شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
ثم فتح باب الحوار بسؤالين يحملان معنى واحداً، أحدهما من الأستاذ محمد منصور الشامي، وأما السؤال الثاني فموجه من الأستاذ محمد عبد الله الراشد.
- قال السائل الأول في سؤاله يتجه العرب نحو الصلح مع دولة اليهود في فلسطين المحتلة، وهذا الصلح فيه من الأخطار ما يتجاوز منازلة هذا العدو؛ أرجو من سيادة الدكتور توضيح رأي الدين في هذا الصلح؟
- أما سؤال السائل الثاني فهو: ما رأيكم بالصلح ومعاهدة السلام مع الدولة اليهودية في ضوء الأخطار المتوقعة؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- فيما يتعلق بهذين السؤالين وأنا أجيب عليهما من الوجهة الدينية فقط، بصفتي أنني واحد من العلماء - في الواقع الَّذي ينظر إلى معاملات رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى وصايا الدين فيما يتعلق بغير المسلمين، سواء كانوا يهوداً أو نصارى.. أو كانوا غير أهل كتاب؛ فهم على قسمين؛ القسم الأول: ناصبوا المسلمين العداوة والحرب، ويخاف المسلمون منهم الخيانة والغدر لأنهم على أهبة ذلك، وجماعة ليسوا إلاَّ أهل ذمة أو أن لهم عقد أمانة، أو أنهم محاربون ولكن وضعوا السلاح وطالبوا بالهدنة.
- القسم الأول - وأنا أتكلم بصفة عامة على الحكم الشرعي فيما أفهمه - القسم الأول - أو الَّذين يناصبون المسلمين العداوة والحرب - هؤلاء لا يصح - أبداً - معهم الصلح؛ إلاَّ إذا كان هذا الصلح فيه إسكات للحرب ونشر لسلام، وإعادة الحق إلى أهله؛ أما إذا خاف منهم المسلمون فالقرآن واضح. قال تعالى: إما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء الآية صريحة في ذلك، لكن إذا كان هناك عهد أمان فالأمر يختلف؛ قال تعالى: لا ينهاكم الله عن الَّذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم، إن الله يحب المقسطين وقال تعالى: وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه.
- الإسلام في هذا يريد أن يضع وأن يعرض العرض السمح؛ الَّذي كان بسببه دخل كثيرون الإسلام طواعية واعتنقوه عن حب، بعد أن عادوا الإسلام لما رأوا سماحته على هذا النحو؛ دخلوا في دين الله أفواجاً، فإذا كان هناك خوف من هؤلاء فانبذ إليهم على سواء؛ لكن إذا كان هؤلاء قد طلبوا صلحاً فمرحباً بالصلح.. هل نحن هواة حرب؟ أبداً لا؛ من قال: إن الإسلام دعاته هواة حرب؟ بالعكس الرسول (عليه الصلاة والسلام) حينما هاجر من مكة إلى المدينة.. من الَّذي كان هناك وقتها؟ ألم تكن هناك من المشركين وأهل الكتاب؟ ألم يعقد معهم تلك المعاهدة؟
- الإسلام يقر من يريد أن يدخل في السلام وفي الأمان، حتى وإن خالفه في الدين؛ لا يحمل الإسلام سيفاً يضرب به رقاب الناس، لأنه لم ينتشر بالسيف؛ قال تعالى: لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ فإذا قيل بالسلام - أو بالصلح - حتى مع أعدى أعدائنا فعلينا أن نقبل، ولكن بشروط أن يعود الحق إلى أصحابه، أن تكون بنوده صحيحة؛ الرسول (عليه الصلاة والسلام) عقد صلح الحديبية، وهناك معاملات في الإسلام كثيرة، لكن الأمور لا تكون مناورات خلف الكواليس ولا تكون أشياء فيها نفاق ومواربة؛ لكن إذا كان الأمر حقيقة وإذا كانت المضامين والمحاذير، وكل الضوابط موجودة..، فالإسلام لا يمنع أن تسكت الحرب وأن يعيش الناس في أمان، وأن يقوم المسلمون بنشر دينهم الحقيقي، الَّذي لو عرضوه عرضاً حقيقياً بسماحته بصورته المشرقة للذين ناصبوه العداء لدخلوا في هذا الدين.. ولدينا أمثلة.
- أنا أستطيع - لو طالت بي الليلة - أن آتيكم من تراثنا ومن تاريخنا الإسلامي ومن نصوص كثيرة.. أن كثيراً من أعدى أعداء الإسلام انقلبوا إلى أكبر أصدقائه والمنافحين عنه.. لماذا؟ لأن الإسلام عرض عليهم عرضاً صحيحاً لا تشدد فيه ولا تزمت فيه، ولا تعصب فيه؛ عرض عليهم عرضاً سمحاً.. حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي إلى ثمامة بن أسد يعرض عليه الإسلام فيرفض مرة ومرة ومرة، ويقول: إن تقتل تقتل زاداً وإن تنعم تنعم على شاكر، وتسأل ما لم تعط، وبعد ذلك يقول فكوا سراحه وأسره.
- هذا الرجل الَّذي ناصبه العداوة بالأمس بعد أن أطلق سراحه، فإذا به يغتسل ويأتي والماء يقطر، ويقول: اعلم يا محمد ما كان من وجه أبغض إليّ من وجهك فأصبح أحب الوجوه إليَّ؛ وما كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح أحب البلاد إليّ، وما كان من دين أبغض إليَّ من دينك فأصبح دينك أحب الأديان إليّ؛ فأنا أشهد أن لا آله إلاَّ الله وأشهد أن محمداً رسول الله.
- ودخل العدو اللدود في الإسلام؛ أين هذا العرض بدلاً من أن نقف، وأن نقول، وأن نتعصب، وأن نتشنج، وأن نتحامل..، والله هناك مواثيق دولية، هناك عهود، هناك مباحثات، هناك فقهاء، هناك ساسة..، فليجلسوا على مائدة واحدة، والإسلام لا يمانع أبداً، لكن أن يعود الحق أولاً إلى أهله، أن يأخذ بحقوق الَّذين هضموا وأخرجوا من ديارهم..، إذا تم ذلك فالإسلام لا يمانع في الصلح.
 
ثم قدم الأستاذ غياث عبد الباقي والدكتور غازي زين عوض الله سؤالين يسيران في فلك واحد قال السؤال الأول:
- في الفترة الأخيرة أصبحنا نقرأ في وسائل الإعلام العربية مصطلحات جديدة؛ مثل: الفكر الإسلامي المستنير، والمفكر الإسلامي المستنير، والإسلام الوسط والوسطية، والإسلام السمح..، فهل للإسلام عدة اتجاهات؟ وهل هناك إسلام مظلم وإسلام مستنير؟
أما سؤال الدكتور غازي فيقول:
- كيف نوفق بين الالتزام الَّذي يدعو إلى الوسطية في الإسلام، وبين الخروج عن هذه الوسطية بالتطرف الراديكالي، الَّذي تقوم به بعض الفئات المسلمة التي لا تؤمن بهذه الوسطية، يتنحون بها جانباً إلى التزمت وإلى التشدد في كل مناحي الحياة؟
وأجاب الدكتور أحمد عمر هاشم قائلاً:
- شكراً لصاحبي السؤالين الكريمين.. فيما يتعلق بالأول.. فهذه ليست مصطلحات نعتنقها ولا يلزمنا أحدٌ بها، هي تعبيرات لا أكثر وهي مفاهيم لا أقل؛ فإذا نظرت إلى كلمة الفكر المستنير، أو الوسط، أو السمح..، هي تعبيرات يريدون أن يقربوا بها هذه المدلولات التي تكشف عن بعض الحقائق؛ وهناك من كتابنا الأفاضل الَّذين يحاولون أن يقولوا فلان مفكر مستنير؛ أي أنه رجل يتعامل مع الواقع ومع الحق، ويكشف وينير أغوار بعض القضايا وبعض المشكلات.
- في الواقع.. قضية التطرف أو الغلو أو الدخول في مضمار هذا الفكر، الَّذي هو من تصدير غيرنا وليس نبت أمتنا ولا بلادنا العربية، التي هي مهبط الوحي والتي بها الأزهر كمصر..، لا يمكن أن يكون النبت الشرعي لهذه الأوطان هذا الغلو ولا هذا الإرهاب، ولا هذا العدوان أبداً؛ الإسلام لم يعرف ولا يمكن أن يقر مثل هذا الفكر أبداً؛ لأن منهج الإسلام واضح والقرآن خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم: اُدْعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن والخليفة قال للرجل الَّذي تشدد عليه: "ارفق يا رجل.. بعث الله من هو أفضل منك إلى من هو أسوأ مني؛ بعث من هو أفضل منك.. موسى وهارون إلى من هو أسوأ مني وهو فرعون، الَّذي ادعى الألوهية فقال: فقولا له قولاً ليناً لعله يتذكر أو يخشى.
- لا يمكن أن يقر الإسلام هذه الصورة التي نرى بعض شبابنا أو بعض الَّذين يحاولون غيرة على الدين أن ينسابوا مع هذا الفكر أبداً؛ لا يقر الإسلام إرهاباً ولا تطرفاً إطلاقاً؛ الإسلام يجعل الَّذي يحارب أو يقتل أخاه حتى ولو كان عاصياً.. لا يبيح الإسلام لك الحدود ولا يقيمها إلاَّ السلطان أو ولي الأمر، حتى ولو كان غير مسلم؛ والحديث الصحيح الَّذي رواه الإمام مسلم في صحيحه.. يقول فيه النبيّ صلى الله عليه وسلم: "ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها" انظر يضرب برها الرجل الصالح والفاجر، لأن فجوره على نفسه وحسابه على الله.
- نعم لنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر، وأن نقاوم المنكر باليد إذا كانت لنا ولاية عليه، وباللسان إذا عجزنا، وبالقلب إن لم نستطع بالمرحلتين السابقتين؛ لكن ليس لنا أن نضرب ليس لنا أن نقاتل، ليس لنا أن نجرح في عباد الله: "ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها لا يتحاشى من مؤمنها ولا يفي لذي عهد عهده، فليس مني ولست منه" الإسلام يريد من معاملة الإنسان المسلم أن يكون في فكره ملتزماً بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
 
وقدم الأستاذ عدنان فقي السؤال التالي:
- الآن وبعد أن انتهت الحرب الباردة وزال خطر الشيوعية، ماذا تتوقع من دول الغرب الاستعمارية حيال العالم الثالث؟
وأجاب الدكتور أحمد عمر هاشم بقوله:
- لا أريد أن أقول وأن أردد ما قاله أحدهم من المسؤولين: بعد أن انهارت الشيوعية لم يبق أمامنا إلاَّ الإسلام؛ ولا أريد أن أقف موقف المنافح فقط؛ ولكنني أريد أن يكون لأمتنا الإسلامية موقف تتوحد فيه، لا لتدافع عن نفسها بل لتنشر دين الله في الأرض؛ ويوم أن تتوحد ستكون أكبر قوة ضاربة على ظهر الأرض؛ ولا يمكن لأعدائها أن يحيكوا لها المؤامرات؛ ولكن من المحزن أن تجد الفرقة بين كثير من الدول، وبين كثير من الأفراد، وبين كثير من الجماعات، وبين كثير من الكتاب، وبين كثير من المفكرين..، من هنا كان الواجب علينا أن نقول: إذا انهارت الشيوعية من الَّذين يستهدفه الغرب؟ لا نريد أن نقول نحن الَّذين يستهدفنا الغرب، لماذا لا نقول: نحن الَّذين آن الأوان لنا أن نتخطى هذه الحواجز وأن ننشر دين الله في الأرض، وأن يكون الإسلام هو القوة الضاربة المنتشرة.. لماذا؟ هذا ما أرجوه وهذا ما أدعو إليه.
 
وتقدم الأستاذ محمد رضوان بسؤال قال فيه:
- يقولون - حفظكم الله - إن حلق الذقن والشارب غير مستحب؟
فأجاب المحتفى به قائلاً:
- وهذا هو الَّذي نتكلم عنه نتشاغل بأشياء هامشية، حاول عدونا ونجح فيما حاول - أن يشغلنا بأشياء هامشية، منتهاها يدور بين: ما هو أولى، وما هو خلاف الأولى، اجعلها سنَّة، اجعلها فريضة، اجعلها معصية..، حتى وإذا كانت معصية الإنسان هي هذه العادة.. فما أقل المعاصي؛ يجب علينا أن لا نشتغل بالمظهر بل علينا أن نشتغل بالمخبر، أريد إذا أعفيت لحيتي أن أكون قواماً لليل، فهي سنة أهم، أن أكون حاملاً قلباً عظيماً كشيوخنا الأجلاء الَّذين نسعد بهم الليلة، نحسبهم والله حسيبهم.. ولا نزكي على الله أحداً.
- لكن القضية ليست هذه، القضية أخطر من هذا، والعبارة ليست في هذه اللحية وحدها؛ أنا أنظر وأنا أريد أن أعفي لحيتي أنني أقول: ها هو مظهر الإسلام أكمله بعد أن أكملت المخبر وأقمت الليل، وفعلت كل الأشياء؛ مع احترامنا وتوقيرنا لهذه الخصلة العظيمة فإننا نقول: احذروا فهذه هي بذور الفتنة التي يحاولون بها إحداث الفرقة - بين العلماء وبين الدعاة، وبين الشباب؛ ويريدون أن يشغلوا الأمة بهذه الأمور الفرعية عن كبرى قضاياهم؛ لا تفكروا إلاَّ في اللحية لا تفكروا إلاَّ في السوق، لا تفكروا إلاَّ في هذه الأمور..، وانشغلوا بها؛ لا تشغلوا أنفسكم بالبوسنة والهرسك، لا تشغلوا أنفسكم بفلسطين، لا تشغلوا أنفسكم بالقضايا الكبرى التي تناديكم.
- نحن نحترم هذا كله ولكن نقول: إنه لا يخرج أحداً من الإسلام تقصيره في اللحية.. بلى حتى أو في أي فريضة، لأن الإسلام.. ومن قال لا إله إلاَّ الله لا يصح أبداً أن يرميه ببهتان؛ وربما كانت نافلة ينصرف أو يصرف الله (تعالى) عنها عبده، يريد بها أن يجنبه شراً كبيراً: "إن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلاَّ الغنى ولو افتقر لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلاَّ الفقر ولو اغتنى لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلاَّ الصحة ولو مرض لفسد حاله، وإن من عبادي من لا يصلح إيمانه إلاَّ المرض ولو صحّ لفسد حاله، وإن من عبادي من أريد أن أصرفه عن نافلة من النوافل كي لا يدخله الغرور بها؛ إني أدبر أمر عبادي لعلمي بما في قلوبهم.. إني عليم خبير".
 
ثم سأل الأستاذ عبد الحميد الدرهلي المحتفى به سؤالاً قال فيه:
- هل استطاعت المبادئ الأخلاقية التي تقوم عليها الديمقراطية البرلمانية - والتي سادت المجتمع الغربي، ونقلته من الملكية المطلقة إلى الديمقراطية البرلمانية - أن تؤثر فيه إلى حد السيطرة على النزعة الرأسمالية.. نزعة المصلحة الاقتصادية الخاصة؛ وهل تطور الغرب من جراء ذلك أخلاقياً؟
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- الَّذي نعرفه نحن - كدعاة وعلماء الشورى في الإسلام - إذا كانت قد أُخذت في الفكر الحديث أو الفكر العربي كلمة أجنبية أو اصطلاح للديمقراطية.. فلتأخذ؛ لكننا لا نقر حين نتحدث عن الحكم الديمقراطي أو إذا أسميناه بمسماه الحقيقي وهو الشورى في الإسلام؛ فالشورى في الإسلام لا يمكن أبداً أن تتصادم مع أي تقدم اقتصادي أو اجتماعي؛ أو تربوي؛ ولا يمكن - أبداً - إلاَّ أن يكون فيها الدواء الناجح، لأن الشورى - التي هي فريضة في الإسلام -: وشاورهم في الأمر، وأمرهم شورى بينهم هي التي تصلح بها المجتمعات، والأمم، والحكومات، والأفراد؛ فلا يمكن بحال من الأحوال إذا كان هذا في أيدلوجيات الغرب فليس عندنا نحن، نحن لنا نظامنا ومنهجنا، وإذا أطلقنا عليها اسم الديمقراطية تمشياً.. أو تحدث البعض بها، فإن للشورى مبدأها وقوانينها، وأحكامها التي أقرها الإسلام.
 
وسأل الأستاذ نبيل عبد السلام خياط - مدير العلاقات العامة بنادي مكة الثقافي الأدبي - قائلاً:
- ولو أن الموضوع ربما تطرق فضيلتكم إليه من خلال كلمتكم أو الإجابة على بعض الأسئلة، لكن لا مانع من ذكره.. ربما لديكم زيادة في ذلك؛ صحبت الصحوة الإسلامية - التي يشهدها العالم الإسلامي - موجات من التطرف والغلو في الدين؛ استغلها بعض أعداء الإسلام في تشويه صورة العالم الإسلامي؛ كيف يرى فضيلتكم الوسائل التي يمكن بها توجيه الحماس الديني لدى الشباب ليكون في خدمة الصحوة الإسلامية؟
وأجاب الدكتور أحمد عمر هاشم على سؤال السائل بقوله:
- نعم هذا السؤال له صلة ببعض المسائل التي تناولتها، لكنه أشار إلى نقطة هامة وهي: أن هذه الظاهرة لا أقول تشوه أصحابها ولا الَّذين يتعاملون معها - بل إنها تشوه صورة الإسلام لدى غير المسلمين وفي المجتمعات الأخرى؛ فيقال أهذا هو الدين؟ أهو دين إرهاب؟ أهو دين دموي؟ أهو دين يفعل مع من يخالف في الرأي مثل ذلك؟ هل هذا الشكل فقط؟ والإسلام بريء من هذا الخروج عن حقائق الدين السمح الَّذي قال الله (تعالى) فيه: ما جعل عليكم في الدين من حرج يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر أما عن الوسائل التي تتخذ لعلاج ذلك، ففي الواقع لا بد من تبصير الشباب وتبصير الأمة في كل قطاعاتها وفي كل مراحلها بحقائق الدين الصحيح؛ فلا يؤخذ إلاَّ عن علمائه المتخصصين فيه.
 
- مشكلة المشاكل - اليوم - أن الإسلام أصبح يؤخذ من كل إنسان، وأصبح كل إنسان يسمي نفسه - أو يسميه الناس - مفكراً إسلامياً وداعياً إسلامياً؛ هذه مشكلة المشاكل اليوم، والقرآن الكريم صريح في ذلك: فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون فهذا هو الَّذي جنى على الأمة، لذلك فأنا أدعو وألح وأؤكد في الدعوة إلى الرجوع إلى أهل العلم وأهل التخصص، حتى لا تحدث هذه التيارات الفكرية التي تخالف الإسلام شكلاً وموضوعاً.
وتقدم الأستاذ محمود أبو عيشة بسؤال قال فيه:
- حب الرسول صلى الله عليه وسلم شرط من شروط الإيمان، وحب آل البيت وأولياء الله الصالحين؛ أرجو من فضيلتكم توضيح موقف الإسلام من زيارتهم وحبهم، وقد علمنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب قوماً حشر معهم يوم القيامة".
وأجاب المحتفى به قائلاً:
- نعم: محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عنصر من عناصر الإيمان: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" حديث صحيح.
- أظن ليس هناك تصريح أوضح من هذا: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" وحين قال عمر: يا رسول الله لأنت أحبُّ إليّ من كل شيء إلاَّ نفسي؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا، والَّذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك فقال له عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليَّ من نفسي، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: الآن يا عمر"، أي كمل إيمانك وصح يقينك، فمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنصر من عناصر الإيمان ومحبة الصالحين، وهذا أمر - أيضاً - مطلوب؛ وقد وضحت في بداية حديثي - أيضاً - في أحاديث الحب في الله ما يؤكد هذه الحقيقة؛ والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض وزيارتهم عبادة.
- لا أريد أن أطيل معكم في الإجابة، بل أن أوجز وأوضح: إن زيارتك لأخيك المسلم إذا لم تكن لمصلحة بل في الله؛ فهي عبادة تنال عليها ثوابا من الله (سبحانه وتعالى).
 
وسأل الأستاذ عثمان مليباري السؤال التالي:
- ما هو منهج الإسلام في الآداب والفنون؟
ورد عليه الدكتور المحتفى به قائلاً:
- منهج الإسلام في الآداب والفنون هو منهجه في كل الفكر والثقافة، والعلم؛ فهو يدعو إلى الرشد وإلى الحق، وإلى الهداية؛ ربما يكون ذلك واضحاً في الآداب.. لكن كيف يكون في الفنون؟ إن معظم الفنون تكون للترويح عن النفس وللتسلية، فلا يمكن أن يتأتى في الفنون ذلك أو في أغلبها، أو أعمها هذه الحقيقة التي نقولها في الآداب، والشعر معروف تاريخه والقرآن حين قال: والشعراء يتبعهم الغاوون ألم تر أنهم في كل واد يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون استثنى بعد ذلك بقوله: إلاَّ الَّذين آمنوا وعملوا الصالحات فكان الشعر وكان الأدب يمثل سلاحاً له أهميته بل ضروريته؛ فهو ضروري جداً ليكافح الفكر بالفكر والشعر بالشعر؛ وهكذا قلت: إن بعض الفنون تكون للتسلية والترويح عن النفس؛ فهل يكون مثل هذه الفنون من موسيقى أو غناء، أو نحوها - مثلاً - داخلاً في ذلك؟
- أعتقد أن الأمر ليس على عمومه، لأن ذلك كما ذكر حجة الإسلام: أبو حامد الغزالي في كتابه القيم الَّذي خص فيه "إحياء علوم الدين" جزءاً خاصاً عن السماع، وعن بعض هذه الفنون من موسيقى وغناء، وجعل لها عوارض أربعة منها ما يتصل بالمتكلم أو المغني، ومنها ما يتصل بالمستمع، ومنها ما يتصل بالكلام نفسه، ومنها ما يتصل بالآلة المصاحبة لأهل الفن؛ انظروا منذ متى كتب في هذه المسائل التي تستحدث الآن وتتطور.
- فيقول: إذا كان الَّذي يتكلم - أو يسمع - امرأة أو حتى رجلاً، ولكن له من الصوت المتكسر المائع الَّذي يثير ويؤثر فيكون حراماً مهما كان الكلام؛ فإذا كان الَّذي.. أو التي تغني أو تتكلم لا يؤثر فننظر إلى الكلام نفسه، فإذا كان الكلام حراماً فيه تشبيب وفيه أوصاف المجون فيكون محرماً، حتى وإن لم يكن الصوت مؤثراً؛ فإن لم يكن لا المتحدث مثيراً ولا الكلام محرماً؛ بأن كان وطنياً.. اجتماعياً.. أخلاقياً.. تربوياً..، ولكن الَّذي يستمع لهذا الصوت يتأثر لعواطفه الخاصة.. كان بالنسبة له محرماً؛ فإن كان الَّذي يغني - أو يقيم هذا الفن - لا يؤثر والَّذي يستمع لا يتأثر، والكلام الَّذي يغنى محرماً، وكانت الآلة التي تصحب ذلك مما يصحب أهل الخنا والفجور من الآلات التي تلهي؛ أما إذا لم يكن فيه هذه العوارض؛ بأن كان لا يؤثر والَّذي يستمع لا يتأثر، والكلام ليس محرماً، وليست الآلة التي تصحب أهل الخنا، فإنه يكون مباحاً.
- ولا أدل على ذلك من حديث البخاري: وحداء أنجش وتأثر الحيوان بصوته، حتى كادت الهوادج التي تحمل النساء أن تقع من صوته؛ فقال: "يا أنجش رويدك رفقاً بالقوارير".
- وحديث الجاريتين اللتين كانتا تغنيان، ونهر أبو بكر ابنته وقال: مزمارة الشيطان في بيت رسول الله، تقول: "فلما غفل غمزتهما فخرجتا فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً؛ أو إن هذا اليوم عيدنا لتعلم يهود أن في ديننا فسحة؛ إني بعثت بالحنيفية السمحة".
- أما أي مخالفة في الصوت أو في الَّذي يسمع، أو في الكلام الَّذي يغنى، أو في الآلة التي تصحب أهل الخنا فنرفضها.. نرفضها.. نرفضها ونرفض كل من يخالف تعاليم الإسلام.
- ثم وجهت ثلاثة أسئلة تدور حول الإرهاب والتطرف من الأساتذة فؤاد عنقاوي، ومصطفى عطار، ومحمود خضر؛ تدور حول: هل المتطرفون هم في حقيقتهم رجال دين ودعاة خير؟ وإذن كيف يمكن التغلب على هذه الظاهرة ومواجهتها؟
وأجاب فضيلة الشيخ الدكتور أحمد عمر هاشم على ذلك بقوله:
- هم في الواقع بعضهم كذلك.. حتى لا نظلم الناس، منهم من هم دعاة إرهاب وعدوان، وبرمجوا برمجة خاصة بخيوط أمنية تحركهم وأموال تتدفق عليهم، ومنهم أناس غرر بهم وفهموا دينهم على غير حقيقته، وصور لهم الإسلام وكأنه دين دموي.. نعوذ بالله من ذلك؛ ونحن نقول لهؤلاء وأولئك: ما كان الإسلام إرهاباً ولا دموياً أبداً؛ الإسلام قرآنه يقول: ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً.
- الخلود في النار لمن خرج عن حظيرة الإسلام، أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة، الإسلام لا يبيح قتل النفس.. فالنفس لها حرمة ولها منزلة، فهي بنيان الله وملعون من هدم بنيانه، النفس لها مكانتها وغيرة الله عليها كبيرة جداً؛ لا يحل لأحد - مهما كانت الأحوال - أن يعتدي على نفس إنسان أبداً: ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلاَّ بالحق هذا الحق يوضحه قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا آله إلاَّ الله وأن محمداً رسول الله إلاَّ بإحدى ثلاث: النفس بالنفس والثيب الزاني، والتارك لدين الله المفارق للجماعة" وليس لنا ولا لأفراد الأمة ولكن لولي الأمر، لكيلا تكون الحياة فوضى.
- لا يبيح الإسلام ترويع النفس؛ الرسول (عليه الصلاة والسلام) وهو يطوف بالكعبة - وللكعبة حرمتها ومنزلتها - فيقول ما أعظمك وما أعظم حرمتك؛ وما أطيبك وما أطيب ريحك.. والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك، دمه وماله وعرضه؛ هذه حرمة النفس، وليس القتل محرماً فحسب، بل مجرد أن تحمل السلاح؛ قال الرسول (عليه الصلاة والسلام): "لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار" مجرد الإشارة بحديدة حتى ولو كان أخاه الشقيق؛ ويقول من أشار إلى أخيه بحديدة فإن الملائكة تلعنه حتى ولو كان أخاه لأبيه وأمه؛ بل أكثر من هذا.. مجرد الترويع حتى ولو كان على سبيل المزاح؛ أخفى أحدهم حذاء أخيه فلما روع وعاتبه رسول الله على فعلته قال: كنت أمزح معه؛ قال: فكيف بترويع المسلم؟
- انظروا إلى أي مدى يحرص الإسلام على تأمين الإنسان وعلى أمانه، وعلى عدم ترويعه وتخويفه..، بل لو كان ذلك على صورة المزاح، بل لو كان مجرد نظرة.. لو نظرت إلى إنسان نظرة تخيفه بها أو فيها ما فيها؛ يقول الحديث: "من نظر إلى أخيه نظرة تخيفه بها أخافه الله يوم القيامة" هذا هو الدين، هذا هو الإسلام؛ فتقول بعد ذلك إرهاب أو ترويع؛ لا يمكن أن يكون ذلك نبت أمتنا ولا عقيدتنا، ولا تراثنا.
 
السؤال الأخير قدمه الأستاذ محمد عبد الواحد قال فيه:
- لي أخ أصغر، ومثله كثيرون من الشباب يفهمون الإسلام على نحو آخر.. فحلاقة الذقن حرام ومشاهدة التليفزيون حرام، وقراءة المجلات التي فيها صور النساء حرام؛ ولا يتحدثون إلاَّ في مثل هذه الأمور، وقد انحرفوا عن قضاياهم الكبرى..، ماذا نقول لهؤلاء؟
وأجاب الدكتور أحمد عمر هاشم على سؤال السائل بقوله:
- أقول لهؤلاء: إنني أرحب بغيرتكم على دينكم، وبهذا التمسك بهذه الأشياء، من أراد أن يقوم الليل كله فليقم، ومن أراد أن يأتي بكل النوافل فليأتِ؛ نحن لا نختلف مع أحد يريد أن يلزم نفسه حتى وإن خالف في ذلك، المنهج الصحيح السوي السمح لا حرج فيه والَّذي اختاره الله (سبحانه وتعالى) لأحب الصحابة، وحين أراد بعض الصحابة أن يلزم نفسه بما لم يلزمه الله، ولم يقبل رخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تقدمت به السن، قال: يا ليتني أخذت برخصة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع هذا نقول لهم: زيدوا من العبادات والنوافل، ولكن افهموا دينكم على حقيقته؛ راجعوه وخذوا أحكامه عن أهل الذكر وليس عن أي أحد آخر.
(( تعليق لفضيلة الشيخ محمد علي الصابوني ))
في ختام الأمسية، وقبل أن يسدل الستار على نهاية فصلها الأخير طلب الشيخ محمد علي الصابوني مدة دقيقتين للتعليق؛ فأعطيت له الكلمة فقال:
- بسم الله الرحمن الرحيم..
- لست خطيباً ألهب المشاعر، ولا شاعراً أتقن المديح والثناء؛ ولا أديباً أدبج الدرر واللآلىء لأخينا الدكتور أحمد عمر هاشم؛ فقد أسعدنا في هذه الليلة المباركة بهذا اللقاء الطيِّب؛ الَّذي نرجو أن نكون - جميعاً - قد استوعبناه وأخذنا منه ما يكفينا.
 
- بمناسبة ذكر بعض الأمور التي هي ليست حقيقة من فرائض دين الله؛ أذكر قصة.. أن شخصاً وجد شخصاً يضجع آخر ليذبحه فوقف يصيح فيه اتق الله اتق الله أتذبحه وأنت توجه وجهه إلى غير القبلة.
- فاعجبوا لمثل هذا.. لا يستنكر القتل والذبح وإنما يستنكر توجيه القاتل وجه المقتول إلى غير القبلة؛ وهذا الَّذي نستشعره في هذه الأيام، فمن يدعون أنهم دعاة للإسلام يسيئون إلى الإسلام أكثر مما يحسنون؛ ولكن الواقع أنه ينبغي علينا أن ننبه إلى أن سكوت العلماء وتقصيرهم في إظهار وجه الحق، هو الَّذي مكن لأمثال هؤلاء أن يتطفلوا على العلم والدين، لماذا لا يجهر المسلم العالم بالدعوة إلى الله والإخلاص لدينه، ولماذا يداهن الحاكم أو يسايره؟ وهو يرى أن الأمور تسير على غير هداية الله؟
- لا بد لنا أن نحاسب أنفسنا وليس العلماء وحدهم هم المسؤولون، وليس العالم المتعمم هو المسؤول، العالم الشرعي هو المسؤول، الصحفي الأديب، الشاعر الكاتب، العالم الشرعي..، كلهم مسؤولون عند الله (عزَّ وجلَّ) هذا الدين أمانة أيها الإخوة، عندما نخون الأمانة فنمدح من لا يستحق المدح؛ أو نصفق لمن يجرح الإسلام، وإذا وقف منافق يقول لإنسان يده ملطخة بدماء المسلمين يا حامي العروبة وناصر الإسلام؛ فإنه بذلك يجرح المسلمين.
- نسأل الله (عزَّ وجلَّ) أن ينقذنا من هذه الضلالات، ويخرجنا من هذه الظلمات، ويجعلنا ممن يحسن القول والعمل؛ وأخونا فضيلة الدكتور هو شيخ قبل أن يكون دكتوراً، هو شيخ في علمه وشاب في سنه، وليس من الواجب علينا أن ننقص الإنسان قدره؛ فالرجل جاهد وكافح وناضل - جزاه الله خيراً - ولكن هناك بعض أمور نعتب عليه فيها تساهل فيها، له موقف آخر نحاسبه عليه؛ أما الآن فنصفح عنه لأنه ضيف عندنا وعزيز وغال علينا؛ وقد سعدت بلقائه في جامعة أم القرى عدة سنوات، كان زميلاً لنا وبيني وبينه - كما فهمت - من عمري إحدى عشرة سنة فقط؛ وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :483  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 155 من 167
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج