شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
ـ 3 ـ (1)
توفر الرأي.. والحيلة.. وسرعة الخاطر.. ضرورات تفرض وجودها على المسؤول الذي يتولى تصريف شؤون قريته.. وحل مشاكل أهلها.. وتلك في البادية صفات يتمتع بها العربي والبادي فطرة.. ومعاناة تجربة.. وتمسكاً بتقاليد متوارثة نابت مناب القوانين الثابتة.. يعجب لها على رغمه الغربي طبائع راسخة لا تهتز ولا تضطرب إزاء الحوادث.. وأوقات الحاجة إليها..
يحكى أن صحفيا أوروبياً أراد أن يطوف بالبوادي مع أحد مشائخ العرب في الريف المغربي وكان قد جاء لشيخ القبيلة ضيفاً موصى عليه.. فرحب به وأكرمه.. وخرج شيخ القبيلة مع رهط من بعض قومه ومعهم الصحفي محل العناية والرعاية.. وقد لاحظ كيف أن أفراد الرحلة يعاملون شيخهم بمنتهى التجلة والاحترام.. وكان لشيخ القبيلة حمار أبيض موضع عناية الشيخ وهو يمتطيه سائراً في المقدمة.. وضيفه على جانبه على دابته وبقية الركب من ورائهما..
وكانت لدى الصحفي الأوروبي حقيبة خاصة لا تفارقه وقت السير.. وإن اضطر لإبقائها بالخيمة وقت الطعام.. وكانت بها مائة قطعة ذهبية يفتقدها كل ليلة وصباح كل يوم للاطمئنان على وجودها.. ويجدها.. ولكنه فوجئ بعد ظهر أحد الأيام بفقد الحقيبة فاغتم لذلك كثيراً وظهر عليه القلق والاضطراب.. فسأله شيخ القبيلة عما دهاه لتغير حالته.. وما زال به حتى عرف أنه سرق.. فقال له.. اكتم هذا الأمر سراً بيني وبينك.. وأطرق الشيخ ممسداً لحيته.. مفكراً في الأمر..
ثم دخل إلى خيمته فأصلح من شأنه.. وزيِّهِ وزينته.. مما أكسبه الهيبة والوقار.. وقد أمر بإفراد خيمة صغيرة ذات بابين.. وأدخل حماره الأبيض داخلها.. ثم دعا جميع أفراد الركب فتحلقوا حوله حيث قال لهم في صوت رزين هادىء:
لقد حدثت بيننا سرقة كان ينبغي ألا تحدث.. فاستنكر الجميع حدوثها.. ونفوا قيام أي واحد منهم بها.. فاستطرد الشيخ.. إنني لأجل أن أتمكن من الوصول للحقيقة فقد ضمخت ذيل حماري الأبيض بنبات الريحان.. وعلى كل فرد منكم أن يقوم الآن بالتوالي.. بالدخول للخيمة ومسك ذيل الحمار.. فإذا كان بريئاً فإن الحمار لن يأتي بأية حركة أو صوت، أما إذا كان هو السارق فإن الحمار سينهق.. وعند ذلك نعرفه بنهيق الحمار!
وهكذا قام الأفراد بدخول الخيمة واحداً إثر الثاني من باب وخرجوا من الآخر.. ولكن لم يبدر من الحمار أي صوت أو نهيق.. حتى إذا تكامل جمعهم أمام الشيخ طلب من كل شخص أن يعطيه كفه الأيمن الذي مس به ذيل الحمار ليشمه.. فأعطاه إياه.. حتى إذا استلم كف أحدهم وشمه.. صاح به.. أيها السارق.. أيها الحقير.. إنك اللص.. وهنا تهالك الرجل واعترف.. وذهب معه بعضهم فأمر الشيخ إلى موضع بعيد حيث نبشوا التراب وأخرجوا الحقيبة من الحفرة.. وأمر بالسارق فجلد جلداً متواصلاً إلى أن تشفع فيه الصحفي الأوروبي فأوقف عنه الجلد..
واستلم الصحفي حقيبته وبها قطعاته الذهبية كاملة.. ولكنه بقي متحيراً كيف عرف الشيخ اللص؟
وحين اختلى به سأله عن الأمر.. فضحك وقال.. أولاً إن الحمار الأبيض.. رغم عنايتي الفائقة به حمار ككل الحمير!.. وثانياً.. إنني لم أضع على ذيل الحمار أية رائحة.. وتعليل الأمر هكذا:
إن السارق من اضطرابه وخشية الفضيحة.. وتصديقه لما قلته.. لم يمس ذيل الحمار.. وإنما اكتفى بتضميخ يده بنفسه بنبات الريحان.. وحيث إن كل واحد من الجماعة قد لمس حسب الأمر ذيل الحمار ولم تكن بالذيل أية رائحة لذلك لم تكن بكفه أية رائحة لنبات الريحان إلا ذلك اللص!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1671  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 56 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج