شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شاعرية محمد فدا

ـ أدخل إلى بهاء شاعرية ((محمد فدا)) بعبارة قرأتها ذات يوم، مضمونها:
ـ ((هناك أيضاً عبقرية قراءة.. لا تنسى))!!
وهكذا كان ((محمد فدا)) منذ عرفناه والتصقنا حتى بذائقته في القراءة.. فهو محب للشعر، عاشق لصوره، يترنّم ببيت شعر أعجبه كأنه يغنيه.
أو كأن ((محمد فدا)) بذلك الوله للشعر، يختصر الزمان ويوسع المكان في نفسه.. فإذا الشعر يحدث في أعماق ((محمد فدا)) تلك الهزّة العميقة حتى كأنه جارح، وحتى كأنه متلأليء.. وهكذا كان ((محمد فدا)) يسرق نفسه من ماديات الدنيا ليفر بها إلى حيث سرية البوح التي تتحول إلى موعد صوره شاعر بقوله:
ـ ((ينتظرك الشعر في موعد ما.. ليستعير صوتك))!!
ولكن ((محمد فدا))/ الشاعر: لم يكن مسرفاً في نسج الشعر، بل كان يحلم ببيت شعر، ويبدع قصيدة تشع صورها من ذلك الحضور الذي يشعر فيه الشاعر بالتكامل/داخل نفسه، وفي مساحة هذا الكون.
* * *
ـ وبكل هذه الخلفية لشاعرية ((محمد فدا)).. حرصت في هذا الكتاب أن أقدم فصلاً عن: الشاعر ((محمد فدا))، وركضت كثيراً، ورجوت البعض بإلحاح، ليثروا هذا الكتاب بما احتفظوا به من قصائد لهذا الشاعر الذي أعرف أنه كان مقلاً، لكنه أيضاً كان يفرح بكل قصيدة يبدعها.
وهنا.. أستميح قارئ هذا الكتاب، وكل من أحب شخصية ((محمد فدا)) وتأثر بها: عذراً وأنا أعلن فشلي في الحصول على كل قصائده أو أكثرها، وفي الحصول على كتابين ضما بعض قصائده.
وهناك كتابان مشهوران.. ضمّ الأول قصائد ومساجلات شعرية ساخرة ويغلب عليها المرح، وكانت من إبداع الأستاذ/محمد فدا، وأصدقائه الشعراء الثلاثة الذين عرفوا بالشعر الساخر، وهم: الدكتور حسن نصيف، ومحمد بادكوك، وأسعد جمجوم.. وفي تلك القصائد: صور ومواقف من واقع معايشتهم وأثناء دراستهم في القاهرة.
وأسهم الشاعر/فؤاد شاكر في إلقاء الضوء على قصائد الأستاذ/محمد فدا من التي ألقاها في مناسبات معينة.. فكتب عنه بعد وفاته يقول:
ـ قد لا يعرف الناس ((محمد فدا)) الشاعر، بعد أن عرفوه رجل التربية والتعليم الصارم الصامت!!
وتجلّت شاعرية ((محمد فدا)) في قصيدتين، أبدع الأولى وأنشدها في حفل دار البعثات بالقاهرة، وألقى الأخرى في حفل القناطر.
ـ وأورد الشاعر/فؤاد شاكر أبياتاً دون أن ينشر القصيدتين.
في حفلة ((دار البعثات))، ألقى ((محمد فدا)) الطالب في السنة الرابعة بكلية الشريعة قصيدة، نورد بعضاً من أبياتها:
لمن المنار سناؤه
ألقاً.. يشع صفاؤه
كالأمنيات تبسمت
للقلب، ضلّ رجاؤه
ـ ثم يمضي فيقول:
عبد العزيز أشاده
وهفا عليه لواؤه
من مجده قبس السنا
فبدا عليه رداؤه
أعظم به من عاهل
للجد قام بناؤه
بعث الشباب إلى الحياة
فأزهرت صحراؤه
رفع المنار ليهتدوا
ويقودهم لألأؤه
ـ ويختم القصيدة بقوله:
لك يا ابن فيصل حفلنا
بالحب والإخلاص يشهد
حفل يرف نضارة
كالزهر مخضلاً منضد
دم للعلوم مناصراً
لشبابها أملاً، وفرقد
أسمى المديح مآثر
يشدو الزمان بها، وتخلد
ـ وفي حفلة ((القناطر الخيرية)) أنشد قصيدة ثانية هذا بعضها:
مشهد الحسن والخفر
فتنة الماء والزهر!
معهد الفن والهوى
متعة الروح والبصر!
يسعد العاشقون في
جوها الحالم العطر
ـ ويمضي الشاعر في وصف الحدائق، والجمال، ومظاهر ذلك المشهد الرائع، ويرنو ببصره نحوي، فيهتف بي أن أشاركه إحساسه وعواطفه نحو المكان، ونحو سمو الأمير فيقول:
شاعر الحسن، قف تزو
د لأيامك الأخر!
واندفق (( يا فؤاد )) بالشعر
نشوان، وابتكر!
واقتبس للقصيد من
رائد الفن والشعر!
ـ ويخاطب الأمير عبد الله الفيصل فيقول:
يا أمير الشباب يا
سامي الذوق والفكر!
شاعر أنت عندما
اخترت ذا المربع النضر
ومثال لفيصل
في طباع، له غرر
فابق للعلم ناشراً
وابق للشعب منتصر
وقد النشء للعلا
وقد الجند، للظفر
ـ وفي هذه القصيدة بالذات/قصيدة القناطر، والجمال، والحدائق: تجلت شاعرية ((محمد فدا)) على أنه شاعر وليس بنظام، يرصف القول، لكنه ثاقب ينضد اللؤلؤ، ويؤلف القصيدة.
* * *
ـ ويتساءل الروائي والشاعر/محمد علي مغربي في كلمته التي رثى بها الفقيد الأغلى/محمد فدا، فكتب:
ـ السؤال الذي ورد على ذهني بعد قراءة ما أورده الأستاذ فؤاد شاكر هو: أين ذهب شعر الأستاذ فدا؟!
من المؤكد أن له قصائد أخرى كثيرة أو قليلة، وقد عرف الناس ((محمد فدا)) خطيباً مفوهاً يعتلي المنبر فيرتجل من الكلام أحسنه غير مستعين بورقة مكتوبة أو بإعداد سابق ـ سوى الإعداد الذهني ـ إذا صح هذا التعبير.
وعلمت أنه كان لا يستسيغ الخطابة التي تعتمد على الأوراق المكتوبة، أما اللحن اللغوي أو النحوي فإنه ينفر منه نفوراً شديداً بل ويزدريه.
وكل هذا الذي ذكرته إنما يدل على أصالة الحاسة الأدبية وتمكنها.
وكل هذا يجعل ممارسة الشعر أمراً سهلاً لمن توافرت له هذه الصفات.
ولئن استطاع الأستاذ ((محمد فدا)) أن يبعد الأنظار عنه كشاعر، فلن يستطيع في ما أرى ألا يمارس نظم الشعر أو التدفق في بعض المواقف لأن تجربتي في الشعر: أنه يملي على الشاعر ما يقول، وفي الوقت الذي تتجلى فيه الدوافع التي لا يملك الشاعر لها مقاومة أو دفعاً.
ولهذا.. فإن للشاعر ((محمد فدا)) أو يجب أن يكون له قصائد قليلة أو كثيرة ضمن محفوظاته وإن كان لم يظهرها للناس، ولا بد من أن تكون كريماته وهن المثقفات يعلمن عن هذا الأمر، فلا أقل من إظهار هذه الآثار للنشر لتكون الصورة عن ((محمد فدا)) الشاعرة مجلوة إلى جانب الجوانب الأخرى لهذه الشخصية الكريمة والعظيمة الصفات.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1125  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 46 من 52
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج