواقع أن في النقوش الثمودية ما يدل على أنها نقوش ثمود بعض الشيء، لأن كلمة ثمود ذكرت ولكن ليس ذلك بالحجة القاطعة، إذن لا نستطيع في الواقع أن نحدد آثاراً حالية لعاد ذلك لأنها في أغلب الظن قبيلة قد عاقبها الله وأرسل عليها ريحاً صرصراً عاتيةً ولم يبق من آثارها شيء، هي من العرب البائدة.
- الأستاذ عبد الحميد الدرهلي يقول: هل يحتاج اليمن لتدوين تاريخه العظيم الإستعانة بالمستشرقين إزاء تقصير المؤرخ اليمني، ولماذا توقف تواصل الحضارة اليمنية مع بزوغ الإسلام وهل سعيتم إلى استرداد ما سرقه المستشرقون من آثار حضارة اليمن؟
- نحن لا ندعو المستشرقين لدراسة تاريخ اليمن، هم يصنعون ذلك من أنفسهم، ولا نستطيع أن نملي عليهم أن يدرسوا تاريخ اليمن أو يهملوه، ولكن في اليمن وفي جزيرة العرب عموماً، وفي المملكة العربية السعودية، من الآثار الدالة على الماضي التاريخي المجيد، ما يبهر هؤلاء المستشرقين فيسعون لدراسة المواقع الأثرية في الجزيرة العربية واليمن، ونحن أحياناً ندرس على يديهم ونأخذ ما شاء الله لنا أن نأخذ، ولكن كما تعرفون، لديكم هنا في المملكة علماء آثار يفوقون المستشرقين في علمهم، وبيننا منهم الليلة الكثير، نحن نرحب بما يفعل هؤلاء المستشرقون، ونحاول أن نكتب تاريخنا من وجهة نظر موضوعية، ولكن من زاوية أيضاً محلية، ولا نهمل ما يبذله أولئك العلماء من جهد خاصة في مجال التحقيق والبحث الدقيق والمنهج العلمي، وإن كانوا يحبون أن يدرسوا تاريخنا وثقافتنا مفصلة مجزأة، يعني لو تمكنوا أن يدرسوا كل قرية كدولة مستقلة لصنعوا، إذ لا يحبون أن يدرسوا تاريخاً واحداً ولا يقرون أن هناك تاريخاً واحداً لجزيرة العرب، ولا يقرون أنه هناك تاريخين للمملكة العربية واليمن إنما يقرون تواريخ للمملكة وتواريخ لليمن ولمدن ولقرى ولحضارات، وهم يضعون حضارات عديدة في البلد العربي الواحد، ذلك هو منهجهم، التفتيت، أما معالجتهم للقضايا الأثرية موضوعياً فهو أمر في الواقع يُحسدون عليه..
فقط يغلب عليهم أحياناً الاتجاه العام في معالجة الأمور ويضيعون في التفاصيل ويفقدون الاتجاه العام الذي ينبغي أن يكون..
يعني نحن بعد أن درسنا تاريخ اليمن والجزيرة اكتشفنا أن التاريخ واحد وأن ليس هناك في التاريخ القديم قبل الإسلام حدود، والإسلام هو الذي وحد العرب وجمعهم ووحد الجزيرة وجمعها..
أما هم فيرون أن هناك حدوداً كثيرة جداً في كل صغيرة وكبيرة وهذا شأنهم والحمد لله علماء الآثار كثيرون في الوقت الحاضر.. فأما الزبد فيذهب جفاءاً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.. هذا جزء من الإجابة واكتفي بهذا الجزء فقط.
- الأستاذ عبد الحفيظ محمد أمين تركستاني مدير النادي العلمي بجدة يقول: كانت لي فرصة الاطلاع على صور الموجات الرادارية التي أطلقت من أتوبيس الفضاء دسكفري للكشف عن مدينة أثرية مندثرة في صحراء الربع الخالي في مختبر الدفع النفاث في كاليفورنيا التابع لوكالة ناسا.. أجرى هذا البحث الدكتور "شارل العشي" الحائز على جائزة ناسا للإنجاز العلمي المتقدم حيث قدم لي بعض الصور يزعم أنها لمدينة إرم حيث أوضحت له أن تلك المدينة التي اكتشفها على الحدود اليمنية العمانية هي مدينة "وبار" كما أشار العلاّمة حمد الجاسر ما رأي سعادتكم في هذا الموضوع بحكم تخصصكم في الآثار؟
- نعم.. لقد قرأت أخبار هذا العمل من الأقمار الصناعية في مجلة أمريكية تصدر باللغة العربية، وفيها صور جميلة لهذا الموقع الذي صوره "العشي" وهو خبير عربي والذي نقب فيه العالم الأمريكي "زارنز" والذي أشتغل كثيراً هنا في المملكة العربية السعودية قبل ذلك، وكتبت حينها مقالاً في إحدى الصحف الأسبوعية في اليمن بعنوان "وبار بين الإثارة والآثار"،.. السجعة حبكت، لكن الواقع هو أن الحديث عن "إرم ذات العماد" حديث فيه كثير من.. القصة موجودة في القرآن الكريم، نحن لا نتحدث عن هذا.. نتحدث عما إذا كانت موجودة الآن وأنه فعلاً كشفوها، في الواقع أنهم اكتشفوا مدينة على طرق التجارة التي كانت تربط ما بين "ظفار" حالياً أو ما بين مدينة "وبار" نفسها الموقع الأثري نفسه وبين "يبرين"، يعني قوافل التجارة التي كانت تقطع الربع الخالي من منطقة "ظفار" أو "غفار" كما يقال حالياً على ساحل البحر العربي عبر جبال القرى، ومن جبال القرى تنتقل بعد ذلك إلى "يبرين" وإلى "وبار" ومن وبار تعبر الصحراء إلى يبرين في شرق المملكة، يعني كانت هناك طرقاً تجارية عديدة. طريق يبدأ من قرى على الساحل العربي يمر عبر "شبوة" و "مارن" و "نجران" والعلا إلى غزة، وهناك طريق آخر كان يتفرع من نجران إلى وادي الدواسر والأفلاج إلى شرق الجزيرة، وكان هناك طريق ثالث ومهم أيضاً من البحر العربي أو من حضرموت يبدأ بدخول الربع الخالي بمدينة وبار التي اسمها الحالي "شصر" ويتزود منه بالماء وبما يحتاج ثم يدخل الصحراء وهي صحراء عجيبة؛ الداخل إليها مفقود والخارج مولود..
ولكنه يستطيع أن يصمد عدة أيام بما تزود به في مدينة وبار ويخرج بعد ذلك إلى مدينة يبرين وهي من المدن التاريخية القديمة ولا شك أنه في الموقع الذي سمي وبار والذي ذكرته المصادر العربية كان محطة من محطات طرق التجارة..
الشيء الذي لا نعرفه؛ ما إذا كانت هذه المدينة فعلاً هي وبار أم أنها مدينة بجانبها أو تبعد عنها عدة كيلومترات ولكنا نتوقع أن تكون وبار في تلك المنطقة. لكن لم نعثر على نقش واحد مكتوب يسميها وبار. مثلاً عثرنا على نقش يسمى مأرب "مأرب"، عثرنا على نقش يسمى نجران "نجران"، وجدنا على نقش يسمى قرية "قرية".. قرية الفاو.. لكننا لم نعثر على نقش يمسي وبار (وبار)، أما المصادر العربية فقد أكثرت من الحديث عنها وسميّت صحراء، جزء من صحراء الربع الخالي اسمها صحراء وبار، مثل ما عندنا صحراء "صيهد"، وصحراء "وبار"، وصحراء "يبرين".. الحديث عن هذه المدينة من الأقمار الصناعية لا غبار عليه، هناك موقع أثري فعلاً. أما أن تكون هذه هي "وبار" أو إرم ذات العماد فذلك حديث آخر وليس هناك من حجة تقطع بذلك.
- سعادة د. زاهد محمد زهدي يقول: خلال إحدى زياراتي إلى صنعاء اطَّلعت على أمرٍ أثار اهتمامي الشخصي فقد علمت أن بعض الناس عثروا على جثث آدمية محنطة في بعض مناطق اليمن تعود إلى آلاف السنين. وقد أرسلت بعضها دون علم الجهات المختصة إلى بعض بلدان أوروبا الغربية؛ للبحث عن أولوية إكتشاف التحنيط. قياساً بالعهد الفرعوني بمصر. هل لكم سعادة الدكتور أن تلقوا الضوء على هذه القصة؟
- قبل أن يبعث هذا الشخص ببعض العينات إلى هولندا للفحص بدون علم أحد، وأنا أعرفه بالاسم، كنا قبل ذلك بسنوات؛ كنا قد اكتشفنا جثثاً محنطةً في منطقة اسمها "شيبان الغراس" وقد تكرم أحد الدكاترة من إخواني وأشار إلى ذلك، إن من جملة ما ساهمنا في عمله إكتشاف مومياوات "شيبان الغراس" وشيبان الغراس تبعد حوالي خمسةً وعشرين كيلومتراً عن مدينة صنعاء شرقاً باتجاه مأرب. وفي يوم من الأيام أتى أحد الطلاب الذين يدرسون التاريخ في الجامعة، وهو طالب أعمى وقال لي: إن الرعاة عثروا على جثث محنطة في قريته فذهبت إلى هناك ومعي فريق من أساتذة القسم كان بينهم الدكتور عبد الحليم نور الدين رئيس هيئة الآثار المصرية حاليا؛ً والذي كان يعمل معي في القسم لعدة سنوات واستخرجنا هذه الجثث بعد أن عبث بها المواطنون ووضعناها في صناديق في متحف قسم الآثار ومازلنا نحافظ عليها إلى الآن، واكتشفنا أنها جثثاً محنطة لا يبلغ تاريخها قدم التاريخ المصري وإنما يعود تاريخها إلى 2800 - 2400 سنة من الآن، وكان ذلك بدليل الكربون المشع. وذلك أننا بعثنا بنماذج من الكتان ونماذج من الجلود التي حنطت بها هذه المومياوات إلى الولايات المتحدة. وعادوا لنا بهذه النتيجة.
ولكن القبور أو ما نسميها باليمن "بالجروف"، وهي النواويس التي كان يوضع فيها الموتى قبل الإسلام في اليمن هذه الجروف كثيرة وقد نبشت معظمها كما نبشت القبور في كل أنحاء العالم. ويقال إن القبور في مصر القديمة نبشت معظمها ولم يبقى منها شيء، ولا نستطيع أن نتحكم بمنع الناس من النبش وإن كنت أنا شخصياً كمسؤول عن الآثار في اليمن؛ أفضل ألا نمس هذه الجثث أبداً إلا إذا قيض لنا إمكانية التعامل معها باحترام.. قال تعالى وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ.
- الأستاذ الطيب فضل عقلان يقول: البحث عن الآثار، وصيانتها، والمحافظة عليها تتطلب جهداً ومالاً إن توفر الجهد يقف المال عائقاً لظروف اليمن والسؤال هناك دعوات للدول العربية والمنظمات الإسلامية والدولية للمساهمة في المحافظة على الآثار والتراث العربي اليمني؟
- الآثار آثار قديمة، وآثار إسلامية، والآثار القديمة هي ما تحدثوا عنه كما تحدث عنها الشيخ عبد المقصود، يعني المباني، المقابر، المدن القديمة، اللغة الأثرية غير الثابتة، عندما نعثر على بقايا الإنسان أو نعثر على أسلحة أو أدوات أو حلي وما أشبه ذلك، والآثار القديمة في اليمن كثيرة وكذلك الآثار الإسلامية، ومن الآثار الإسلامية أيضاً: ما هي آثار تتشابه مع القديم مثل المباني ولكن هناك أشياء تتميز بأنها آثار إسلامية مثل المساجد والمدارس وبعض التحصينات الدفاعية التي عملت على شكل الثغور الإسلامية وأيضاً أماكن البر والإحسان التي أقيمت في شتى نواحي اليمن.
طبعاً من الآثار أيضاً المخطوطات الإسلامية واليمن ذاخرة بهذا النوع من الآثار، إذن الآثار في اليمن كثيرة لأن بلاد اليمن استوطنت بكثافة عبر التاريخ وهذا الاستيطان جعل منها موقعاً أثرياً كبيراً فأينما تولي تجد آثاراً قديمةً إما آثاراً لما قبل التاريخ أو آثاراً من المرحلة التاريخية أو من الآثار الإسلامية، الناس تهدم البيوت القديمة وتبني بها بيوتاً حديثة، والحيّ كما يقال أفضل من الميت. ونحن نواجه مصاعب كبيرة في أن نحمي كل الآثار. ونحن لا نريد أن نحمي كل الآثار نريد أن نحمي معالم ونماذج وما تيسر لنا من ذلك. لا نستطيع أن نزيل مدينة صنعاء ونحفر عن آثار قصر غمدان داخلها؛ لأن قصر غمدان قد اندثر وقد بنيت مدينة صنعاء الحديثة عليه؛ لا نستطيع أن نحمي كل آثار مأرب، فآثار مأرب كثيرة جداً. لا نستطيع أن نحمي آثار وادي حضرموت، فآثار وادي حضرموت لا تعد ولا تحصى، ولكن لا بد أن ننقذ ما يمكن إنقاذه وحتى هذا القليل يصعب علينا حمايته، ذلك لأنه كما تفضلتم المال قليل وإن كان الجهد والنشاط موجوداً والخطط الموضوعة لحماية الآثار خطط كثيرة جداً والنشاط الأثري في اليمن على مستوى البعثات المحلية والأجنبية نشاط هائل ولكن كل ذلك لا يستطيع أن ينقذ الآثار اليمنية بين عشية وضحاها..
تذكر أن آثار مصر بدىء بحمايتها قبل 150 عاماً وكذلك آثار بلاد ما بين النهرين وآثار بلاد الشام أما اليمن فلم تخرج من كبسولة الزمن إلا قبل عدة عقود في هذا العصر ونحن نأمل أن نحصل على مساعدات جمة؛ ونحصل فعلاً أحياناً.
- الأخ علي محمد الشهري يقول: ورد ذكر "دومة الجندل" كمكان شرف في حياة بلقيس ومملكتها في فترة من الفترات أرجو إيضاح مدى العلاقة بين الاسمين والمكانين وفيما إذا كانا إمتدادين لبعضهما؛ البعض. إذ أنه أرتبط بأذهان الكثير أن بلقيس مملكتها هي خصوصية يمنية؟
- طبعاً تاريخ دومة الجندل تاريخ معروف، وليس هناك خلاف حوله بين العلماء. وزملائي من الأثريين السعوديين يعرفون ذلك حق المعرفة أن دومة الجندل كانت دائماً محطة تجارية ومدينة هامة في العلاقة لبلاد ما بين النهرين وبلاد الشام وبلاد الجزيرة عموماً، وأرتبط ذكرها بالسموأل أيضاً في العصر الجاهلي، في الحديث عن وجود ملكة سبأ في شمال الجزيرة هو حديث منتشر ومعلوم أيضاً بين العلماء.
وهناك من يعتقد بأن هذا هو الرأي الصواب؛ هو أن ملكة سبأ كانت في شمال الجزيرة وعلى مقربة من فلسطين، الشيء الذي تقصر عنه مثل هذه الأقوال هو عدم وجود أي دليل يدل ليس على الملكة ولكن على الأقل على حضارة سبئية، يعني حضارة دومة الجندل التي عرفت الآن بعد اكتشافها ودراستها حضارة متأخرة نوعاً ما، الناحية الثانية أنك إذا ذهبت إلى مأرب لوجدت كلمة سبأ في كل مكان مرسوم ومنقوشة بخط المسند، ولو ذهبت إلى الحبشة لوجدت ذكر ملكة سبأ مرة أو مرتين بنقش أو نقشين ومتعلق ذلك بشيء من قضايا اليمن، وإذا ذهبت إلى شمال الجزيرة لن تعثر على كلمة سبأ، ولا ننسى في القرآن الكريم لَقَدْ كَانَ لِسَبَإِِ فِي مَسْكَنِهِمْ ءَايَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وشِمَالٍ كُلُوا مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌ غَفُورٌ. فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ.. يعني الإشارة إلى السد العظيم أنه في بلاد اليمن وجئتكم من سبأ بنبأ يقين إني وجدت امرأةً تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم لا نجد عرشاً عظيماً في هذه المناطق التي يمكن أن يقال إن ملكة سبأ كانت فيها إلا في اليمن، لو ذهبتم إلى منطقة مأرب لوجدتم آثار قصر سلحين وآثار معبد أوام وآثار معبد برآم وهي آثار ضخمة وآثار الجنتين مازالت ماثلة للعيان وآثار الصدفين مازالت قائمة كأنها فرغ صاحبها منها بالأمس، يعني أمام هذه الأدلة الكثيرة الماثلة أمامنا إلى اليوم يصعب علينا أن نعتقد أن ملكة سبأ كانت في مكان آخر، ومع ذلك ربما كانت سبأ هي غير سبأ، والله أعلم.
- الأخ محمد سعيد عبد الله يقول: من بنى سد مأرب ومتى وكيف كانت نهايته التاريخية؟
- كان يحلو في أيام التفاخر - كان يحلو للعدنانية - أن تقول للقحطانية من أنتم أهل اليمن؟ لقد خرب سدكم فأر، وحكمتكم امرأة، ودل عليكم هدهد..
سد مأرب طبعاً عندما أراد الله له أن ينكسر أنكسر وفي ذلك عبرة. ولكن الله يخلق السبب ويخلق أيضاً المسبب، السد الغرض منه هو تحويل المياه إلى الأراضي الزراعية، إلى الجنتين، الجنة اليمنى والجنة اليسرى، في أسرع وقت ممكن وليس لخزن المياه. ولكن هذا السد بعد خمسين سنةً أو مائة عام لابد أن يمتلئ بالطمي، وعندما يمتلئ بالطمي يحتاج إلى أن يتطهر، وكان السد ينكسر تقريباً كل مئة عام عندما يمتلىء بالطمي فيتركونه يتطهر حتى يخرج التراب من داخله، ثم يرجعون مرة أخرى ويصلحون السد ويعيدونه سوياً كما كان حتى يمكن للسد أن يعمل مرةً أخرى.
ولكن في القرن السادس ولا ندري تماماً في أي تاريخ بالضبط ولكنه في القرن السادس الميلادي، في القرن الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم نعرف أن سد مأرب تفجر، وكان تفجراً رهيباً وتفجراً كبيراً، حتى يكون ذلك التفجير الأخير أبلغ في العبرة، ومنذ ذلك الحين لم تقم لسد مأرب قائمة، وحتى عندما بني سد مأرب الجديد بني في مكان آخر يبعد عن موقع السد القديم حوالي خمس كيلومترات، والسد الحديث هو سد لخزن المياه، أما السد القديم فقد كان سداً لتحويل المياه، هذه هي الأخبار الأثرية عن سد مأرب، أما كتب التراث فمملؤة بالأخبار منها ما هو صحيح ومنها ما فيه مبالغة وحيف. ولكن آثار السد مازالت قائمة ومدعوون جميعاً لزيارة هذه الآثار.
- الأستاذ عثمان مليباري يقول: تعلمون أن الحكم التركي دام في فترته الأولى 97 سنة كما دام الحكم التركي في فترته الثانية أكثر من 46 سنة، سؤالي: ماذا ترك الحكم التركي من آثار في اليمن السعيد؟
- ترك آثاراً كثيرةً، ترك مثلاً حصوناً وقلاعاً عديدةً هذه من الناحية الأثرية، وترك أيضاً مباني للجيش التركي وترك أيضاً نظاماً إدارياً أستعمل الإمام يحيى جزءاً منه طيلة حكمه لليمن، وترك كلمات كثيرة مازلنا نستعملها إلى اليوم في اللغة وفي اللهجة اليمنية الحالية، وترك بعض الأطعمة التي ورثناها عن الأتراك وما زال يحلو لنا أن نطبخها حتى اليوم في اليمن بالإضافة إلى كثير من الحلويات.. شكراً.
- الأستاذ مصطفى عطار يقول: لعلنا لا نثقل على عالمنا وأستاذنا الدكتور يوسف إذا رجوناه أن يحدثنا في نقاط موجزة عن أستاذ من الأساتذة العلماء تركوا بصمات في ذاكرته بأخلاقياتهم العالية وأستاذيتهم المتميزة؟
- من الأحياء والأموات.. أنا أذكر بالخير من الذين توفوا ما ذكره زميلي وصديقي العزيز العلاّمة الأثري السعودي البارز الدكتور سعد الراشد، أذكر أستاذي المتوفى الدكتور محمود الغول وكان هذا الرجل خريج الكلية العربية بالقدس وخريج جامعة القاهرة وخريج جامعة لندن، كان يتقن اللغة العربية إتقاناً لا حد له، وكان يعرف الإنجليزية ويتحدث بها كأهل بلدتها، وقد تزوج ألمانيةً ولم يكن له منها سوى ابنة واحدة، كان هو يتكلم بالمنزل مع ضيوفه العرب بالعربية وكانت امرأته تتحدث مع ضيوفها من الأوروبيين بالألمانية ولم تتقن ابنته سوى اللغة الإنجليزية وإن كانت تعرف شيئاً من العربية وشيئاً من الألمانية، وعجبت لذلك ولكن ما أعجبني أكثر أنه بعد هذا العمر الطويل وبعد إتقانه للغات عديدة قديمة وحديثة يتحدث بلهجات فلسطين لهجةً لهجة، وكأنه آتٍ من هذه القرية أو تلك، وهو الرجل الذي نبهني إلى أن هناك آثاراً وإلى أن هناك نقوشاً قديمةً وهو الذي أهداني مجموعة جامعة الرياض من النقوش الصفوية كما ذكر الإخوان.
- المهندس عبد الوهاب بترجي يقول: هل نقوش الزبور التي ذكرت اليوم من كتب الله سبحانه وتعالى التي ورد ذكرها في القرآن الكريم؟
- وهذا أيضاً سؤال آخر من الصديق الدكتور أحمد الزيلعي: ما الجديد في دراساتكم واكتشافاتكم في ما تسمونه (بخط المسند اللين أو الزبور) الذي يستخدم للأغراض اليومية وينقش على الخشب؟
 
- هناك عدة مقالات صدرت وستصدر، فيها نشر لنقوش جديدة مكتوبة بهذا الخط الجديد ولكن آخر كتاب صدر بهذا الشأن هو هذا الكتاب "نقوش خشبية قديمة من اليمن" وقد أشار إليه أحد الإخوان وهو بالعربية والفرنسية ويتحدث عن اكتشاف كتابات، يعني الأثريون يكتشفون دوماً، الدكتور سعد الراشد وأنا أقابله بعد سنين طويلة في هذا اليوم أهداني كتاباً في نقوش عربية بما يسمى "بالخط الحجازي" أو ما يسمى "بخط مكة والمدينة" من القرن الأول والقرن الثاني للهجرة. فيها أبيات شعر، وفيها آيات قرآنية، يعني هذه من أقدم الوثائق التي كانت ومازالت موجودة ونشاهدها على الصخور والحجارة، أن ترى بيتاً من الشعر مكتوباً على صخرة من الصخور كما كان في القرن الأول الهجري وهذا ليس بالأمر السهل؛ لأن كل ما وصلنا منسوخ مخطوط أو بالرواية لكن أن نرى هذا البيت الشعري مثلاً من القرن الأول كما كتبه أصحابه في القرن الأول الهجري، هذا لعمري اكتشاف عظيم، وأنا أهنئه على هذا الجهد الممتاز ونشره لهذه النقوش العربية الإسلامية التي عثر عليها في المدينة..
 
نحن في اليمن عثرنا على كتابات مكتوبة على عسيب النخل وعلى قطع من الخشب، ومحفورة بآلة حادة كأنها كانت تحمى وعليها مادة صمغية ثم تغرز في صفحة من صفحات جريد النخل أو العسب لتبدو لنا كتابة غريبة جداً، وظللت شخصياً مع بعض زملائي من العلماء عدة سنوات نحاول أن نفك رموز هذه الكتابة التي نجدها مكتوبةً على جريد النخل، واهتدينا بعد ذلك إلى أنها الكتابة اللينة السهلة الخفيفة السريعة أو الخط الغفل للكتابة التي نسميها بخط المسند يعني تشبه الكتابات الصفوية والثمودية التي عثر عليها في شتى أنحاء الجزيرة ولكنها ليست هي إياها، بشبهها في الخفة والليونة ولكنها أكثر تطوراً بحيث أنك في النهاية تستطيع أن تربط بينها لتصبح حروفاً موصولة وكنت كلما أقرأ بيت الشاعر امرىء القيس:
لمن طلل أشجيته فشجاني
كخط الزبور في العسيب اليماني
 
أو كخط زبور في عسيب يماني.
كنت أقول ما هو هذا "العسيب اليماني" الذي يكتب عليه بخط الزبور؟ هل هناك عسيب يماني وعسيب حجازي؟ العسيب هو العسيب، جريد النخل هو جريد النخل، ولكن عندما رأيت هذه الكتابات تبادر إلى ذهني أن البيت ربما يمكن أن يُقرأ.
لمن طلل أشجيته فشجاني
كخط زبور في عسيب يماني
(كخط زبور يماني في العسيب)
أو كخط الزبور اليماني في العسيب
 
وبهذا أهتديت إلى أن هذا الخط من الخطوط - طبعاً بمشاركة كثير من الزملاء - ولكن هذا سبب التسمية، وهو أنني اهتديت إليه من هذا البيت من الشعر. ثم جمعت كل ما يتعلق بكلمة (زبور) و (زُبُر) ومشتقات هذه اللفظة في اللغة العربية ووجدت هذا اللفظ من اللفظات العربية التي تحشد حوله الكلمات المشتقات. وأن زَبَرَ بمعنى (كتب) أو وضع صفاً من الحجارة أو وضع خطاً أو وضع حبلاً من الطين مستقيماً أو حديداً مستقيماً..
 
كلها تدور حول معنى واحد أن هناك شيء ممتد أو على شكل خط أو يصف صفاً، كل الألفاظ بهذا المعنى وأن اللفظ كان معروفاً عند العرب وأنه لا يقتصر على صحف داود وكتاب الله عز وجل وإنما يعني الكتاب أم لهم براءة في الزبر، ويعني الشيء المكتوب..
وعرفت أيضاً من المصادر اليمنية ككتب الهمداني أنهم تحدثوا كثيراً عن نوعين من الكتابة نوع يسمى "المسند" ونوع يسمى "الزبور" ويقولون: زَبَرْنَا.. قد كتبنا مسانداً في ظفار.. وكتبنا أيضاً كذا وكذا في الزبور.. ووجدنا في زُبُرِ حِمْيَرْ.. يعني في كتبهم..
وحشدت كثيراً من الألفاظ وكثيراً من الشواهد اللغوية بهذا المعنى وسأترك نسخة من هذا الكتاب هنا لدى الشيخ عبد المقصود. ومن أحب منكم ربما نبعث له نسخة في المستقبل ليرى أن تسمية هذا الخط بخط الزبور لم يكن تعسفاً، وإنما كان اليمنيون القدماء يسمونه خط الزبور بل إننا وجدنا في هذه النقوش نفسها كلمة زبر بدل كتب وكلمة سطر كما تستعمل في نقوش المسند أو تستعمل في النقوش الأخرى في الجزيرة..
إذن نحن أمام اكتشاف جديد، وخط جديد اسمه خط "الزبور" مثل خط المسند ليست تكتب به الأعمال الجليلة مثل الخط الكوفي أو خط المسند في الخطوط القديمة، وإنما نحن أمام خط لا تكتب به الأعمال الجليلة وإنما المعاملات اليومية والمراسلات وقد نشرت عدداً من هذه النقوش وبلغتها الجديدة وبلغة غير معهودة لدينا وهي لغة ليست لغة النقوش التذكارية القديمة وليست لغة النقوش الصفوية أو الثمودية التي هي أقرب إلى العربية اليوم.. هذا موضوع طويل وهو من أواخر ما اكتشفت من الآثار في اليمن؛ وعملت على نشره وحاولت أن أؤصله في التراث العربي والتراث الإسلامي وإن كان عملاً من أعمال الجاهلية.
- السؤال الأخير من الأستاذ عطية محمد يقول: داخل صنعاء القديمة آثار جميلة ومنها سوق الملح ما سبب هذه التسمية وإلى أي زمن تنسب هذه التسمية؟
- أنا لا أعرف أن أجيب على هذا السؤال كما لا أعرف الإجابة متى سمي بسوق الملح ولكن أعرف شيئاً واحداً أن هذا السوق نال من العناية الشيء الكثير حتى من العلماء إذ أن هناك عالماً نمساوياً؛ أسمه "دوستال" وهو حي يرزق كتب في السبعينات كتاباً مستقلاً عن سوق صنعاء وبذلك أَرَّخَ لهذا السوق ووضعه على الورق، وضع تاريخه على الورق؛ كما كان عليه قبل أن يتأثر تأثراً كبيراً بالعادات الأخرى، وبالبضاعة الآتية من جنوب شرق آسيا..
ومن حسن الحظ أن جامعة الملك سعود قد ترجمت هذا الكتاب وشرفتني بأن أقرأه وأن أصحح الترجمة وهو منشور الآن باللغة العربية، ومن أراد أن يستزيد ويعرف شيئاً عن سوق صنعاء فليقرأ كتاب "سوق صنعاء" الذي ألّفه هذا العالم النمساوي وترجم في جامعة الملك سعود وهو منشور وموجود في المملكة..
ولكن متى سمي بسوق الملح، وهو يجمع أسواقاً عديدةً، من الملح إلى جميع البهارات وربما من الإبرة إلى الصاروخ.
عريف الحفل يختتم هذه الأمسية
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1022  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 186 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج