شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
تمهيد
لا بد لنا من أن نقدم بكلمة مختصرة بين يدي البحث الخاص بعلاقة محمد علي باشا بمكة لنعرف شيئاً عن تكوين حكومة محمد علي في مصر.
ولا بد لذلك من استعراض الحوادث من عهد محمد علي بك الكبير ((بلوط)) إلى عهد محمد علي باشا جد العائلة الخديوي السابقة في مصر.
ويبدأ تاريخ محمد علي بلوط بثورته في مصر على حكومة العثمانيين وكان من قواد جيشها وذلك سنة 1180 وكنا قد رأينا في عام 1183هـ الأشراف من ذوي بركات يستمدون عونه ضد خصومهم من ذوي زيد في مكة على أثر انتصاراته في مصر فيندب لنصرتهم بعض جيوشه على النحو الذي أسلفناه في عهد العثمانيين الأول.
وقد ظل هذا القائد على أمره في مصر حتى توفي سنة 1187 فتولى الأمر بعده ابنه أبو الذهب إلى أن نشبت الاضطرابات بينه وبين بعض مناوئيه على الحكم وعمت الفوضى في البلاد ونهبت بعض بيوت الأوروبيين فتذرع الفرنسيون وجردوا حملة قوية على مصر واستطاعت هذه الحملة بعد مناوشات طويلة بينهم وبين مصر أن يحتلوها بحجة إقرار الأمن سنة 1213 وقد فصلت تواريخ مصر أحداث ذلك في فصول مطوّلة لسنا في سبيلها في هذا البحث.
وظل حكم الفرنسيين في مصر إلى عام 1216 ثم أجلاهم عنها جيش أرسله العثمانيون لاستخلاصها منهم، وبجلائهم عاد الحكم فيها إلى العثمانيين تحت ولاية خسرو باشا.
ولم يدم أمر العثمانيين طويلاً لأن الفتن ما لبثت أن نشبت بين الجيش الفاتح ورؤسائه بسبب تأخير الرواتب، ثم تطور الأمر في أوائل عام 1220 حتى عمت الفوضى البلاد.
وفي هذه الأثناء كان محمد علي باشا -جد العائلة الخديوية السابقة في مصر- يقيم مع رجال الجيش في رتبة وكيل لرياسة إحدى فرق الجيش، فلما رأى ازدياد الفوضى عمد مع فرقته من الألبان إلى امتلاك القلعة وأقام فيها ساهراً على إخماد الفتن. وأدرك رؤساء العسكر وأعيان البلاد أن من الخير أن يلتفوا حوله لإنقاذ البلاد من الفتن ثم ما لبثوا أن أجمعوا على اختياره لولاية مصر ونادوا باسمه في البلاد في صفر من السنة نفسها ثم كتبوا بذلك إلى السلطنة العثمانية فوافاهم التأييد.
إلاّ أن بعض مماليك الأتراك عزّ عليهم ذلك فاتصل بعضهم بالإنكليز ليتوسطوا لهم لدى الباب العالي في نقل الولاية إليهم فنجحت الوساطة وأرسلت الدولة العثمانية أسطولاً مسلحاً لعزل محمد علي فثار بعض أعيان مصر ضد ذلك العزل وكتبوا إلى دار السلطنة يطلبون تأييد محمد علي فوافتهم الموافقة في العام نفسه 1221.
واستاء الإنكليز لفشل وساطتهم فأرسلوا أسطولهم إلى الإسكندرية فتملكها ثم تقدم الإنكليز إلى رشيد فانهزموا ثم اتفقوا على الصلح مع محمد علي باشا وعادوا إلى بلادهم وبقيت مصر تحت ولاية محمد علي.
وعلى هذا فكر محمد علي في ضرورة تقوية الجيش وترقيته شؤون البلاد فأسس المصانع الحربية وبنى المدارس وأصلح أحوال الزراعة والتجارة وخطا بمصر خطوة جريئة نحو التمدن والحضارة.

محمد علي باشا

وفي هذه الأثناء كلف العثمانيون محمد علي باشا بإرسال حملة إلى الحجاز لإجلاء السعوديين عنها فتردد بعض الشيء كما ذكرنا إلى أن مكّن لنفسه في مصر ثم حشد جيشه من الأتراك والمصريين وأرسله تحت قيادة ابنه طوسون لاستخلاص الحجاز في عام 1226 فلم ينجح كما أسلفنا وعاد إلى القصير ينتظر إمداد والده، ليستأنف كرَّته على السعوديين.
وقد جهز له أبوه جيشاً في آخر شهر المحرم عام 1127 فاستطاع أن يستأنف به احتلال ينبع ويجعل منها مستقراً لقيادته يتلقى فيها الإمدادات من أبيه ويترتب خططه الهجومية.
ومن ثم شرع يكتب سراً إلى غالب في مكة وكبار مشايخ حرب ورؤساء القبائل حتى استوثق من معاونتهم وحتى جاءت الأنباء من غالب في مكة أنه سيعمل من جانبه لنصرتهم ضد السعوديين.
وأخذت قيادة الجيش المصري تصب أموالها وهداياها للعربان في ينبع والبوادي صبّاً، فمن ذلك أنهم أعطوا كبير مشايخ حرب مائة ألف ريال فرنساوي لتوزيعها على القبائل وقد خصه من ذلك بثمانية عشر ألف ريال ورتبوا له رواتب شهرية كانت تصرف له دون إبطاء فخفت قبائل حرب لمساعدة المصريين وتقدم رجالهم أمام الجيش حتى أدخلوهم المدينة في 2 ذي القعدة من السنة المذكورة عام 1227 بعد أن قبضوا على أميرها السعودي علي بن مضيان (1) .
زحف فريق من الجيش من ينبع إلى جدة فوصلها في أوائل المحرم 1228 وقد احتلها بمساعدة الأيدي التي كانت تعمل في الخفاء للشريف غالب وبذلك هربت حامية قلعة جدة من النجديين ثم استمر الزحف حتى دخل المهاجمون جدة فمكة فاستقبلهم غالب فيها بعد أن فرت حامية النجديين إلى الطائف وكان عبد الله بن سعود قد انحاز في هذه الأثناء إلى الخرمة شرقي الطائف (2) ورابط بجيوشه فيها وترك الجيش المصري يواصل زحفه في مدن الحجاز.
ومضى الزاحفون إلى الطائف فاشتبكوا مع النجديين ومن والاهم من القبائل في وقائع كثيرة يطول سردها، وكان عثمان المضائفي على رأس المدافعين عن الطائف كما كان الشريف غالب على رأس الزاحفين، وقد انحاز إليه كثير من القبائل في أطراف الطائف إلى بلاد زهران وغامد بعد أن تخلوا عن موالاة النجديين وثبت مع النجديين كثير من القبائل في جنوب الحجاز.
وفي هذه الوقائع قبض الشريف غالب على صهره عثمان المضائفي قائد الجيش النجدي فأرسله وأمير المدينة علي بن مضيان إلى مصر مأسورين ومنها أرسلا إلى تركيا فقتلا فيها.
وانتهت أخبار الانتصارات إلى مصر فأقيمت الزينات خمسة أيام وندب محمد علي باشا إلى الآستانة من يبلغ السلطان ذلك فدخل المندوب في احتفال كبير وهو يحمل بين يديه مفاتيح رمزية ليشير بذلك إلى أنها مفاتيح مكة والمدينة والطائف.
وعلى أثر ذلك توجه محمد علي باشا من مصر إلى مكة فاستقبله غالب فيها استقبالاً عظيماً وأنزله في دار بالشامية كان يقال له بيت باناعمه أو بيت العادة وأنزل ولده طوسون في بيت كان يقال له بيت السقاط أمام باب السيد علي نائب الحرم إذ ذاك وهو في الشامية أيضاً بجوار المدرسة العزيزية (3) .
وعلم الشريف غالب أن السلطات التركية باتت لا تميل إليه بعد خدمته للسعوديين وأن الجيش المصري الذي استعان به على إجلاء السعوديين أصبح يعمل في الخفاء للقبض عليه فأخذ حذره من ذلك وحاول أن يتحصن ضد المصريين مدة إقامتهم لئلا يقع في قبضتهم ولكن ذلك لم يغنه فتيلاً.
وشعر محمد علي باشا بصعوبة تحقيق أمر القبض على غالب وهو في مكة بين جنده وعتاده ومن يواليه من الأهلين والقبائل فاستعان بتدبير رجل كان يطوفه اسمه أحمد تركي فدبر الأمر على أن يخرج طوسون إلى جدة مغاضباً لأبيه ليسعى بينهما غالب في الصلح ومن ثم يعود طوسون نزولاً على حكم غالب إلى مكة وينزل في داره فلا بد من أن يذهب غالب إليه ليصحبه إلى أبيه فإذا اختلى الشخصان يدخل بعض الضباط ويقبضوا على غالب.
وقد جرى تدبير ذلك بإحكام وبه قبض على غالب ثم ما لبث أن زاره أحمد تركي ليطمئنه بالنتيجة وليقول له ليس في الأمر إلاّ أن تقابل الخليفة في تركيا ثم تعود إلى إمارتك ثم يقترح عليه أن يكتب إلى كبار أبنائه يستدعيهم إليه ليولي أحدهم مكانه إلى أن يعود فتجوز الحيلة ويكتب إلى أبنائه يستدعيهم فلا يكادون يتجاوزون الباب حتى يقبض عليهم وبذلك يأمن المصريون شر فتنتهم واستثارة الموالين لنصرة أبيهم.
وقد رحل غالب وأولاده إلى مصر فاستقبلوا فيها استقبالاً رسمياً ثم حازوهم في أحد القصور تحت حراسة من يراقبهم وبعد أن ظلوا عدة شهور صدر الأمر بترحيلهم إلى تركيا فأقاموا في سلانيك إلى وفاة غالب عام 1231 (4) .
يحيى بن سرور: وبخروج غالب وأولاده من مكة وقع الاختيار على أخيه يحيى بن سرور فنودي به أميراً على الحجاز في حفل رسمي على جري العادة وذلك في أواخر ذي القعدة عام 1228.
الترتيب الإداري: وأجرى محمد علي باشا على أثر تنصيب يحيى على إمارة مكة بعض تعديلات إدارية فجعل شؤون البادية إلى الشريف شنبر بن مبارك المنعمي (5) كما جعل شؤون الدفاع إلى حامية تركية مصرية يرأسها موظف من جيشه وأضاف إليه شؤون الأمن فكان ((محافظ)) ورئيس الدفاع وجعل المطوف أحمد تركي مستشاراً للمحافظ المذكور كما جعل مقر ديوانه في القصر الذي شيده محمد علي باشا أمام باب علي وقد سمي أخيراً قبل هدمه بيت باناجه وبذلك اجتمعت عدة سلطات في مكة لعدة أشخاص.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :464  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 178 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

عبدالله بلخير

[شاعر الأصالة.. والملاحم العربية والإسلامية: 1995]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج