شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(21)
مذاهب وملامح
ولقد كان نداء المنادي ـ العم صديق حلواني ـ في جدة.. منطلق فرحة في حينه للقراء الذين كانوا ـ والذين أصبحوا في البلد فيما بعد أدباء كتاباً أو شعراء.. يتسابقون على عمال بيع الجرائد والمجلاّت والكتب.. وكان أشهر بائع محترم لها في جدة قبل أن يحبو الأصفهاني ـ أبو المقالب! ـ أو أن يبلغ الحلم ـ المرحوم الشيخ محمود يغمور الذي غدا فيما بعد ـ كناشر للثقافة في البلد ـ يسعى للتوزيع بعد أن كان يقصد في مكانه للاستلام ـ والتسليم ـ وتلك أمانة تاريخية تذكر فتشهر في باب الاطلاع والعلم والثقافة لهذا الرجل المحترم.. يمشي.. فتمشي المعرفة معه.. أينما سار..
مراعاة لذمة الماضي.. وإبراء منا لها.. فقد كان هناك ـ عكس اليوم ـ فراغ فكري كبير.. ملأته دون مزاحمة في الدرجة الأولى بالجريدة وبالكتاب مصر القديمة.. مصر الأصيلة.. مصر أم الأحزاب حينذاك وأم الجرائد يقوم على منابرها العقاد، المازني، طه حسين، التابعي، أباظه. والدكاترة زكي مبارك.. هيكل الأول الكبير بالطبع.. محمد حسين.. وغير هؤلاء.. وأولئك من كبار الكتاب والأدباء.. يعنينا منهم في هذا المجال الصحفيون الأدباء الكتاب.. فالشعراء يأتي في طليعتهم.. شوقي، حافظ، الجارم، أحمد، نسيم، الطائف، محرم.. الخطيب.. والمطران.. وسواهم..
كما سدّت بعض المساحة منه الواردات المهجرية الفكرية عرفنا بها مذهباً في الأدب جديداً.. ولوناً قشيب الحلّة والرداء.. يعرض أزياؤهما المهجريون.. من أمثال.. جبران خليل جبران.. إيليا أبو ماضي.. نسيب عريضة.. ميخائيل نعيمه.. أمين مشرق.. وليم كاتسفليس.. أمين الريحاني.. وسواهم..
ولما كانت مصر القديمة هي الأقرب.. والأقوى.. والأفصح فقد سدّت معظم الفراغ في هذا الباب حيث أخذ الناس ـ كما قلت سابقاً ـ يستلفون الشعور ـ وتلك ميزة الفراغ آنذاك ـ لا آفته كما يوصف ـ فكان أن تسرّب لهم التشبّع هنا ـ نتيجة تلك القراءة ـ للأحزاب هناك.. فظهر من بينهم الوفدي والوطني والحر الدستوري.. و.. و.. وكان الجدل يثور.. كلما وصلت باخرة جديدة تحمل أخباراً جديدة تحفل بها أعداد الأهرام.. المقطم.. السياسة الأسبوعية.. وسواها من المجلات.. وتهدأ حتى تصل الباخرة الأخرى.. وهكذا ـ دواليك ـ كما يقول بعد المتدولكين بهذا التعبير!.
ومن هنا ـ كذلك ـ ظهرت المذاهب الأدبية.. وعلى رأسها مذهبا العقادية نسبة للعقاد والطحسنية ـ لطه حسين.. واللذين لا تزال في نفوس الكهول من أدبائنا رواسبهما.. وبقاياهما التي أخذت في الانقراض.. كما حيوان الدينصور. في آخريات حلقاته.
وذلك مع الرافعية المبرقعة التي طلع بها في آخر الأزمان أخونا الزيدان.. وعقب السلامية الموسوية تقيد لها لأمد طويل الأخ الأستاذ حمزة شحاته ـ رد الله غربته ـ وتاب عليه من التوبة الأدبية لن تنسلح عنه مهما كابر.. إلا إذا انسلخ ناطح عن جلده بالحياة! ولا يسعنا هنا اليوم وقد تغمده الله برحمته ورضوانه إلاّ أن نسأل المولى له الغفران.
وتأتي بعدهما.. يوم أن كانت البواخر ينادي عليها الحلواني والمعرفة يوزعها اليغمور.. المهجرية يحمل أعلام مذهبها الأدب العربي في قلب الدنيا الجديدة ـ أمريكا ـ أعلام أدبها الجديد مشكورين مأجورين.. وهم من أسلفت ذكر أسمائهم مع سواهم من بقية أعضاء الرابطة القلمية وسواها.
ومن ذكرياتي في هذا الباب أن من أوائل المتمهجرين الشيخ السباعي المتحنجل صاحب الرفش.. مقتبساً إياه من.. (فهات الرفش واتبعني.. لنحفر خندقاً آخر.. نواري فيه موتانا..) وهي القصيدة المهجرية المعروفة وكان زميل شقدفة الأستاذ التاري وصاحب الوسك منه أحمد عبد الماجد.. أما قائد القافلة فكان الصاروخ الأدبي المرحوم الأستاذ محمد سعيد عبد المقصود جامع كتاب وحي الصحراء ـ المجهول من أكثر الشبان الأدباء ـ يسير وراءه كالديدبان الطبحي القديم الشيخ أحمد خليفة وكان تعارفي وصديقي المرحوم العتيبي بهذا الرهط في مكة وطلعنا منها مدعوين منهم إلى الجعرانه في أواخر رمضان من الرمضانات القديمة التي كان يؤتى بالعمرة فيها من الجوانة بعد أكلة مبشور.. أو من التنعيم بعد براد شاي!
كما أن قصيدة ـ يا نهر ـ لميخائيل نعيمه ـ فيما قبل تاريخي الأدبي الشعري.. كانت موضوع محاكاة من الرعيل الأول بمكة وبجدة من الشعراء قبلنا.. أمد الله في أعمار البقية الباقية منهم.. وإن غطّت على سحناتهم المهجرية حقاً معارضاتهم بقصيدة.. يا ليل الصب متى غده!
تلك بعض الملامح من قصة أدبنا.. قام جسرها المتين على أنقاض الكوبري القديم مده الشيوخ القدامى المجهولون في كل من مكة وجدة والمدينة أيام كانت الصدارة والرواية للتخميس.. والتشطير.. والتشجير.. ومحاكاة شعر الأوائل في قالب عتيق جامد.. مثل:
ومكارياً أبصرت في وجناته
ورداً يلوح وجلناراً يقطف
أخذ الكرا.. مني.. وأحرمني الكرا
بيني وبينك.. يا مكاري الموقف!
* * *
وقد قيلت في شاب حمار ـ بتشديد الميم ـ وسيم المحيّا.. فيما تدل عليه الاهتمامات الشعرية حينذاك بالقوامات الخيزرانية.. وبالبقش الكشميري..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :646  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 25 من 168
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور محمد خير البقاعي

رفد المكتبة العربية بخمسة عشر مؤلفاً في النقد والفكر والترجمة.