شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(32)
الرجل الشاب!!
وبانتهاء العشاء.. سليقاً.. واللعب.. شطرنجا.. والقهوة العربية سادة وبسكر.. والشاي أخضر.. وأسود.. صرفاً من النعناع وممزوجاً به.. أخذ الصديق محمد عمر توفيق بطريقته العالمية في الزن المركز يودود في سمعي بما تم عمله في الجبل.. طريقاً.. وقد تم معظم المطلوب تقريباً.. وكذلك بما هم بسبيل إتمامه فيه.. خاصاً ببعض الاحتياطات.. وبالتغلب على بعض العقبات الطارئة برزت أنيابها المكاشرة فجأة وعلى غير انتظار..
والصديق الوزير لعلم من لا يعلم.. ولتجاهل من يتجاهل.. حجة وبحر حبر فهامة في إطلاق الأسئلة.. كوابل من الغيث.. يرد ببعضها على سؤال إليه.. بعشرة من أمثاله.. كالحسنة الطيبة في محلها المختار.. ونيتها المباركة.. وقد راقني في بداية الأمر وحتى نهاية السمرة أن تكون تلك الأسئلة سبباً مباشراً وغير مباشر في نثر كثير من الحقائق والمعلومات.. كما راقني أكثر.. أن أكون.. سميعاً.. لما يجرى من بحث.. واستطلاعات وتحقيقات عن الجبل بين المسؤول وبين بعض مهندسي وزارته.. ولكن لم يكد الكلام يتناول بعض صفات الجبل وطبيعته.. وتاريخه القديم.. حتى لعب وسطي قسراً.. وانطلق لساني عفواً فزحفت إلى حيث كانت حلقة الذكر.. وانضممت مشاركاً في الحوحوة.. وفيما خاض فيه القوم..
وكان ما يلي في سطور.. هو الحصيلة النهائية مما دار.. وطال.. دون تنسيق.. أو تبويب.. أو نسبة رواية أو معلومات بذاتها لقائل بالذات..
1 ـ لقد عاش هذا الجبل مطلاً على ما يليه بوادي نعمان من مشاعر مقدسة.. عرفات.. مزدلفة.. منى.. محتفظاً بوقاره الجبلي التقليدي.. دون مشاركة هامة.. أو بسيطة منه.. في تاريخ بلاده..
2 ـ اعتز هذا الجبل ـ كرا ـ شامخاً بقمته.. ترتفع عن سطح البحر 1950 متراً.. وعن سفحه ـ الكر ـ 1200 متر.. بينما لا تتجاوز مدينة الطائف التي يسلك طريقاً إليها ارتفاعاً عن سطح البحر إلاّ 1600 متر..
3 ـ ولقد أطبق فاه.. ولملم جوفه على طول المدى.. محتضنا القردة.. علماً عليه وعالماً قائماً بذاته الحيوانية فيه.. منزوياً عن عالم الإنسان ـ ودنيا الناس..
4 ـ صافح اليد البشرية ـ في امتعاض ودون تودد.. في حدود عام 430 هجرية.. حينما جرى افتتاح أول طريق سلطاني بدائي فيه ـ على يد معمره حسين بن سلامه وزير أبي الحسن صاحب اليمن.. زياد.. بما يسمح عرضه لمرور ثلاثة جمال بأحمالها فيه..
5 ـ ويومها.. ولأول مرة في تاريخه.. عرف الحجارة.. رصفاً.. والبلاط درجات وسلالم عريضة مريحة.. في أجزاء منه.. وأقر الرمال الممهدة من تربته معبراً في أجزاء أخرى من هذا الطريق الجديد به..
ولقد تم إجراء تلك العملية في هدوء وبلمسات رقيقة لم يكد يشعر بمرورها على أجزاء جسده الصلد..
6 ـ ومن يومها مشت به في راحة واطمئنان ـ بعد رهبة ووحشة ذوات الأربع.. والإخفاف متصلة السير تحمل الميرة.. أو الناس المصطافين..
7 ـ فشاهد في دهشة واستغراب.. البغال الموقرة بأحمالها.. وبراكبيها.. كما عاين الجمال بهوادجها ـ أو عارية الظهور منها.. تتلمّس في تمهل.. وببطء السبيل إلى هامه.. وألف مستنكراً ربع الحمر القميئة.. بعد أن كانت تحبو.. متلكئة ساقطة.. أو متحيرة في اختيار نهجها الصخري العسير..
8 ـ ولقد أشفق كثيراً على جيرانه سكان الأودية والمنازل بقمته.. وهم يقومون كوسيلة رزق ـ بأدوار الإدلاء إليه ـ وعلى ما فيه من كنوز طبيعية مخبوءة أو مبعثرة في أغوار.. وبين حفرات..
9 ـ ولقد زاحم ـ دون قوة على المنافسة ـ بذلك المعبر الجديد ـ رغم بساطته.. طريق السيل في تشجيع حركة الاصطياف بالقلة النادرة تسلك ـ طريق الجمال ـ إليه.
10 ـ وابتدأ تاريخه الحديث البداية الموفّقة حين عاش خيالاً.. وتوسّع فكرة بعيدة في أحلام الرجل الشاب.. فيصل بن عبد العزيز.. عام 1347.. ثم منذ أن صعد ذلك الشاب الرجل إلى منطقة الهدا.. وجال ببصره في مشارفها.. ورأى أوديتها من قمة هذا الجبل الشامخ الصامت الملتف في صخوره الهائلة يغطّي بها سره البعيد.. مجازاً قريباً اكتشفته بصيرة ذلكم الرجل الشاب.. في تلك الوقفة التاريخية..
11 ـ ولقد راقب حينها ـ وبعده ـ في صمت وهلع ـ نظرات العيون الغريبة المسلّطة عليه تعاينه المعاينة.. درساً لجوانبه.. وتوغلاً بأحشائه.. وقد خفضت أخيراً أنظارها خاضعة لهيبته ولجبروته فانصرفت عنه..
12 ـ ولكنه تابع.. قابعاً.. مضطرباً.. الخطوات البعيدة يمهد لها الدرب وييسر به المنهج ذلكم الرجل الشاب نفسه. فيصل بن عبد العزيز.. مصوباً إليه النظرات نافذة ثاقبة لاستكشاف ماهيته.. وفحص جدواه، وفي بصيرة وأصرار وأخيراً.. وبعد مرور حوالي قرن من الزمان على تعمير أول درب بدائي فيه.. علم يقيناً.. ولكن في صمت وخشوع.. بما تم توقيعه عام 1376 بين سمو الأمير الوزير سلطان بن عبد العزيز عن وزارة المواصلات ـ وبين الجندي المجهول المعلم محمد بن لادن ـ عقداً رسمياً يقضي بأن يكون هذا الجبل الذي عاش جبلاً.. سهلاً ميسراً في نفسه وميسراً للناس الطريق لما وراءه من سهول وجنان وذلك ليتم تنفيذ خيال وفكرة الرجل الشاب المشرف على قمّته عام.. 1347 فيصل بن عبد العزيز.. بعيد النظر.. بما أبصر.. وقدّر!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :647  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج