شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان))
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد، أيها السادة، أيتها السيدات، الحفل الكريم، أولاً أشكر الله عز وجل، ثم أشكر لراعي هذه الاثنينية الشيخ عبد المقصود خوجه رعايته واستضافته للعلماء الأعلام، والاهتمام بهم، والتنويه بفضائلهم.
ضيف الاثنينية الأستاذ الدكتور فاروق حمادة، لا أتحدث عنه ثناءً، لكن أتحدث عن شخصيته العلمية، من خلال مؤلفاته، فقديماً قيل: كتاب المرء دليل عقله، ومقدار فضله. كما نقل الفيلسوف المفكر الكبير سامي النشار، في كتابه "فلسفة الفكر الإسلامي" عن الإمام ابن تيمية، قال: إذا توسعت العقول، توسعت التصورات، وتوسعت التعبيرات، وإذا ضاقت العقول، ضاقت التصورات، وضاقت العبارات.
ضيف الاثنينية الأستاذ الفاضل الدكتور فاروق حمادة، من الأعلام الذين انتشر نتاجهم في العالم الإسلامي والعالم العربي خصوصاً، وتطفلت عليه أجيال، وأقول معترفاً بأني أحد المتطفلين على نتاجه العلمي، وستأتي المناسبة لذلك، فأنا قريب إلى كتبه، كثير الاطلاع عليها. عندما قدمت لنا الاثنينية جزى الله صاحبها خيراً، والقيّمون عليها، قائمة لبعض عناوين مؤلفات الدكتور فاروق حمادة، وليس كلها، فإن أول ما لحظنا فيها، تعدد الاهتمامات؛ فهو يتكلم ويبحث في أمور القرآن وأمور السنة، ولم يقف عند هذا الحد، بل مزج معاملته في الأصلين الكتاب والسنة بحياة المجتمعات الإسلامية، وبكياناتها، وبسر تقدمها وسر تأخرها، وتكلم عن الحضارة، وتكلم عن أشياء كثيرة جداً، ولهذا فإنني أفتقد في هذه القائمة كتاباً من أهم الكتب، تطفلت عليه الأجيال، والفائدة فيه لأجيال وأجيال المتعلمين، ألا وهو منهج البحث في الدراسات الإسلامية، تأليفاً وتحقيقاً. أريد أن أقص عليكم قصة، فالمعلم القديم يحاول دائماً أن يجتار حياته الماضية: في أحد الأيام، وفيما كنت أدرّس طلاب الدراسات العليا مادة قاعة البحث، أتيت لهم بكتابين، كتاب منهج البحث في الدراسات الإسلامية، ومنهج البحوث في الدراسات الإسلامية، وقدمتهما للطلاب قائلاً لهم: لقد ذهبت إلى بعض المكتبات، ووقع نظري على الكتاب، والكتاب سبق وأن قرأته وهو موجود في منزلي، فمن يستطيع أن يقرأ هذا الكتاب، ويزكيه، لأن يكون كتاب درس لنا أو لا يزكيه، فانبرى أحد الطلاب قائلاً: كل شيء في هذا الكتاب إلا منهج البحث في الدراسات الإسلامية. وأنا أعرف أن الدراسات الإسلامية، إن لم تكن منعدمة فهي نادرة في كتابة المناهج، لأننا تقليديون، ولأننا لا نحاول أن نطلع على ما كتب عنه الآخرون، وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية، إذا اتسعت العقول والتصورات، اتسع التعبير، وإذا ضاقت العقول، ضاق التصور وضاق التعبير.. فقدمته للطالب المتطوع، ومنحته أسبوعاً كاملاً ليقرر في شأن تزكية هذا الكتاب أو عدم تزكيته، فقال: وجدت فيه كل شيء، إلا منهج البحث في الدراسات الإسلامية. وبعد ذلك بدأت أناقشه، إذا لم أسلّم بكلامه هذا، وبدأنا نقرأ في الفهم.. الكتاب هذا عبارة عن المقدمات التي تكتبها الكتب القديمة، وتشمل تعريف العلم، وفائدته، ومصدره.. وتبلغ عشر نقاط، فجاء من كتب الفقه ووضعه معها، هذا هو المنهج.. فجئت وقدمت لهم كتاب منهج البحث في الدراسات الإسلامية، تأليفاً وتحقيقاً، وبالصورة نفسها، وقلت لهم: وجدت هذا الكتاب، من يتبرع بدراسته، في الأسبوع القادم؟ وكان أن تناقلوا الكتاب، وكانت تزكية هذا الكتاب ليكون كتاب درس، وكتاب بحث، في قسم الدراسات العليا. وهنا أريد أن أقرأ من هذا الكتاب بعض العبارات ذات الدلالة، كقوله مثلاً: "كتاب المرء دليل عقله ومقدار فضله"، فهنا من جملة هذه الأشياء يقول: "فينبغي للعالم أن يتوافر على التصانيف، إن وفق للتصنيف المفيد، فإنه ليس كل من صنفَ صنف، وينبغي اغتنام التصنيف في أوائل وسط العمر، لأن أول العمر زمن الطلب، وآخره كلال الحواس". لقد استفدت في الواقع من هذا الكتاب في أكثر من ندوة، ونقلت منه عبارات، ولهذا سأقرأ عليكم بعض هذه العبارات؛ يقول العلامة ابن الجوزي -والتوثيق من كتاب منهج البحث في الدراسات الإسلامية للدكتور فاروق حمادة، ويبدو أن الدكتور أول من أخذ بهذه التوصية: "رأيت من الرأي القويم أن نفع التصانيف، أكثر من نفع التعليم مشافهة، لأنني أشافه في عمري عدداً من المتعلمين، وأشافه في تصانيفي خلقاً لا يحصى، فينبغي للعالم أن يتوفر على التصانيف، إن وفق بتصنيف مفيد، لأنه ليس كل من صنفَ صنف" (فاروق حمادة، منهج البحث في الدراسات الإسلامية). وينقل أيضاً كلاماً لأبي بكر العربي رحمه الله: "ولا ينبغي لحصيف يتصدى لتصنيف أن يعدل عن غرضين؛ إما أن يخترع معنى، أو يبتدع وضعاً ومبنى، وما سوى هذين الوجهين، فهو تسويد الورق، والتحلي بحلية السرق، ثم بعد ذلك ينقل -الإنسان والتوثيق من منهج البحث في الدراسات الإسلامية لفاروق حمادة، الإنسان في فسحة من عقله، وفي سلامة من أفواه الناس، ما لم يضع كتاباً أو يقول شعراً، وقال العساف: من وضع كتاباً فقد استشرف للمدح والذم، فإن أحسن فقد استهدف للحسد والغيبة، وإن أساء فقد تعرض للشتم، واستقذف بكل إنسان، وآخر ما أحببت، وهذه الصفات قبل أن يقدمها المؤلف لطلاب العلم والبحث، وللأساتذة، فهو قد أخذ نفسه بها، وفي الملكة العلمية للكتابة"، وهذا كله في كتاب البحث العلمي. وينقل عبارة لابن خلدون: "إن الحذق في العلم، والتفنن فيه والاستيلاء عليه، إنما هو بحصول ملكة في الإحاطة بمبادئه، وقواعده، والوقوف على مسائله، واستنباط فروعه من أصوله، وما لم تحصل هذه الملكة، لم يكن الحذق في ذلك المتناول حاصلاً". هذه بعض المقتبسات من كتاب فضيلة الأستاذ الدكتور فاروق حمادة، والكتاب يعالج بعمق منهجية البحث في الدراسات الإسلامية بعمق، وهي بحوث أصيلة ندر أن توجد بين الكاتبين.. إن أستاذنا الدكتور فاروق حمادة، قد جمع بين الأصالة والمعاصرة، لذلك هو يتحدث إلى طلاب الفقه، ويوصيهم به الفقهاء سابقاً، وهذه هي الفجوة بين فقهاء العصر الحاضر، وواقعات المجتمع، والدكتور فاروق في هذا الكتاب، يقول في أكثر من مناسبة: "من ربط المعرفة والبحث بالزمان والمكان، كذلك مراعاة الطول والقصر في البحث، فتطويله في أيامنا هذه يقلل من الاستفادة منه، وكذلك كان في ما مضى، فكم من كتاب اضطر العلماء إلى اختصاره لطوله، فضاع الأصل وعدم وبقي المختصر واحترم".. هذه بعض الوصايا وهي كثيرة. بالنسبة لطالب الدراسات الإسلامية، فإن محاضرنا في الحقيقة قد جمع بين الأصالة والجدة، وأستطيع أن أقول بين الأصالة والمعاصرة في مؤلفاته؛ فالأصالة تظهر في اعتماده على الكتاب والسنة، وعلى التراث الإسلامي في السابق، وتجده يعيش العصر والوقت الحاضر، لما حواه ضيفنا الأستاذ الدكتور فاروق حمادة من علم ومعرفة؛ فقد انتشر فضله في العالم الإسلامي، ولهذا كان يخطب، ويستدعى من المؤسسات العلمية الرفيعة.. جائزة الأمير نايف العالمية للسنّة والدراسات الإسلامية، طلبت حضوره، وتشرفت في لجانه العلمية في أكثر من مناسبة واستفادت، ومثل ذلك جائزة الملك فيصل العالمية، وآخراً ليس أخيراً، أن دولة الإمارات العربية استقطبته، وأرادت أن تستفيد منه، لماذا؟ لأن قومنا كما أن بلادهم أصبحت مركزاً مالياً عالمياً، يريدون أن تكون الإمارات مركزاً علمياً عالمياً، وهذا ليس بغريب، وأخيراً، فإن الأستاذ الدكتور فاروق حمادة، أكاديمي بالمعنى الحقيقي، وإذا أردنا أن نطلق على شخص ما لقب أكاديمي، فهو أكثر من يستحقه، لأن ملء عباءته الموضوعية، بحيث لا ينحاز إلى طرف دون آخر؛ والمنهجية، لأنه يسير بفكر معين، وهذا ما لمسناه في كتاباته، فالمرونة الفكرية، فالبحث كما قال الشاعر:
بليت بلى الأطلال إن لم أقف بها
وقوف شحيح ضاع في الترب خاتمه
هذا هو ضيف الاثنينية من خلالي، ولو أردت أن أتحدث عن صفاته العلمية، وصفاته الخلقية، وتواضعه العلمي الرفيع، لقلت إنه أنموذج فريد وأكاديمي بكل معنى الكلمة، يقتدى ويحتذى به.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :666  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 80 من 199
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج