شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
نهيئ نظمنا لتقدير القيم
دعونا نمشِ.. في قوة الرجال من أصحاب الشخصيات الجبارة، الذين يحفلون بمراكزهم في الحياة، ويعرفون قيمتهم فيها، ويفهمون وظائفهم في ميادينها.
ما ضاعت بلادنا يوم كانت ضائعة في الأجيال المظلمة إلاّ لأن المهيمنين على مقدرتها أبوا إلاّ أن يعدّوا الأهلين إعداداً خاصاً يفقدون فيه حيويَّتهم، وحيثيَّتهم، ويفقدون شخصياتهم كمواطنين أقوياء يحفلون بالحياة، ويفهمون واجباتهم فيها.
رحم الله الأموييِّن فقد نظموا لهذا البلد سياسة يفقد فيها المواطن شعوره بحيويته، ويفقد فيها اعتداده بنفسه.. وجاء العباسيون بعدهم فمضوا على سننهم يُبِرّون هذا البلد بخيراتهم، ويبذلون فيه صدقاتهم، ولا يبيحون له التنفس ِإلاّ في جو محدود.. لينشأ أهلوه على ما أراد العباسييون لا ما أرادت الحياة!! وظلت هذه السياسة تقليداً نافذاً فيما تلا ذلك من عهود الفاطميين، والأيوبيين، والمماليك.. أما العثمانيون فإنهم لم يتسلَّموا الزمام في هذا البلد حتى كان قد نضج فيه التواكل، ونُسيت فيه الحيثيّات، وأُعطيت الشخصية معاني جديدة تتمثل في ألوان من الخنوع، والضعف، والرضا بأرزاق السلطان، وأُعطياته من حبوب الصدقة، وأموالها.
ولا تستقيم حيثيَّة في الحياة لشعب يرتزق من الصدقات، ويُرابط في انتظارها.. كما يُرابط قرّاء القبور، وفقراء التكايا في انتظار هبات المحسنين!!
إن أوقاتهم عندئذ أرخص من أن تُعادل بقيمة، وإن ما يشغلهم أثناءها من أحلام الكسل جدير بأن يصرف أذهانهم عن أي تفكير جدي.. له قيمته في بناء الحيثية، ويلهيهم عن أي حركة لها أثرها الفعّال في إنماء الشخصية وتبريزها.
لا غرابة إذن فيما بددناه من عمر الحياة يوم عشنا على هامشها أجيالاً طويلة دون أن نترك أثراً يشعر به جيراننا.
تلك أمة قد خلت لها ما كسبت.. أمّا اليوم وقد خلصنا من ربقة كل دخيل، وبتنا أصحاب كيان له مركزه بين الناطقين بالضاد.. واستقلَّت أمورنا عن كل أعجمي كان يخشى أن تنطلق عروبتنا من عقالها.. فما يمنعنا أن ندب على أرجلنا في قوة الواثق بنفسه، المؤمن بحقوقه تحت الشمس.
دعونا نبدد أحلام الكسالى التي همنا في أجوائها قروناً وقروناً، ونفتح عيوننا على الحقائق المحجوبة وراء الغيوم البعيدة.. دعونا ندرك أن لنا شعثاً يجب أن نلمه، وأن لنا مجداً يجب أن نسترده، وأن كياننا الضائع وحيثيَّتنا المتبخرة لا يُمنحان لنا منحاً، أو يُهديان إلينا إهداءً، ما لم ندب في طلابها بقوة جبارة، ونقتحم في سبيلها أفدح الأخطار وأهولها.. لنثبت كيان الجزيرة في حدودها من شمال حلب إلى نهايتها في شواطئ بحر العرب!!
دعونا نُربِّ أولادنا على بناء الشخصية التي لا تعرف الخنوع، ولا تغضي إغضاء المهين، ولا ترضى لنصيبها من الحياة مقراً وسطاً أو ما دون الوسط، ولا يقنعنا إلاّ ما يقنع الأُسود في الأدغال.
إذا تعوّد أطفالنا القوة فيما يمارسون من أفكارهم، وسائر حركاتهم نمت شخصياتهم في أسلوب أنف لا يرضيه إلاّ أن تسمع بأعماله فوق كل مستوى، وأن يبرز بآثاره على كل مبرز.
هُزمت ألمانيا في حربين متواليتين كانت نتائجهما كافية لتثبيط عزيمة شبابها، والقضاء على الروح المعنوية في صفوف العاملين فيها.. ولكن عنايتها بتربية الشعب تربية استقلالية هيأتها للصمود أمام أحداث الحياة، وأعدَّتها إعداداً قوياً ترقب فيه منافذ الانطلاق لتستأنف طريقها إلى المجد.
ما تمنى أعداء ألمانيا شيئاً بعد هزيمتها كما تمنوا أن تُشل حركتها الصناعية والإنشائية، وأن يُقتل فيها روح الابتكار والتجديد، ولكنَّ أمنياتهم لم تظفر بنائل أمام العزائم الصادقة.. أمام التربية المثالية التي يتجلّى فيها بناء الفرد في أمتن ما يتجلّى بناء القواعد من الصلب.
دعونا نُجرِّب هذا اللون من التربية فلا نُفسد أولادنا بالتدليل الزائف، ونحاول جهدنا أن نبثَّ فيهم معاني الإقدام، ونُحبب إليهم المخاطرة، ونُمرِّنهم على الاعتداد بأنفسهم، والثقة بها.
دعونا نُلقِّنهم معاني الكرامة، والعزة، والسموِّ بالنفس، ونضع لهم القصص التي تُجدِّف على جميع المتواكلين، وتلعن المستضعفين الذين يعيشون على فتات غيرهم؛ ولا تسمو أنفسهم إلى احترام حيثيَّتها والاعتزاز بشخصيتها.
دعونا نأبَ على مشهد منهم كل معاني الهوان، ونهيِّئ نظمنا على تقدير القيم الإنسانية، وَنَسْمُ بشخصياتنا فوق كل اعتبار، وَنُحْيِ في أصحاب العزائم والابتكار والإقدام ميزتهم في هذه الميادين؛ لنثبت من سبيل غير مباشر في أنفسهم تقديس هذه المعاني العالية؛ ونغرس في أعماقهم الازدراء والمقت لما يخالفها.
إننا إذا فعلنا هذا هيأنا جيلاً ممتازاً عزيز الجانب، متيناً بما تركز في كيانه من قوة وثبات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :347  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

زمن لصباح القلب

[( شعر ): 1998]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج