شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( فتح باب الحوار ))
ثم افتتح الأستاذ أمين عبد السلام الوصابي الحوار بسؤال، قال فيه:
- لا شك أن هناك العديد من المصارف، بدايةً من دلة البركة، ومروراً بالبنك الإسلامي للتنمية، ووقوفاً عند البنوك الأهلية التجارية الأخرى؛ فنجد هُنا أن معظم الفقهاء ورجال الدين يُحذرون من التعامل مع البنوك الأهلية في مجال الاستثمار، وأجازوا تعامل الاستثمار مع البنك الإسلامي للتنمية؛ لأن هذا البنك لا يتعامل مع أموال المودعين بطريقة ربوية؛ إذاً ما هو موقف الشريعة الإسلامية من التعامل مع البنوك الأهلية، والأرباح التي تُعطى إلى المتعاملين مع البنك؟
 
ورد المحتفى به على السؤال بقوله:
- أخي الكريم السائل، هذا سؤال خلاصتُه: ما حكم الفوائد التي تحتسبها البنوك على الودائع المالية لديها؟ في نظري لا مجال وشبهة في كل من الأشكال لتصور الفوائد المصرفية التي تحتسبها المصارف العادية، أو التي تسمى المصارف التجارية، أو تسمى المصارف الربوية، لا مجال لأن نتصور بوجه من الوجوه أن الفوائد التي تحتبسها على الودائع، وكذلك الفوائد التي تأخذها ممن تقرضهم تمويلات لمشاريعهم الاستثمارية، أن هذه الفوائد ليست ربا؛ وكل تصور من هذا القبيل هو تغيير للأحكام الشرعية في نص القرآن الصريح.
- أذكر لكم بهذا المقام قصة ذات عبرة، كان الأستاذ عبد الرزاق السنهوري (رحمه الله) وهو عَلَم القانون في العصر - كما تعلمون - وهو الَّذي وضع القانون المصري، وشارك في وضع القانون العراقي، إلخ.. كان يعتقد بأن الربا المحرَّم في الشريعة الإسلامية هو ما كان أضعافاً مضاعفة بقوله تعالى: لا تأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة في جلسة هادئة بيني وبينه (رحمه الله) قلت له يا دكتور: أنا أريد أن أناقشك في رأيك، إذا كان لك رأي خاص حول حكم الإسلام في الفوائد؛ فأنت كعالم قانوني مشهور عَلَم من الأعلام في عالم القانون، وأنت ذو فهم سديد معروف عنك هذا؛ أريد أن أناقشك عن حكم الإسلام بنصوص القرآن، سواء أكنت مقتنعاً به أو غير مقتنع.. لك أن لا تقبل بالإسلام كله لا أناقشك بهذا؛ ولكن من يريد أن يقرر حكم الربا في الإسلام وما هو الربا، فعليه ألا ينطلق من انطلاق علمي.. وأمامه آيات القرآن الكريم؛ فهل تعلم أن بدء التنفير من الربا جاء في قوله تعالى: وما آتيتم من ربا ليربو في أموال الناس فلا يربو عند الله.. فأولئك هم المضعفون؟ الآية.
- بهذا بُدئ بالتنفير من الربا؛ ثم جاء التنديد ببعض الصور التي كانت تحصل، وهو أن الربا كان يتضاعف أضعافاً مضاعفة، قال تعالى في أواخر سورة البقرة: يا أيها الَّذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين * فإن لم تفعلوا فأذنوا بحربٍ من الله ورسوله وإن تُبْتُم فلكم رؤوس أموالكم قلت له بعد قوله تعالى فلكم رؤوس أموالكم: هل يمكن أن يَقُول عالمٌ مثلك - هو حجة وقدوة في عالم القانون - إن الربا المحرَّم هو الأضعاف المضاعفة؟ فوالله أيها الإخوان الكرام لقد سكت، ثم قال لي: الحق معك.. أنا مخطئ، وأنَّه لا يمكن أن يَدَّعِيَ أحدٌ أن الربا المحرم في الإسلام هو الأضعاف المضاعفة، وإنما كل ما زاد عن رأس المال هو محرم في نظر الإسلام.
- فهذا حديث بيني وبين السنهوري (رحمه الله) أذكره لكم بهذه المناسبة، لذلك فإنَّ مسألة الفوائد استخرجنا نصوصاً من كلام أقطاب علماء اليهود في الاقتصاد.. وأستاذ في الجامعة العبرية، يُبَيّن أن كلمة فائدة هذه هي الربا الَّذي كان معروفاً عند اليهود وحُرِّم عليهم، ويقول إنهم بعد أن كان معنى الفائدة INTEREST في الإنكليزية مأخوذة من اللاتينية، التي كانت تدل على معنى تعويض الضرر عن تأخير أداء الدين؛ بعد ذلك في العهد الكنسي أراد رجال الكنيسة أن يُبيحوا جزءاً من الربا.. فصاروا يسمونه فائدة، ويقولون: إن (INTEREST) هي الربا الَّذي كان عليه اليهود وحُرِّم عليهم؛ نصوص واضحة.
- كلمة فائدة أريد بها التستر عن تسميتها ربا، ولكن ليس الربا المتداول حتى عند اليهود أضعافاً مضاعفة، وإنما هو هذه النسبة التي سميت فيما بعد (INTEREST) أو فائدة؛ فالموضوع لا يقبل أي هوادة في تقديري، وهذا الَّذي عليه جمهور علماء المسلمين في هذا العصر؛ نعم هناك بعض آراء تعتبر آراء شاذة، لكن قد يكون أصحابها مقتنعين بهذا، ولكن لا يدل الاقتناع على أن صاحبه على صواب، بل قد يكون الاقتناع بخطأ.
 
ثم وجه سؤال من الأستاذ إبراهيم العزاوي، قال فيه:
- ما السبيل الأمثل ليواكب الفقه الإسلامي مستجدات الحياة، وعند كل مستجدة تقوم الدنيا ولا تقعد، وبعدها تصبح مُسلَّماً بها عند الَّذين عارضوها بالأمس؟
وأجاب الدكتور مصطفى على السؤال بقوله:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. الأخ السائل: السبيل ليصبح الفقه الإسلامي سبيلاً مشبوكاً في الحياة، هو أن نتخلى عن العصبيات المذهبية، فلا يتعصب الحنفي لحنفيته، ولا الشافعي لشافعيته، والمالكي لمالكيته، ولا الحنبلي: وأقول هذا.. في هذا البلد الَّذي يسود فيه المذهب الحنبلي وإمامه (رضي الله عنه) هو أحد الأئمة الكبار العظام، لا ينبغي أن يتعصب أحدٌ لمذهبه؛ ولي في موضوع ضروب التعصب في المدخل الفقهي بحث طويل، بينت فيه أن التعصب ضربٌ من نقص العقل؛ - مثلاً - فأنا ولدت من أب حنفي في أسرة حنفية صرت حنفياً، فأنا لم أصبح حنفياً بإرادتي.. إنما وجدت أبي هكذا؛ فلو كنت مولوداً من أب شافعي.. لكان مذهبي شافعياً؛ فهل ينعكس الحق إلى باطل والباطل إلى حق بهذه المصادفات، بين أن أكون من أسرة حنفية أو أسرة شافعية؟
- فلذلك هذه المذاهب كلها تمثل وجه الشريعة الإسلامية؛ وكما يقول القائل: وكلهم من رسول الله مقتبس؛ فلا يوجد مذهب واحد يستطيع أصحابه أن يقولوا إنه الوحيد الَّذي يُمثل الشريعة.. هذا لا يوجد أبداً، لماذا؟ أقمت على ذلك دليلاً عقلياً، هل يستطيع أصحاب مذهب ما أن يدعوا أن إمامهم معصوم؟!..لا يمكن هذا.. إذاً هل يمكن أن ينكر أصحاب مذهب أن في مذهبهم بعض أمور تبناها من اقتنع بها وقد تكون خطأ، وأن يكون الصواب في مذهب آخر؟! كذلك لا يمكن أن يُنكر هذا.
- إذاً كل مذهب -باعتبار أن إمامه غير معصوم وأتباعه غير معصومين- ممكن أن يكون فيه بعض الخطأ.. على الأقل بعض الخطأ، فإذا كان كذلك. فلو اعتقد أن مذهبه هو الَّذي يُمثل الشريعة.. فمعنى ذلك أن خطأ مذهبه محمول على الشريعة وأنه خطأ الشريعة، وهذا هو جهل الادعاء بأن أحد المذاهب هو وحده يمثل وجه الشريعة، إنما الحق: أن جميع المذاهب بمجموعها - حتى ما يمكن أن يوجد منها قائماً على أسس اجتهادية صحيحة - تمثل وجه الشريعة، ولذلك كثيراً ما يعُوزنا الحل الَّذي نحتاج إليه في مذهب، فنجد هذا الحل في مذهب آخر.
- وهنا أستشهد بأخي الأستاذ عبد الرحمن بن عقيل - وهو مدير مركز البحوث الَّذي أعمل فيه مستشاراً - فكم من المسائل التي نبحث تأتي معنا في البحوث التي تخدم الاقتصاد الإسلامي، كم ينسد معنا طريق الحل لمشكلة قائمة عصرية في وجه الاستثمار الحلال ولا نجد لها حلاً في المذهب الفلاني، لكننا نجد لها حلاً في مذهب آخر فنتبناه ونبني عليه؛ فإذا المذاهب كلها هي التي تمثل الشريعة الإسلامية.. وليس أحدها أبداً.
 
- ولقد طلب الأستاذ فهمي هويدي مني أن أكتب للعرب منذ بضع سنوات كلمةً عن الفقه الإسلامي وما يُؤَمَّل منه، فكتبت له كلمة طويلة بعنوان: الفقه الإسلامي ماضيه وحاضره ومستقبله؛ غير أنه غير هذا العنوان تغييراً راقني وأعجبني، فجعل العنوان: (لكي يخرج الفقه الإسلامي عن عزلته).
 
- الواقع أن فقهنا ضُرِبَ عليه سياج من العزلة من سنوات، وأصبح بعيداً عن الحياة، الحياة جارية في طريقها في المعاملات والاستثمارات، وتحت النُظُم القانونية، وما إلى ذلك.. والفقه يُدرسُ للبركة، مع أن فيه هذا الجوهر النفيس.. الَّذي لا يعجز عن حل مشكلة من المشكلات هو وأصوله القائم عليها.
 
- لذلك إذا أردنا أن يخرج الفقه من عزلته؛ كما فعلنا في مشروع القانون المدني الموحد للبلاد العربية، الَّذي أشار أحد إخواننا الَّذين تكلموا أنني كنت أحد أعضاء لجنة الخبراء في أمانة جامعة الدول العربية، ووضعنا الهيكل الأساسي فيه، وهو نظرية الالتزامات العامة لنصوص كلها أُصِّلَت تأصيلاً من مختلف المذاهب، أُصِّلَتْ تأصيلاً على الفقه الإسلامي، وكان هذا برهاناً على أن الحلول الصحيحة التي تجعل الفقه محل العمل وحل المشكلات العصرية، هو: أن نستمد من مختلف المذاهب، بل قد لا تكفي مختلف المذاهب، لأننا أمام بعض مستجدات لم تعالج في المذاهب، فعلينا أن نؤصلها على أصول الشريعة وفقهها، فما كان ممكن التأصيل على أصولها قبلناه وما ليس ممكناً رددناه.
 
- فهذا هو الطريق الَّذي يجعل الفقه الإسلامي بارزاً في حياتنا، وأن نشعر كما قال ابن القيم (رحمه الله) في نَعْيِهِ على علماء عصره، الَّذين كانوا يَتَّسِمُون بالعصبية، وكانوا كلما احتاج الحكام إلى حل مشكلة يسدونها في وجههم، حتى ألجؤوهم إلى أن يُصدروا أنظمةً وقوانين بإراداتهم الفردية.. وافقت الشريعة أم خالفتها؛ فابن القيم ينعى عليهم هذا الجمود، ويقول: لو أنهم كانوا منفتحين في فقه الشريعة لما أحوجوا هؤلاء الحكام إلى أن يصدروا أنظمة وقوانين، ذلك أن الشريعة وفقهها وأصولها فيها كل الحلول المطلوبة..
وتوجه الأستاذ عبد الحميد الدرهلي بسؤال، قال فيه:
- يحذر الدعاةُ دائماً في المساجد من أن النصارى واليهود هم أعداء الإسلام والمسلمين؛ يا تُرى ما سبب هذه العداوة، وكيف يمكن تجاوز هذه العداوة وأخطارها والأمة الإسلامية في وضع لا تُحسد عليه، وهل الأمة الإسلامية والمسلمون يُعادون النصارى واليهود؟
 
وأجاب فضيلة الدكتور الزرقاء على سؤال الأستاذ الدرهلي بقوله:
- إخواني الكرام: لم نصف اليهود ولا النصارى بالعداوة، وإنما القرآن العظيم هو الَّذي وصفهم بقوله: ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع مِلَّتَهُم اللهُ (تعالى) قال هذا وليس نحن ولا الفقهاء، فلا شك أننا أصحاب رسالة، هي رسالة الإسلام العالمية التي ندعو فيها جميع العالم، إلى الطريق الصحيح، وعبادة الواحد الأحد دون إكراه: لا إكراه في الدين فمن رضي.. فأهلاً وسهلاً، ومن أبى.. فلكم دينكم ولي دين؛ ولكن هؤلاء هم الَّذين يحملون العداء للإسلام، وهم الَّذين ما زالوا إلى يومنا هذا كما تعلمون - يكسرون عظام الشباب بالأحجار، وتحت مرأى التلفازات، وتعرض هذه في كل بلاد العالم فلا أحد يستنكر، ثم يُبَرِّئون اليهود والصهيونية من وصمة العنصرية؛ هم الَّذين يحملون لنا العداء، فيجب أن نكون أيقاظاً ولا نكون غافلين.. ونحن المكلفون بأن لا نُوِالِيَهُم؛ في القرآن العظيم قال تعالى: لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلاَّ أن تتقوا منهم تقاةً.
- فعلينا أن نعرف العدو ونحذره، ويجب ألاَّ نغمض أعيننا عن ضوء النهار، لكن يجب أن نكون كما قال الرسول (عليه الصلاة والسلام): "المسلم كَيِّسٌ فَطِنٌ حذر" وديننا لا يأمرنا أن نُسيء، ولكن يجب أن نعرف عدونا ونحترس منه، وأن لا نقابل الصفع منه بالابتسام؛ هذا الذل لا يقبله لنا ديننا.
 
وسؤال من الأستاذ الطيب فضل عقلان، جاء فيه قوله:
- الفقه، القانون، الشعر، بحورٌ من الإبداع.. كنت عملاقاً في خوضِ غمارها، ما الَّذي تحتاجه الأمة الإسلامية اليوم من تلك الإبداعات، وكيف تكون أسهل السبل لتوصيل تلك الإبداعات لجيل اليوم، مع ملاحظة أن إيقاعات العصر السريعة تقف عائقاً أمام تلك الإبداعات العظيمة؟
 
ورد الضِّيف على سؤال السائل بقوله:
- بسم الله الرحمن الرحيم.. الموضوع تكرار لما سبق أن قلنا، نحن لكي نعرض فقهنا للعمل، ولكي يتقبل ويصبح دستوراً غير معزول عن الحياة، فعلينا أن نتبع الطريق الصحيح.. وقوامه أمران؛ أولاً: أن نتخلى عن العصبية؛ الأمر الآخر: تبسيط الفقه المأخوذ من مختلف المذاهب، ولا نتعصب لمذهب ونهجر آخر؛ فإذا سلكنا هذا التفتح ضد العصبية المذهبية وعرضنا الفقه ميسراً مبسطاً نبرز - جوهره، ونتخذ من أصوله ما يُمدُّنا بالتفريع والتأصيل للمستحدثات المستجدة - فقد أتينا بالإبداع المطلوب.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :444  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 96 من 170
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج