شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
لِنبنِ من جديد
قلت في كلمة سابقة إن بلادنا بدأت تتفتق عن مجالات صالحة للعمل وإننا بما نهيئ في المدارس الصناعية وعشرات غيرها من مرافق العمل سنكفل على مدى الأيام للمواطنين مجالات تستوعب أيدينا العاملة وشبابنا المثقف بشكل واسع لا تحلم به. أريد أن أقول هذا ليستيقن الذين ضاقت مواردهم عمّا ألِفوه في مواسم الحج قبل سنوات طويلة فهيأوا أنفسهم وجيلهم الجديد للعمل الجاد في المجالات التي لا يتوقف عملها على المواسم..
لقد عشنا مئات السنين لا نكاد نجد مرتزقاً -والعبرة بالأعم- إلاّ في مواسم الحج وكانت مواردها يومذاك تفيض حتى تغطي نفقات الأهلين من الموسم إلى الموسم.. وذلك لأن الحاج كان يلذ له أكثر ما يلذ أن ينفق عن سعة، وأن يسخو بأكثر ممّا يتعين عليه دفعه.. وكان يشعر أن جيبه لا يضيق عن البذل الواسع..
أمّا اليوم وقد تبدلت، لا أقول أحوال الحاج فقط، بل أحوال العالم بأسره، فإن الوافدين إلينا أصبحوا يألمون من قلة ما في جيوبهم.. فهم إما أصحاب نقد خفضت أسعاره في أسواق العالم، أو محكومون لنظام لا يبيحهم إلاّ كماً محدوداً أو فقراء بطبعهم جهلوا مشروعية الحج فتسابقوا إليه ليتسولوا أو يعرضوا عزة المؤمن لذل الحاجة فلا تؤويهم غير الشوارع والطرقات.. وتهالك الفقراء والمحتاجين وغير المكلفين شرعاً بالحج ليست إلاّ بدعة كانت بلادنا لا تعرفها إلاّ في النذر القليل.
فإذا شعر مواطنونا اليوم بضآلة المواسم رغم تدفق الألوف بهذه الكثرة الكاثرة، وأدركوا أن مواردهم منها باتت لا تتكافأ مع ما ألفوه في حياتهم فذلك أرعى لأن يختطوا لمعاشهم سبيلاً جديداً في ضوء ما جد في بلادهم.
أرى أن ينسوا أهم علاقاتهم بمكاسب المواسم، ويتركوها للعاجز والمحتاج ومَن جاء على غرارهم، ويتهيأوا من جديد لما بدأت تتفتق به بلادهم في شتى المجالات.
لقد اتسع التعليم في أيامنا بشكل غريب، وكثرت المعاهد وتعددت فصول المهن، وتقاطر المبعوثون إلى الخارج للتخصص في شتى الصناعات الكيميائية والهندسية والميكانيكية والجيولوجية وعشرات غيرها من أعمال التوظيف في دوائر الحكومة والشركات والبنوك، وبدأت البيوت الصناعية تبني لمستقبلها في كثير من المدن فمن الحرج أن نجمّد على ما ألِفنا من أعمال المواسم ونألم إذا تقلصت مكاسبها عمّا ألفِناه فيها..
ربما قيل إن نهضتنا العملية في خطواتها الأولى سوف لا تستوعب أيدينا العاملة على كثرتها.. وأنا لا أماري في هذا ولكني أرى أن نتهيأ لما تتمخض عنه الأيام، فندفع شبابنا إلى المجالات الجديدة لينشأ عليها ويصرف نظره عن أهم علاقاته بالمواسم.. تلك التي ورثها فيما ورث عن آبائه..
إنني أتخيّل بلادنا غداً وقد أحيت الزراعة مواتها، وروّجت شبكة الطرق المعبّدة سائر إنتاجها وقامت في أكنافها المصانع وتعددت الشركات العاملة فاتسعت المجالات للأيدي العاملة، فما يمنعنا أن نتهيأ؟؟ ما يمنعنا أن نبني من جديد؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :393  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 58 من 92
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج