شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
4 ـ السيول في مكة، وخرافة فوران بئر زمزم
كانت السيول في مكة تشكّل مشكلة كبرى كثيراً ما عانى منها سكان أم القرى، وكثيراً ما غشيت البيت الحرام فأحدثت فيه، وفي الكعبة المشرفة أضراراً جساماً.
واستمر خطر السيول في القرون الماضية قائماً، لا يفيق أهل مكة المكرمة من أحد أحداثه حتى يتبعه الآخر إلى أن جاءت الدولة السعودية فعدلت الأودية عن مكة المكرمة، ونظمت مجاري السيول النازلة من الجبال فصار الحرم المطهّر والكعبة المشرفة في مأمن من أخطار السيول، والحمد لله.
ولقد شهد أبو عبد المقصود آخر أحداث زحف السيول إلى البيت الحرام فوصفه وصفاً حسناً، لكنه كان يستصحب التاريخ في الحديث عن الأماكن كأبواب الحرم الشريف وما إليه، الأمر الذي أعطى حديثه صبغة علمية، إلى بيته في العصر من إحساسات وانفعالات.
كان ابن عبد المقصود يرقب ـ دائماً ـ أحداث مجتمعه وأوضاعه فيبارك الحسن ويشنع بالقبيح، ومن ذلك حديثه عن خرافة فوران بئر زمزم التي كان النفعيون يستخدمونها في العبث بعقول الناس واستدرار المال من أيديهم.
لقد كتب عن هذه الخرافة موضحاً بطلانها، مشنعاً بالمروجين لها وداعياً الناس إلى نبذها والاتجاه إلى العمل الصالح.
ومع أن هذه الخرافة قد انتهت شأن جميع الخرافات، إلا أنا أبقينا الحديث عنها لسببين:
1 ـ أنها تصور وضعاً كان قائماً فعلاً.
2 ـ ثم إنه قد ورد لها ذكر في بعض كتب التاريخ، على ما ستقرأه في حديث (خوجه) اللاحق.
دخول السيول إلى المسجد الحرام (1)
انفجار سرداب السيول
في الساعة الرابعة من صباح يوم الأحد هطلت أمطار غزيرة في مكة وضواحيها سال على إثرها وادي إبراهيم بسيل عظيم دام في سيره نحو أربع ساعات نصفها في قوة متناهية ثم أخذ يضمحل. وقد كان لسيول الأمطار التي وقعت على جبال مكة وضواحيها أثر كبير في قوة السيل.
وفي الساعة الخامسة دخل السيل المسجد الحرام ووصل إلى المطاف، وكان دخوله إلى المسجد من خمسة أبواب منها أربعة في الجانب الشمالي للمسجد وهي:
1 ـ باب الزيادة (يعرف عند المؤرخين بباب السويقة).
2 ـ باب القطبي (ويعرف عند المؤرخين بباب الفهد أو بباب قعيقعان).
3 ـ باب العتيق (ويعرف عند المؤرخين بباب عمرو بن العاص، وبباب السدة والسبب في تسميته بالسدة كونه سد ثم فتح مرة أخرى).
4 ـ باب الباسطية نسبة إلى الخواجا الزيني عبد الباسط (ويعرف عند المؤرخين بباب العجلة).
والباب الخامس في الجانب الغربي للمسجد وهو الباب المعروف في زمننا بباب (جنيدة) ويعرف عند أهل أوائل هذا القرن بباب مدرسة.
ودخل السيل أيضاً على المسجد الحرام من نافذة المدرسة المعروفة اليوم (بمدرسة الباشا) وتعرف هذه المدرسة عند المؤرخين بالمدرسة الباسطية وهي إحدى المدارس التي بناها الخواجا الزيني عبد الباسط ناظر الجيش في عهد صاحب مصر الملك برسباي سنة 826 هـ وقبل 825 هـ.
وسبب دخول السيل إلى المسجد الحرام يرجع إلى تجمع الأوحال والأوساخ في مخانق سرداب السيل الواقع في الشق الشمالي للمسجد وهذا السرداب يعرف عند المؤرخين بسرداب العتبة (وهو السرداب الذي على يسار الخارج من باب الزيادة) ويمكن أن أقول اعتماداً على البحث الذي قمت به أن السرداب يسير في خط منحنٍ من تحت درج منارة دار الندوة المعروفة (اليوم بمنارة باب الزيادة) ثم ينعطف إلى الشمال قليلاً فيسير من تحت درج الباب القطبي (وقد شوهد أن السيل لم يدخل من باب القطبي مباشرة وإنما كان الماء ينفجر من الدرج الداخلية الموصلة إلى المسجد) ثم ينحرف على اليمين قليلاً فيسير من تحت مدرسة القطبي المؤرخ المشهور ثم من تحت مدارس الباسطية (وقد حدث في نفس مدارس الباشا التي هي إحدى مدارس الباسطية وأخذ الماء يتدفق من النافذة المطلة على المسجد بقوة شديدة كادت تسقط معها النافذة) ويستمر في انعكافه حتى يمر من تحت المدارس التي على جانبي باب العتيق فردهة باب العمرة (التي بين الشارع والباب الموصل للمسجد) ثم ينحرف في خط مستقيم فيمر من تحت مدارس الداودية حتى باب إبراهيم حيث يلتقي بالسرداب الخارج من باب إبراهيم في نقطة تقرب من مقسم عين زبيدة بخارج باب إبراهيم ومن هنا يجري في مجرى واحد.
وبالطبع فإن انسداد مخانق سرداب العتبة جمع المياه في عدة مضايق، فحدث الانفجار الذي حصل في مدرسة الباشا والانفجار الذي حصل في حوش مدرسة الشريف عبد المطلب وأفضى إلى تفجر المياه من درج القطبي. ولقد كانت السيول المنحدرة من الجبال التي تصب على الشامية من الأزمنة القديمة تحمل من أتربة وأوساخ أدت إلى ارتفاع الأرض الواقعة أمام باب الزيادة وباب القطبي وباب الباسطية وباب العتيق ثم قوة السيل الأخيرة وامتلاء السرداب بالأوساخ ففاضت على المسجد الحرام من الأبواب المذكورة حتى وصلت إلى المطاف وحينما وصل الأمر إلى أمانة العاصمة ورجالها اتخذت الإجراءات اللازمة في نزح المياه وتنظيف المسجد وقد ساعد في ذلك شرطة الحرم وأغواته وبعض الحجاج الأهلين فلم تك ساعة من نهار وحتى زال عن المسجد ما علّق به وفي اليوم الثاني انتدبت أمانة العاصمة لجنة فنية للكشف على الخراب الحاصل، وتقدير المصاريف اللازمة لإصلاحه وقد قامت اللجنة بمهمتها ورفعت تقريرها إلى أمانة العاصمة وقد علمنا أن أمانة العاصمة رفعته برقياً إلى حضرة نائب جلالة الملك المعظم وعلى أثره صدر أمر بإنفاذ ما جاء في قرار اللجنة المذكورة.
وننتظر أن تباشر اللجنة أعمالها في هذا الأسبوع وعسى أن نجد متسعاً من الوقت فنكتب فصلاً تاريخياً عن سرداب العتبة خدمة لتاريخ آثار هذا الوطن التي اندثرت أو كادت تندثر.
مجاري السيول وفضلات المياه بمكة (2)
سيول مكة والتاريخ:
التاريخ المكي ملآن بأخبار السيول، وليس هذا راجعاً إلى الاعتناء بسرد حوادث التاريخ جليلها ودقيقها، فإن هذا مع الأسف غير معتنى به ولا تزال المكتبة العربية مفتقرة إلى تاريخ صحيح جامع يعبر عن الحجاز وأحواله في جميع عصوره التاريخية تعبيراً صادقاً.
وأمر الاعتناء بأخبار السيول يرجع إلى أن السيول كان لها تأثير ظاهر في المسجد الحرام وعمارته. والمعروف عن المؤرخين الحجازيين أنهم اعتنوا بأخبار المساجد المآثر أكثر من اعتنائهم بأي شيء آخر، إذ قل أن تجد مؤرخاً حجازياً لا يسرد لك التطورات التي مرت على الكعبة المطهرة، والمسجد الحرام ومقاساتهما وبناياتهما ووصفهما، وغير ذلك. وهذه العناية ترجع في أسبابها الجوهرية إلى علاقة هذه الأماكن المشرقة بالدين الإسلامي الحنيف، واتصالهما به اتصالاً وثيقاً.
وإذا عرفنا أن الكعبة المعظمة تصدعت في عام 1039 هـ وانهار الجانب الشامي، وبعض الشرقي والغربي من تأثير السيول، وأن المسجد الحرام كان عرضة لسيل وادي إبراهيم وأن بنايته كثيراً ما تصدعت بسبب ذلك، إذا عرفنا هذا أدركنا أن الاعتناء بسيول مكة وحصرها أمر عادي لعلاقة هذه الحوادث بالمسجد الحرام وقبلة المسلمين.
يحدثنا التاريخ أن المهدي بن أبي جعفر أحد الخلفاء العباسيين حج في عام 164 هـ فكره أن يرى الكعبة في شق من المسجد الحرام وأحب أن تكون متوسطة، فاعتزم توسعة المسجد من جانبيه الغربي والجنوبي، واستشار المهندسين فقرروا أن سيل الوادي يحول دون ذلك وأن تحويل الوادي لا يوصلهم إلى الغاية المطلوبة ولكن المهدي صمم على تنفيذ نيته فنفذت.
وكان أحسن حل توصل إليه المهندسون إذ ذاك أن جعلوا للسيل ممراً من نفس المسجد الحرام، فوسعوا باب بني هاشم (المعروف اليوم بباب علي، وباب باناجه) لأنه كان يومذاك يستقبل الوادي، وجعلوا له باباً بإزائه في الجانب الغربي بأسفل مكة (حققه ابن ظهيرة بباب الحزورة وهو المعروف اليوم بباب الوداع) حتى إذا ما جاء سيل الوادي بقوة دخل من باب بني هاشم وخرج من باب الحزورة.
تغيير هذا الوضع:
ولكن هذا الوضع غير تاريخاً لا يزال مجهولاً لدينا، فبدلاً من خروج السيل من باب الحزورة صار يخرج من باب إبراهيم. والشيء الذي نجزم به أن تغيير هذا الوضع حدث قبيل القرن العاشر الهجري، إذ إن ابن ظهيرة (صاحب كتاب الجامع اللطيف في فضل مكة وأهلها وبناء البيت الشريف) أدرك في صغره خروج السيل من باب إبراهيم، وابن ظهيرة توفي في النصف الثاني من القرن العاشر الهجري.
مجاري السيول والتاريخ:
ومع شدة عناية المؤرخين الحجازيين وغيرهم بأخبار السيول والمسجد الحرام فقد أغفلوا أخبار مجاري السيول التي أنشئت لها، وقد لقيت مصاعب كثيرة في بحثي هذا وأخيراً اعتمدت على تحقيقاتي النظرية أكثر من اعتمادي على أي شيء آخر إذ الاعتمادات التاريخية الصادقة تكاد تكون مفقودة عن هذا البحث. نعم إن بعض المؤرخين الحجازيين وغيرهم أشاروا إلى مجاري السيول، ولكنها بسيطة وغامضة ومع ذلك فقد أنارت لي الطريق فاهتديت بها بعض الاهتداء.
خرافة فوران بئر زمزم (3)
أما آن لها أن تزول؟
الأمور إذا خرجت عن دائرتها المحدودة تترك في النفس أثراً سيئاً، وبالأخص إذا صبغت بصبغة دينية أو اتخذ لها عن طريق الدين سبيلاً. في حين أن الدين بريء منها .. لا ينكر مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر فضل ماء زمزم، ولا يجحد أحد ما بماء زمزم من البركة، وأنها طعام وشفاء سقم، ولكن ليس معنى هذا أن نختلق الأكاذيب على حساب تلك الأفضلية وهذه البركة، وليس معنى هذا أن نخلط الدين بالخرافة ونمزجها لمصالح نفعية، إن هذا لا يتفق وكرامة الدين في قليل أو كثير، ثم هو استسلام للأوهام والخرافات ولا يتفق والحياة الصحيحة.
شاع لدى العامة والخاصة إلا من رحم ربك أن عين زمزم تفور ليلة النصف من شعبان وأن الشرب منها في تلك الليلة سنّة مؤكدة، وذهب بعضهم إلى أنه فرض واجب. ولذا تزدحم الردهة الواقعة أمام البئر في عصر يوم تلك الليلة بالخلائق. ويقفل باب البئر ويفتح باب الحيل والخداع والخرافات وقبيل الغروب يشاع أن ماء البئر قد فاض وأن ماءها طفا، فيشتد الزحام.
ولقد بحثت في كثير من المصادر الدينية علّي أجد لهذا الحادث ما يؤيده فلم أعثر على شيء يمكن الاعتماد عليه أو يكون مبرراً لما يمثل أمام أعيننا وكل ما حصلنا عليه من أقوال تؤكد أن الموضوع اختلاق لمصالح نفعية وأني أنقل ذلك ليطلع عليه القرّاء.
جاء في كتاب نشر الأنفاس في فضائل زمزم وسقاية العباس ما نصه: ((إن ماءها (أي زمزم) يحلو في ليلتين ويطيب طعمه إحداهما ليلة العاشر من المحرم والثانية ليلة النصف من شعبان المكرم حلاء ظاهراً لمن ألهمه الله تعالى وأذاقه حلاوته ـ والله أعلم ـ وأن عين السلوان الكائنة بالقدس الشريف تتصل بها في هاتين الليلتين فيكثر ماء زمزم ويحلو هذا دأبه في كل سنة وعام)).
وفي التاج للحضراوي ما يلي: ((جاء في شرح الشيخ عبد الرؤوف لمنسك شيخه ويحلو (أي ماء زمزم) ليلة النصف من شعبان ولا يدركه إلا العارفون.
وعنه في تفسير الضياء للحنفي ((ويكثر (أي ماء زمزم) ليلة النصف من شعبان كل سنة بحيث إن البئر تفيض بالماء على ما قيل ولكن لا يشاهده إلا الأولياء)).
هذه الروايات التي عثرت عليها بعد بحث دقيق قمت به، فأما رواية صاحب نشر الأنفاس فإنها رواية لا تستند إلى أساس يوثق به، وكونه يقول إن ماءها يحلو.. إلخ لا يكون حجة لأن مثل هذه الروايات يجب أن تنقل بسند صحيح يعتمده المثقفون وأما قوله إن عين السلوان.. إلخ فهو خرافة لا أساس لها، ولماذا لا تتصل عين السلوان بزمزم إلا في هذه الليلة؟ ولا أدري كيف يكون هذا الاتصال وعيون زمزم معروفة وقد أوردها الثقات في كتبهم، ولم يقل أحدهم إن عين السلوان إحدى عيون زمزم ثم لو فرضنا وقوع مثل هذا الاتصال فإنه يجب أن تكون عين السلوان هي التي تتبرك بماء زمزم لا ماء زمزم يتبرك بعين السلوان. لأنه ثبت أن ماء زمزم أفضل المياه على الإطلاق، وأن ماء زمزم لما شرب له. وكل ادعاء غير هذا يكون طعناً في أفضلية ماء زمزم.
إن الحقيقة هي أن الموضوع من أساسه مختلق لمصالح مادية في أول أمره، ومن أجل ترويجه خلقت له هذه الخرافات وبتوالي الأيام أصبحت عقيدة يؤمن بها الكثيرون. أما رواية شرح الشيخ عبد الرؤوف التي نقلها الحضراوي فهي رواية لا يقام لها وزن لأن الشيخ عبد الرؤوف لم يذكر مستنده في تعليقه ثم إذا افترضنا صحتها.. وهي غير صحيحة فهي لا تثبت الخرافة الشائعة بفوران بئر زمزم، إذ هي تقول بأن الحلاء الذي يطرأ على زمزم لا يدركه إلا العارفون، وبلا شك فإن ما يدركه العارفون من الأسرار لا يدركه غيرهم. وحلاوة ماء زمزم عند العارفين لا تتوقف على ليلة النصف من شعبان. إذ المؤمن الصحيح يشعر بلذة زمزم في كل وقت وأما رواية تفسير الضياء فهي مبنية على ما قيل، ورواية ما قيل لا يعتمد عليها في أضعف المواقف فضلاً عن مثل هذا الموقف. وإذا كان لا يشاهد ذلك إلا الأولياء فلماذا الازدحام، ولكنا نعرف أننا نبعد عن الولاية بقدر ما تبعد الولاية عن أمثالنا؟ ثم الموضوع موضوع مشاهدة فما بال باب زمزم يقفل ولا يدخله إلا الذين تشملهم المصلحة إن المسألة خرافة من أساسها ومن الضرر بقاء أهالي هذه الخرافات ليؤثروا في العقول.
وبالرغم من اعتقادي ببطلان هذه الخرافة من أساسها فقد أردت الوقوف على حقيقة الأمر فشهدت في العام الفائت الأدوار التي تمثل هذه الرواية على مسارحها وإلى القارئ ما رأيته: لقد رأيت السقاة يشد كل منهم طستاً (طشت) كبيراً على فوهة الفتحة التي يسقى عليها والموجودة في الشباك الذي فوق فوهة بئر زمزم ويجعلون طرف الطست خارجاً عن شباك البئر بحيث إذا امتلأ الطست وفاض ماؤه سقط على الأرض. وهكذا يتناوبون العمل ولقد بقيت مدة ساعتين وأنا أشاهد هذه العملية الشيطانية تمثل في بلد الله بجوار بيت الله.
وإنا نهيب بالأمة من أن تسترسل في الخرافات إلى هذا الحد ونطالب الذين وكل إليهم النظر في مثل هذه الأمور بوضع حد لمثل هذه الخرافات. فإن ليلة النصف من شعبان ليلة مكرمة مقدسة يقام ليلها ويصام نهارها. فيجب ألاّ يدنسها المدنسون وبالأخص وقد صبغت هذه المسألة بصبغة دينية وبصفة أمتنا أمة دينية وبلادنا بلاد الدين يجب أن يطهر من مثل هذه الخرافات.
قد يقول البعض إن في هذا قطع رزق نفر من الناس. ولكن هذا القطع من صالح المجموع وفي صالح سلامة عقول الأمة من أن تؤثر فيها الخرافات تأثيراً سيئاً. وكنا نود أن نورد بهذه المناسبة تاريخ زمزم وما طرأ عليها وما حدث فيها من حوادث، إلا أن الوقت لا يتسع لذلك الآن وعسى أن يتسع لذلك لنؤدي واجبنا نحو آثارنا التاريخية لأن زمزم من الآثار التي يجب أن يعتنى بها ويكتب عنها فعسى أن نوفق (4) .
هذه مباحث أقرب ما تكون إلى التاريخ، ويقيني أنها ليست كل ما كتب الرجل في هذا الميدان، لأن اتصاله بالتاريخ كان اتصالاً وثيقاً ترك آثاراً حميدة كان من جليلها نشر كتاب (تاريخ مكة) للأزرقي في طبعة محققة منقحة سر بها المثقفون إلا أولئك الذين كانوا ينفسون على (خوجه) تفوقه في ميادينه، فكتب أحدهم نقداً لكتاب الأزرقي نشر في صحيفة (صوت الحجاز) فعلّق خوجه على ذلك النقد بقوله:
اطلعت على كلمة في صوت الحجاز الغرّاء تدور حول كتاب أخبار مكة لأبي الوليد الأزرقي وقد تناول محررها قيمة الكتاب بشيء من النقد ولا أودّ في هذه الكلمة أن أدلي بالجهود التي تكبدناها والمصاعب التي لاقيناها حتى ظهر كتاب أخبار مكة في مظهره الحالي، بل إني أدع ذلك لأن ما قمنا به من جهود هو أشياء واجبة علينا أديناها غير طالبين عليها جزاء ولا شكوراً.
والآن قد لاحظ علينا من لاحظ ولم يكن القصد من إصدار هذا الكتاب هو الربح المجرد بل كان القصد الأساسي لإظهاره هو إبرازه في ثوب قشيب وطبعة صحيحة منقحة، ولما كان هذا هو القصد، وقد حصلنا عليه والحمد لله فإني قد خفضت القيمة في القسم الذي يخصني فقط إلى ريالين بدلاً من أربعة ريالات وعسى أن يروق هذا هواة العلم فيغتنموا هذه الفرصة لأن أجل هذا التخفيض سيكون محدوداً والله من وراء القصد.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1449  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 18 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور زاهي حواس

وزير الآثار المصري الأسبق الذي ألف 741 مقالة علمية باللغات المختلفة عن الآثار المصرية بالإضافة إلى تأليف ثلاثين كتاباً عن آثار مصر واكتشافاته الأثرية بالعديد من اللغات.