شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة المحتفي سعادة الأستاذ عبد المقصود خوجه ))
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك اللَّهمَّ كما ينبغي لجلال وجهك، وعظيم سلطانك، وأصلَّي وأسلَّم على خير خلقك، حبيبك، ونبيك، وصفيِّك، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام الطاهرين.
الأخوة الأحبة:
هذه أمسية أحسبها ستكون عرساً من أعراس اللغة العربية، ونحن إذ نُكَرِّم من خلالها أحد رجالات التعليم الجامعي في بلادنا وهو الأستاذ الدكتور أحمد خالد البدلي، ونرحب أيضاً بزملائه الأفاضل الأساتذة الدكاترة: منصور إبراهيم الحازمي، وعبد الرحمن الطيِّب الأنصاري، وعزَّت عبد المجيد خطَّاب، وفهد العُرابي الحارثي، ومحمد سعيد الشعفي، وحمزة قبلان المزيني، والأستاذ عبد الله بن حَمَد الحُقَيل. فإننا نُكَرِّم أيضاً اللغة العربية ممثلة في هؤلاء الأكارم، فأهلاً ومرحباً بهم وبكم جميعاً في هذا العرس الذي نتطلع إلى أن يكون قِلادَة حب وتقدير وبر بلغتنا الجميلة.
وضيفنا الكريم ليس غريباً عن هذا الملتقى الذي يَشْرُف بتكريم العلماء والأدباء والمفكرين، فقد سَعِدْنا به من قبل، عندما شارك في حفل تكريم سعادة الأستاذ الدكتور نذير العَظْمة، ونحن نسعد به اليوم ضيفاً عزيزاً بين محبِّيه وإخوانه الذين يكنُّون له ولما قدَّم في سبيل اللغة العربية كل حب ومودة. فقد شارك مشاركة فاعلة في وضع جسور التواصل بين اللغة العربية وشقيقتها اللغة الفارسية، ذات الآداب الراقية، والتاريخ الطويل في صناعة الكلمة الشفَّافة، والتراكيب التي تدل على إعمال الفكر في استخلاص أجمل الصور المبتكرة. ولا شك أن جِسْر الترجمة مع أي لغة يمثل خطوةً هامةً وكبيرةً في سبيل الانفتاح على أفكار الآخرين، وتقديم أحسن ما لديهم إلى القارئ العربي الذي يتطلع دائماً إلى الجديد في عالم الكلمة شعراً ونثراً.
والشيء الملاحظ أن الكتب التي تفضل بترجمتها ضيفنا الكريم لم تزل مخطوطةً، ولم تقم الجامعة بطباعتها حتى الآن، رغم أنها تمثل إضافةً طيبةً إلى المكتبة العربية، وقد تَعْني الكثير بالنسبة للدارسين في مجال اللغة الفارسية وآدابها. وأتمنى أن تجد طريقها إلى النشر باذن الله نظراً لأهميتها من الناحية العلمية، والثقافية، ولكونها امتداداً لسلسلة كادت تنقطع في عصرنا الحديث بسبب التوجه الثقافي الذي ابتعد عن الشرق، والتفت ناحية الغرب في شيء من الانبهار، ناسياً أو متناسياً أن مصدر الثقافات الغربية نابع من الشرق وأصالته.
إن اللغة العربية - كما تعلمون أيها الأحبة - تواجه حرباً لا هَوادة فيها باعتبارها الوسيلة التي تمهد الطريق إلى الولوج في الإسلام.. وبإعاقة هذه الوسيلة أو تعطيلها بأي شكل من الأشكال يمكن تقديم خدمة جليلة لأعداء الإسلام.. وقد عمل البعض جهدهم بمختلف السّبُل لتصديع اللغة العربية، سواء عن طريق تشجيع العاميَّة، أو هَدْم الموروثات الأدبية وإقامة أي شيء مُسْتَحْدَث على أنقاضها، بما يبعد الناس عن تذوُّق جماليات اللغة وموسيقاها الداخلية، وهناك بعض السُذَّج الذين اندفعوا وراء هذه الظواهر ذات البريق الأخَّاذ، غير عابئين باللَّهَب المتأجج تحت نورها، ولولا تَصَدِّي عُصْبة من ذوي الفضل، والعلم، وقوة الشكيمة، ومعرفة ما ترمي إليه هذه الدَّعَوات المشبوهة، لَذَوَت اللغة أو تضعضعت، وتكالَب عليها الأعادي ليصْفُوَ لهم الجو، ويتمكنوا من غرس ما يروقُ لهم من أشواك في طريق الدعوة إلى دين الحق.
ونحمد الله أن جامعاتنا، وكليات اللغة العربية على وجه الخصوص، تقوم بدور فاعل في تخريج الرجال الذين سيتمكنون بمشيئة الله من مواصلة الجهاد في طريق الحق، لتأتلق اللغة العربية من جديد على يد جيل من الشباب الذين يتمسكون بالمبادئ السامية التي تعلموها من أساتذتهم الأفاضل الذين نحتفي بهم اليوم، مُمثَّلين في ضيفنا العزيز وصحبه الكرام. وليسَ هناك أجمل ولا أرْوَع من نهضة تقوم على يد الشباب المتخرجين من الجامعات، مصانع الرجال، وبوتقة العقول، والأمل المتجدِّد عبر شرايين لم تعرف الوَهنْ والركود والتخثُّر.
وبهذه الشموع فقط، وعلى عربة اللغة العربية، يمكن الولوج إلى بوابة المستقبل متسلِّحين بحصافة الفكر، وأصالة التراث، ولا سبيل إلى ذلك إلا بتقوية مَلَكَة اللغة العربية، ومعرفة أساسياتها للتعامل مع النصوص من منطلق الوعي التام والإدراك الكامل لأبعادها ومراميها.
والملاحظ أن شعوب الغرب التي انبهر بها البعض، تُولي لغاتها الكثير من العناية والرعاية، فالانجليز مثلاً أَرّخُوا لِوِلْيمَ شكسبير، ومنحوا كلَّ سَطْر كَتَبه مكاناً في سجل الخلود، وهكذا فعل الألمان والفرنسيون مع كُتّابهم وشعرائهم ونُقّادِهم.. وبالرغم من ذلك يُقلِّلون من قيمة اللغة العربية حتى تصبح كسيحةً فيستطيعون القفز عليها، لا كُرْهاً فيها بحد ذاتها، ولكن لأنها تمثل كما ذكرتُ الوسيلة الوحيدة للوصول إلى الكتاب العزيز، والإسلام الحق، الذي أصبح يمثل خطراً على الحضارة الغربية المُنحَلّة، خاصة بعد زوال الحرب الباردة، وظهور المواجهة بين الإسلام والغرب كقُطْبَيْن يعملان على فرض هيمنتهما على الكرة الأرضية.
لقد ثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الدين ما زال المحرِّك الأساسي لكثير من الشعوب، والانفعالات، والأفعال، وردود الأفعال.. وبالرغم من مرور أكثر من نصف قرن من الإلحاد المنظَّم في الاتحاد السوفيتي سابقاً، ظهرت فجأة القوميات الإسلامية التي تحاول أن تكتسب أرضية تنطلق منها إلى عوالم أرْحبَ في ظل الديموقراطية الوليدة، وكذلك الأقلية التي أرادت إنشاء دولتها الإسلامية في الغرب الأوروبي، فوجدت هذه وتلك أعتَى التصفيات العرقية والدينية تحت مِظَلَّة الأمم المتحدة، والنظام العالمي الجديد، ووسط تعتيم إعلامي لم يَسْبِق له مثيل.. في مثل هذه الظروف القاسية ينبغي أن نعي الدور الهام المناط باللغة العربية، ومكانتها في المستقبل القريب، فالإسلام على وَشَك صدام رهيب مع قوى الشر التي تتربَّص به الدوائر، والتي تربَّصت باللغة العربية منذ وقت ليس بالقصير.
وقد آن الأوان لتدارك ما فاتنا، ولننهض جميعاً بلغتنا العربية الجميلة في مختلف مجالات العطاء الإنساني، ولِتَقُم الترجمة بدورها الرِّيادي الذي قامت به في السابق في العَهْدين الأموي والعباسي، حين ارتادت عُمْق العالم الغربي ونقلت إليه الحضارة الإسلامية والعربية، ونقلت للعربية بعض الإبداعات الغربية دون حساسيات عرقية أو دينية، حتى أصبح الفكر الإنساني مِلْكاً للجميع، وتمخَّضت تلك الجهود عن ثَوْرة في عالم المعرفة شَعَّت أنوارها وعمَّت العالم، وتركت أثراً باقياً إلى يومنا هذا.
 
وليس بمستبعد أن نَرَى مجدَّداً تلك الثورة في مُقْبل أيامنا إذا تضافرت الجهود، وحلَّ الوئام محل الخلافات الجزئية التي تَعْصِف بالأخضر واليابس، في وقت أحوج ما نكون فيه إلى رَأْبِ الصَّدْع والسَّيْر قُدُماً في طريق التقدم والازدهار.. وأحسب أن العناية باللغة العربية ستكون بمشيئة الله الخطوة الأولى لتأطير هذا التوجه الخَيِّر، وتجاوز المرحلة الراهنة بكل عَقابيلها وتبعاتها من أجل المصلحة العامة العليا للعالم الإسلامي كله.
 
أشكر لكم أيها الأحبِّة تلطفكم بالاستماع رغم الإطالة التي فرضت نفسها فرضاً، وأرحِّب مرة أخرى بضيوفنا الكرام، متمنياً لكم أمسيةً سعيدةً في رحاب اللغة العربية في حاضرها ومستقبلها.
وأحب أن أشير إلى أن ضيف (الاثنينية) القادم سعادة الأستاذ الأديب والصحفي الكبير عبد الله أحمد الشباط، وهو غني عن التعريف، ويشكل علامةً مضيئةً في مسيرة الصحافة السعودية، فمرحباً بكم وبه في مسيرة التواصل الخيِّر الذي غرستم بذرته وتعهدتموه بالرعاية والعناية، حتى سمقت دوحته وأصبحت على ما تتمنونه من نضارة وبهاء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1214  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 187
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الخامس - لقاءات صحفية مع مؤسس الاثنينية: 2007]

عبدالعزيز الرفاعي - صور ومواقف

[الجزء الثاني: أديباً شاعراً وناثراً: 1997]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج