شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
( 34 )
في الباخرة...
الباخرة بمن فيها.. وبظرفها المعين المحدود.. بيت موقوت.. له ما للبيوت من تعارف أسرة وتشابكها، وألفة نظام وتعوده.. معاشرة، واصطناعاً لليوميات أكلاً ومجالسة، ومسامرة، ونوماً. وتبادل حياة مستقرة لأمدها المحدود..
وهي خط استواء جميل بين ماضٍ ومستقبل..
فالذكريات عن مصر حديث مكرور غير مملول ـ والمعلومات عن البلد القاصد إليه أهله للقاصد إليه من سواه.. مدارها المتعادل مع الذكريات المبسوطة.. والمرائي الطبيعية. ومناظرها جواً وبحراً.. وجهها الواحد يتقلّب على أشكال وأشكال.. كلها الفتنة والسحر والجمال.. في طلعة الفجر الحلوة.. وشروق الشمس الرائع، وذهبية الأصيل الفاتنة، والغروب الساحر وتنقل البدر المشرق. وأضوائه الفضية المنعكسة فوق الماء.. وعلى الأمواج انتشاراً معها وتلويناً لها. وحركة دافقة بالحسن، والروعة والبهاء..
وقد كمل الجمال الطبيعي بها، بالجمال الإنساني الحي في هذا الخليط، من الطليان والإفرنسيس.. يؤوب به أهله إلى مصوع، أو جيبوتي. وأسمره. وأديس أبابا.. في مرح وانشراح، وحب للمشاركات ـ في قطع الوقت، أو ملء له بالسار للنفس، ولعباً وتفنناً فيهما.. أينما كنا.. فلن تفوتنا مظاهر الحيوية من هاته العناصر، وفيها تعارك الحياة.. أو ترتفع بها.. أو تغالبها أسباب العيش في ترتيب، وتنظيم، وجمود..
والحياة في ذاتها قابلية قابلة لمثيلها في النفوس، أو صداها، إقبالاً ومعاطاة ورضوخاً،.. فالرحلات، والانتقال، والغربة، وقصد الحياة. إن عزت في موطن مألوف أصيل. بموطن مقصود حديث.. ليسر الحياة به، ومواتاتها فيه، إقبال متبادل بينها وبين الحي المتحرك.
وما أجملها في هذه الزرافات.. يستوي في النصيب المقسوم من عبئها، الرجل والمرأة، فليست الثانية كلا على الأول يجاهد بيدين ورجلين، ورأس.. في سبيل أربعة، وأربعة واثنين.. ولكن بأربعة أيد، وأربعة أرجل وبرأسين، فهو مطمئن إلى الحماس لا يفتر. والنشاط لا يكل، والعزاء لا يخيب أو ينقطع مدده الموفور.
لقد فرضت مكان هذا الشاب وزوجته القاصدين إلى "جيبوتي" لمعاودة عمل قديم قطعته الحرب، أو لمزاولة سواه إن تعذر وهو متعذر غالباً كما يقولان بسبب اختلاف الوضع ـ شاباً وشابة شرقيين أو عربيين.. فتخليت مرأى الزوج يحشر الزوجة في مقرها، مقيماً من نفسه "جارسوناً" لها، وحارساً عليها.. ومفكراً فيها كل آن وآن.. وفي تهيئة المكان لها مأوى ومعيشة أولاً.. ثم التفكير في مجالدة الحياة وحده.. حماراً مركوباً من حمار راكب.. أو من أتان مربوطة إلى رقبته.
إن هذا لا يتيح له الحركة بله الجرى.. فحرام عليه ـ ووضعه وضعه ـ المغامرة، والانطلاق الحر، الكاسب..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :788  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 36 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأعمال الكاملة للأديب الأستاذ عزيز ضياء

[الجزء الرابع - النثر - مقالات منوعة في الفكر والمجتمع: 2005]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج