شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > مشواري على البلاط > الخطوات الأولى على بساط الخضراء!؟
 
الخطوات الأولى على بساط الخضراء!؟
أعجبتني صورة رسمها بالكلمات، كاتب كان يحاورني أو كان يسألني وهو: يلهث من التعب والعطش، كما وصف نفسه، فأشار إلى "راياتنا وكل جيوشنا الصغيرة" نحن الكتاب وهي ترقص على الورق، وقد رآني في أجوبتي على حواره: أشد تفاؤلاً وأكثر شباباً برغم كل الثلج والصقيع!!
فهل كنت بذلك الإحساس، وبتلك الصفة يوم قبلت مرافقة الأخوين الكريمين السيدين/هشام ومحمد علي حافظ في مشوارهما الطويل على درب الكلمة وتحدياتها، والصحافة المتطورة وإمكاناتها؟!
يلوح لي أن "الصحافة" في مشوار عمري نبتت قدراً لم يكن لي مناص منه ولا عنه، أو وجدت اندفاعي نحوها وأنا أشب عن الطوق، كمحبوبة تغريني سهراً وسهداً أيضاً، وكأنها تبدو: وجه خريطة عمري.. حتى صارت منذ ذلك الركض وحتى هذه الشيخوخة: هي مصدر الرزق الوحيدة التي لا بديل لها!
أما "الأدب".. فهو العشق الذي (تجوهر) منذ احتضنت أول كتاب قدمه لي هدية: أستاذي ومعلمي الأول، المربي القدير/محمد عبدالصمد فدا، رحمه الله، وكان مديراً لمدرستنا (الرحمانية) بمكة المكرمة.. فكان الكتاب: رواية/يوسف السباعي: إني راحلة، فلما جذبني إلى القراءة عن طريق الرواية: أخذ ينتقي لي كتب المعرفة والثقافة منذ كنت وزملائي في المرحلة الإعدادية.
وهكذا.. منحني (الكتاب) رغد الحياة حتى صار يخضع لقمع الرقابة العربية... وقد صارت "الكتابة": تنفسي الحقيقي، ونبضي، وصوتي، ورؤيتي!
وبعد امتداد كل هذا العمر.. سألتني صحافية لبنانية في بيروت بمناسبة تدشين إصدار كتابي: "نزار قباني.. آخر سيوف الأمويين الذهبية": ماذا حققت بعد مسيرة حافلة على الساحتين: السياسية والأدبية؟!
- أجبتها: على الساحة السياسية، لم أكن فارساً فيها، وأكثر ما كنت: (شاهد ما شفش حاجة).. وإذا شاف، فحذوك النعل بالنعل مع واقع السياسة العربية، ومحلليها، ومنظريها.
كان لدى العرب صحافي تمتع برؤية سياسية ناضجة ومواكبة للأحداث وخلفياتها، هو: الصحافي الكبير/أحمد بهاء الدين، رحمه الله، ولا تقولين لي: محمد حسنين هيكل، فهذا كاتب أرشيف سياسي، وبهاء الدين: كان كاتب فكر سياسي.
هذا كل ما حصدته (سياسياً) على مستوى الكلمة، أما المعاناة والتجربة المريرة، فلهما وجه آخر يعكس ما جرى وكان على ساحة السياسة، ممتزجاً ذلك كله بتراكم الحزن الإنساني واكتشاف (كذبة) ما زالوا يسمونها منذ ذلك الوقت: الشفافية بعد أن جيرتها القوى (الكوبرا) للقرن الواحد والعشرين!!
وعلى الساحة الأدبية: قلم رصاص، وورقة ناصعة البياض، وحوار في الحزن العربي الذي وصفته في الستينات بأنه: (دافئ) بحسب عنوان كتابي الذي منحت به جائزة الإبداع العربي من "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" عام 1983م!
لذلك.. بقيت كلماتي في الساحة الأدبية عبر "الصحافة" -وسيلة النشر- أشبه ما أكون بذلك الحصان الذي يعلو صهيله ولكنه يعجز عن النطق!!
وهكذا... كانت الخطوط الحمراء تتسع حول وفوق كلماتنا إلى درجة الاختناق، وفي عصر الإنترنت والفضائيات والعولمة... حتى كاد الإبداع أن يختنق!
إن رسالة الكاتب: تحتم عليه أن لا ينهزم بهذه الخطوط الحمراء ويتفوق عليها، إلا ما كان ينبثق من الأخلاقيات والقيم التي أرسى الدين والمجتمع قدرتهما على التجديد دون التفريط في الأصول والتراث.
ودائماً.. فإن الإبداع -كتابة وفناً- ينجح في تمرده على أية خطوط حمراء، لأن العالم من حولنا مفتوح على الفضاء وسرعة الاتصالات.. ولعل مهمتنا اليوم قد تحولت من محو الخطوط الحمراء إلى صد الغزو الأكثر احمراراً، متشبعاً بالماديات التي تعتسف الروح، وتفرط في التدفق المادي البحت.. حتى بتنا أكثر خوفاً على: (حرية الفكر) التي تواكب الخوف على: (حرية الوطن)!!
أما كيف نتعامل مع الخطوط الحمراء المترصدة لحرية الفكر والإبداع، وقد أصبحت هذه الخطوط بالية اليوم في ركض التكنولوجيا... فلا بد أن تتغير المجتمعات العربية -أولاً- من داخلها.. بمعنى: أن تتجه فوراً إلى دعوات الإصلاح، ومحاربة الفساد من الداخل.. لعلنا نستنبت الشغف بحثاً عن استشفاف المستقبل.
وبالمناسبة.. فقد أحزنتني صورة كتبها الشاعر اللبناني/عصام العبدالله، قال فيها:
- "إن آخر شخص يمكن أن يسأل عن الحرب في العراق أو سبل تجنبها هو: المثقف"!!
وقد أراد أن يقول: إن دور المثقف هامشي، ولا قيمة له في الوطن العربي حين تكون الأزمات على هذا المستوى.
وما زلت أذكر عبارة أخرى أطلقها الكاتب والشاعر نفسه عام 1993، فقال يومها:
- "ليس للشعراء اليوم لا أهل، ولا أب، ولا أم، ولا أقارب... إنهم متروكون في عراء فوضوي خطير، ولا يحسنون إلا المزاجلة فيما بينهم حتى يغمى على الجمهور"!!
وهكذا.. منذ مطلع التسعينات والشعراء وكل المبدعين: متروكون في العراء الفوضوي، وهو الترك الذي أحسبه امتداداً من الستينات وحتى الآن... فكيف يكون للمثقف وللمبدع دور (غير هامشي)، وتكون له قيمة مؤثرة في الخطاب التوعوي والتنويري إلى هذه الأمة العربية الهاجعة في كنف ضعف القيادات العربية وسلبيتها أمام أخطر قضاياها، إن لم يكن في عسف بعضها ودكتاتوريته؟!
الرأي الآخر: معتقل.. ما زال يراوح رغم إرهاصات إطلاق سراحه.. والتجديد يكاد ينحصر في التفاهات وما يسلي فقط، بما يشغل المواطن العربي عن قضاياه ومصيره وحقوقه.
ومن البعيد.. تبقت أصداء من كلمة قالها الصحافي المصري الرائد/مصطفى أمين:
- "نحن لسنا في حاجة إلى كرباج لإطاعة الأوامر، بل نحن في حاجة إلى كلمة طيبة، فيها عطف ومساواة وحنان".
وعندما يفرغ واقع الشعوب من (المساواة) في فرص الحياة والعمل.. وعندما يعتسف (العطف) فيجيره النظام السياسي لمواقف باهتة/مجرد حرف عطف.. وعندما يغيب (الحنان) عن البيوت، فمن تخاطب: الكلمة الطيبة؟!
* * *
وقفة البدء:
وفي أول "وقفة" بدأتها أمام الأخوين السيدين/هشام ومحمد علي حافظ: رأيت في عيني كل واحد منهما: الإصرار.. أن يملآ الأمكنة، وأن ينطقا الزمان... وكان ذلك "الإصرار" هو البئر الارتوازية التي يمتحان منها الطموح، والفكرة.. ويحاولان أن يرتويا دون أن يبتلا!!
تعلمت منهما -في البدء- معاني هذه العبارة:
- إن أسوأ حالات الفقر: أن تكون عاجزاً، أو فاشلاً، أو... مجهولاً.
إن العلم: ديناميكي لا يتوقف، ولكنه يطحن من يتخلى عنه، ويتركه كالذي مرض في قافلة.. ومن أجل أن تلحق بالركب، فعليك الاحتمال، والمصابرة، والعزيمة.
وفي هذا البدء، وقبل أن أضع جسمي في كرسي "مدير التحرير".. سألني السيدان:
- ما الذي تنوي عمله في البدء؟!
- قلت: أفتش عن شباب صحافي، يقدر على تكوين علاقات عامة في البدء.
- قالا لي: بل نريد منك قبل ذلك أن تجلس مع نفسك وتستدعي تفكيرك.. وتكتب لنا: مقترحاتك، وأفكارك، ورؤيتك لعمل سيتسع ولا يتقلص!!
وعكفت على إنجاز ما طلباه مني، وجاء في بدء الاقتراحات اللوازم: تشكيل مكتب المملكة، ومكتب "جدة" بالذات سيكون عوناً لمكتب الرياض، حيث العاصمة.. وانتقاء "كتاب" مميزين بكتابة الرأي الحر والحوار الموضوعي.. وإضافة صفحة يومية في "الشرق الأوسط"، تستقطب فيها الصحيفة كتاباً من المملكة ومن الوطن العربي.
وشرعت في استكتاب بعض أصحاب الأقلام المميزة من المملكة، واخترت -في البدء- قصيدة لشاعرنا الرائد الكبير/محمد حسن فقي لإثراء صفحة الثقافة بجودتها.
ولكن... ظهرت أول عقبة صنعها الأخ الزميل الذي يعد صفحة الثقافة والأدب في المقر الرئيسي بلندن، وهو لبناني من أنصار الفكر والإبداع الحداثي (!!) وحجب كل المواد التي أرسلناها من مكتب "جدة" بما فيها قصيدة الشاعر الكبير/محمد حسن فقي... وكأنه يشعرنا أنه لا يعترف بأدب ولا بأدباء في المملكة!!
وأعدت المحاولة عدة مرات دون جدوى.. كل ما يرسل من مكتب جدة: مصيره سلة المهملات.. حتى عرضت الأمر على السيدين/ هشام ومحمد علي حافظ، (فتوسطا) لدى المحرر الذي تفضل ونشر قصيدة "محمد حسن فقي" بأصغر بنط في ذيل الصفحة... حتى جعلني ذاك المحرر الثقافي اللندني (أحرم) أن أبعث له ولا حتى أخبار ونشاطات الوسط الثقافي الأدبي.
ولكن الزميل العزيز: فاجأني بعد فترة بنشر قصائد وموضوعات لكتاب شباب من المملكة، ممن ركبوا موجة الحداثة التي ظهرت آنذاك (طازجة)... واكتفيت بتزويد الصفحة بأخبار محلية سياسية مما تبثه وكالة الأنباء السعودية حسب التعليمات، واجتماعية، وكتابة عمودي اليومي (ظلال).
وكان يشغل منصب رئيس التحرير منذ انطلاقة إصدار "الشرق الأوسط" الصحافي الخبرة/جهاد الخازن الذي عمل مع الأخوين حافظ منذ أصدرا في جدة صحيفة "عرب نيوز" باللغة الإنجليزية فاختير رئيساً لتحريرها.. فكانت أول صحيفة بغير اللغة العربية تصدر من المملكة.
والأستاذ/جهاد الخازن إذا تحدث، فهو وجه ثقافي ملفت، وإذا قرر أن يمزح فهو كشكول نكت وقفشات... لكنه في عمله يمثل ذلك الرقم الواحد: واحد زائد واحد يساوي: واحد، هو/جهاد الخازن.
لكن هذا الرجل: محضني مودة خاصة كلما التقاني أو هاتفني، وقد استمزج النداء الذي خصني به السيدان/هشام ومحمد علي حافظ وهما يطلقان عليَّ كلمة: (سيدنا)، فتمسك بها/جهاد... حتى شاعت في كل أرجاء الشركة والمطبوعات بعد ذلك!!
وجهاد الخازن: صحافي حتى النخاع، وعلاقاته بنجوم السياسة وزعمائها: متينة.. فإذا كتب عموده اليومي، كانت السياسة تفيض منه... وهو يكتب في "صحيفة العرب الدولية" بروح الصحافي العربي، ولكن اتصالاته وعلاقاته تتخطى هذه البقعة المحدودة إلى مجالات أوسع وأكبر، وكأني به يتكئ على عبارتين للفيلسوف الألماني اليهودي الذي نادى بالتطوير: نيتشه:
- قال: "إن الحياة في تنازع البقاء، وبقاء الأصلح دون غيره".
- وقال: "الإنسان الأعلى هو الهدف الذي يجب الوصول إليه.. وأن الحق للقوة"!
وهكذا بنى "جهاد الخازن" فلسفته على: الحق للقوة في تنازع البقاء!!
وبذلك... بقي "جهاد الخازن" رئيساً لتحرير "الشرق الأوسط" مستحوذاً على أطول مدة قضاها رئيس تحرير جاء بعده ليدير "الشرق الأوسط"... ورغم أنني كنت داخل حزمة أو أسرة "الشركة السعودية للأبحاث والتسويق" التي تصدر "الشرق الأوسط"، إلا أن أسباب انتزاع "جهاد الخازن" من رئاسة التحرير: لم تزل حتى الآن بلا تفسير ولا تفصيل، وإن بقي بعد ذلك كاتباً دائماً ويومياً لعموده الناجح والشهير: "عيون وآذان"!!
* * *
.... والأيام بتجري:
وهكذا.. أخذت أجري مع الأيام، وتفر اللحظات الأجمل: قصيرة ماتعة ونحن نحاول اللحاق بها.. فمن هو هذا الذي يدعي أنه يسابق الأيام ويتقدمها في التحديات، والأمراض الجسدية والآلام النفسية؟!
لولا (الحب) ما عمرنا حتى الآن... وإن خضع العمر في هذا الآن إلى "الريموت"، ممكن أن يتوقف إذا فرغت البطارية، أو.... إذا صدئت وغطى الصدأ أكثرها!
ويبقى الإنسان يتابع أبناءه وأحفاده وهم يواجهون عصرهم الأقسى وهمومهم... لكنه هذا (الشيء) الذي يكتظ به الصدر من: الفقد، والشجون، والصدمة، والفجيعة في الآخرين، ورمادية العاطفة... حتى صار الكثير منا يعض لسانه في اليوم أكثر من مرة!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :525  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الثالث - النثر - مع الحياة ومنها: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج