شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
خلقه وأدبه
كان رحمه الله جمّ التواضع ومن دلائل تواضعه أنه لم يثبت له ترجمة في كتاب (وحي الصحراء) مع أنه أثبت ترجمة لزميله وصديقه عبد الله عمر بلخير وهو أصغر منه سناً وكان بلخير لا يزال طالباً.
ومن ذلك أيضاً تجنبه فضول الكلام في ما اطمئن إلى وفرة البحوث فيه، ومنه عدم حديثه عن الأدب الجاهلي في الحجاز في مقدمة كتاب (وحي الصحراء).
ومن جميل صفاته العلمية أنه لا يكابر في الباطل ولا يستمر في قول قاله ثم ثبت له عدم صحته.
ونضرب على ذلك مثالاً بقوله في صدر بحثه عن مكان (الحجون) وتحديده إياه: (قلت وإني لآسف على ما بدر مني في الهامش الثاني من القسم الرابع من بحثي المياه بمكة المنشور العدد 521 من جريدة أم القرى ما نصه:
أما الآن فقد تغير الوضع، فأصبحت المياه تسير من القبة في قناة واحدة حتى تصل إلى المقسم الذي فوق الطريق المرتفع على يسار الداخل إلى مكة والطريق هذا هو الحجون وكنت يومذاك معتقداً صحة هذه النظرية ولكنني لما قمت بالبحث الدقيق اتضح لي أني واهم في نظريتي فأوجبت عليّ الحقيقة تصحيحها وأني أسحب كل ما قلته عن الحجون وأثبت ما يأتي بدلاً منه).
وكان رحمه الله يحب النظام في كل شيء، ومنه أنه إذا تناول بحثاً تاريخياً جعل الحديث فيه يسير مسلسلاً من بداية وجود موضوع البحث إلى عصر الباحث أو إلى عصر توقف تاريخ الموضوع، تشهد بذلك بحوثه في:
أ ـ الأدب في الحجاز.
ب ـ المياه بمكة.
ج ـ الحجون.
د ـ دار الندوة.
ورغم ما عثرنا عليه من أخبار الرجل فإن الشيء الكثير قد فاتنا بدليل ما يرد في كتاباته من إشارات إلى أحداث حياته فمن ذلك ما ورد في صدر حديثه عن دار الندوة حيث قال: (لا أزال أذكر الحوار الذي دار بيني وبين والدي رحمه الله في ليلة شديدة القر حول دار الندوة، وأنا صغير إذ ذاك على إثر جملة نقلتها إليه عن بعض أساتذة المدرسة من أن دار الندوة هي محل المقام الحنفي ففند أبي هذا الرأي قائلاً إن دار الندوة كبيرة جداً إلى آخر باب الحرم المعروف اليوم بباب الزيادة وأطلعني على بعض المصادر التي تؤيد دعواه، أذكر ذلك جيداً وأذكر الحوار الذي دار بيني وبين الأساتذة حول ذلك وكانت النتيجة أن أصرّ الأستاذ على أن دار الندوة لا تتعدى المقام الحنفي وأني متعنت جهول أكذب الأساتذة وأن النظام يقضي بضربي ضرباً مؤلماً ـ هكذا كان التعليم ولا يزال حتى اليوم في بعض المدارس، علم والدي بالأمر فنقلني إلى مدرسة الفلاح.
وفي هذا دليل واضح على أن الرجل كان يتمتع بعبقرية فذّة تجلّت وهو صبي في المدرسة الابتدائية، وإلا كيف يفسر حديثه هذا مع مدرسيه ومناقشته لهم إلى حد بلغ من إغضابه إياهم أن حكموا عليه بالضرب.
ومن المؤكد أيضاً أن أباه قد أحس هذه العبقرية فانقاد لها وإلا لما أقدم على نقل ابنه من المدرسة.
وكان أدباء زمانه ينفسون عليه تفوقه عليهم وسبقه إياهم ولذا تألبوا عليه ونقدوه وعابوا عليه من كتاباته ما يستحق عليه الشكر والثناء ومن ذلك موقف محمد راسم، ومن رمز لنفسه بالمنسف وغيرهم كثير.
ولقد بلغ من حقد بعضهم أن شمتوا به حين اختاره المنون وتشفوا منه. وكان أحرى بهم على الأقل أن ينقادوا لما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: اذكروا محاسن موتاكم ومن هذا القبيل ما همش به محمد حسن عواد عفا الله عني وعنه على أحد أبيات قصيدته (الساحر العظيم) حيث قال:
((هو أحد محاسيب ذلك الوزير وكان يرأس تحرير جريدة ((أم القرى)) الرسمية فعاث فيها جهلاً بالكتابة وخلطاً في السياسة وانحداراً بالقيم الفكرية وتعرض فيها لثورتنا الأدبية فاضطررنا إلى نقده بعنف فعجز عن المقاومة القلمية ولجأ للشكوى في المحكمة ففشل ثم مرض بالسل ومات مقهوراً)).
وقد بحثت عن ذلك النقد الذي أشار إليه الأستاذ محمد حسن عواد ـ رحمه الله ـ فلم أعثر في الصحف والمجلات على شيء من ذلك ولم يرو لي أهل عصره منه شيئاً حتى سألت الشيخ حمد الجاسر فذكر لي أن ذلك كان في صحيفة مدرسية كانت تخط باليد ويقوم على تحريرها طلاب المعهد السعودي الذين طلبوا من الأستاذ محمد حسن عواد أن يكتب لهم كلمة تنشر في صحيفتهم فكتب لهم سباً وشتماً للأستاذ محمد سعيد عبد المقصود مثل قوله: ((هذا الغربال الغربان الخربان)) إلى غير ذلك مما تنزّه عنه الأقلام وقد حوكم في المحكمة الشرعية على ذلك الشتم وأُدين عفا الله عنا وعنهم.
والواقع أنه لا يمكن لأي شخص أن يتصور دور (خوجه) في ميدان الإصلاح الفكري والاجتماعي إلا من أتيح له قراءة الصحف والمجلات التي كانت تصدر في زمانه، ذلك أن تلك الصحف تنطق بالدور العظيم الذي كان لذلك الرجل الذي وقف حياته وكل طاقاته في سبيل الإصلاح وكان حرياً بأن ينال حقه من الذكر والتمجيد، لكنه كان يلقى من مزامنيه من كان يقف في وجه أعماله ثم لقي منهم وممن أتى بعدهم إغفالاً وإهمالاً.
لقد كان مخلصاً كل الإخلاص لأمته حكومة وشعباً، وكان يقضي وقته في خدمة هذه الأمة، ويتفانى إخلاصاً في العمل الذي ائتمنته عليه الدولة، فلقي التقدير من الملك عبد العزيز غفر الله له، غير أن إخوانه من الأدباء هم الذين غفلوا عن حقه عليهم فعسى أن نكون قد قضينا شيئاً من حقه في هذا الكتاب وأن ننال فيه مثوبة الله سبحانه وتعالى.
ولقد لقي الأستاذ محمد سعيد عنتاً من أهل زمانه وبخاصة من زملائه الأدباء، فلقد تحاملوا عليه وتجنوا في نقدهم له إذ أسفوا في ما كتبوا في حين كان مترفعاً في لفظه وأسلوبه، وليتهم وقفوا عند هذا الحد بل راحوا يغرون صحيفة ((صوت الحجاز)) برمي مقالاته في سلة المهملات، والدليل على صدق هذا أنه ذكره في مقال نشره في ((أم القرى)) رداً على المنسف بعنوان (الغربال ومنتقدوه، حول مقال المنسف).
وذكر في إحدى مقالاته أنه ينوي أن يطبع المقالات التي كان ينشرها بتوقيع الغربال في كتاب يضم فيه إليها مقالات الناقدين له، فعاجلته المنية، وبدد الضياع ما كتب وجمع إلا ما حفظته الصحف مما ستقرأ نماذجه هنا بخاصة (الغربال ومنتقدوه).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :833  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 7 من 61
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج