شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
قراءة في ((الأعمال الكاملة)) للأديب الدكتور عاصم حمدان (1)
قراءة/الطيب برير يوسف
((إن النص ليس تلك اللغة التواصلية التي يقننها النحو، فهو لا يكتفي بتصوير الواقع أو الدلالة عليه، فحيثما يكون النص دالاً فإنه يشارك في تحريك وتحويل الواقع الذي يمسك به في لحظة انغلاقه، بعبارة مغايرة، لا يجمع النص شتات واقع أو يوهم به دائماً وإنما يبني المسرح المتنقل لحركته التي يساهم هو فيها ويكون محمولاً وصفة لها، فعبر تحويل مادة اللسان ـ في تنظيمه النحوي والمنطقي ـ وعبر نقل علاقات القوى من الساحة التاريخية في مدلولاتها المنظمة من موقع ذات الملفوظ المبلغ إلى مجال اللسان ينقرئ النص ويرتبط بالواقع بشكل مزدوج، فهو يرتبط باللسان والمجتمع الذي يتوافق مع تحولاته)).. ورد على خاطري هذا المجتزأ من كتاب ((علم النص)) لجوليا كريستيفا وأنا أتأمل ((الأعمال الكاملة للأديب الدكتور عاصم حمدان علي)) والتي صدرت في أربعة مجلدات ضخمة تكفل بها الأستاذ عبد المقصود محمد سعيد خوجه ضمن منظومة (( كتاب الاثنينية )) لتضاف بذلك إلى المكتبة السعودية والعربية أسفاراً تسافر عبر الزمن والأجيال لتشج علاقة الإنسان بالكلمة تأكيداً لمبدأ المساهمة في الإثراء عبر المنتج الادبي والتوثيق عبر الفعل الكتابي وفق منظور يستلهم قدرته الخلاقة من مكنة الأديب الدكتور عاصم في الإمساك بحرف الكتابة تسجيلاً لتاريخ تتعاقب عليه الأيام وتتراكم ولا يجد غير الحادبين من ذوي الهمة العالية والشعور بالمسؤولية في حفظ وقائعه ولحظاته بحيادية ومحبة تجعل منه مرجعاً مهماً في حركة الشعوب وتواصل الأجيال، فضلاً عن الرؤية الثاقبة، والتحليل الموضوعي المفضي إلى عالم يحوطه الإبداع من أطرافه المختلفة، مشيعاً حالة ((إشباع)) ثقافي ومعرفي، وفاتحاً المجال باتساعه أمام الحرف ليأخذ مكانه في ساحة القراءة والتأمل. والذي يعين على ذلك قدرة الدكتور عاصم حمدان المهولة في المواءمة بين قراءة الواقع المعيش من خلال الرصد، واستنطاق الأحداث من خلال الرؤية والتحليل، مستهدياً في ذلك بذاكرة مشحونة بالمعرفة ومزدانة بالنستولوجيا ليجيء نصه المكتوب حراً من قيد التصنيف الحرفي بحرية حركته في نطاق السرد والتوثيق والتحليل..
ودخولاً مع الدكتور عاصم في نسيج أعماله الكاملة يطالعنا المجلد الأول برحلة الذكريات في ((حارة الأغوات)) و((حارة المناخة))، و((أشجان الشامية)) و((ذكريات من الحصوة)) و((هتاف من باب السلام)) و((رحلة الشوق في دروب العنبرية)) وكلها تمثل أيقونات جمالية تستبطن في متونها سنوات عمر وخطوات نبض مأخوذ بالحنين، ومستوف لشروط المحبة للزمان والمكان ومن فيهما..
ولعل مقدمة الناشر الأستاذ عبد المقصود خوجه تعبر عن ذلك بجلاء حيث يقول: ((هناك فئة من الناس اختصها الحق سبحانه وتعالى بقوة التعبير عن مكنون أنفسها، شعراً أو نثراً، دون عناء البحث عن الشوارد ووعثاء تكلف الخواطر، ومن الناس من لا يرضى بغير (المجاورة) تعبيراً حسياً عن حبه للالتصاق بالأرض التي يسري عشقها في عروقه.. وقد خبرت أصنافاً من البشر ممن هاموا حباً بالحرمين الشريفين، إلا أن معرفتي بالأستاذ الدكتور عاصم حمدان جعلتني أقف على أنموذج فريد في حب ((المدينة المنورة)) على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم..
بهذا المفهوم الذي عمقته كلمة الناشر يتحول النص المكتوب إلى ذات الشخص نفسه دون انفصام أو انفصال، وهذا ما يشير إليه الأستاذ الدكتور غازي عبيد مدني مستجلياً مع ما خطه الدكتور عاصم عن حارة الأغوات في صورة أدبية للمدينة المنورة في القرن الرابع عشر الهجري حيث يقول: الصورة التي أمامنا تعكس ذكريات وهي بذلك يحكمها ويحدد إطارها وتفاصيلها ثلاثة عوامل: عامل زمني، وعامل مكاني، وعامل ثقافي. العامل الزمني تحدده الفترة التي بدأ الكاتب يفتح عينيه فيها على الحياة، فانطبعت في ذهنه ذكريات رسخت في أعماقه، وتأثرت بها شخصيته. أما العالم المكاني فإن إطاره منطقة واحدة هي حارة الأغوات، بل بعض من الحارة، العامل الثقافي تحكمه النشأة الدينية والخلقية التي نشأ عليها الكاتب في نظرته للحياة والناس..)).
والدكتور عاصم يحدد إطار كتابته عن هذه الحارة وغيرها بقوله: ((إنه عمل يقف في منتصف الطريق بين التاريخ والعمل الروائي، ولم أجد عبارة تكاد تنطبق عليه أكثر دقة من (صور أدبية) ولهذا فليعذرني البعض الذي يظن أنني أورخ للمدينة..))
وعلى هدى ومصباح ما أشار إليه الدكتور عاصم يمضي في نسج خواطره وصوره الأدبية مقدماً شهادته الأدبية عن حارة الأغوات حالاً ومحلاً، لينتقل من ثم إلى حارة المناخة بذات القدرة والمكنة في التصوير الأدبي البديع.. ويتحرك الكاتب إلى مكة المكرمة راسماً أشجاناً شامية ثم إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم مع ذكريات من الحصوة وهكذا يمضي الجزء الأولى من الأعمال الكاملة مسجلاً خواطر المؤلف وذكرياته بين الحرمين الشريفين مقدماً شهادة معاصر، وتصوير أديب.
في الجزء الثاني تناول المؤلف المدينة المنورة بين الأدب والتاريخ، مستعرضاً ((الأخبار الغريبة فيما وقع بطيبة الحبيبة)) متنقلاً بين ((حلقات العلم في الحرمين الشريفين)) ومتأملاً ((الشعر السياسي والوطني عند شعراء المدينة المنورة))، وناشراً ((صفحات من تاريخ الإبداع الأدبي بالمدينة المنورة))، ولعل في إضاءة الدكتور جميل محمود مغربي لهذا الجزء ما يفي غرض الإبانة لما يحتويه ويشير إليه حيث يقول جميل: ((الموضوع يتمحور حول تاريخ وأدب المدينة المنورة خلال فترة زمنية امتدت من القرن الثاني عشر الهجري حتى العصر الحديث لتشمل حقبة منيت بالكثير من الحيف والظلم خلال تاريخنا الأدبي في مجمله حتى وسمت جوراً بعصر الجمود والانحطاط عوضاً عن العصر المملوكي والعثماني، فجل نتاج هذه الفترة ما زال متوارياً ومخطوطاً كما أن الباحثين انصرفوا إلى العصور الأخرى وتنكبوا عن هذا العصر، فكما أن الحكم على الشيء جزء من تصوره فإن الحكم على هذا العصر مرتهن بإبراز نتاجه وتحقيق مخطوطاته والعكوف على موضوعاته وشخصياته دراسة وتحليلاً ليتسنى إصدار الحكم له أو عليه..)) ولعل هذا ما قام به المؤلف من خلال تناوله في القسم الأول من الجزء الثاني بعمل دراسات فكرية وأدبية تناولت شعراء المدينة المنورة والشعر الملحمي في القرن الثاني عشر الهجري من حيث المفهوم والبناء الفني لقصيدة الملحمة عارضاً لإنتاج أمين حلواني ورائد الكلمة ومبدع القصيد السيد عبيد عبد الله مدني، والأستاذ عبد السلام هاشم حافظ، والشيخ جعفر بن إبراهيم فقيه، أما القسم الثاني فخصصه المؤلف للدراسات التاريخية من خلال استعراضه لكتاب ((تاريخ المدينة المنورة)) لأبي زيد بن عمر شبة النميري البصيري وكتاب ((تحقيق النصرة)) لأبو بكر المراغي، و((ذيل الانتصار لسيد الأبرار)) لعمر ابن السيد علي السمهودي، وكتاب ((نتيجة الفكر في خبر مدينة سيد البشر)) لمحمد بن زين العابدين المدني الخليفتي، و((تحفة الدهر ونفحة الزهر في أعيان المدينة من أهل العصر)) لعمر بن عبد السلام الداغستاني، و((تحفة المحبين)) لعبد الرحمن الأنصاري، و((الأخبار الغريبة فيما وقع بطيبة الحبيبة)) للسيد جعفر بن حسين المدني، مبيناً من ثم منهج الشريف العياشي في البحث التاريخي. ثم انتقل الكاتب إلى الحديث عن ((حلقات العلم في الحرمين الشريفين)) متناولاً دورها في صياغة المعطيات الثقافية والفكرية في القرون 12، 13، 14 هجرية، كذلك تناول الكاتب الشعر السياسي والوطني عند شعراء المدينة المنورة في الفترة من 1134 ـ 1143هـ مستعرضاً من الشخصيات الشعرية جعفر البيتي وعبد الجليل برادة، وإبراهيم الأسكوبي، ومحمد الواسطي، وعبيد مدني، مخصصاً بعضاً من القصائد للدراسة. ويشتمل الجزء الثاني أيضاً على صفحات من تاريخ الإبداع الأدبي بالمدينة المنورة ملقياً الضوء فيها على التاريخ والمؤرخين للمدينة المنورة ملقياً الضوء فيها على التاريخ والمؤرخين للمدينة المنورة في العصر الحديث والأدب في المدينة المنورة أعلامه وموضوعاته الرئيسة وظواهره الفنية، شارحاً الحالة الفكرية في المدينة المنورة في القرن الثاني عشر الهجري، مختتماً هذا الجزء بتناول سيرة أعلام من المدينة المنورة مثل محمد حسين زيدان وعلي وعثمان حافظ وأمين مدني وغيرهم.
الجزء الثالث من الأعمال الكاملة ضمت عدداً من المقالات الفكرية تحت سياج نحن والآخر، عمل المؤلف من خلال ذلك على محاكمة الواقع بمعطياته وعرضه وفق أيديولوجيا ورؤى نابعة من ذات التربة والمناخ بعيداً عن الانسياق والخضوع للدراسات المستشرقة التي عمت بضبابيتها الصورة الحقيقية للمجتمع العربي والمسلم كما يشير بذلك الدكتور جميل في افتتاحية هذا الجزء..
ويقرر الدكتور عاصم أهمية الكتابة في هذا الشأن وضرورتها بقوله: ((هذه الدراسات تختلف موضوعاتها لأنها كتبت في فترات متباعدة، ولكنه يجمعها هدف واحد هو كيفية التعامل مع الآخر حضارياً وفكرياً وثقافياً، وتزداد أهمية هذا الموضوع من خلال ما نشاهده اليوم بعد انتهاء فترات ما يسمى بالحقبة الباردة في العلاقات الدولية، إلى توجه الدول والمجتمعات إلى موضوع هو بؤرة النشاط ومركز الاهتمام ـ ليس فقط من رجال الفكر والثقافة والأدب ولكن أيضاً من المؤسسات التنظيمية المسؤولة في جميع بلاد الدنيا ـ هذا الاهتمام ينصب على الحفاظ على الهوية الفكرية والثقافية للأمة..)) ولإنجاز ذلك الهدف تناول الدكتور في الباب الأول مفهوم ((الأدب والأيديولوجيا)) عبر محورين الأول ((الدين)) والثاني ((المذاهب الأدبية الغربية))، متناولاً من ثم ((الجذور البعيدة للفكر الحداثي))، و((نقاد إنجليز وكتاب عرب)) و((حقائق من الغونكور)) و((الدكتور محمد برادة والتهافت الأيديولوجي))، الباب الثاني تناول ((الشرق والغرب)) من خلال البحث في ((حقيقة الديمقراطية)) و((أزمة حرية الكلمة في الغرب)) و((حديث عن منهجية المستشرقين)) و((الصهيونية وعدالة الغرب)) و((المكونات الذاتية لصورة العربي في الغرب)). أما الباب الثالث فتناول ((الدين والإبداع))، الباب الرابع نظر في حال اليسار العربي والتاريخ الأسود، والديالكتيك المتداعي وآثاره في فكر محمد أركون تحت عنوان ((نحن والاستلاب الثقافي)) الباب الخامس نظر في ((موقفنا منهم وموقفهم منا.. والموقفان بإزاء الحضارة)) الباب السادس تناول موضوع ((الحفاظ على الحرية)) مقدماً من ثم فصلاًَ اشتمل على دراسات مقارنة بين الأدبين العربي والغربي من خلال البحث في التآمر الصهيوني على الإسلام وقراءة نقدية في بيان حمزة شحاتة الشعري.
الجزء الرابع والأخير من الأعمال الكاملة خصصه الدكتور عاصم للمقالات الصحفية التي سبق أن نشرها في عدد من الصحف ومن بين هذه المقالات ((الحالة الفكرية في البلاد العربية في القرن الثاني عشر الهجري والثامن عشر الميلادي)) وغيرها من المقالات الأدبية والفكرية والثقافية الأخرى.
خلاصة القول إن ((الأعمال الكاملة للأديب الدكتور عاصم حمدان)) تمثل إضافة مهمة للمكتبة العربية، ومنبعاً ثراً يمتاح منه راغبو المعرفة والعلم بقدر مما تتيحه هذه الأعمال من معرفة وثقافة ورؤى وتاريخ، وتلزم الإشادة بمجهود الاثنينية في طباعة مثل هذه الأسفار المهمة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :471  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 94 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.