شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
اللّي يَعرف أبونَا يقُلْ لّه
ونضيف إلى بعض طبقاتنا من السوقة وصغار الباعة والمرتزقة الذين لم يتهيأ وعيهم لفهم علاقتهم بكرامة بلادهم صنفاً آخر لا يقل عنهم جهلاً بواجباته.. أولئك نفر تعودوا التنزه أو الاصطياف أو السياحة في آفاق الأرض، وساعدتهم إمكانياتهم الخاصة على التبذل في النفقة، فنسوا علاقتهم ببلادهم، ونسوا أن لبلادهم مركزاً دينياً خاصاً لو تضافرنا على صيانته، واتفقنا على الحرص على كرامته في جميع البلاد التي نغشاها، لهيأنا له مركزاً ممتازاً في نظر المسلمين والأجانب، واستطعنا أن نحتل بين مئات الشعوب التي تتجه في صلاتها نحو بلادنا مقاماً له حرمته، وله قداسته التي لا تضاهى.
ومأساة المآسي في نفر من المرتزقة يجوبون بلاد الشرق العربي، يرتزقون باسم الكعبة والحرم، وينسون أن الحرم لا يقهرهم على ما يبذلون من كرامتهم، وأن الكعبة لا يشرفها أن ينتسب إليها إلاّ المجد العامل في ميادين حيوية لها قيمتها.
ومن الغريب أن تغتني بلادنا في سنيها الأخيرة، ويفيض الخير في آفاقها، وتتسع مجالات العمل لكل مجد نشيط، ويجد جيراننا على اختلاف أجناسهم في ربوعها ما يدر عليهم أخلاف الرزق.. فتتوافر هجرتهم إليها ويجدون الفرص سانحة لبناء بيوت لهم صناعية، وأخرى تجارية، فيعرفون كيف تنمى الثروات. بينما يهجرها بعض أصحابها إلى مختلف الأصقاع ينشدون الإحسان، ويستدرون العطف في حياة يمرغها الذل، وهامات تطأطئها المسكنة!!
إنهم لا يستطيعون إدراك مبلغ الإساءة التي لا يسيئون بها إلى أنفسهم فقط.. بل ينالون فيها بلادهم بما يشوّه سمعتها.. لأن مستوى معلوماتهم في الحياة لا تتسع إلاّ إلى مدى محدود يرون فيه أنفسهم كسوبين يحتالون للرزق على قاعدة (اللي تغلب به العب به!.. واللي يعرف أبونا في هدي القرية يروح يقل له!) إنهم معذورون لأن أُفقهم الفكري لا يتّسع إلى أبعد من هذا المدى، ولأن معلوماتهم العامة لا تهيِّئهم لفهم الحياة على غير هذا الوجه الكالح المقيت.
وما دمنا في صدد هذا النوع من مساوئ الحياة فلنعد من جديد إلى حيث بدأنا بحوثنا في حدود بلادنا لنستعرض ألوفاً من هذه الأشباه استمرأت استدرار العطف، وألفت ذل السؤال، واحترفت ألوانه في إبداع لا يتوافر كثيراً لأصحاب الأعمال المحترمة.
ولعلّ هذا الشر كان محدوداً قبل سنوات.. ولكنه في أيامنا الأخيرة شرع يتفاقم لغير باعث معقول. لأن المنتظر بعد هذا الثراء الفائض أن يستغني الأهلون وفي مقدمتهم طبقات ما تحت الوسطى عن أعمال لا تشرِّف، لأن أبواب العمل التي تفتَّحت للمجاورين والغرباء أحرى بأن تتَّسع لأصحاب البلاد لو استعملوا حذقهم في النافع المجدي.
وتبدو آثار تفاقم الشر واضحة في أعمال بعض القبائل من جنوب البلاد، فقد نزحت عائلاتهم في ألوف مؤلفة إلى مكة وجدة، ولعلّ بعضها نزح إلى المدينة، فأصبحنا نشاهد رجالهم في أجسام يلمع السواد في بشرتها، ويكتنز اللحم في عضلاتها، يحترفون حمل الثقال في دأب وصبر، ثم لا يتورعون أن يبيحوا لنسائهم وفتياتهم وأطفالهم أن يرتادوا الأسواق في جماهير غفيرة ويستعطوا الناس في إلحاحٍ يدر الشفقة.
إن في هؤلاء النسوة وفتياتهن استعداداً طيباً للتكسُّب من خدمات البيوت في وقت اشتدت حاجة البيوت إلى الخدم، وتفاقمت الأزمة لقلة الأيدي العاملة فيها. ولكنهن لا يفكرن في هذا التكسُّب من تعاطي المهن، وربما شعرت الواحدة منهن بما يهين كرامتها وأنت تعرض عليها العمل الذي يغنيها عن ذل الحاجة.. لأنها ترى أن احتراف السؤال لا يقل قيمة عن احتراف أية مهنة تدر الكسب.
وهن معذورات فيما يرين؛ فإن معلوماتهن عن الحياة لا تتعدى ما رسم في أذهانهن عن حقائقها المشوهة.
ورجالهن معذورون؛ لأنهم حرموا نعمة العلم الذي يفتق أذهانهم على سوء ما يرتكبون نحو بلادهم، وهم يُعطون عنها هذه الصورة الدنيئة.
أتستطيع أن تدلي إلى أحد هؤلاء الأزواج بما يقنعه بسوء ما يتصرف؟ أتستطيع أن تحول اعتقاد المرأة فيما تفعل؟.. إن بلاغتك في هذا السبيل لا تغدو أمام ناظرها إلاّ لغواً تلوكه، أو رطانة تشبه أعقد ما في لغة الأعاجم من كلام!!
لنعلم هؤلاء قبل أن نعظهم، ولنثقفهم قبل أن نرشدهم.. لنعلمهم إلى أن يخلص منهم أناس تتفتح أذهانهم لقواعد الحياة الصحيحة، ونعلمهم حتى تتسع مداركهم للمعاني السامية التي تشرِّفهم، وحتى يستطيعوا فهم النبل والإباء، وما في النبل والإباء من أخلاق كريمة.
إن الرجل الحر سيند جبينه خجلاً لمرأى هذه الطوائف تلاحق الحجاج والزوار في الشوارع والأزقة والبيوت، وفي مسجد الله الحرام في صور مزرية ومناظر مؤلمة، ويتمنى لو ملك الحكم والنفوذ ليقضي على وبائهم ويطهر وجه البلاد من سيئاتهم.. ولكن مثل هذه القسوة ليس لها من العدل ما يبررها؛ فالجاهل معذور في كل مكان حتى تعلمه ما جهل.
فدعونا نتوسع فيما ننشر من ألوان العلوم، لنخدم بلادنا في سمعتها وما يليق بمركزها، ونخدم كياننا بما نهيئ له من وسائل الحياة الشريفة وأخيراً..
دعونا.. نمشِ.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :330  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 114
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

يت الفنانين التشكيليين بجدة

الذي لعب دوراً في خارطة العمل الإبداعي، وشجع كثيراً من المواهب الفنية.