شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لو مُنِيَتْ أوروبا بالمتشائمِين
لا يؤلمني شيء ما يؤلمني أمر المتشائمين بيننا ((ماذا نعمل؟ ماذا نصنع؟ كيف يتسنى لنا أن ننجح! ونحن فيما نحن كما ترى!!؟)).
إن الأمر أيسر ممّا تظنون.. انسوا السلبية، وامضوا في سبيلكم.. إن هذا المضي وحده نجاح قبل أن يواتيكم النجاح!!
كيف يتسنّى لنا أن ننجح ونحن فيما نحن فيه؟ أي شيء هذا الذي يهولكم مما نحن فيه؟ أتروننا متأخرين أكثر ممّن كانوا متأخرين قبل أن يتقدموا؟
إن أوروبا كانت في أحد الأيام قبائل تحكمها الفوضى، ويسودها الإقطاع، وتسيطر الهمجية على أنحائها بصورة نسمو عنها اليوم، كما تسمو حياة السويسري المنظمة عن مثلها في حياة البدوي من سكان (القضيمة).. ومع هذا فإن أوروبا لم يمنعها ذلك من الرقي، ولم يمنعها من التقدم الذي بلغت شأوه اليوم.
فلو مُنِيَت أوروبا في عهد تأخرها بمتشائمين يفتون في عضدها، ويهمسون في آذان العاملين بها ((ماذا نعمل؟ ماذا نصنع؟ كيف يتسنى لنا أن ننجح؟)) لظلت في مكانها في مؤخرة الصفوف إلى اليوم، ولما مضت خطوة واحدة فيما مضت فيه من مسالك الحياة.
إنه لا مستحيل في الأرض، وإن جميع الأمم في جميع أدوار التاريخ مرَّت بها أطوار ارتفعت بها، ثم هبطت. ثم عادت فارتفعت، ثم تداول عليها الارتفاع والهبوط.. تلك سُنَّة الله ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً.
إن سكان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر كانوا قبل غزو أمريكا مثلاً من أمثلة التأخر والهمجية.. ولكن الرائدين الأولين اكتشفوا في معابدهم وآثارهم ما يدل على أنهم كانوا أهل حضارة بلغت من المدنية مبلغاً عظيماً.. فكيف انساقت بلادهم إلى مثل الهمجية التي شوهدوا فيها قبل اكتشافها، وكيف تبدَّلت الهمجية في نصف قرن إلى حضارة منقطعة النظير، وحلَّ في الأمريكتين محل التأخر تمدن يحتل المركز الأول بين الأمم الراقية في عصرنا الحاضر؟.. لا شيء إلاّ أنها سُنَّة الله ولن تجد لسُنَّة الله تبديلاً.
ثم ما بالنا نبعد فيما نستشهد وهذه بلادنا كانت في أحد الأيام قبل ابتعاث النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً من أمثلة الجهل، فما كاد النبي أن يُعلن دعوته حتى تبدَّل الجهل علماً وحلَّ محلَّ التأخر حضارة ذاع أمرها، وشاع صيتها، واستضاء العالم بنورها طوال عدة قرون.
ودالت الأيام كما تدول في تاريخ أمم الأرض قاطبة.. فإذا العلوم تتبخر عن جهل مطبق، وإذا مدنية محمد صلى الله عليه وسلم تغيب وراء ظلام شامل نعاني وطأته إلى اليوم.
فهل نستغرب أن تتفتح عيوننا على الحقائق بعد الذي عانينا؟ وأن نمضي مع سنن الكون فنستأنف مجداً زال ومدنية دالت؟
لا غرابة في الأمر. ما دمنا لم نخرج عن نطاق ما سُنَّ لمن قبلنا، وما سُنَّ لمن بعدنا، وما دمنا قد عقدنا العزم على أن نأخذ بالأسباب المشروعة في نظم التقدم المعروفة في تاريخ البشر.
إذن فأي معنى للتشاؤم الذي ينتاب بعضنا فيملؤهم يأساً، ويصور لهم الحياة كالحة لا ينفذ فيها ضوء؟.. إنه تشاؤم لا مبرِّر له لأن جميع الشواهد تدل في بيان واضح على ما خطوناه نحو الحياة الجديدة.
لسنا مغرورين في أنفسنا لندَّعي بهتاناً أننا بلغنا غايتنا من الهدف، وأننا انتهينا إلى مكاننا تحت الشمس، ومركزنا فيما يُحاذي النجوم. فذلك هراء لا يقوله عاقل.
ولسنا كذلك متشائمين لنُنكر محاولاتنا نحو الحياة الجديدة، وننسى أننا ربحنا إلى اليوم أولى خطواتنا.. فتلك مغالطات لا يُقرُّها منطق.
دعونا نكن واقعيين.. نفهم مركزنا في جلاء واضح، لا نمشي مع المتهوِّسين لنُبالغ في حقيقة ما بلغنا تحت الشمس، ولا مع السلبيين فنتعامى عن الجهود التي تبذلها البلاد لتدرك المواكب السائرة.
وإذا جاز أن يسوءنا شيء من شأنه أن يُعرقل سيرنا في أول مدارج نهضتنا.. فسوف لا تبلغ إساءته الحد الذي يبلغه منا المتشائمون واليائسون.
دعونا نثق في أنفسنا، ونُشعرها القدرة على العمل المجدي، ففي ذلك ما يُشحذ عزائمنا على مواصلة السير، ويهون علينا بلوغ الغاية.. أما أن ننظر إلى الحياة من خلال منظار أسود. فتلك محاولة تلوِّن أمامنا الطريق بلون كالح لا تنشرح صدورنا لاجتيازه.. فيتعذَّر علينا المشي، ويعود رد الفعل على عزائمنا فيثبطها وعلى ما نملك من كفاءة فيشلُّها.
كلنا يعلم أن جماعة المتشائمين أفشل الناس في الحياة.. ذلك لأن ذهنياتهم الضيقة لا تتَّسع إلاّ لضياع الوقت في الشكوى والتوجُّع، وتصوير الحياة من جوانبها القائمة التي تُثير الألم، وتستدرُّ الدموع وتُحيل معاني الرجولة فيه إلى شيء جديد لا يحسن إلاّ ما تحسنه الندّابات المحترفات.
ويتحوّل التشاؤم في الشخص إلى يأس قاتل.. ذلك لأن التشاؤم الذي يبلغ الذروة، ويُحيل الطاقة الكادحة في الرجل إلى أنين باكٍ سوف يسلم إلى اليأس الذي يقضي على جميع المواهب، ويعطل سائر المَلَكات.
فما بال بعضنا يريدون أن يتظرَّفوا في نظر الناس بما يعلنون من تشاؤمهم كما كان الزنادقة في عصر أبي نواس يتظرَّفون بما يعلنون من كفرياتهم؟ إنها أساليب شائكة لا تساعد على مواصلة السير، وإن في ثناياها من الأسرار ما يُثبط العزائم، ويُقلِّل من نشاطها.
إن أخوف ما نخافه على شبابنا المتوثِّب أن تسوده هذه الروح. فتعطِّل مواهبه، وتقلِّل من قيمة كفاءته التي بتنا ننيط بها آمالنا، ونعقد عليها أمانينا.. فعسى أن تنال صرختنا في مجامع الشباب ما تستأهله عندهم من استجابة يصيخون فيها لما نرجوه عندهم من مطالب.
قلنا ولا نزال نقول إن عِدَّتنا إلى أهدافنا في الحياة لا تعدو سواعدهم المفتولة، وعزائمهم النشيطة، وتحصيلهم الثقافي، واستعدادهم الذهني.
إن دعاة النهوض من جيلنا القديم لا يجهلون مركز شبابهم في الحياة الجديدة. وهم على أتم استعداد لتسليمهم مقاليد النهوض على أن تمضي صفوفهم قدماً نحو فجر جديد تتمتع فيه بالأضواء المشرقة التي أنارت دروب الحياة لجميع من سبقنا من الأمم المتمدنة في الأرض.
فهل يقبل الشباب دعوتنا ويستجيبون لما نرجو عندهم من آمال؟. وهل يستطيعون أن يعدونا بمواصلة السير دون أن يثبطهم، أو يفل من عزمهم يائس؟؟ نرجو ذلك ونتمنّاه.
فاخطوا أمامنا..
ودعونا.. نمشِ!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :365  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 21 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الأستاذة صفية بن زقر

رائدة الفن التشكيلي في المملكة، أول من أسست داراُ للرسم والثقافة والتراث في جدة، شاركت في العديد من المعارض المحلية والإقليمية والدولية .