شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عكاظ ((علي شبكشي))
عندما عرض عليَّ (الصديق) علي حسين شبكشي مسئولية إدارة تحرير صحيفة "عكاظ" وهو يتسنم منصب: مدير عام المؤسسة.. لم أسأله: هل انتزعت لي موافقة وزارة الإعلام على تعييني رئيساً للتحرير، أو مدير تحرير مسئول؟!
لقد أرادني "مدير تحرير" قبل أن ينتشر مسمى: "رئيس التحرير المكلف"، ليبقى هو مشرفاً أعلى على التحرير، يرسم خطوط منهجها العريضة وسياستها.
وتذكرت يومها جزءاً من عبارة لشاعر عربي قال فيها: (بدلاً من أن يمارس الإنسان دوره الطبيعي كمبدع أفكار ويجد المكان المناسب للشخص المناسب، فقد تضطره الظروف أن يتحول إلى أداة ووسيلة)!!
ومنذ اللحظة الأولى: انتابني هذا الشعور... لكن السؤال عن استمراري في هذا الموقع الذي اختاره لي "علي شبكشي" حتى إشعار آخر، أو انتزاعي منه بعد فترة: لم يكن مطروحاً، وليس هاجسي، بل كان المهم لدي في تلك المرحلة من واقع الأمة العربية: أن أدير تحرير صحيفة يومية تنجح في اتخاذ منهج عروبي، رغم أن توزيعها محصور في داخل المملكة أو الإقليم، يضاف إلى قاعدة أساسية هامة تقف عليها الصحيفة وتقوم على مناقشة قضايا الوطن ومشكلاته، والكلمة الصادقة التي يشرئب بها كاتبها إلى التقدم بالوطن نحو التطور.
وتذكرت سؤال الصحافي المصري العربي الكبير/أحمد بهاء الدين الذي أشار إلى معنى عبارة كانت متداولة في الصحف العربية في تلك المرحلة، وهي: (على قدم المساواة) فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وتعامل الغرب كله معها.. فكان سؤاله الساخر يومها: (هل شارفنا بوابة القدس)؟!
وفي عمق تلك الأوجاع النفسية العربية، كان لا بد لكل صحافي وكاتب أن يكتشف الوجه العربي في كثير مما ينتشر -أخباراً وتحليلات- وهو وجه يتلفت حيناً ويشيح حيناً آخر ليعطي قفاه كوجه (حنظلة): الشخصية المحورية في ما كان يرسمه الفنان الفلسطيني/ناجي العلي.
أما على صعيد الحدث الداخلي، فإن تغطيته إخبارياً وإعلامياً: كانت داخل عنق الزجاجة، تراوح ما بين محاولات النقد لأخطاء الأجهزة، خاصة الخدمية، وبين منجزات الدولة!!
- وقلت لعلي شبكشي بعد استلام عملي في الصحيفة: الله يستر مع الأخبار العربية، ورد الفعل وأصداءها... أما المحليات فقد كانت تعليمات وزارة الإعلام تشدد على الالتزام بما تبثه وكالة الأنباء السعودية فيما بعد!
- قال علي: لا عليك.. نحن سنركز على إبراز الخبر المحلي الجديد، وندفع بالمحررين للتسابق إلى إثراء الصفحة الأولى بخبر محلي (مانشيت).. وما رأيك لو رصدنا مكافأة مالية مجزية تصرف يومياً وفوراً لكل محرر يأتي للصحيفة بخبر محلي يصلح مانشيتاً للصفحة الأولى؟!
- قلت له ضاحكاً: إذن.. أنت (ستكوش) على المكافأة لأنك مصدر الأخبار الطازجة نظراً لاتساع وامتداد علاقاتك مع المسئولين.
وهكذا أضرم "علي شبكشي" النار في عزيمة وتنافس المحررين، وحققنا حينذاك (خبطات) صحافية، وانفردت "عكاظ" بنشر أخبار عن الوطن غير مسبوق إليها من الصحف الرصيفة.. وبذلك أراد "علي شبكشي" لعكاظ في عهده أن تكون صحيفة خبر وصورة، وتحليل سياسي واجتماعي واقتصادي.
ومنذ اللحظة الأولى التي وضعت فيها يدي في يد "علي شبكشي": بدأ الكلام الهامس يبلغ سمعي ممن أرادوا تأكيد محبتهم لي أو ضرب إسفين.. وكان أقسى ما سمعت:
- انتبه.. "علي" رجل أعمال شديد الذكاء، وهو يبحث الآن عن الدور الإعلامي وتوظيف الصحيفة لخدمة طموحاته.. وفي الوقت نفسه: تميل شخصيته لمن يختلف معه فوراً إلى صفة الشخص "السيكيوباتي".. وبقدر ما تمتاز روحه بالمرح والنكتة وإظهار الود، فهو أيضاً: عنيف في رد فعله وآحادي التصرف!!
لكني لم التفت إلى كل تلك التحذيرات، فهو يتعامل معي بود، وقد عرفته في نهدة شبابنا منذ كنا نرتاد مجلس والده الشهير: (مركاز وجهاء جدة) الشيخ/حسين شبكشي الذي يضم: صحافيين وإعلاميين، وأدباء كباراً، ورجال أعمال، وعلية القوم... وكان "عم حسين" -رحمه الله- يتفرد بصفات الشخصية الاجتماعية الجذابة القادرة على تجميع الناس حولها.. بالإضافة إلى حبه للسفر والعلاقات الاجتماعية.
* * *
وهكذا "انخرطت" في عملي/"مديراً للتحرير"، ومسئولاً قائماً بعمل رئيس التحرير: في زمن "علي شبكشي" على وزن: "زمن حاتم زهران"، واستطعنا معاً أن نستنبت في حقل "عكاظ" الصحافي شباباً عشق العمل الصحافي وركض وراء السبق، واستفاد من هذا التأهيل الذي وفرته "عكاظ" كمؤسسة صحافية حرصت على استقطاب الشباب.
وأحسب أن تلك الفترة ينطبق عليها مضمون إجابة الفنان العالمي "فان جوخ" الذي سئل: من هو أعظم فنان في العالم من وجهة نظره؟! فأجاب: (إنه الإنسان الذي يفكر بقلبه، فينعكس ذلك على وجهه وتصرفاته وطريقة تعامله للناس)!!
أو..... لعلني كنت حينذاك أكثر شبهاً بذلك الإنسان الذي وصفته!
وأحسب أنني فرحت يومها (بالمنصب) في اشتعال طموحاتي واستشرافي للغد، فاندفعت نحو العمل المضني الذي أكل كل وقتي، حتى وقت عائلتي وأولادي وانسجامي مع نفسي وتأملاتي... وذلك بهدف الارتقاء بخدمات صحيفة حزم الطموح من يعملون فيها، واستقطاب (الشباب) حولها بهدف جذبهم إلى القراءة والمعرفة... وقد احتملنا في تلك الفترة الكثير من إحباطات تعليمات وزارة الإعلام لنا و (فرملتها) لاندفاعنا نحو مصافحة القارئ كل صباح جديد!!
واستطاعت "عكاظ" في شهور قليلة أن تحظى بثقة نسبة كبيرة من القراء الذين اعتبروها صحيفتهم الأولى، وارتفع توزيعها أضعاف ما كانت عليه قبل أن يتولى "علي شبكشي" مسئولية المدير العام... وهو متميز بطموح ربما يجمح أحياناً فوق الممكن.
* * *
حديث السادات:
وفي إحدى أوبات "علي" من سفرياته.. جاءني متهلل الوجه، وقال لي:
- ما رأيك في سبق صحافي عربي/دولي يجعل اسم "عكاظ" على صفحات الجرائد الدولية الأولى؟!
- قلت: وفي القاهرة؟!
- قال: من أخبرك؟!
- قلت: لا أعرف أية تفاصيل، لكنك عائد من مصر مساء أمس.
- قال: رتبت لك موعداً تلتقي فيه بالرئيس "أنور السادات" وتجري معه لقاء صحافياً موسعاً.. وسيكون أول حديث صحافي يدلي به لصحيفة عربية بعد انتصار حرب أكتوبر!
- قلت: أعرف علاقاتك الشاسعة بالمسئولين في مصر.. فمتى أذهب إلى المطار؟!
حقاً... فرحت جداً بهذه الفرصة التي لا تتوفر لصحافي عربي في نشوة تحطيم خط بارليف... فكيف إذا كانت الصحيفة سعودية وإقليمية، وهذه فرصتها لتعرف عربياً ودولياً.
واصطحبني "علي شبكشي" إلى مصر، وبهمة عالية: رتب لي برنامج الرحلة، وسيناريو لقاء الرئيس السادات في "المعمورة" بالإسكندرية.. وجمع لي "علي" أسئلة من صحافيين مصريين، أضيفت إلى الأسئلة التي وضعتها مستعيناً بأصدقاء لي في المملكة... وحملني القطار إلى حيث يستجم رئيس الدولة/السادات، ونظراتي على امتداد الطريق تحتضن خضرة الأرض وسيقان الذرة، في انتظار أن تحتضنني نسمة حنون من طقس الإسكندرية!
كنت أشعر في داخلي باضطراب شديد، فهذا هو السادات الذي أجلى العدو الصهيوني عن سيناء وحرر ما احتله العدو من أرض مصر.. وهذا هو: أول زعيم عربي بهذا الثقل سأجلس أمامه وأطرح عليه أسئلتي، وقد أحاوره على هامش الأسئلة، فلا بد من رباطة الجأش والصمود.
كان موعد اللقاء في الساعة العاشرة صباحاً.. حيث أقلتني عربة "ميكروباص" تابعة لوزارة الإعلام حتى البوابة الرئيسية لمسكن الرئيس في (شاليه) رئاسي يحيط به البحر ويمارس الموج أمام زجاج صالونه الكبير: رقصة البياض.
كنت أحمل جهاز تسجيل ترانزستور، وأرتدي الثوب والشماغ والعقال، أمشي مسافة حسبتها قد طالت من البوابة الرئيسية إلى مدخل البيت بصحبة رجل أمن، وكأنني على وشك السقوط.
أدخلوني إلى صالون صغير عدة دقائق، لم تطل، وجاءني "الياور" يقول:
- اتفضل سيادتك.. الرئيس بانتظارك.
أفضت بي الخطوات إلى صالون طويل له واجهة زجاجية بطوله تطل على البحر.
و..... احتشد سمعي بصوت "الريس" بسيطاً، مرحاً، مبتسماً، يقول لي وهو فاتح ذراعيه:
- أهلاً.. أهلاً بجيرة الحرمين.. يا مرحبا.
كأنه يعرفني، وكأنني لم أعد أقف أمام رئيس دولة وزعيم عربي، وبطل حرب أكتوبر.
- قال مشيراً بيده إلى مقعد ملاصق لمقعده: تفضل بالجلوس.. ما اسمك؟!
عرفته باسمي، واسم الصحيفة التي أمثلها، ومكان عملي.. وأضفت قائلاً:
- سيادة الرئيس.. لقد حددوا لي نصف ساعة هي عمر هذا اللقاء، وأنا أطمع في تفضلكم بمنحي وقتاً أطول!
قهقه وهو يحشو "البايب" ويشعله.. وقال:
- لا عليك... أنت عبق مكة والمدينة.. اسأل ما تريد.
كان صريحاً، ومباشراً في أجوبته، غير متردد ولا متلجلج... حتى سألته:
- سيادة الرئيس... ما هو الإسهام الايجابي الذي قدمته المملكة لمصر دعماً لحرب أكتوبر؟!
شرد نظره إلى البعيد يخترق الزجاج إلى البحر مختلطاً ببياض موجه.. ثم قال:
- أحسب أن سؤالك هذا سيحظى بإجابة مني ستكون مانشيتاً لصحف العالم.. اسمع إذن ما أقوله لك في موقف واحد من مواقف المملكة المشرفة مع شقيقتها مصر:
كنا نوفر أكثر سلاحنا من الاتحاد السوفيتي، ولما احتجنا إلى توفير قطع غيار لهذه الأسلحة تعهدنا لحكومة الاتحاد السوفيتي بتسديد ثمنها في وقت محدد لم نستطع أن نفي به، وكانت النتيجة: أن أوقفوا توفير وبيع قطع الغيار لأسلحتنا حتى نسدد ديوننا.. وعلم الملك فيصل، فكانت مبادرته العظيمة بأن دفعت المملكة لنا المبلغ المستحق ديناً علينا لنقوم بدورنا بتسليمه لموسكو... وهكذا تفعل المملكة دائماً بمواقفها الايجابية معنا.
- قلت للرئيس: بقيت لدي أسئلة شبه خاصة عن بدايتك العمل والهواية.
- قال: أوفر عليك... فقد كنت أهوى التمثيل، وخشبة المسرح، وشاركت في بعض الأعمال المسرحية في انطلاقة شبابي، وربما كان المسرح هو هوايتي التي أعشقها لأنه "أبو الفنون" كما أطلقوا عليه.
انتهى اللقاء... وخرجت أمشي المسافة الطويلة من باب السكن إلى البوابة الخارجية.. وإذا بسيارة تقف لتقلني إلى البوابة الرئيسية... وأنا في حالة قلق خوفاً من أن يكون المسجل قد خذلني فلم يسجل حوار الساعة والنصف.. حتى فتحته للاطمئنان.
وكما توقع الرئيس السادات... ففي صباح نشر الحوار تناقلت وكالات الأنباء مضمون الحوار، وفي اليوم التالي سارعت الصحف العربية والعالمية إلى نشر أجزاء مطولة من الحوار.
وكان حواري مع الرئيس السادات: أول سبق صحافي أنجزه على مستوى الوطن العربي والعالم.
وتوقعت أن تبادر مؤسسة عكاظ بصرف مكافأة مجزية.. لكنهم اعتبروا تداول الحوار عربياً ودولياً أكبر مكافأة لي!!!
* * *
قرارات الفصل:
كان اعتماد "علي شبكشي" في مطبخ التحرير على الأخوة من مصر، وبالتالي فكلمة أي واحد منهم فوق الجميع.. وبدأت الخلافات، وكان من ضحايا تلك الخلافات/علي مدهش الذي صدر قرار بفصله من الصحيفة بسبب صراع الكواليس... وما لبث/محمد عبدالواحد أن لحق بزميله.
واضطر "علي مدهش" لتأمين لقمة العيش لبيته وأولاده أن يحول سيارته إلى "تاكسي".. يكد عليه من الصباح إلى الليل، وأحسبه أول صحافي شاب يتعرض حينذاك لهكذا موقف أضر كثيراً (بسمعة) الذين يشرفون على الصحافة في صمت الإدارة المختصة، سواء كانت وزارة الإعلام أو وزارة العمل... ويتم الفصل حسب مزاج ومصلحة المدير العام.
أما "محمد عبدالواحد"... فقد تفرغ لرواية قصص ومواقف من داخل الصحيفة تضر كثيراً بسمعة المؤسسة الصحافية عموماً، ولا ينسى "عبدالواحد" فهو يكرر رواية الفصل بين فترة وأخرى، ويقول: "هناك من فصلني من عملي الصحافي أكثر من خمس مرات، بل إن بعضهم بلغت قرارات الفصل التي أصدرها في حق الصحافيين السعوديين في عام واحد أكثر من قرارات الأمم المتحدة في خمسين عاماً"!!
وحان دوري بعد ذلك المشوار الذي صار مذموماً من قيادة المؤسسة، ولم أكن أقدر أن الخلاف في وجهات النظر: يؤدي إلى الفصل من العمل، فقد كتبنا كثيراً ودافعنا عن: حرية الرأي، وتقبل الحوار...... دون جدوى.
وجاء قرار فصلي (خبراً) فوجئت به في الصباح منشوراً دون إنذاري.
ولم تهدأ التليفونات التي أحرقتني بالأسئلة: ماذا حدث، ماذا فعلت، لماذا تسكت ولا تشتكي؟!
- قلت: لست أنا الشخص المحارب لطواحين الهواء.
وفي مساء اليوم الذي نشر فيه "علي شبكشي" خبر فصلي، وفي زحمة الاتصالات الهاتفية.. جاءني صوت الصديق الخلوق "أبو بشار" خالد المالك، رئيس تحرير (الجزيرة)، يسألني: ماذا حدث؟!
وفاجأني وهو يطلب مني أن أكتب الآن مقالاً جديداً ستنشره صحيفة (الجزيرة) اعتباراً من صباح الغد ليكون عموداً يومياً!
- قلت لأبي بشار أشكره: مواقفك ناصعة يا أبا بشار، وأشكرك، لكن نفسيتي الآن لا تعينني على الكتابة.
- قال: بالعكس.. أعرف أنك تقبل التحدي وتواجهه، ونحن سنكسبك قلماً يومياً له شريحة عريضة من القراء.. وسيتصل بك بعد المغرب محرر تملي عليه عمودك لينشر صباح الغد!
لم تكن لدينا "فاكسات"، والإملاء بالهاتف متعب للمتلقي.
وهكذا أصر "خالد المالك"، وصدرت الصحيفة في الصباح مرحبة بعمودي اليومي في دهشة الكثير من القراء.. وفي قناعتي: أن الأجواد في نجد!!
وهكذا طويت صفحة سريعة السطور من حياتي الصحافية.. وقد كانت تجربتي فيها كلمح البصر، لكنها حفلت بمواقف جميلة، وفاضت منها ذكريات راوحت ما بين الشجون والحزن الذي يشبه الضحك، والضحك الذي يحمي من الجنون!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1044  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 39
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج