شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(4) ابنتي الحبيبة شيرين
سيبدو كل شيء رائعاً في ضوء آمالك المليئة بالأحلام، وستجدين أن مقداراً من التعب ضروري للشعور بالراحة.. إن الإذعان للواقع ليس دليل الرضا..
ماذا في وسعنا جميعاً أن نصنع؟ إنها الحياة.. ماذا تعنيه.. تعب متصل؟! والراحة؟.. والهناء؟ والسعادة؟.. فترات من الأحلام.. تشبه خيوطاً من النور.. إنه عصر عجيب يعي فيه الطفل حكمة لقمان قبل أن يحتاج عقله الصغير لأول رقعة.. ومن أين يحصلون على هذا القدر الوفير منها؟ من الواقع.. هذا العذاب الذي يحمل كل إنسان نصيبه منه.. إنها صورة من صور الاستشهاد.. كل إنسان شهيد في سبيل أن يظل واقفاً بعض الوقت.. إلى أن تخور قواه..
تمت عزلتي الآن.. ولم تعد لي علاقة بأحد.. إلا بالمقدار الذي لا يزيد عما يتهيأ لأي نزيل في فندق صغير.. وفي معظم الحالات كما يتهيأ لتلميذ يستأجر غرفة في بنسيون ولا يدفع الإيجار بانتظام..
إننا في سفينة أو أتوبيس.. وكل الفرق أن الرحلة أطول.. إني أشعر بضغط الوحدة.. شعوراً مخيفاً.. أراني غريقاً.. أتخبط وأرسل صرخات الهلع.. وأسمع أصوات ضحكات السخرية ممن يتظاهرون بإنقاذي.. إنني أحلم في واقعي هكذا.. فظيع أن يتحول واقعنا إلى أحلام تفيض بالفزع..
إنها أقدارنا.. الأقدار التي تدع لنا حريتنا في أن نسير.. ولكن إلى حيث تريد..
بدأ الخريف هنا وبدأت الأوراق تتساقط كما تتساقط أحلامنا في الفراغ الرهيب.. وغداً يزحف الشتاء ويلقي ظلاله الجامدة.. إن كل شيء يتحطم إذا لم يبق في حياتنا ما نتطلع إليه..
أبداً.. أبداً لم أعد أقوى على احتمال هذا الشقاء وحدي بلا مُعين.. إنني أبدأ الفكرة ولا أعرف كيف أتمها.. وفي الليل عندما يهدأ كل شيء وينام أظل أنا كالآلة الدائرة تدور إلى غير نهاية.. كانت هناك أعمالي الضائعة في الأوراق.. أين هي؟! إنها منذ حرمت القدرة على العمل.. تنتظر من يجمع شتاتها عبثاً.. وكل يوم يمر يزيد الأمر غموضاً.
إن الحياة هي التحول.. التحول هو الذي يعطينا الشعور بالانطلاق وبأننا أحياء.. حياتنا دائماً بحاجة إلى شيء صغير يعطيها الشعور بالتحول.. أين هو هذا الشيء الصغير في أية صورة ممكنة؟
لا شيء يعبِّر عن الحياة والزمن والانطلاق.. يا له من سجن رهيب هذا الذي أنا فيه..
لا أريدك أن تحزني من أجلي يا ابنتي الحبيبة.. سيجيء اليوم.. الذي أعتاد فيه على الظلام الدامس.. الذي فرضته الأقدار عليّ..
أقبلك بشوق أيتها الحبيبة وأرجو أن أراك قريباً إن شاء الله.
والدك
حمزة شحاتة
 
طباعة

تعليق

 القراءات :652  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 99
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[صفحة في تاريخ الوطن: 2006]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج