شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

الرئيسية > كتاب الاثنينية > محمد سعيد عبد المقصود خوجه - حياته وآثاره > البحث الأدبي > ما هو الأثر الذي أوجده الأدب الحديث في الحجاز؟
 
ما هو الأثر الذي أوجده الأدب الحديث في الحجاز؟
رأي الأستاذ أبي عبد المقصود مدير مطبعة أم القرى وجريدتها:
قبل البدء في ذكر الأثر الذي أحدثه الأدب الحديث في الحجاز أودّ ذكر الأسس التي قام هذا الأثر عليها.
قادة النهضة الفكرية في الحجاز اليوم أفراد من شبابه، جلّهم إن لم يكن كلهم تثقفوا فيه وبالرغم من المادة المدرسية التي تغذوا بها بين جدر المدارس الحجازية المختلفة المناهج والاتجاهات فإن ثقافتهم التي لمسنا أثرها في كثير من المواقف هي نتيجة مطالعات خاصة ودراسات شخصية مستقلة أي ليس للمدرسة الحجازية فيها أثر إلا في تكوين الموقف البدائي المحدود، والنهضة الفكرية بدأت بتأثر قسم كبير من الشباب ـ في العصر الحسيني بكتَّاب المهجر إذ عشقوا أدبهم فالتهموه وقلما تجد شاباً متعلماً يومذاك إلا وقد تأثر بالثقافة المهجرية فإن تلك الثقافة لم تنتج نتاجاً طيباً إلا لدى قسم ضئيل جداً كان استعداده الشخصي قويًّا، ولما لم تجد بعض النفوس في الثقافة المهجرية الغاية التي تقصدها بدأت تفتش عن ثقافة أكثر ملاءمة لحياتها فحولت وجهها إلى الثقافة المصرية وعشقتها عن طريق الصحف والمجلات وكانت أساليب الضغط التي اتخذتها السياسة الحسينية يومذاك تحول دون التعمق في هذا السبيل، وبالرغم من كل هذا فقد كان لهذا السعي أثره الثقافي المحدود لدى أفراد قلائل كان استعدادهم الشخصي أقوى من غيرهم.
وكما كان للنهضة الحسينية عام 1334 هـ ـ أثر بارز في بعض نواحي الحياة الحجازية فقد كان للحكم السعودي 1343 هـ ـ أثر بارز في التفكير والاتجاه ساعد عليه ووسع من دائرته، رفع بعض الحواجز الاستبدادية السابقة فأخذت الصحف والمجلات المصرية تغزو الحجاز وتغمر مكاتب الشباب وطغت الثقافة المصرية على الثقافة المهجرية فبدأت عناصر الثقافة المهجرية تتحلل شيئاً فشيئاً حتى زالت معالمها تماماً وأخذ الشباب يلتهم الثقافة المصرية بقوة ويهضم كل ما تنتجه ويتعشّق كتابها وتقليدهم لا في الكتابة والأسلوب فحسب بل في التفكير والاتجاهات أيضاً.
هذا الاتجاه أفاد العقلية الحجازية فائدة قوية وصقلها فتكوّنت على أساسه الثقافة الحجازية الجديدة التي ظهر أثرها في كثير من المناسبات، أقول المناسبات لأن حياتنا الثقافية الحاضرة حياة محدودة حياة مناسبات محضة، ولقلّة المناسبات ضعفت النتيجة المترتبة عليها والتي كان يجب أن يجنيها المجتمع وافية كاملة.
ثم لكون هذه المناسبات كانت في وضعها ومظهرها وأهدافها وأشكالها مناسبات أدبية ولكون الصبغة التي اصطبغت بها ثقافتنا الجديدة كانت أدبية محضة لأسباب وعوامل مختلفة ـ لهذا كله فقد كانت الناحية الأدبية أعظم بروزاً من النواحي الثقافية الأخرى، ولهذه الأسباب نفسها كتب للتسمية الأدبية الغلبة على غيرها من أسماء نواحي الثقافات الأخرى التي تأثرنا بها، وللأسباب نفسها انغمس عدد كبير من الشباب في الأدب وعملوا له مدة، استطاعوا خلالها تكوين أدب مستقل ظهرت على الكثير من نماذجه المسحة الحجازية والتكوين الحجازي كما ظهرت عليه الطلاوة والروعة والجمال والأثر الفني فهو حديث ومن نتاج المدرسة الحديثة.
هذه الغلبة التي تمت للأدب عندنا سيطرت على النفوس وأثرت في قسم من الناشئة فولجوا بابه، بعضهم على استعداد وبعضهم من غير استعداد، وهذا الاختلاط ونتائجه مع الإساءات التي كانت تظهر من بعض الشباب عن طريق الانتقام الشخصي بحجة النقد أوجدت كراهية للأدب والشباب معاً لدى بعض الطبقات فقامت تحاربه من وراء جدر ولا تزال هذه الحرب متقداً أوارها فلا الشباب استطاعوا إفهام هذه الطبقات غايتهم النبيلة، ولا الطبقات نفسها أفهمت حقائق الأمور بجلاء ووضوح، وقد نتج من جرّاء ذلك الركود والذي نشاهده الآن في حياة الشباب الثقافية والعملية مع هذا الركود الذي قام على هياكل السدود التي نصبتها الكراهية في طريق الشباب.
هذا الأدب الحجازي الحديث هو أثر من آثار الثقافة التي تأثرنا بها، أقول أثر من آثار الثقافة الحديثة ولا أقول أثر من آثار الأدب لأننا لم نتأثر بالأدب الحديث وحده، بل تأثرنا بكثير من نواحي الثقافة الحديثة، بالرغم من أن تأثرنا بالناحية الأدبية أقوى وأعظم، وبالرغم من أن نتاجنا الأدبي أكثر وأظهر فنحن كما قرأنا لطه حسين والهيكل والعقاد والزيات في الأدب قرأنا لهم في التاريخ وفي السياسة ـ وكما قرأنا لأحمد أمين في الأدب قرأنا له في الفلسفة وكما قرأنا لمحمد عبد الله عنان في التاريخ قرأنا له في الحقوق وكما تأثر قسم كبير منا بالناحية الأدبية من هؤلاء وغيرهم تأثر قسم منا بنواحٍ أخرى، وعلى أسس هذا التأثر وبقوة هذا التثقيف بدأنا نكون ثقافة جديدة مختلفة النواحي وأنتجنا إلى جانب المحصول الأدبي محصولاً علمياً ومحصولاً اجتماعياً. ربما طالبني القارئ بأن أضع يده على هذه المحاصيل وهو محق في ذلك لأن أكثرها مجهول وهي لا تزال سجينة المكاتب لم يحكم عليها بالإفراج بعد ولا يعرف عن بعضها إلا القليل منا، إن في مكاتب الشباب الكثير من التأليف الجيد لو تحسنت حالته المادية لرأينا قسماً كبيراً من التآليف الحجازية في عالم الوجود ولرأينا المعارك الأدبية والبحوث المستفيضة المتنوعة تملأ الصحف ولرأينا نتاجاً حسناً له أثره القوي في إشاعة الثقافة العامة وغزو الأفكار ولرأينا هذا الركود الذي أحاط بالشباب يتغيّر بحركة قوية تسير مسرعة بلواء العالم إلى الأمام.
لم يك ما ذكرت وحده من آثار الثقافة الحديثة فإن لها آثاراً أخرى ظهرت واضحة في المجتمع، منها توجيه قسم لا بأس به من الطبقة الحاروية والعامية إلى التعليم وحدوث تغيّر لا بأس به في النفسيات وفي المظاهر وفي المجاملات، فهم بحكم التأثر آمنوا بفائدة العلم وبحكم الاختلاط والاحتكاك اكتسبوا الكثير من الرقي التعبيري.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :716  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 11 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذ الدكتور سليمان بن عبد الرحمن الذييب

المتخصص في دراسة النقوش النبطية والآرامية، له 20 مؤلفاً في الآثار السعودية، 24 كتابا مترجماً، و7 مؤلفات بالانجليزية.