شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(22)
من قمة كرا.. إلى شعاب مكة
ويضاف كذلك عطفاً على ما فات.. عن مصادر المعرفة بجدة.. المكتبات المباركة بجوارها بباب السلام.. للمسجد الحرام بمكة المكرّمة تلوّنت حياة أم القرى بما حفلت به من الموارد إليها بطريق جدة.. دهليز الحرمين.. وفي طليعة هؤلاء معالي الشيخ محمد سرور الصبان، والغزاوي، والعامودي، والآشي، والمقادمي وعمر عرب، وسواهم، طلائع مبشرة ببزوغ كاتبنا الرشيق الأستاذ محمد حسن فقي ـ في ماضيه النثري ـ وشاعرنا البارز اليوم.. في حاضره الشعري اللامع..
وقد خصصت الأخ السيد محمد حسن فقي بما خصصت لمناسبة جدت في مستقبل أيامي فاستشهدت به في طليعة من استشهدت بهم.. وموجز المناسبة أننا كنا ذات ليلة جماعة يتكي بعضنا على مرفقه.. والبعض الآخر يدلدل قدميه في استرخاء.. بعد قيامنا عن مائدة الداعي لنا.. وجرى الحديث سهلاً غير ممتنع.. حتى تثاءبت الكلمات ناعسة ممطوطة.. تتدحرج بليدة من حنجرة أحدهم وكان كاتباً مرتزقاً ثعباني المداخل والمخارج فقال.. إنني أحسن من كتب ويكتب!
فانتصبت التكوة.. ودبدبت الأقدام.. وكنت أول المجيبين قائلاً له.. وأين نضع إذاً الكاتب الرشيق الفقي ذا الأسلوب المنمنم الحلو.. والعبارات الناطقة.. والمعاني العميقة.. والسطور الموزونة بميزان الذهب؟ بل أين يقف في الصف حمزة بحنفشعياته.. وبمحاضراته وبرسائله.. وكلها من عيون البيان السحري النادر الممتاز؟؟. أو الأستاذ العواد بأعاليه.. وأعماقه وصواعقه؟.. وفلان.. وفلان!..
وتابعتني الجماعة مؤيدة.. وموضحة أكثر مني في إسهاب وتفصيل.. فابتلع أخونا صاحب أفعل التفضيل ما بقي له من ريق.. وانسحب من الدعوة مستأذناً.. وقد أودع لدى مجلسنا سيرته العنترية نهباً مشاعاً.. حيث سلقناها بألسنة حداد.. وطوال!..
ولعل هذه الذكرى العابرة تستدر من الأستاذ الفقي فيضه النثري القديم بجانب فيوضه الشعرية الحالية فيعيدها جعبة.. منثورة في أي الصحف اختار.. فقد أصبحنا نعتقد هذا اللون في وقتنا بصمت الصديق محمد عمر توفيق وبأصلاد السرحان. وحجراته.. وبتناثر أجزاء العريف بين خمسة لا تطول.. ويومية تستغني بصدر النهار عن بقية اليوم.. وبتمتمات (الجفري) الشابة وبلمعان لم يتصل بريقه.. ليكتمل.. من بعض أدباء الشباب وكتابهم الآن. وبضياع الفتنة الغنية الخالصة بين أكوام.. وأكوام.. من أدب الجراويل.
ولعلَّ أقدم شاهد على ما قلناه ونقوله في هذه الأبواب الأديب الأستاذ عبد السلام الطيب الطاهر الساسي.. المدني مولداً.. الجداوي نشأة.. الطائفي مصيفاً.. المكي إقامة في كل مقعد..
وتترقرق الذكريات بخاطر الفتى ـ وبنفسه ـ تتمايل رقابها نحو الوراء.. تارة.. وإلى الأمام تارات.. كأنما تضع له بتلك الأبجديات المقدّمة لأسفار مقبلة منها يزاحم بعضها البعض في تراخ له معنى التوفيق.. وفي توافق فيه حالة الانسجام.. وإن فاتها في ميلانها ضبط الحركات الموزونة يحفل بها الراقص.. ولا تعني الحالم.. الهائم.
وتلك هي معذرتي إن أنا أطلت ـ غصباً عني ـ أو إن سبق إلى لساني ـ أو قلمي على الأصح.. هذا الحديث الأدبي البسيط المتناثر والمفكك باعترافي الصريح.. كما أنني أكررها لاستماحة العذر إن جاءت الإطالة فيه قاصرة على دهليز الحرمين ـ جدة ـ لتأخذ المساحة الأكبر منه.. فالفتى ـ الذي هو أنا ـ معذور في ذلك إذ إنه أحد أبنائها المحصورين بين سورها القديم الزائل.. وعلى شاطئ بحرها الطويل الأسياف.. والرقيق الأمواج.. تلاعبه وتلاغيه حتى اليوم.. ثم أن المسافة من جدة إلى مكة كانت في قياس الرحلات طويلة آنذاك.. ومضنية.. وإن صرخة أستاذنا بمدرسة الفلاح بجدة الأديب الشاعر الأستاذ محمد حسن عواد.. ولثلة الفلاحين المتطلعين المتحمسين لها أمثال حمزة شحاته.. محمد علي باحيدره.. محمود عارف.. سالم أشرم.. عباس حلواني.. عبد العزيز جميل.. وشنب.. ثم الرعيل الثاني أمثال الأستاذ محمد علي مغربي.. أحمد عباس ومحمد سعيد عتيبي والشبكشي والعبد لله وسواهم من الصف الثاني..
كما أن المدينة المنورة كانت يومها بالنسبة للفتى مجهلاً بعيد الأمداء حتى ظهر المدنيان أحمد وأمين.. والحافظان.. علي وعثمان.. والعميد الباحث الكبير الأنصاري عبد القدوس والعالم الشاعر القاضي الأستاذ ضياء الدين رجب.. ومن أخذ يصبحنا ويماسينا في إصرار ومداومة أخونا أبو الزيادين.. أطال الله بقاءه..
ولن ننسى.. كفكرة رئيسية وأصل ما كان لفضل الناديين الأدبيين بدار عبد العزيز جميل.. حيث كانت تلقي المحاضرات.. والأبحاث فرعاً من الأصل المنبثق عنه وهو النادي النصيفي لصاحبه المرحوم حسين نصيف مؤلّف ماضي الحجاز وحاضره فيما بعده.. والذي قاد يومذاك حملة كبيرة كادت تكلل بالنجاح.. وتتلخّص في ضرورة قيام لجنة مكوّنة على قلتهم حينذاك لدراسة الأماكن التاريخية والأثرية في كافة أنحاء المملكة رغم الصعوبات المادية.. وعدم وجود المواصلات.. وسلسلة العقبات والحواجز.. ولعلَّ الأوان قد آن لتنفيذ هذه الفكرة الجليلة بعد أن توفّرت الإمكانيات في عصرنا الساطع الحاضر حيث لا يزال بعض تلك الأماكن والآثار في عداد المجاهيل حتى الآن.
أما النادي الثاني.. فكان غريباً في بابه فعلاً.. فقد اتفقت جماعة من الأساتذة الشبان بمدرسة الفلاح.. فاستأجروا وأثثوا مقعداً ـ كما كان يسمّى ـ ليكون مقراً ليلياً لهم بعد انتهاء دوام المدرسة.. واتفقوا فيما بينهم على أن يقوم كل منهم بإلقاء درس في المادة المبرز بها.. فالأستاذ يوسف العوضي للإنجليزية نطقاً فقط.. وعارف للصرف.. والأشرم للتجويد.. وعمر عبد ربه للحساب.. وباجسير للفقه.. وقنديل للنحو.. والولي للشاي والمنصوري لعمل المعدوس ـ أو السليق ـ ولقد كانت ميزة هذا النادي المشائخي أنه أصبح فيما بعد ملتقى احتكاك مولد لشرارات فكرية كبيرة لكل من العواد وشحاته.. وراسم ويونس سلامه.. وأنيس.. وأبو الحمائل.. وسواهم كزملاء زائرين أخذاً وعطاء في ميادين البحث والفكر.. وتكراراً لما سبق بشأن الرحلة الأدبية العلمية التاريخية.. فإن الأوان قد آن كذلك لتكوين النوادي الأدبية بمدن المملكة كلها تحتك بها الأذهان والقرائح احتكاك السحب يسح منها الغيث العميم.
والآن.. فإنني أقرر خجلاً.. آسفاً.. أن المشوار قد طال جداً بين ما كنا عليه في رأس الجبل الذي صار سهلاً حيث وقف الجدابي يرينا الندى فوق مدينة جدة ـ أم البحر ـ وما خضنا فيه من حديث أدبي دفعنا واجب "الكار".. إلى الثرثرة غير القصيرة.. فيه إلى هنا.
وعلى ذلك.. وعلى طريقة ما بعد الطلوع إلاّ النزول.. فقد انحدر ركبنا في الأخير هابطاً الجبل.. كرا في طريق منه إلى السفح.. الكر.. فشداد.. فعرفات.. فمنى . فمكة المكرّمة يعمرها الله.. حيث أن لها حديثاً هي الأخرى لا بد من ذكره حيث كان وما زال عالقاً بنفسي وبفكر الشاب يرافق أباه.. في رحلة العمر.. الطري.. اللاقط.. الحساس!
فإنه لا يزال يذكر إقامته.. بعد الحج.. بمكة مع والده نزيلين بمحلة الشبيكة بدار الجلاب أبي شنب موكل ابن عمه بجدة.. وهنا لا بدّ من وقفة تفسيرية قبل الاسترسال مع الذكرى.. فقد كانت العادة لكل تويجر بمكة.. جلاب.. كما كان يسمّى.. أن يكون له وكيل في جدة يتولّى باسمه مراجعة شركات البواخر.. وترسيم البضاعة نقداً أو صنفاً.. والصنف أن تدفع الجمرك المستحق من نوع البضاعة بدلاً من النقد.. لإخراجها من الجمرك.. ثم مراجعة شيخ الجمَّالة ـ بقهوة الجمالة ـ بمقرها القديم الذي أصبح اليوم جزءاً من سوق عصري حديث.. وذلك لتحميلها بواسطة المخرج المخصص له رأساً لمكة.. أو لتخزينها بأحد الأحواش لتصريفها حيث هي أو بعثها فيما بعد.. وبعد أن يأخذ المخرج من الوكيل ـ الشتى ـ لسماح بواب الحوش بخروجها ومن هنا ـ فيما أرجح ـ جاء المثل الشعبي القائل: ضعنا بني المخرج ـ وراعي الباب!
ولقد كانت التجارة الرئيسية يومها ـ كما لا أحتاج أن أقول ـ في جدة وأظنها لا تزال كذلك لليوم. كما كانت لها حيثياتها ـ وتقاليدها.. وآدابها.. وأمانتها.. يحترم كل قواعدها كل من التاجر الكبير من أصحاب البيوت التجارية والتويجر الناشئ والوكيل للجلابة ودلال الكف.. وبائع الجملة في مغلقه.. والطاعي بحانوته.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :687  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 26 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج