شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خلافة العباسيين
وبهذا تحول الحق من أولاد علي إلى بني عمومتهم من أولاد عبد الله بن العباس، وقد اضطلع هذا العباسي ببث الفكرة في خراسان عام المائة من التاريخ الهجري ثم أرسل إلى بعض الأمصار، وما وافى عام 128 الهجري حتى كانت الدعوة العباسية قد تسلحت والتف حولها شيعة علي وبعض المتدينين والمحافظين -والمغبونين من الموالي والكارهين من رجال السياسة والمستنكرين من عامة الناس يتقدم صفوفهم أبو مسلم الخراساني الذي استطاع أن يستولي على خراسان وينشر راية العباسيين عليها.
ثم استأنف العباسيون أعمالهم في القتال في صورة توسعت كتب التاريخ في تفاصيلها حتى انتهوا إلى فتح دمشق في أواخر عام 132 وركّزوا رايتهم على أعلى سارية فيها، وبذلك دالت دولة بني أمية وصارت الخلافة إلى أبي العباس السفاح أول خلفاء العباسيين.
الدعوة للعباسيين في مكة: ونشط أخو السفاح أبو جعفر المنصور للدعوة للعباسيين في الحجاز فكان يأخذ البيعة لأخيه في مكة والمدينة، ولم يجد مقاومة تذكر إلاّ من بعض العلويين.
ظهور النفس الزكية في مكة واختفاؤه: وترأس هذه الفكرة في مكة والمدينة رجل من أفاضل العلويين من بني هاشم هو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب وكان معروفاً بورعه وزهده علاوة على شرفه وعلمه ولذلك لقبوه بالنفس الزكية.
ولم يجد هذا العلوي في تلك الأثناء من القوة ما يؤيد حقه فلم يفعل أكثر من أن يمتنع من إعطاء البيعة عن نفسه ثم يختفي (1) . ولعلّ العباسيين أدركوا أن عنايتهم بمطاردته ستشغلهم عن المهام الأولى للتأسيس فحاولوا استمالته إلى البيعة ووسطوا لذلك بعض بني عمومته ليرغبوه فيها بالمال والمصالحة فلما لم ينجحوا تركوه وشأنه ومضوا في تدعيم سلطانهم في الحجاز حتى استتب لهم أمر مكة والمدينة وقطعوا فيها دابر الأمويين بعد أن تغافلوا عن الممتنعين والمتهربين من أنصار النفس الزكية وأطلقوا المجرمين السياسيين من سجن العامل الأموي وفيهم سديف بن ميمون الشاعر المكي الذي دخل على السفاح وعنده سليمان بن هشام عبد الملك وقد أكرمه، فقال:
لا يغرنك ما ترى من رجال
إن تحت الضلوع داء دفينا
فضع السيف وارفع السوط حتى
لا ترى فوق ظهرها أمويا (2)
عمال العباسيين في مكة: ولما استتب الأمر للسفاح في مكة ولي أمرها ابن عمه داود بن علي بن عبد الله بن العباس في سنة 132 وأضاف إليه المدينة واليمن واليمامة (3) وقد عمل داود على تدعيم أمر العباسيين وأمر بإزالة بعض آثار بني أمية في مكة فأزال الفسقية التي جعلها خالد القسري بين زمزم والمقام والبركة التي كان الناس يتوضؤون منها عند باب الصفا وصرف ماءها إلى بركة أخرى بالقرب من المسجد في جهة أخرى.
ثم عزل السفاح داوداً وولى خاله زياد بن عبد الله الحارثي على مكة والمدينة واليمن وقد ظل والياً عليها سنة 136 ثم عزله وولى العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس وظل فيها إلى أن مات السفاح.
وممن ولى مكة للسفاح عمر بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد الخطاب العدوي.
وفي سنة 137 ولِّي الخلافة عبد الله أبو جعفر المنصور وعلى مكة العباس ابن عبد الله بن معبد ثم ولّيَ بعده زياد بن عبد الله الحارثي وكانت قد تقدمت ولايته في عهد السفاح وقد دامت ولايته إلى سنة 141 ثم ولّيَ الأمر بعده الهيثم بن معاوية واستمر إلى سنة 143 ثم عزل ووليها بعده السري بن عبد الله بن الحارث بن العباس بن عبد المطلب وقد استمر فيها إلى سنة 145 (4) حيث أجلته ثورة العلويين بقيادة زعيمها الثائر محمد بن عبد الله الملقب بالنفس الزكية.
عودة النفس الزكية: رأى الخليفة المنصور ألاّ يتهاون في شأن النفس الزكية وأخيه إبراهيم خصوصاً وقد وافته أنباء استئناف نشاطهما فانتدب لولاية المدينة رباح بن عثمان وأمره أن يأخذ أهلها بالشدة وأن لا يرحم علوياً من بني هاشم فيها وقد فعل فاشتط في معاملة الحجازيين وحبس كثيراً من العلويين.
وتعقب النفس الزكية وأخاه فلم يقف لهما على أثر وكان الأول لا يزال مختفياً في المدينة، أما إبراهيم فقد فرّ إلى البصرة ليدعو فيها إلى أخيه فلم يجد الوالي بداً من أن يزج بأبيهما في السجن وقد حلف ألاّ يطلقه حتى يدل على بنيه ولكن الأب كان أشد مراساً مما ظن رباح فقد بعث إليه ابنه النفس الزكية يستأذنه في التسليم فأبى (5) وأمره في المضي في دعوته إلى نهايتها فلم يجد بداً من أن يعلن الثورة قبل أوانها ويستعجلها قبل أن يتفق مع أخيه إبراهيم في البصرة على حركتها.
وما كاد أن يعلن الثورة حتى انضم إليه في المدينة أكثر أهلها وشايعه عليها الإمام مالك وأبو حنيفة ومن في طبقتهما من العلماء وتخلف القليل من الأهالي براً بأيمانهم التي سبقت في بيعة بني العباس، فساعد الإمام مالك في تذليل هذه العقبة بفتواه فقد قال لأهل المدينة إنما بايعتم مكرهين وليس على مكره يمين (6) فتحمسوا مع الثائرين حتى أجلوا والي المدينة عنها ثم سيَّر زعيم الثورة جيشه إلى مكة فافتتحها في عام 145 وأقصى السري بن عبد الله عامل بني العباس عنها وولى مكانه الحسن بن معاوية وهو من بني عمومته آل علي وفي رواية للزبير بن بكار أن المتولي هو والد النفس الزكية واسمه جرير بن معاوية. وامتدت الثورة إلى اليمن فاستخلصتها من حكم العباسيين كما اتصل خبرها بالبصرة فأسرع إبراهيم بحركته فيها وامتلكها.
ونشط المنصور العباسي لقمع هذه الفتنة فسير جيشاً عظيماً إلى بلاد الحجاز فهاجم المدينة واحتلها وقتل محمد النفس الزكية في 14 رمضان سنة 145 ثم مضى إلى مكة فتفرق العلويون يبغون النجاة وتركوها (7) .
وسيَّر المنصور جيشاً آخر إلى البصرة فقضى على حركة إبراهيم ثم عاد فتتبع ذيولها في خراسان والسند واليمن والجزيرة وبلاد المغرب ومصر حتى قضى على كل نأمة تدل على حياة العلويين في أمصار الإسلام وبهذا استتب الحكم مرة أخرى للخليفة العباسي أبي جعفر المنصور (8) .
العباسيون في مكة من جديد: وما استتب الأمر للعباسيين في مكة حتى أعادوا إلى ولايتها السري بن عبد الله حاكمها السابق ثم عزل سنة ((146)) وولّيَ حكمها بعده عم المنصور عبد الصمد بن عبد الله.
وشعر عبد الصمد أن فكرة العلوية لم تمت بموت صاحبها فنشط لمحاربتها ثم بلغه أن الشاعر المكي سديف بن ميمون لا يزال يشيد بها ضد العباسيين بعد الأمويين وقد بلغه قوله في هجاء المنصور.
أسرفت في قتل الرعية ظالماً
فاكفف يديك أخالها مهديها
فلتأتينك راية حسنية
جرارة يقتادها حسنيها
فكتب بذلك إلى المنصور فأمر المنصور أن يأخذ أصحاب الفكرة بالشده وأن يدفن سديف حياً ففعل عبد الصمد ذلك وظلت ولاية عبد الصمد إلى سنة 149 أو 150 وفي رواية عن ابن ظهيرة أنها دامت إلى عام 157 وكان عبد الصمد من عجائب المخلوقات فقد مات بأسنانه التي ولد بها وكانت قطعة واحدة في فكه الأسفل.
وولّيَ مكة بعده محمد بن إبراهيم الإِمام واستمر إلى سنة 158 وفيها توفي المنصور.
وفي خلافة المهدي ولّيَ مكة إبراهيم بن يحيى إلى سنة 161 ثم جعفر بن سليمان إلى سنة 166 ثم محمد بن إبراهيم الإمام مرة أخرى.
وفي خلافة الهادي وليها عبيد الله بن قثم وذلك سنة 166 أو 167.
وكان هؤلاء الولاة جميعهم من أولاد العباس وكان أكثرهم يليها مضموماً إليها الطائف وجدة وبعضهم ولِّيها مضموماً إليها المدينة كذلك (9) .
ثورة العلويين الثانية: ولم تخمد جذوة العلويين بالرغم من نشاط العباسيين فقد أهل عام 169 بحوادث جديدة استأنف فيها العلويون حركتهم في المدينة في مثل العنف الذي مضى أو أشد بزعامة رئيسهم الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان الحسين لا يملك ما يلبس إلاّ فروة ليس تحتها إلاّ قميص وقد وفد مرة على المهدي فأعطاه أربعمائة ألف دينار ففرقها ببغداد والكوفة (10) .
ومن أغرب المفارقات أن يقود الثورتين في مدى ربع قرن زعيمان من أولاد الحسن بن علي بن أبي طالب في مغامرة لا تتفق مع ما عرف به جدهما الحسن من حب المسالمة، وأغرب من هذا أن تلازم المغامرة هذا الفرع من أولاد علي فنجدهم على الدوام ثواراً لا تهدأ لهم حركة حتى تقوم على أنقاضها حركة أخرى إلى قبيل أيامنا هذه التي نؤرخ فيها.
واستولى الحسين في المدينة على دار الإمارة بعد أن طرد صاحبها وهجم أنصاره على السجون فكسروها وأطلقوا المعتقلين من أصحابهم فيها.. وبعد أن بايعوه أقاموا بالمدينة أحد عشر يوماً (11) وقد ذكروا أن من أهم العناصر في دعوته تحرير العبيد بحجة أن رقهم لم يثبت شرعاً وكان مناديه ينادي بعد نجاح الثورة أيما عبد أتانا فهو حر (12) .
وقعة الشهداء: ثم قصدوا مكة فلقيهم جيش العباسيين بفخ هو وادي ((الشهداء)) في طريق مكة ويبعد عنها يومها بستة أميال (13) وفي هذا المكان تقرر مصير العلويين حيث قتل الحسين بن علي وهو محرم بعد أن أبلى بلاءً شديداً وقتل معه أكثر من مائة من أصحابه في نهاية عام 169 وكانت قبورهم معروفة هناك ويشرف قبر زعيمهم الحسين بن علي على ربوة في الوادي وكانت هذه الوقعة من الشدة بحيث قيل لم تكن مصيبة بعد كربلاء أشد وأفجع من فخ (14) .
وهكذا دفن العباسيون ثورة العلويين الثانية في ثنايا وادي فخ إلاّ أن ذلك ترك أثراً أقلق العباسيين حيناً من الدهر. فقد هرب من الواقعة رجلان أحدهما يحيى بن عبد الله والثاني أخوه إدريس (15) أما الأول فقد مضى إلى بلاد الديلم حيث حشد له فيها أنصاراً دعوا إلى خلافته وأنشأ منهم قوة كلفت الرشيد خمسين ألف محارب للقضاء عليها، وأما الثاني فقد مضى إلى المغرب فالتف حوله البربر وأسس له فيها دولة دعيت فيما بعد بدولة الأدارسة وأن الرشيد عندما رأى أنه لا طاقة له بإخضاعه دس له من قتله (16) إلى آخر ما ذكر المؤرخون في ذلك مما لسنا بصدده (17) .
عودة العباسيين إلى مكة للمرة الثالثة: وبانتصار الجيش العباسي في فخ عاد الأمر في مكة إلى ولاتهم وقد وليها في خلافة الهادي والرشيد محمد بن عبد الرحمن السفياني ثم تولاها في خلافة الرشيد جماعة لم يثبت ترتيبهم في الولاية هم أحمد بن إسماعيل وعماد البربري وسليمان بن جعفر والعباس بن محمد بن إبراهيم الإمام السابق ذكره وعبد الله بن قثم السابق ذكره وعلي بن موسى والفضل بن العباس ومحمد بن عبد الله وموسى بن عيسى المتقدم (18) .
وفي هذا العهد كتب الرشيد عهداً بولاية الأمين ثم المأمون وعلقه في الكعبة وطلب إلى أهلها أن يحافظوا ما أمكنهم على تنفيذ ما فيه وأن يكونوا أعواناً على ما يخالفه.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :469  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 42 من 258
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.