شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الشيخ عبد المقصود محمد سعيد خوجه))
الحمد لله الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ . عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (العلق: 4 ـ 5)، والصلاة والسلام على سيدنا وحبيبنا وقدوتنا محمد، صلى الله عليه وسلم خير من تعلم وعلم وأعلم بالله عز وجل، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
الأستاذات الفضليات
الأساتذة الأكارم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
نحمده سبحانه وتعالى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (الملك: 2)، لقد رزئنا بوفاة فقيد الوطن صاحب السمو الملكي الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، تغمده الله بواسع رحماته وأسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، وتتقدم أسرة الاثنينية بخالص العزاء وصادق المواساة للعائلة المالكة الكريمة والمواطنين كافة، وخصوصاً مواطني منطقة مكة المكرمة لهذا الفقد الكبير، سائلين الله سبحانه وتعالى أن يلهم الجميع الصبر وحسن العزاء، إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156).
والتعزية والمواساة أيضاً للعائلة المالكة الكريمة، إذ تعمقت أحزاننا بوفاة فقيد الوطن صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل، رجل الدولة في بدايات النهضة المباركة، والذي أسهم بدور بارز في إثراء الحركة الثقافية، والرياضية، وكثير من الأعمال الخيرية، بالإضافة إلى ريادته وحنكته في مختلف النشاطات الاقتصادية.. نسأل المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، وأن يسكنه فسيح جنانه مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. وأن يلهم الجميع الصبر وحسن العزاء..إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (البقرة: 156).
كما نقدم صادق العزاء والمواساة لعائلة أستاذنا الكبير الشاعر علي حسن أبو العلا، وللأسرة الثقافية كافة، فالفقيد صاحب منتدى الجمعة الأدبي في مكة المكرمة، وقد شرفت اثنينيتكم بتكريمه والاحتفاء به بتاريخ 5/4/1405هـ الموافق 14/11/1988م، وأضاءت أعماله الكاملة إصدارات الاثنينية ضمن فعالياتها بمناسبة اختيار مكة المكرمة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2005م.. رحمه الله رحمة الأبرار، وجعل الجنة مثواه مع المتقين الأخيار.
إن نهج التكريم الذي سارت عليه ((الاثنينية)) منذ انطلاقتها ظل يمثل قيمة إسلامية وحضارية نعتز بها.. وإن حاد في أحيان قليلة عن تكريم ذوي الفضل رجالاً ونساء، لينسحب بروح التكريم أيضاً لكتاب ذائع، أو مؤسسة علمية أو بحثية أسهمت في إثراء الساحة الثقافية والفكرية، ومنها على سبيل المثال قراءة في كتاب ((الخطيئة والتكفير)) للدكتور عبد الله الغذامي بتاريخ10/6/1406هـ الموافق 10/2/1986م، وقراءة في كتاب ((أبو هريرة الصحابي الجليل والحقيقة الكاملة)) لمعالي الدكتور محمد عبده يماني بتاريخ 22/6/1419هـ الموافق 12/10/1998م، وقراءة في كتاب ((الإسلام وأمريكا وأحداث سبتمبر)) لمعالي الأستاذ الدكتور محمود بن محمد سفر بتاريخ 11/2/1426هـ الموافق21/3/2005م. وكانت بحق وقفات مضيئة نهلنا من نميرها أطيب الفوائد وأغدق الأفكار.
واستمر التكريم بصورته التقليدية إلى أن أطلق فارس هذه الأمسية معالي فضيلة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان عبارته الشهيرة، ضمن كلمته الضافية بمناسبة احتفاء اثنينيتكم بمرور خمسة وعشرين عاماً على تأسيسها، فأشار مشكوراً إلى ضرورة الالتفات إلى (تحقيق الذات) وليس (تكريم الذات).. فأهلاً وسهلاً ومرحباً بأستاذنا الجليل الذي استجاب بكل أريحية لتكريس ما نادى به (لتحقيق الذات) من خلال مؤلفه القيم (باب السلام في المسجد الحرام ودور مكتباته في النهضة العلمية والأدبية الحديثة).. والذي يقع في أربعمائة وثلاث وتسعين صفحة من القطع الكبير، واستغرق إنجازه أربعة عشر عاماً تقريباً.. ورأى النور خلال الأيام القليلة الماضية، لتشرف ((الاثنينية)) ـ كأول فعالية ثقافية ـ بالاحتفاء بهذا الكتاب، وإلقاء الضوء عليه من قبل مؤلفه، ابن مكة المكرمة البار، وصاحب الدراسات المتعمقة التي سطرت العديد من البحوث والمؤلفات، بل المنارات الخالدة في تاريخ المكتبة العربية.
إن معالي أستاذنا الجليل لبس التواضع إزاراً، والزهد في الأضواء رداءً، ثم توضأ بالفضيلة، وعاش بها بين الناس في عز العلماء، وسمو العظماء، فهو من الموطئين أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، ولا أزكيه على الله.. فارس أمسيتنا تضمخ بعبق الحرم المكي الشريف، تتلمذ في رحابه، ونهل من علمائه، وروَّم بين جنباته سنين عدداً، مقتعداً تحت سدة طلب العلم، فشرب من مائه المعين، وكان ذلك وسام شرف يعتز به كعالم بارع وفقيه مفلق وباحث فطن، يجلنا بوقاره ويدثرنا بفيض علمه الممزوج بعناصر التذوق وقراءة الفكر وعمق الكلمة.
مما يذكر فيشكر لفارس أمسيتنا وفاؤه المحفز على المزيد من الإبداع والعطاء للعلم والثقافة والأدب، ويتضح ذلك جلياً من خلال مؤلفاته ومقالاته، فكثيراً ما دعى إلى العناية بالأماكن التاريخية وإعادة إحيائها وبنائها بناءً إسلامياً يليق بقيمتها التراثية، وهو مطلب مهم ينبغي السعي لتحقيقه، كونه يسهم في الارتقاء بالقطاع السياحي الذي ينعكس بدوره على القطاع الاقتصادي، بل إن ذلك من شأنه أن يحول تلك الأماكن إلى وجهة سياحية ذات أبعاد ومميزات دينية وثقافية وتراثية واجتماعية وبيئية، لكنه يحتاج إلى تضافر الجهود لترسيخ ثقافة السياحة في المجتمع، ثم الانتقال إلى مرحلة تعنى ببناء القدرات السياحية من خلال برامج التكوين والتأهيل السياحي، بالإضافة إلى مشاريع الآثار ذات البعد الديني والثقافي وبناء المتاحف والعناية بالمخطوطات والكتب التراثية، خصوصاً أن المملكة ـ ولله الحمد ـ تمتلك رصيداً تراثياً ثقافياً زاخراً وتتمتع بهويات سياحية متنوعة بفضل مساحتها الشاسعة وتنوع أقاليمها، ما يجعلها مقصداً سياحياً فريداً من نوعه يجمع بين الطمأنينة الدينية والمتعة الجمالية.
أجدني أزجي رسالة شكر وعرفان لفارس أمسيتنا، فهو صوت أصيل وقلم نبيل، المتأمل في مؤلفاته يجدها نافذة علمية تطل على الفكر الإسلامي، وباباً مشرعاً يتيح لنا التجول بين أروقة الدراسات الإسلامية ودهاليز التاريخ، فقد سقى الساحة الثقافية من مزن تجاربه، وعلمه، وكفاحه، ومعرفته، بفضل امتلاكه مواهب أدبية قادرة على مواكبة قدراته العلمية.. وهذا يحيلنا إلى مسألة مهمة وهي أننا نمتلك مخزوناً ثقافياً وتراثياً هائلاً يفوق الكثير من الأمم، لكننا عاجزون عن بلورته وتحريكه بشكل نستطيع الاستفادة منه في حل المشكلات الآنية الثقافية، والعلمية، والأخلاقية، وغيرها، فالثقافة في كنهها كما تعلمون تواصل بين الحاضر والماضي، وإذا أفل هذا التواصل ضربت الثقافة في صميمها، فيغيب التثقيف ويبقى المخزون الثقافي جامداً، لذلك نحن في حاجة إلى أدباء وعلماء ومؤرخين قادرين على تحريك هذا المخزون الثقافي ونقله إلى باقي الثقافات، ما يتطلب جهداً كبيراً وفهماً جيداً لثقافتنا وثقافة غيرنا.
لقد درجت من خلال هذه الكلمة الترحيبية أن أشير، ولو بطرف خفي، إلى مسوغات تكريم من نحتفي به، والليلة يتجاوز احتفاؤنا علماً بارزاً في مجال تخصصه، لتنداح دائرة الألق وهالة النور تجاه مؤلفه القيم الذي أشرت إليه آنفاً.. إلا أنني في الحالتين ألجم قلمي عن الاسترسال، لمعرفتي التامة أن فضيلة ضيفنا الكبير لا يحبذ عبارات الشكر والتقدير والامتنان، ولا أملك إلا كلمة (شكراً) أزجيها من باب الواجب، فمن لم يشكر الناس لم يشكر الله.
من ناحية أخرى، فإن الحديث عن سفره الكبير سيكون بطبيعة الحال مركز الدائرة في مجمل حديث معاليه، ليتحفنا مشكوراً بدرر قوله وجميل فضله حتى نعيش معاً متعة التجول عبر باب السلام، كبيره وصغيره، في المسجد الحرام، ونزور أصحاب تلك المكتبات التي شع منها نور الحرف، ودفء الكلمة، لتعم أرجاء المملكة، ومعظم الدول الإسلامية، التي نهل علماؤها وطلابها من نمير روافدها العذبة الرقراقة.
لقد بدأ معالي ضيفنا الكريم إصداراته القيمة بعمل فذ مع زميله الدكتور محمد إبراهيم علي، حيث أصدرا عام 1401هـ كتاب (تحقيق ودراسة مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل) وهو من الأعمال المهمة التي ينبغي أن نفرد لها أمسية خاصة للحديث عنها في المستقبل إن شاء الله.
ورغم أن فضيلته مقل من ناحية الكم، فإنه انتقائي من الدرجة الأولى، فتجده دائماً سبَّاقاً مميزاً في مضمار اختيار المواضيع التي يسهم بها في سد ثغرات المكتبة العربية، والإسلامية بوجه خاص.. وغالباً ما يميل إلى التحليل والتدقيق وإعمال الفكر والعقل قبل النقل.. وهي من سمات العالم الواثق من نفسه، المتمكن من أدواته، والقادر على مقارعة الحجة بالحجة.
إن الفكر النير الذي يحمله فضيلة ضيفنا الكريم مع طبقة نظرائه من ذوي الفضل، يمثل الحصانة التي ينبغي الأخذ بها مع سائر الأسباب التي تمكن الوطن من تجاوز محنة الفكر الظلامي الذي يحاول ضرب مكتسبات الأمة في عقوق وصلف وتجاوز لكل القيم والأعراف، بل والمسلمات الدينية والفقهية.. والشيء بالشيء يذكر، أجد من المناسب فتح حوار عميق ومتجذر بين كل ألوان الطيف الاجتماعي، برعاية مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، وألا يكون محكوماً بفترة محددة، بل يكون حواراً مفتوحاً إلى أن يثمر خيراً ويسهم في لجم الفكر الإقصائي، إن لم نقل اقتلاعه من جذوره، فما تقوم به الجهات الأمنية مشكورة قد يعني قصف قمة جبل الجليد، الذي يظهر جزء ضئيل منه فوق سطح الماء، في حين أن معظمه تحت السطح، يهدد الملاحة الآمنة.. فبالفكر الصحيح وحده يمكن هدم المفاهيم الخاطئة التي يتذرع بها مثيرو الفتن والضلال.. وغيرهم من أصحاب المآرب الخبيثة الذين يسعون ليل نهار لزرع الشقاق والفرقة بين أبناء الوطن، ولا يمكن فضح هذا التيار، ما ظهر منه وما بطن، إلا من خلال حملة تنويرية وحوارية شاملة ومستمرة، يشارك فيها الجميع كل بحسب إمكاناته، وأن يكون نبراسها العلوم النافعة التي يزخر بها بحر ضيفنا الكريم ومن يسيرون على ذات الدرب من علمائنا الأجلاء.
وفي الوقت الذي نختم موسمنا بهذه الأمسية، يسعدني أنها ستكون بمشيئة الله نقطة تحول في برامجنا المستقبلية، لنسعى معاً لتحقيق ما يمكن من اقتراحات بناءة أفضل بها نفر كريم من رواد هذا المنتدى، فلهم الشكر على ما بذلوه من جهد ووقت، متطلعاً إلى مزيد من الأفكار التي من شأنها العمل على ترقية الأداء وتطويره بما يعود بالخير على الساحة الثقافية والفكرية.
من ناحية أخرى، أذكر السيدات الفضليات أن الكرة في مرماهن الآن، وأصبح الأمر بأيديهن لتفعيل أمسيات التكريم القادمة بمشيئة الله بناء على مرئياتهن واختياراتهن وفق معايير، وأسبقيات، وخطط، يضعن أسسها ويجمعن عليها، ولهن اختيار بعض الكتب التي يرين تدارسها، أو القضايا التي ينبغي تداولها في إطار دعوة فضيلة أستاذنا الجليل فارس هذه الأمسية تكريساً (لتحقيق الذات) وليس (تكريم الذات).
أتمنى لجمعكم الكريم أجمل الأوقات وأباركها في أمسية مسك الختام لهذا الموسم، مع ضيفنا الجليل، وسياحة مفعمة بذكريات باب السلام في المسجد الحرام.. ويسرني أن أنقل لاقط الصوت إلى معالي أخي الدكتور محمد عبده يماني المفكر الإسلامي المعروف، ووزير الإعلام السابق، ليتفضل مشكوراً برعاية هذه الأمسية.
والسلام عليكم ورحمة الله..
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1233  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 232 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة بديعة كشغري

الأديبة والكاتبة والشاعرة.