الاثنينية ::المكتبة

مكتبة الاثنينية

> > > > > (8) شم النسيم

( 8 )

شم النسيم...

اليوم يوم عيد شم النسيم. والاستعداد السابق له، دلالة أهمية كبرى لحلوله، مبعث انطلاق، ومصدر راحة، وتحللاً من قيودات الوضع اليومي، ورسميات الأعمال، ومن حدِّ الحرية المفروض..

والتعلّق بخلع هذه الفروض لهذا اليوم وفيه، مظهر صادق للطبيعة المصرية وحبها للمشاركة العامة في حالات الانبساط والمرح، وجلب السرور، واحتلاب كل مصادره، وفي ذلك مغزى دقيق لتمكن الشعور بالأسر، والرغبة في تحطيمه، إعراباً عن مجافاة هذه الطبيعة مجافاة كلية لقبوله شكلاً وموضوعاً، لو تم الإيمان بالقدرة على معاناة لوازم الانفكاك والتحطيم..

ولقد قصدنا القناطر الخيرية.. فرأينا الحدائق تموج بقاصديها زرافات.. زرافات ـ فلا وحدان اليوم ـ ضاحكين، لاعبين، منطلقين من إسار التقاليد، وقيد الوضع اليومي المتكرر العام.. وإحساس كهذا كفيل بسلس القياد الشخصي لاندياح طبيعته، كما تتأتّى تصرفاتها. انسياقاً مع البواعث والحالات المتأتّية ذاتها..

ولذلك فلم يكن فيما وقعت عليه أنظارنا للمصريين برنامج مرسوم، ونظام مقرر من ناحية الجلوس، والجرى، واللعب، والأكل والفرجة، والتنزه.. بعكس الأجانب الذين وضعوا الخطة، وبوّبوا جزئياتها. حتى لكأنهم في معسكر مائج بالفرح والفكرة ـ بالحركة ـ والتمرين ـ.. ولكن لا يسمح فيه بتخطّي القانون المقرر، ومواده المرتبة، وقتاً وعناصر. في كل شيء ومن هنا نعرف أن الطبيعة المصرية إنسانية أو انطلاقية. قبل أي اعتبار. وعسير على طبيعة كهذه مجاراتها القيد. حتى لو كان من صالحها وضعه، والرضوخ لأحكامه..

ولقد شملتنا حمى الجماهير.. فكنا حيث تغلب الطبيعة التطبع. إغراقاً في كل شيء، وكل شيء هناك لم يتعد اللعب واللهو. والضحك، والمشاركة، والنزهة في النيل، والتعارف الخاطف، وتبادل الجديد من المعارف والحيوات.. وإن كانت النكسة آخر النهار دليلاً على أن الأخذ من كل شيء حتى من اللهو البريء ـ بحد مقرر. خير تصرف لحفظ التوازن الشخصي. عاطفة، وعقلاً، واندفاعاً، ووقوفاً. ولكن الشعار الخالد تراث الهم المزمن، والأسر الفاجع "ساعة الحظ ما تتعوضش!" أقوى أثراً من كل قانون، أو عقل راجح..

إن الرجوع إلى الطبيعة صقل لها في قرارة النفس.كمؤثر. وفي جوهر العقل. كقائد. وفي بنيان الجسم. كعامل.. ولقد عدنا بالنيل، بعد أن جئنا بالبر فجمعنا الحسن من أطرافه..