شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
أحمدك اللهم كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك وأصلّي وأسلّم على خير خلقك حبيبك وصفيّك سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
السيدات الفضليات.
الأساتذة الأكارم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يسعدني أن نحتفي الليلة بالأستاذ الدكتور حامد بن أحمد الرفاعي، رئيس المنتدى الإسلامي العالمي للحوار، وعضو هيئة الرئاسة للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة، وخبير في الدراسات الاستراتيجية في منظمة المؤتمر الإسلامي، وهو كما يعلم بعضكم حريص على التواصل مع "الاثنينية" منذ سنوات طويلة، شاكرين له تلبية دعوتكم لتكريمه على جهوده الخيرة، والتحاور معه وفق الآفاق الواسعة التي ارتادها خلال مسيرته الطويلة لخدمة الوسطية وحوار الأديان وتقبل الآخر وفق أطر محددة ومنهج علمي سار عليه في أداء رسالته.
إن المتتبع لسيرة ضيفنا الكريم يجد انقلاباً قد يفاجئه في الوهلة الأولى، وهو أنه أمام أستاذ جامعي في مجال الكيمياء العضوية، استقر بين طلابه ومختبره العلمي على مدى عشرين عاماً، ثم اتجهت بوصلته إلى العمل الإسلامي والدعوي بصورة جذرية.. الأمر الذي قد يترك بعض علامات استفهام حول طبيعة هذه المرحلة التي بدأ يغرد فيها خارج سرب تخصصه الأكاديمي النادر.. وقد تتناسل علامات الاستفهام حول هذا التوجه: هل هو مكسب للعمل الدعوي بقدر ما هو خسارة لعالم المختبرات وطلاب الجامعة، أم أن ميزان الخسارة أكبر؟ أم مكسبنا في الجانب الآخر هو الأثمن؟ وهي أسئلة لا أملك رداً عليها، ولكني أتركها تلوب في ذهن وفكر المهتمين بهذا الشأن.
وفي تقديري الشخصي أن الغيرة المحمودة قد دفعت ضيفنا الكريم لتكريس جهوده نحو مجالات الدعوة والإغاثة، فما يمر به العالم الإسلامي من حوادث ومآسٍ قد أثرت في عمق جذاذات نفسه، وحركت بوصلته للاتجاه الذي ارتضاه عن قناعة.. فكان له ما أراد واستطاع بذات القوة والتمكن الذي رسخت به قدمه في مجال الكيمياء الحيوية أن يشق طريقه في العمل الدعوي الذي ارتكز على مقومات أحسب أنه أحسن التعامل معها.. فهو رجل مختبرات.. ومعايير الأداء لديه منضبطة إلى مدى يسمح له بتقدير الأمور بصورة تليق والعمل الجسور الذي يقوم به في خدمة الإسلام والمسلمين.
ضيفنا الكريم صاحب منهج في العمل الدعوي يسير على نمط قد يختلف عن بعض المجتهدين في هذا الباب، فقد شهدنا خلال العقود القليلة الماضية توجهاً كبيراً يكاد يشبه موجة عاتية نحو العمل الدعوي، والتصدي للفتوى، والدخول في عالم المناظرات مع معتنقي الديانات السماوية، لكن قلة من هؤلاء استطاعوا أن يؤثروا بصورة إيجابية في هذه المسيرة الخيرة، وبعضهم بكل أسف لم يضف شيئاً إن لم نقل إنه كان عبئاً على غيره من الدعاة الواعين المدركين لطبيعة المرحلة.. لذا نجد ضيفنا الكريم قد اختط منهجه الخاص في التعامل مع هذا العمل الحساس، فأدرك بفطرته وبأسلوبه العلمي أنه لابد من توفر شروط معينة قبل التصدي للآخر، ومنها:
الفهم الدقيق لشمولية منهج الإسلام على أساس من الكتاب والسنة.
الفهم الدقيق للمقاصد العليا للشريعة الإسلامية.
الفهم الدقيق لمهمة استخلاف الإنسان في عمارة الأرض، وأن المسلم وغير المسلم شركاء في هذه المهمة سواء بسواء.
الإحاطة بأدبيات التعامل مع غير المسلمين المقررة في الكتاب والسنة.
التعرف بدقة على الآخر: ديانة، وثقافة، وفكراً.
أن يمتلك سعة الصدر والقدرة المتزنة على تقديم القول الحسن.
أن تكون لديه مهارة في تخير الألفاظ والعبارات التي تُبسط للآخر أسباب تفهم القيم الإسلامية.
أن يكون واسع الثقافة والمعلومة والمتابعة لأحداث زمانه ومكانه.
انطلاقاً من هذه الأرضية الصلبة، وتحقيقاً للنموذج المثالي في التعامل مع مشكلات الدعوة، عمل ضيفنا الكريم على وضع "خارطة طريق" تمكنه وغيره من السالكين في تهيئة المناخ الملائم لعطاء يثري الساحة ولا يؤثر سلباً على النهج الدعوي بصفة عامة.. وهو طريق شائك وطويل.. والدليل على ذلك مسألة الرسوم المسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، التي نشرتها بعض الصحف الدنمركية قبل ثلاث سنوات تقريباً، ووجدت الكثير من الشجب والتنديد، حتى أن بعض ردود الفعل الغاضبة كانت تؤدي إلى نتائج عكسية نظراً لانحرافها نحو العنف الذي يصب في دائرة الإرهاب، وهو ما أشار إليه معالي البروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو، أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي في حينه، وطالب بتحجيمه والعمل على تجريم هذه الممارسات وفق مبادئ القانون الدولي.. وللأسف قامت بعض الصحف الأوروبية قبل أيام بإعادة نشر تلك الرسوم، متذرعاً بحرية الرأي، وهي حجة نعلم أنها أوهى من بيت العنكبوت لأنها متى ما تعرضت للنيل من بعض الوقائع الأخرى لتم التعامل معها فوراً بمكيال آخر، باعتبارها في مقام التزوير لحقائق التاريخ، ليتم ربطها بالعنصرية.
وأخلص من هذا إلى أن العمل الدعوي يحتاج في كل الأحوال إلى نفس طويل حتى يؤتي ثماره، كما أن العنصر البشري مهم في هذه العملية، ولا بد من تنقيته ممن يطرأون عليه دون أسس راسخة تمكنهم من أداء دورهم بإيجابية.. ويبدو لي أن هناك خللاً في تطوير الآليات التي تحكم هذا التوجه، وعلى المختصين تدارك الموقف، وأن يواكب القول الفعل قبل أن تتحول الساحة إلى مجرد شعارات ليس لها وجود على أرض الواقع.
وفي الوقت الذي نثمن عالياً ما يقوم به ضيفنا الكريم من خلال منظمتي المنتدى الإسلامي العالمي للحوار، ومؤتمر العالم الإسلامي، إلا أن هناك من يوجه أصابع الاتهام بالقصور تجاه الحوار داخل المجتمعات الإسلامية، فهناك حملات إقصاء مستمرة، وممارسات تهميش غير مبررة تجاه بعض المذاهب الإسلامية رغم الاعتراف بها رسمياً من قبل الدولة، لكن هناك مفاهيم خاطئة شائعة بين كثير من الناس، الأمر الذي يقتضي تحركاً إعلامياً واسعاً، وعملاً دؤوباً من ضيفنا الكريم عبر المنظمات التي يمثلها، والمؤتمرات والندوات والمحاضرات والفعاليات التي يسهم فيها لتكون نواة عمل مؤسّسي لتجاوز مثل هذه المواقف التي تجعل العالم الإسلامي موصوماً بالانقسام على نفسه قبل أن يجهر بالقول لكسب ود الآخرين والدخول معهم في حوار بناء.
ضيفنا الكريم بحكم منصبه كرئيس للمنتدى الإسلامي العالمي للحوار يحمل على كاهله مسؤولية مهمة فالحوار مع الآخر كما تعلمون يتطلب إمكانات مادية وكفاءات بشرية مقتدرة إذا ما أردنا الوقوف وجهاً لوجه أمام المؤسسات العالمية ومحاورتها، وإذا ما أردنا رفع الظلم عن كياننا الإسلامي الذي زادت وتيرته في الفترة الأخيرة.. لأن أي توازن لمعايير العدل يتطلب تكافؤاً في القوة.. ولن يتأتى ذلك ما لم نتمكن من صناعة قادة للمستقبل قادرين على قيادة المراكز الإعلامية، ومراكز البحوث والدراسات، والمؤسسات الثقافية، والقيام بأنشطة سياسية واجتماعية وثقافية مؤثرة تشكل نواة أي حوار مع الغير.. وللأسف فإن الكثير من المنظمات والمراكز والمؤسسات في مجتمعنا ما زالت في البدايات ولم ترق بعد إلى مثيلاتها في الغرب لا من حيث الكفاءة، ولا من حيث الإمكانات المادية.
ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى الكتاب الذي ألفه ضيفنا الكريم بعنوان (شركاء لا أوصياء) الطبعة الثانية 1427هـ/2006م.. والذي تناول فيه الإسلام والاستجابة لتطلعات الأمن البشري.. وقد فصل في هذا الكتاب عدة محاور تمثل في مجملها العقد الاجتماعي الدولي الذي تتطلع إليه شعوب الأرض، ومن أهمها أن الأمن البشري واحد لا يتجزأ، وأن العدل حق مطلق للجميع، ومراعاة إجلال قدسية حياة الإنسان وكرامته، واحترام سلامة البيئة وعدم الإفساد في الأرض، وتوفير الأمن والاستقرار والتنمية الراشدة.. فمثل هذه القيم إذا ترجمت على أرض الواقع فإنها كفيلة بإيجاد مجتمع يكون قدوة لسائر البشرية، ويضع الأطر التي تؤهل الدعاة وتمكنهم من الحوار مستندين على تجربة عملية راسخة تؤكد سلامة المقصد، وتؤدي في النهاية إلى حياة حرة كريمة تليق بمكانة الإنسان التي أرادها له الحق سبحانه وتعالى.
أتمنى لكم أمسية زاخرة بالعطاء والفائدة مع ضيفنا الكريم.. وعلى أمل أن نلتقي الأسبوع القادم لنكرم السيدة الفاضلة الدكتورة هند باغفار.. وهي كما تعلمون باحثة في الفلكلور السعودي، وفنانة ذات رؤية إبداعية ثاقبة، ومشاركات أثرت الساحة الثقافية بإنجازاتها.. سعيداً أن أترك لاقط الصوت لزميلي سعادة اللواء الركن الدكتور السيد أنور ماجد عشقي، رئيس مركز الشرق الأوسط للدراسات الاستراتيجية، وصاحب منتدى "الأحدية" الثقافي، وعضو مجلس الرعاة للاثنينية ليرعى هذه الأمسية مشكوراً.. وقبل أن أختتم لابد أن نترحم على فقيد الأدب والشعر الشاعر الكبير عبد الله الجشي الذي شرفت الاثنينية بتكريمه بتاريخ 19/10/1426هـ الموافق 21/11/2005م وبرحيله فقدت مدينة القطيف بل الوطن كله شاعراً كبيراً وأديباً فذاً أثرى الساحة الثقافية بروائع شعره ونثره كما سعدت الاثنينية بنشر أعماله الكاملة في مجلدين ضمن كتاب الاثنينية عام 1428هـ- 2007م نسأل الله سبحانه وتعالى أن يكرم نزله ويوسع مدخله ويسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً وإلى لقاء يتجدد وأنتم بخير.
والسلام عليكم ورحمة الله،،،
 
طباعة

تعليق

 القراءات :688  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 115 من 255
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.