شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة الدكتور عبد الحكيم حسان ))
كان الدكتور عبد الحكيم حسان أول المتحدثين عن ضيف الاثنينية، حيث قال:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.. سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين؛ وبعد:
- فالحديث عن أخي وصديقي، الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة يشكل بالنسبة لي صعوبة، وهذه الصعوبة ترجع إلى أمرين، الأمر الأول: أنَّ الإنسان لا يحسن دائماً الحديث عن نفسه، ثم الأقرب فالأقرب، وبقدر ما تكون الصلة بين شخصين يألف كل منهما الآخر، فيدرك أو يحس بالأحرى بمزاياه وفضائله، ولكنه لا يدركها إدراكاً عقلياً؛ كما يحب الإنسان شقيقه أو أباه.. فلو سألته عن مزايا أبيه إنه لا يعرف عنها شيئاً.. رغم أنه يرى أباه؛ عادةً: أحسن الناس جميعاً وقديماً قالوا المعاصرة حجاب، فما بالنا بالإلف.. الإلف حجاب أيضاً، هذه واحدة.
- الشيء الثاني: أن الإنسان إذا نظر إلى حياة الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة.. وجدها متعددة الجوانب، وربما يعييه أن يحيط بها، وخصوصاً إذا كان الوقت أمامه محدوداً؛ وفي هذه الحالة يعمد الإنسان - عادةً أو المتحدث عادةً - إما على الاقتصار على جانب من جوانب هذه الحياة، أو محاولة الإحاطة بهذه الحياة بطريقة سطحية، وفي كلا الأمرين حيف، وظلم، وهنا جاءت الصعوبة الثانية.
 
- ولكنني حين نظرت رأيت أن أسلك طريقاً آخر للحديث عن حياة الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة، وقد اهتديت في ذلك بأستاذنا الكبير العقاد، الَّذي كان يحاول أن يعثر على مفتاح للشخصية، لأن الإحاطة تكاد تكون مستحيلة، ومثل هذا المفتاح للشخصية من الممكن أن يعين على فهم كل جانب آخر، ومن الممكن كذلك أن يفسر أية ظاهرة من ظواهر هذه الحياة الخصبة، بل ويعين على أن يتنبأ الإنسان بما يكون عليه التصرف في المواقف المعينة؛ وعلى ذلك فقد وجدت - بعد أن أمعنت النظر - أن هناك مبدأً من الممكن أن نفسر به تلك الشخصية الفنية، ولا يعني هذا أن المبدأ الَّذي سأختاره أنا سيكون فيه مصادرة لأي مبدأ آخر، يمكن لأي من الإخوة المتحدثين أن يختاره، فهذا هو المفتاح الَّذي اخترته أنا أو استطعت أنا الوصول إليه، ثم ليدلي كل إنسان غيري بدلوه.
- أما المفتاح الَّذي اخترته أنا، فهو: أنك تستطيع أن تجد تفسيراً لشخصية الأستاذ الدكتور مصطفى، إذا قِسْتَ كل شيءٍ فيها بالإخلاص للمبدأ؛ فعن طريق الإخلاص للمبدأ - الإخلاص الَّذي لا يتزعزع، الإخلاص الَّذي لا يقبل اللين - اذا استطعنا أن نستعرض تصرفات الأستاذ الدكتور مصطفى وألوان نشاطه المختلفة، حتى علاقاته بالآخرين.. فإننا نجد أننا نستطيع في اطمئنان تام أن نفسرها بناءاً على ذلك المبدأ.
- الإخلاص للمبدأ، لقد ظهرت آثار هذا المبدأ في وقت مبكر في حياة الأستاذ الدكتور مصطفى، فمنذ أن كان طالباً في كلية الآداب بجامعة فؤاد الأول، بدأت تصرفاته وأقواله تصدر عن هذا المبدأ، فقد كانت كلية الآداب في ذلك الوقت تضم عدداً من المستشرقين في مختلف فروع الثقافة العربية والإسلامية، وكان الدكتور طه حسين عميداً للكلية، والكل يعرف من الدكتور طه حسين علماً ومكانةً وحزماً في الرأي والعمل، وكان يضطلع في ذلك الوقت - أي الأستاذ الدكتور طه حسين - بإذاعة اتجاهه المعروف، ذلك الاتجاه الَّذي لازمه تقريباً طوال حياته، ولا يزال كبار المثقفين في مصر وفي العالم العربي يطلقون على هذا الاتجاه اسم التنوير، على غرار تلك الحركة التي ظهرت في أوروبا.. في النصف الأول من القرن الثامن عشر.
- وبهذه المناسبة.. في ذلك الوقت، ظهر كتاب مستقبل الثقافة في مصر للدكتور طه حسين، كان الدكتور مصطفى الشكعة تلميذاً أو طالباً في كلية الآداب وكان يتلقى العلم على كثير من هؤلاء المستشرقين، كما كان يتلقى العلم على الدكتور طه حسين، والكل يعلم مدى افتتان الطالب بأستاذه عادةً وميله إلى اعتناق آرائه ومبادئه، وبخاصةٍ إذا كان هذا الأستاذ من طراز طه حسين، الَّذي يفخر كثير من أساتذة هذا الجيل بأنهم تلقوا عنه وتتلمذوا له؛ ويزيد من احتمال هذا الافتتان إذا كان الطالب ممن يُكن بطبعه الاحترام لأساتذته، بل ولزملائه أيضاً، وهذا هو ديدن الدكتور مصطفى الشكعة.
- ولكن الَّذي حدث لم يكن كذلك بالضبط.. لم يكن هو ما يُتوقع، فقد كان الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة يعارض كل رأي لا يرضاه، ولذلك فإنه تصدى لبعض الآراء التي كان الدكتور طه حسين يلقيها في محاضراته، في ذلك الوقت، ولكن الدكتور مصطفى الشكعة يتصدى وبقوة.. ولكن في إطار الاحترام للأستاذ؛ ولذلك كانت معارضاته تتقبل منه مع أن الدكتور طه حسين - في ذلك الوقـت - كان أستاذاً معترفاً به في العالم العربي، وكان من الناحية الإدارية عميداً للكلية، ومعنى ذلك: أنه كان يمسك بصولجان العلم وبصولجان الإدارة معاً، ومع ذلك فلم يمنع هذا الدكتور مصطفى الشكعة - الَّذي كان طالباً في كلية الآداب - من أن يجهر بعدم الرضى عن الآراء التي لم يرضها آنذاك؛ كانت هذه المعارضات تتقبل، لماذا؟ لأن الدكتور مصطفى الشكعة لم يندفع في المعارضة بحب الظهور.. لم يندفع لذات المعارضة، وإنما كان ينطلق من ذلك المبدأ الَّذي تحدثت عنه والإخلاص له.
- وحينما تخرج الأستاذ الدكتور مصطفى رشحه تفوقه العلمي لأن ينخرط في سلك الدراسات العليا.. بعد تخرجه من كلية الآداب، وكان نشاطه مع اشتغاله بالدراسات العليا متعدد الجوانب - في ذلك الوقت - فقد عمل مدرساً، واختير خبيراً في وزارة الشؤون الاجتماعية، وخبيراً في هيئة اليونسكو؛ وبعد حصوله على الدكتوراة أبت كلية الآداب بجامعة عين شمس - وكانت قد أنشئت حديثاً في ذلك الوقت - إلاَّ أن تضمه إلى أعضاء هيئة التدريس فيها.
- وسار الدكتور مصطفى الشكعة في آداب عين شمس مخلصاً لمبدئه كذلك، فكان له اتجاهه المتميز في تدريس التراث الإسلامي بمختلف فروعه، وكان هذا الإخلاص للمبدأ هو الَّذي يملي عليه اختيار موضوعات التدريس، وطريقة معالجتها بحثاً وتدريساً؛ فقد حاول أن يعرض على طلبته تراثهم الإسلامي نابضاً بالحياة وعاملاً مؤثراً في حياتهم، وفي تكوين شخصياتهم؛ ولقد كان من الطبيعي أن يأخذ الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة نفسه بهذا الاتجاه فيما كان يكتب حتى لغير طلبته، وبخاصة.. فيما صدر له من مؤلفات عديدة، ومن تتح له فرصة الاطلاع على بعض هذه الكتب والبحوث، فإنه يرى هذا الاتجاه المتميز.. حتى ليكاد يلمسه بيده.
- ولا أظنني في حاجة إلى الإشارة من بعد أن حددت المبدأ الَّذي رأيت أن أفسر كل ما يصدر عنه، إلى أن أشير إلى أن الحقيقة - والحقيقة وحدها - كانت هي الهدف في كل ما كتب الأستاذ الدكتور مصطفى، ولو أغضبت هذه الحقيقة بعض الناس أحياناً؛ وإذا كان لي أن أشير إلى مثل من الأمثلة، فإنني أستطيع أن أشير إلى كتابه المعروف: "إسلام بلا مذاهب" وليس هذا الكتاب هو المثال الوحيد بالطبع؛ وفي أثناء عمله بكلية الآداب بجامعة عين شمس اختارته وزارة الخارجية المصرية مستشاراً ثقافياً لها في واشنطن، وكان من ألوان النشاط التي مارسها خلال هذه الفترة، الإشراف على طلبة البعثات في مختلف تخصصاتهم؛ وقد رعى سعادته هؤلاء الطلاب رعاية الأب؛ ولم يقتصر عمله على مجرد الإشراف الإداري - كما جرت العادة بذلك - ولكنه تتبعهم في حياتهم ورعاهم كما يرعى الأب أبناءه، وقد لقي هذا في نفوسهم تقديراً وعرفاناً، فبادلوه بذلك احتراماً وتقديراً لا يزال يلقاه الأستاذ الدكتور مصطفى حتى هذه اللحظة، من بين كل من درسوا تحت إشرافه في أمريكا.
- لم يقتصر نشاط الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة على مصر، بل امتد إلى جامعات عربية كثيرة، وشمل هذا النشاط الجانبين العلمي والإداري معاً؛ فعمل أستاذاً ورئيساً لقسم اللغة العربية بجامعة بيروت العربية؛ وأستاذاً بالجامعة اللبنانية، ثم أستاذاً بجامعة أم درمان - كما سمعتم منذ قليل - ثم عميداً للدراسات العليا بجامعة الإِمارات العربية المتحدة؛ وقد عمل في كل هذه المجالات على أساس الإخلاص لمبدئه.. الَّذي لم يفارقه لحظة، وهذا الَّذي جعل عمله متميزاً.. تُلمس آثاره من قبل العاملين معه والعاملين تحت إشرافه على السواء؛ ولا يزال يمارس نشاطه بأكثر من ميدان: فهو في المجال الجامعي أستاذ في جامعة عين شمس، وأستاذ في معهد الدراسات العربية، وأستاذ غير متفرغ بأكاديمية أكسفورد للدراسات العليا؛ وهو في مجال المؤتمرات والندوات التي تعقد حول الإسلام وحضارته وثقافته، لا تكاد تفوته ندوة أو مؤتمر، سواء كان ذلك في الولايات المتحدة، أو في كندا، أو في أسبانيا، أو في المغرب، أو في ليبيا، أو في اسطنبول، أو في مسقط، أو في الرياض، أو في غير ذلك من البلدان الإسلامية والعربية؛ هذا بالإضافة إلى ما كان يعقد في الجامعات المصرية: جامعة القاهرة، وجامعة عين شمس، وجامعة الأزهر، وما ينظمه المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية من ندوات، وبخاصةٍ إذا عرفنا أن الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة عضو في هذا المجلس.
- ويذكر للدكتور مصطفى الشكعة فضل إدخاله تدريس اللغة العربية في كثير من الجامعات الأمريكية - أثناء إقامته في الولايات المتحدة - والإسهام في تطوير الجامعات المصرية منذ سنـة 1959م، ومراجعة مقررات اللغة العربية والتربية الإسلامية في مدارس دولة الإمارات العربية المتحدة، وكتابة بعض المواد العلمية في دوائر المعارف الإسلامية؛ هذا فضلاً عما يزيد على العديد من المؤلفات والبحوث التي نشرت في أكثر من مكان؛ ولقد كان الإخلاص للمبدأ أيضاً انعكاساً واضحاً على الحياة العامة للدكتور مصطفى، فهو لا يزال - في كل حين - يقف موقف الناقد المصحح، لكل ما تقع عليه عينه من أخطاء في المجتمع، ينكر ذلك كتابةً في الصحف أو في المجلات، داعياً إلى التصحيح، منبهاً إلى ما في مثل هذه الظواهر التي ينكرها من أخطار على المجتمع، ومنبهاً المسؤولين إلى تحمل مسؤولياتهم في الإصلاح، والعمل من أجل خير المجتمع.
- لقد أنكر في شهر من شهور رمضان - منذ سنتين تقريباً - برنامجاً من البرامج التي تعرض بعد الإفطار.. في التلفاز المصري، فنبه إلى ذلك وخاطب المسؤولين، ولكن ضغط العمل وتقاليده لم تسرع باستجابة المسؤولين إلى هذا التوجيه، فما كان من الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة إلاَّ أن رفع الأمر إلى القضاء، فوضع المسؤولين والقضاء جميعاً أمام هذا التحدي، ولا تزال القضية منظورة أمام القضاء إلى الآن.
- مرةً أخرى أقول: إن الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة لم يكن يصدر في كل ذلك إلاّ عن إخلاص لمبدئه، لا قصداً لشهرة ولا قصداً لمضايقةِ أحد، ولذلك كانت معارضاته تتقبل بل وتُتقبل بالتقدير؛ ولذلك منحته الدولة أكبر جائزة علمية في مصر، وهي جائزة الدولة التقديرية؛ كما أنعمت عليه - كما سمعنا منذ قليل - بوسام الجمهورية من الطبقة الثانية، ووسام الجمهورية من الطبقة الرابعة، ووسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى.
- إنَّ المبدأ الَّذي أخلص له الأستاذ الدكتور مصطفى الشكعة خلقي في جوهره، ولذلك فقد كان من المجالات التي انعكس فيها إخلاصه لهذا المبدأ علاقاته بأصدقائه، فظهر ذلك في تصرفاته إزاءهم حباً وإخلاصاً واحتراماً، وحرصاً على ما ينفعهم؛ ولذلك كان هو بدوره موضع حبهم وتقديرهم واحترامهم وإعزازهم؛ إنني أعرف كثيراً من أصدقاء الأستاذ الدكتور مصطفى.. وليس من بينهم إلاّ لاهجٌ بالثناء مُظهرٌ للتقدير والاحترام، عارفٌ بما له على أيدي الكثير منهم من أيادٍ ومآثر؛ وأخيراً: فربما يسأل سائل بعد هذا الحديث عن الإخلاص للمبدأ وماذا يمكن أن يكون ذلك المبدأ؟ وأقول باختصار: إنه الإسلام؛ وشكراً.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :687  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 102 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج