شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الطموح والإعتدال
في الطبيعة الانسانية شذوذ يخلقه التركيب الخلقى، والملابسات الحيوية. والإنسان بطبيعته ميال إلى التأثر بمؤثرات الحياة المختلفة، وهو مرغم على السير تحت ناموس للطبيعة مهما كان ذلك الطريق قاسياً ومهما كان صعب المرتقى، ولكن طبيعة الشباب، والفتوة الحارة تجعل منه قوة صامدة لكل تلك المؤثرات، فغرور الشبان، ورزانة الشيوخ، وحكمة الكهول انما هي امور تتطلبها الحياة وتخلقها بتأثيراتها، وعواملها المختلفة، ولقد ترى معى ان الفرق بين الشيوخ والشباب على أبعد حدوده، وأقصى مداه. ولكن اذا علمت أن طبيعة الشباب المتحمسة للحياة مع ما بها من قوة وعزم لا ترضى الأمور الا بالغلبة والقهر، وان مرونة الشيوخ العقلية، والاصالة في الرأى تدفعهم إلى السير في طريق سلمى هادئ علمت مدى هذا التغيير وتلك الحرب العوان يشنها متحمسة الشباب.
الشباب طموح وفي الشباب خفة، وطيش، وقوة، وخور، وفي الشيوخ حنكة في الأمور، واصالة في الرأى. ولكن عزيمة الشباب الجبارة لا ترضى الا بالذهاب صعدا وتحطيم العوارض الطبيعية، والفوارق الأخرى مهما استعصى أمرها وطال ثباتها
أما الشيوخ فقد أخذت الحياة منهم مأخذها، وغاض ماء الشبيبة الحى، وجمد دم الشباب المتحمس في عروقهم، وفترت فيهم عزيمة الحياة فأصبحت تخيم على نفوسهم ظِلالة من الخمول، وتحوطهم هالة من الفتور والخمود فلم تبق الا ثمالة ليست بينها وبين الموت الا خطوة ثم تنفرج. والشباب يريد لماله من القوى المذخورة والنشاط الحى، وما أولته الطبيعة، وما حبته نواميس حب البقاء ـ أن يزحزح من مكانة الشيوخ لكيما يتسنى له التسطير على موارد الأمور، ومصادرها، فهو لا يحب دائماً أن تسود أعماله هاته السكتة من الخمول، وهو يرى أن رقى الأمة ونجاح الشعوب انما يكون بالطفرة البعيدة والتربع على مقاعد المجد.
لذلك ترى العداء بين الشبيبة والشيوخ على أشده، ووجهة النظر متباينة الأطراف معقدة الاصول، وعندى ان الذنب كل الذنب انما هو واقع على الفريقين. أما الشيوخ فقد سبقتهم رزانتهم في هذا الموضع بمراحل وفاتهم أن يتداركوا الأمر بحكمة وروية فانقطعت وشائج الصلة بين الفريقين واشتدت الأمور توترا وجفوة وقام كل من الفريقين يكيل لصاحبه السباب ويقذف صاحبه بكل ما يصل اليه فكره وتمليه عليه نفسه، وبذلك أصبح الشباب يتخبط على غير هدى حتى امتلأت نفوسهم بالشر (فكانت كالبئر لا تزال يهمى فيها المزن حتى اذا امتلأت سالت). وأما الشبيبة فلكونها سمت بأنظارها إلى المثل العليا وتطلعت إلى الحياة المجيدة الهانئة ترتقبها وتنزلها من عليائها فطمحت بأنظارها، وحلقت في أجواء الخيال فلعب بها الغرور وصدمتها قيود الحياة التى لا ترضى لما تعبدته أن يخرج عن ظلالها في فيقلب نظامها، ويهدم بنيانها.
وظروف الحياة وتقاليدها هي كغيرها في كل العصور، وعند كل النحل فالنشوء التدريجى والارتقاء والتطور من أهم العوامل في بناء صروح الحضارة والمدنية.
والشباب يرى لثقافته الحديثة أن من الواجب اتباع النظم والتقاليد الغربية، لشكلها البديع وقسامتها الرائعة، فهو يريد أن يحمل الشيوخ على هاته الحياة الجديدة التى لم تألفها أنظارهم ولم تأنس بها قلوبهم، فهم لا يؤمنون الا بما كان عليه سلفهم وان كان معوجا لا يتلاءم وروح العصر، وحياته وطبيعة التطور فتبقى الحياة على أشدها خصاما، ونضالا، وقطيعة، وجفوة، وتذهب جهود الفريقين أباديد يلعب بها سلطان الضغينة وتتقاذفها أعاصير الحياة، ولن يتورع أحدهم من رمي أخيه بالزندقة والمروق من الدين. والفرق بسيط كما رأيت، وليس هو الا تفاوتا في فهم الحياة وتتبع نظم المعيشة. وعلاج الحالة الناجع انما يكون بتفاهم الشبيبة والشيوخ على أساس التمازج المطلق لينشأ من ذلك خليط يجمع إلى حصافة الشيوخ، ورزانة الكهول روح الشباب القوية ونشاطه المتواصل وحركته الدائمة. أما الطموح كما يتفهمه الشباب بمعناه فلا أراه الا تبذيرا في القوى واضاعة للمجهودات. وعندى أن لو اعتدلت الشبيبة في سيرها لكان لها ما تتمناه من بلوغ الغاية المتلألئة ببريق الخيال وشعاع الأمل الذي يعمر قلوبها ويتملك زواياها (فالطموح ـ الاعتدال ـ النجاح).
 
طباعة

تعليق

 القراءات :522  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 61 من 181
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.