شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور حمزة قبلان المزيني ))
- لرئيس قسم اللغة العربية بكلية الآداب جامعة الملك سعود د. حمزة قبلان المزيني كلمة فليتفضل:
- السلام عليكم ورحمة الله.. المشكل مع هؤلاء الباشوات، أو الأباطرة، أيهم أحببتم وأقصد أساتذتي الأستاذ د. أحمد خالد البدلي والأستاذ د. منصور الحازمي والأستاذ د. عبد الرحمن الأنصاري والأستاذ د. محمد سعيد الشعفي، والأستاذ د. أحمد الضبيب، والأستاذ د. عزت خطاب.. أننا وأقصد تلاميذهم، ترتعد فرائصنا ويشل تفكيرنا دائماً عند ذكر أي واحد منهم، ونتيجة لذلك يُرتَجُ علينا ولا يفتح الله علينا بشيء عند الحديث عنهم، إلا إذا كان الحديث ثناءاً عليهم.. ليس ذلك بسبب أنهم مبرأون من العيوب، ففيهم ما الله عليم به، غير أنني لم أتمكن إلى الآن من اكتشاف سر هذه المهابة التي تكسوهم، وهذا الفزع الذي يعترينا، إنهم جيل ساحر.
تكثر الشكوى من عدم تكريم البارزين من الأدباء والمفكرين والمبدعين في أثناء حياتهم، وتظهر هذه الشكوى بشكل بارز عندما يُفقد واحد من هؤلاء، وكأن هذه الشكوى تكفير عن خطأ إرتُكِب في حقهم في حياتهم، وكأنه وفاء متأخر لهم.. ولكن من حسن الحظ، أن بلادنا بدأت في تكريم من يستحقون التكريم، وهم ما يزالون بيننا، وقد تمثل ذلك في المستوى الرسمي، كما أن ذلك التكريم قد انتقل إلى المستوى غير الرسمي، إذ بادر كثير من المؤسسات غير الرسمية والأفراد إلى تكريم البارزين في المجتمع وفي مختلف النشاطات، وليس هذا غريباً على أفراد هذا الوطن الذين فُطروا على الوفاء ومعرفة الفضل لذويه.
ومن أبرز الفاعلين في هذا المجال، الأستاذ عبد المقصود خوجه، الذي دأب على تكريم الشخصيات الوطنية البارزة، وهو بذلك إنما يسن سنةً حسنةً، ويضرب مثلاً لحفاوة أهل الفضل بأهل الفضل، وقد دُعي هذا الجمع الكريم في هذه الليلة لتكريم شخصية مهمة من الشخصيات الفكرية في بلادنا، ألا وهو د. أحمد خالد البدلي، عضو هيئة التدريس في قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، وأستاذ اللغة والأدب الفارسيين فيه، والأستاذ الدكتور أحمد خالد البدلي، واحد من تلك الصفوة التي كان أعضاؤها من أوائل من عادوا بعد الحصول على الدكتوراة إلى المملكة في أواسط الثمانينات الهجرية من القرن الماضي، مما يدعو إلى الفخر، أن أكثرهم يَضربُ بنسب إلى قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، وقد قامت هذه النخبة المؤهلة بالتأسيس العلمي والإداري والثقافي والفكري، في داخل الجامعة وفي خارجها وعلى الرغم من اختلاف مناحي التفرد، بين أفراد هذه النخبة إلا أنهم يأتون إلى الذاكرة جميعاً عندما يريد الإنسان التحدث عن واحد منهم، وربما يعود ذلك إلى تساويهم في الريادة وإن تعددت السبل التي أثَّر كل واحد منهم عن طريقها في الجامعة والمجتمع، كما أحسب أن ذلك يعود إلى كونهم يمثلون فريقاً واحداً متجانساً، بين أفراده من روابط الألفة والتناغم، ما يكاد يلغي الفروق الفردية، فلذلك يجب ألا يظن أحد أن الكلام على أي واحد منهم هو تكرار لما يقال عن الآخرين، فليس الكلام بتكرار، فهكذا خُلقوا، هم يتشابهون بل يكاد الأمر يصل بهم إلى التماثل، فما يقال عن أي واحد منهم يصدق على كل واحد منهم.
أما الأستاذ د. أحمد خالد البدلي فقد تتلمذت عليه من السنة الأولى لي في الجامعة حتى تخرجت فيها، ولما عدت من البعثة صحبته أستاذاً لي أيضاً وزميلاً عزيزاً يقل مثيله في علاقته الودودة مع من يعرفه ولا يمكن لي أن أنسى طريقته في بناء علاقته مع طلابه، فعلى النقيض مما يعمله كثير من الأساتذة، من حرق الجسور بينهم وبين طلابهم، كان الأستاذ د. البدلي يحرص على إبداع الجسور وترميمها، حتى يعبر الطلاب إلى الضفة التي يقف عليها، وهو لا يفعل كما يفعل كثير من الأساتذة، إذ ينظرون بتعالٍ من فوق نظاراتهم المعلقة على أطراف أنوفهم إلى طلابهم، ويظنون أنهم بذلك يغرسون في نفوس هؤلاء الطلاب احترامهم، وما دروا أنهم إنما يزيدون بذلك الفروق والتمايزات الموجودة أصلاً بينهم وبين هؤلاء الطلاب.
وينتهي أمر هذه العلاقة المتباعدة إلى ازدراء هؤلاء الطلاب لأولئك الأساتذة، ثم تنتهي العلاقة بعد أن يفر الطلاب بجلودهم من قبضة أولئك، ولكن تبقى الذكريات.. ولقد درست في السنة الأولى الجامعية على الأستاذ د. أحمد خالد البدلي، إحدى المواد العامة في اللغة العربية وكان على النقيض من كثير من الأساتذة الآخرين الذين تغلب عليهم الرسمية والجد، فكان يجلس جلسة مريحة، ثم يتناول بالتعليق أشياءَ كثيرة لها صلة بالموضوع ولكن ليس لها صلة بالدرس، التي لها صلة بالدرس، والتي ليس لها صلة بالدرس، فكان لا يتورع عن تناول أي موضوع، وكان أسلوبه الأسلوب التهكمي من كثير مما يحيط بنا فيقدح بذلك أفكارنا، ويقودنا إلى التفكير الذي يؤدي بنا دائماً إلى اكتشاف عبثية بعض ما كنا نظنه فوق العبث، وعلى الرغم من تدريسه لهذه المادة من مواد اللغة العربية، إلا أنه كثيراً ما ينطلق في تعليقاته على سجيته بلهجته المكاوية التي تضفي على الجو كثيراً من الحيوية والدراما.
أما تعليقاته على ما نكتبه فقد كانت مثالاً على السخاء في التشجيع، وربما كان ذلك واحداً من العوامل التي دفعتني إلى التخصص في اللغة العربية، وبعد أن تخصصت في اللغة العربية تتلمذت عليه في اللغة الفارسية وبعض مواد الأدب، فكان مثالاً للمدرس الذي لا يهمه الدرس بذاته، وإنما كان يهمه أن يتجاوز الطالب ما درسه، ولا أستطيع أن أنسى موقفاً له مني، عند واحد من مفترقات طرق الحياة، فقد بُعثت أولاً إلى جامعة لندن لكنني لم أفلح فيها.. ولم أنجز شيئاً طوال سنتين ونصف، ثم تحايلت على الأُستاذ المشرف عليَّ في جامعة لندن حتى يكتب لقسم اللغة العربية في جامعة الرياض حينذاك، ليسمح لي بالذهاب إلى إحدى الجامعات الأمريكية، لدراسة بعض المواد في اللسانيات، وقد وافق القسم على ذلك، كما تحايلت على المشرف في جامعة لندن مرةً أخرى ليسمح لي بالبقاء لمدة فصلين آخرين في امريكا، وقد فعل. وكان غرضي من ذلك أن أنهي الماجستير، ولما أنهيت الماجستير، رجعت إلى القسم وأبديت رغبتي في الاستمرار في تلك الجامعة الأمريكية للحصول على الدكتوراة، لكن هذا الأمر قوبل بالممانعة من قبل بعض الأعضاء، وكانت لهم وجهة نظر كانت في محلها، وبعد أن تحدثت مع بعض الأساتذة في القسم أبدى كثير منهم تأييدي للبقاء في أمريكا، لكنني ما زلت أذكر كلمة الأستاذ د. البدلي الذي قال بانفعال: أنت أبقى لنا من جامعة لندن ومن بريطانيا كلها، وكان لهذا الموقف النبيل أثر كبيرٌ في نفسي وربما كان وراء موافقة القسم على رغبتي.
وما زال الأستاذ الدكتور البدلي، على ما عهدته فيه عندما كنت طالباً، فلا أذكر أنَّ طالباً واحداً جاء ليتذمر من معاملته له، ونعرف نحن جميعاً في القسم إلتزام الأستاذ د. البدلي وحرصه على الحضور مبكراً يومياً سواء كان لديه محاضرات أم لا.. وهو يقضي وقته منذ الصباح الباكر في مكتبه في القراءة التي لا تنقطع، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الأستاذ الدكتور البدلي هو الوحيد الذي بقي في القسم من ذلك الجيل المؤسس، وهذا مما يزيد تعلقنا به، ويجعل له منزلةً خاصةً في نفوسنا، فنحن نرجع إليه دائماً في طلب المشورة والتوجيه، بل إننا لنفخر بوجوده بيننا لأنه علامة على تواصل الأجيال وامتدادها وذلك ما يزيد في تأصيل القيم والتقاليد العلمية، كما يمثل قدوةً للأجيال الشابة حتى لا تغتر بمؤهلاتها وإسهاماتها، إذ تجد كل يوم ما يمكن لها أن تتعلمه من ذوي التجارب والخبرات الطويلة.. وليس يمكن لي أن أتناول كل الجوانب المضيئة في حياة هذا الرجل وهو ممن يتفق كل الذين يعرفونه على تميزه بكل الخصال التي تجعل منه مثالاً، وتجعله أهلاً للتكريم، أتمنى لأستاذي العزيز أ. د. أحمد خالد البدلي حياةً ملؤها النشاط والصحة والعطاء، وأؤكد له أنه يشغل في قلوبنا مكاناً رفيعاً وسيظل كذلك.
وأشكركم.
- من خارج نطاق جامعة الملك سعود، وإلى جامعة الملك عبد العزيز، الأستاذ الدكتور عبد المحسن القحطاني له كلمة فليتفضل:
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :613  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج