شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(3)
خرج العم سليمان ولم يخرج، لأن صدى صوته ظل يملأ المكان: ((ولفت على اللي يعطوني في هادي الأيام!! سارت يدي تقبل!! سارت والفة! على التقبيض اللي في غير محله! )).
كان حسن دائم التفكير في شأن عمله في الطوافة.. كان يرى أن أرباحه لا تتكافأ كثيراً مع أتعابه فيها، وكان يساوره الشك في هذا الاحتراف. أيعتبره مهنة وهو يرى أن المهن تسد عوز أصحابها في العادة؟ أم يعتبره شيئاً على الهامش له أرباحه المؤقتة التي لا تمنعه عن امتهان أية حرفة غيرها؟ كان يقول: إذا كانت أرباح هذا العمل هي أرباح أسابيع من السنة، فنعمت الأرباح؛ بشرط ألاّ أشغل نفسي بهذا العمل إلاّ في أسابيعه المحدودة؛ ثم يعود فيتساءل: أفي استطاعتي أن أختزل العمل وأقصره على هذه الأسابيع فقط؟ أم إنني مطالب بصرف أكثر شهور السنة في سبيل ما أعمل؟.. لا بد لي إذا أردت النجاح في موسمي من هذه المهنة أن أنشط للسفر إلى مواطن حجاجي في الأقاليم.. مدنها، ودساكرها، وقراها؛ وأن أتعقبهم داعياً إلى نفسي في مزارعهم، وجبالهم، أو مهابط وديانهم. حتى إذا عدت إلى بلادي بدأت أستأنف مراسلتهم، وشرعت في أخذ الأهبة لاستقبالهم.
كانت كل هذه الأفكار تساور حسناً قبل أن تصادفه زيارة العم سليمان، وعندما دفعت الصدفة عمه سليمان إلى بيته، وشرع يناقشه في الطوافة كمهنة، كان نقاشه صدى لما يخالجه من تفكير. ولكن العم سليمان أبى إلاّ أن يترك المعاني الخاصة به تتداعى، وأن يشترط في المهنة أن لا تكون علاقة أجاويد حتى لا يألف صاحبها قبول (الهللة) جوداً يفيض عما يستحقه عند الزبون.
هذه فكرة جديدة لم تساوره قبل نقاش العم سليمان.. وكان البحث في نفسه قاصراً على الربح المؤقت هل يؤهل عمل الطوافة لأن تدخل في عداد المهن أم لا؟ فإذا العم سليمان يضيف إلى البحث فكرة علاقة أجاويد! وقبول الفضل! من المتفضلين!!
هنا بدأ يسأل عنه: هل الطوافة علاقة أجاويد؟ أم أنها احتراف يتقاضى العاملون فيها حقوقهم وفق ما يعملون؟
لقد حاول أن يسمع رأي إنسان غريب عن مهنة الطوافة؛ لأن صاحب المهنة يندمج في ما يألف ولا يشعر بما حوله شعور الغريب عن الفكرة. فاختار أن يسمع من العم سليمان.. ولكن العم سليمان أبى أن يكون جريئاً كعادة أمثاله في مثل هذه المواقف.. كان عظامياً أكثر مما يجب لأنه تحدث عن مقامهم المرموق في البلد، ثم جعلهم أسياد رقبته. وهو لا يتحدث في الناس إذا كانوا أسياد رقبته. وبذلك حاد عن الجواب وترك البحث يتألق فيه هذا السؤال البارز: هل الطوافة علاقة أجاويد؟؟!
- إنه لا يجرؤ على الإجابة السريعة في هذا؛ لأن المشاهد عنده أن الحاج في عهوده الأخيرة أصبح ضعيفاً.. لا ينقد مطوفه الاستحقاقات المطلوبة إلاّ بإرهاق؛ وفي حالات قليلة، فهل يعتبر الإرهاق تفضلاً؟ وهل يسمى المطوف المنكور في حقوقه علاقة أجاويد؟
إن الأمر من جانبه هذا يكاد أن يكون مفروغاً منه؛ أما إذا وجدت حالات شاذة وجد فيها الحاج المتعالي بكرمه، وجوده، فذلك شيء نادر لا حكم له.
وطابت نفس حسن بهذه النتيجة؛ فلم يسترسل في الفلسفة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :312  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 62 من 186
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج