شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
حواضن الأدب السعودي وملامحه في العشرينية..‍! (1)
د. حسن بن فهد الهويمل
ـ 2 ـ
1/2 ولأن حديثنا عن (الأدب العربي في المملكة) مقتصر على (العشرينية). فإنني سأضرب صفحاً عن تقصي البدايات، وعن مرحلتي الريادة والتأسيس، تمهيداً للدخول في صلب الموضوع، وسوف يكون تركيزي على (مرحلة الانطلاق)، التي بدأت بوادرها في العقدين الأول والثاني من القرن الخامس عشر، إذ هما مشمول (العشرينية)، على أن ذلك يستدعي بعض الاستطرادات والنظر في الظروف المحيطة. والناقد التكويني يقتضي مخرجات الأدب ومشكلاته وحواضنه، ليسهل تفهُّمُ بنيته الداخلية واستكناهُ خصوصيته، وتصور حجم وجوده. فالأدب تنسجُ لحمتُه وسداه المعطياتُ البيئية والظروف الآنية: المؤثرة والمحركة والموجهة و(العشرينية) استقبلت نتائج الخطط التنموية الأولى، وعاشت ذروة الطفرة الاقتصادية، التي اجتاحت المملكة بفيوض من الإمكانات التي قلبت كل الموازين، وغيرت كل التوقعات. وكان أن تمخضت الطفرة عن مؤسسات علمية وأدبية وإعلامية، أسهمت في تنشيط الحركة الأدبية، وفي إحداث متغيرات جذرية في توجهاتها. ففي تلك الفترة عادت طائفة من المبتعثين إلى أوروبا وأمريكا، تحمل المؤهلات العالية في الأدب والنقد ومناهج اللغة، وكان لانتشار هؤلاء في الجامعات والمؤسسات أثره البالغ في إشاعة المذاهب والآليات النقدية والأدبية الجديدة، بحيث راوحت بين السلب والإيجاب، إضافة إلى ما أحدثته من ارتباك واضح، وهي إلى الإيجاب أقرب. وليس أدل على ذلك من تتابع التيارات والتيارات المضادة، كـ(الحداثة) بكل اتجاهاتها وبعدياتها، والمناهج (الألسنية) بكل تحولاتها وتنوعاتها و(الأدب الإسلامي ونقده) و (المحافظة والتجديد)، وإثارة المعارك الأدبية، وقيام حوار متعدد الاهتمامات بين أنصار الجديد والقديم، وبين المجددين والحداثيين، وبين الآخذين بآليات النقد البنيوي المعُلي لشأن اللغة، والآخذين بآليات ومناهج نقدية تعلي من شأن الجماليات أو الدلالات، والمستعيدين لجذور النظريات التراثية، والنافي لها، وفيما بين هؤلاء وأولئك نسلت شرذمة قليلة استخفت بالموروث وامتعضت منه. وهذه المعارك الأدبية والنقدية التي تبدت بكل وضوح في هذين العقدين تطلبت خلفية ثقافية ورصيداً معرفياً، لتحفظ التوازن، وتحقق سنة التدافع والتداول، وتمكن كل طائفة من حماية ما تنتمي إليه من مذاهب وأفكار. واحترام المشاعر والمشاهد مؤشر إيجابي، أسهم في تحريك الركود، وحفز ذوي المذاهب على الارتداد إلى مذاهبهم لتطوير آلياتها، وتحرير مسائلها، وتكريس حضورها في المشهد الأدبي. والجدل الذي أحدثه الانفتاح، تجاوز بالأدب وفنونه قاعات الدرس وأروقة الجامعات إلى مشاهد الأدب وقنوات الإعلام ومنافذ التأليف والنشر والمؤسسات الثقافية، وأتاح فرص التواصل مع الأشباه والنظائر من الأناسي والظواهر والقضايا والمذاهب في كافة المشاهد العربية.
2/2 هذه المخاضات تطلبت مؤسسات إضافية لاستيعاب هذه المعارك، كان من بينها فكرة (الأندية الأدبية) التي بدت في وقت سابق، ولكنها كانت إذ ذاك محدودة ومتواضعة. وفي (العشرينية)، أخذت وضعها المتميز، ووعت رسالتها، وتوسعت اهتماماتها، وتقاطر تأسيسها في حواضر المدن، ودعمت من الدولة بمساعدات سخية، مكنتها من طبع الكتب، وتنفيذ المحاضرات، وعقد الندوات، وتنويع الأمسيات، وإقامة معارض الكتاب، وحضور المهرجانات، واحتضان الناشئة، وتشجيع الموهوبين منهم. ولقد هيئت في كل ناد مكتبةٌ عارمةٌ بالكتب مكتظةٌ بالرواد، فيها صالات مطالعة، إضافة إلى أن لكل ناد دورية أو أكثر، محكمة وغير محكمة، منها ما يختص بالتراث، ومنها ما يهتم بترجمة بالأعمال الإبداعية والنقدية العالمية، ومنها ما هو معتن لأعمال النقدية الحديثة: تنظيراً وتطبيقاً. ويأتي (نادي جدة الثقافي) في مقدمة الأندية في إصدار الدوريات المتنوعة والاحتفاء بالمستجدات المصطلحة: كالنصوصية، والتناص، والبنيوية والتفكيكية وتحولات ذلك كله. وسلبيات هذا الاحتفاء ـ إن كان ثمة سلبيات ـ متمثلةٌ بالمندفعين دون تأصيل معرفي وبالمندسين دون فهم للمقاصد والمقتضيات، والمستبدلين دون انتقاء، وبالمستخفين بالتراث دون تبرير أو تحديد. ولا تخلص أيُّ حركة بهذه القوة والشمولية من سلبيات، والمشاهد العربية كافة لا تخلو من فئات رضيت بأن تكون صدى لما يدور في المشاهد العالمية.
3/2 وفي العشرينية تقاطرت مبادرات أهل الدثور من رجال الأعمال وكبار الشخصيات ممن لهم روابطهم بالفكر والأدب بافتتاح (الصوالين الأدبية) واستقطاب الأدباء والمفكرين والمحاضرين لإحياء الأمسيات والمحاضرات، وتكريم الرواد والمتميزين من الأدباء والمبدعين، وتداول الرأي حول الظواهر الأدبية والفكرية، ففي حواضر المملكة (أحاديات) و(اثنينيات) و(ثلوثيات) و(أربعائيات) و(خميسيات) تغطي أيام الأسبوع، وتذكر بصالونات (العقاد)، و(مي زيادة) في العصر الحديث، ومجالس (سكينة بنت الحسين) ودواوين الأمراء والكبراء ومجالس العلماء و(مجالس الأدب العربي في الأندلس) ومن قبل هذا (أسواق العرب) وما أنجزته من علم وأدب. ففي هذه (الصالونات) يُكرَّم الأدباء، وتنفذ الندوات والأمسيات والمحاضرات. وتقوم (اثنينية الخوجه) في (جدة) ـ على سبيل المثال ـ بطباعة الأعمال الأدبية والإبداعية، ورصد ما ينفذ في كل لقاء، وطباعته وتوزيعه، وقد صدر عن (الاثنينية) أعمالٌ شعرية وروائية ودراسية. وبعد وفاة العلامة (حمد الجاسر) تحولت مشاريعه العلمية وندوته (يوم الخميس) بدعم من الدولة إلى (مؤسسة ثقافية) لها مشاريعها العلمية، ومجلتها المتخصصة بجغرافية الجزيرة وتاريخها، وقد شكل للمؤسسة مجلس إداري من العلماء والأدباء، ودعمت مادياً ومعنوياً من الدولة ومن ذوي اليسار، ولما تزل تمارس عملها العلمي والأدبي. وفي ذلك إثراء للحركة الأدبية في البلاد.
وفي تلك الفترة اتجهت الجامعات الثماني في المملكة إلى تأسيس جمعيات جغرافية وأدبية ولغوية وفقهية، وشكُلت كل جمعية مجالس إدارة، ووضعت لها لوائح تنظيمية، ومصادر تمويل، وباشرت عملها تأليفاً وتحقيقاً وطباعة، مع ممارسة الأنشطة المنبرية. كما منح بعض الأدباء والعلماء امتياز إصدار مجلات محكمة تختص بجغرافية المناطق وتاريخها وآدابها، ومعتمدة فيما تنشر على التخصصية والتحكيم. ولكل مؤسسة أو وزارة إصداراتها: البحثية والدعائية.
4/2 وإلى جانب (الأندية) و (الصالونات) و (الجمعيات) و (الدوريات) قامت مكتبات علمية وأدبية، تمارس أنشطة ثقافية، وتصدر مجلات أدبية محكمة. تقدم ذلك(مكتبة الملك فهد الوطنية) بما هيئ لها من إمكانات، وبما أنيط فيها من مسؤوليات، وبما أنجزته من أعمال و(مكتبة الملك عبد العزيز) التي أنشأها ولي العهد، وتعهد بتمويلها، والتي نفذت على أحدث الطرق، وزودت بأحدث الأجهزة، ومكنت من التوسع في المهمات، فكانت بحق مؤسسة ثقافية، تعج بفنون القول. وهذه المكتبة المؤسساتية تصدر (مجلة أدبية)، وتنفذ ندوات عالمية، تستضيف لها مئات الأدباء والمفكرين من أنحاء العالم، وتطبع كتباً وملفات، وتنتج برامج (تلفازية)، وتتوفر على آخر الإصدارات من الكتب، تجهز قاعات المطالعة، وتوفر الأجهزة الحديثة، إضافة إلى ما حظيت به المؤسسات القائمة من قبل من تطوير ودعم وتحديث وسائل، فـ(دارة الملك عبد العزيز) من معالم البلاد العلمية والثقافية لها مجلتها ومطبوعاتها وإسهاماتها المتعددة. و(مؤسسة الملك فيصل الخيرية) وما يتبعها من (مركز ثقافي) و(جائزة عالمية) و(مجلة محكمة) و(مكتبة حديثة) و(مركز معلومات) وما ينفذ فيها من ندوات ومحاضرات. و(المهرجان الوطني للتراث والثقافة) وهو تظاهرة ثقافية تراثية، يقام كل عام، وتنفذ على متنه وفي هوامشه ندوات رئيسة، تكون لها محاورها، وبحوثها، وأخرى ثانوية، إضافة إلى محاضرات وأماس متعددة الاهتمامات، وطبع كتب، واستضافة رجالات الفكر والأدب و(جمعية الثقافة والفنون) و(مؤسسة سلطان الخيرية) وما تقوم به من مبادرات علمية وثقافية، و(المكتبات) و(دور النشر) و(المؤسسات الخيرية) لكبار الأثرياء، كل ذلك يشكل حواضن أدبية. هذه المؤسسات حظيت بدعم مادي ومعنوي من قبل الدولة، مكنتها من تنويع اهتماماتها. وفي سبيل تنشيط الحركة الأدبية أتيحت فرص (لعقد مؤتمر الأدباء) السعوديين، بعد توقف دام ربع قرن، وجاءت نتائجه لصالح الحركة الأدبية، فعلى هامشه نفذت (ندوة أدبية) متخصصة، وطبعت أعمالها من دراسات وبحوث في (أربعة مجلدات)، كذلك أعيدت صياغة علمية (لمؤتمر رؤساء الأندية الأدبية)، بحيث يكون على هامش كل مؤتمر(ندوة أدبية)، حول قضية أدبية، تنفذ أعمالها، وتطبع فعالياتها. والاحتفالية المتعددة الاهتمامات التي جاءت (بمناسبة مرور مئة عام) على تأسيس المملكة العربية السعودية، نفذ على هامشها ندوة كبرى قدمت فيها مئات البحوث، ودعي لها آلاف الأدباء والمفكرين من أنحاء الوطن العربي والإسلامي والعالمي، وطبعت أعمالها، وقامت المؤسسات العلمية والأدبية والثقافية والإعلامية كافة بتنفيذ الندوات والأمسيات وطباعة عشرات الكتب: ابتداء أو إعادة، وكان النصيب الأوفى للدراسات الأدبية والإبداعات، وتلتها (العشرينية) التي تأتي هذه المحاضرة من مفرداتها، وفي سبيل دعم الروابط والمؤسسات وافق المقام السامي على فتح (مكتب إقليمي لرابطة الأدب الإسلامي العالمية) وخصص له إعانة سنوية، وأمر بشراء مقر مناسب له، ومن مهمات هذا المكتب تنفيذ لقاء شهري، وإصدار مجلة شهرية، وطبع الكتب الأدبية. ولما تزل إسهامات كبار الشخصيات في المملكة تنقب عن مجالات العطاء الفكري والأدبي والثقافي. ولعل آخر مشروع عالمي (مؤسسة الفكر العربي) التي شملت العالم العربي، وسوف تنهض بمهمات فكرية وأدبية، وتقدم مشروعاً عربياً متزناً، يمتلك آلية الحوار الحضاري.
وتميز عهد خادم الحرمين الشريفين بتعزيز مشروع الموسوعات العلمية والثقافية والأدبية، وقد أُنجزت في عهده ثلاثة مشروعات موسوعية:
أ ـ الموسوعة العربية العالمية. التي صدرت عن (مؤسسة سلطان بن عبد العزيز الخيرية)، التي استقطب لإنجازها آلاف المفكرين، ونيفت على سبعة عشر ألف صفحة، وثلاثة وعشرين ألف عنوان، ومائة وثلاثين ألف مادة بحثية، وجاءت في (ثلاثين مجلداً).
ب ـ موسوعة مكارم الأخلاق التي مولها الأمير مشعل بن عبد العزيز، وأنجزها فريق أكاديمي، وجاءت في أكثر من (ثلاثة وخمسين مجلداً) شملت مكارم الأخلاق في الشعر والتراث العربي.
جـ ـ موسوعة الأدب السعودي في (ثمانية مجلدات) ممولة من سمو الأمير سلطان بن عبد العزيز.
تلك بعض حواضن الأدب العربي في المملكة العربية السعودية، وبعض المنجزات التجهيزية، فماذا عن ملامح الأدب العربي في المملكة؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :383  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 51 من 107
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.