شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ أحمد البراء الأميري))
لم يُتِحْ لي التقاربُ في السن، والطريقُ العلمي الذي سلكتُه أن أتتلمذ على فضيلة أخي النبيل الجليل الشيخ محمد عوامة ـ حفظه الله ـ لكنني ـ على قدر طاقتي في الاستيعاب ـ نهِلتُ من كتبه ما نفعني الله به في ديني ودنياي، وأخصّ من تلك الكتب اثنين:
ـ أدبَ الاختلاف في مسائل العلم والدين.
ـ وأثرَ الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء رضي الله عنهم، الذي طُلِب إليّ أن يكون موضوع مشاركتي في هذه الليلة السعيدة.
قدَّم للكتاب ثلاثة من أفاضل العلماء: الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، والشيخ مصطفى أحمد الزرقاء، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، رحمهم الله جميعاً وكلّهم أثنى على الكتاب ثناءً عاطراً، وأكتفي بنقل سطور مما كتبه شيخنا الزرقا تبيّن ـ على وجازتها ـ رأيه في الكتاب، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق. قال، وهو الفقيه الذي يحسب لكل لفظ حسابه:
((وقد أعجبني غزارة مادة الكتاب، وما تدل عليه سعة اطلاع مؤلفه، وعمق فهمه، وحسن تنسيقه، حتى اجتمع له في هذا الكتاب ـ على لطف حجمه ـ ما يندر أن يجده الباحث في الكتب الكثيرة.
((وزاد من إعجابي بالكتاب أنّ مؤلفه متمكّنٌ من السنّة النبوية ورجالها، وقد حقق قبلاً (تقريب التهذيب) للحافظ ابن حجر، و (الكاشف) للإمام الذهبي، وسواهما، وهو يبني بكتابه هذا جسراً بين الرواية والدراية: رواية الحديث وفقهه.
((وأستطيع أن أقول بحق: إنه كتاب مُفَقِّهٌ لقارئه في الحديث ودلالاته، فجزاه الله عن علمه ودينه خير الجزاء ونفع به)).
أجعل ما بقي من حديثي الموجز في نقاط:
النقطة الأولى: الحديث عن كتاب ((أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء رضي الله عنهم)) لمن لم يقرأْه كمن يصف رائحةَ زهرٍ لم يشمَّه، وإذا كان الحكم على الشيء فرعاً عن تصوره، وأنّ من ذاق عرف، ومن لم يذُق لم يعرف، وأنّ من رأى ليس كمن سمع، فما أصدق قول القائل:
وكنتُ أرى أنْ قد تناهى بيَ الهوى
إلى غايةٍ ما بعدها ليَ مذهبُ
فلما تلاقينا، وعايَنْتُ حُسنَها
تيقّنت أني إنما كنتُ ألعبُ
ما أصدقَ قولَ هذا القائل عليّ عندما سمعت عن الكتاب قبل قراءته، وبعد أن فرغت من قراءته! وأتوقع أن تكون حال أكثر من سيقرؤونه مثلَ حالي.
النقطة الثانية: في الكتاب جانبان: جانبٌ خاصٌّ يهتم به طلبة العلم الشرعي ومحبّوه دون سواهم، وجانب عام ينتفع به المثقفون المسلمون على وجه العموم، وأمثّل للجانب الثاني بمثالين:
1 ـ نَقَلَ الكاتبُ الفاضل عن الأئمة الأربعة رحمهم الله ما يُبيّن إجلالهم للحديث الشريف، وهذا أمر بديهي، لكنه ذكر عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله، وهو إمام أهل الرأي، قوله: ((إياكم والقولَ في دين الله تعالى بالرأي، وعليكم باتباع السنّة، فمن خرج عنها ضلّ)) وقولَه: ((لم تزل الناس في صلاح ما دام فيهم من يطلب الحديث، فإذا طلبوا العلم بلا حديث فسدوا))!! فما أعجب هذا الكلام عن (الرأي) من إمام أهل الرأي!
2 ـ بيّن المؤلف الفاضل أن بعض طلبة العلم في زماننا يرون حديثاً صحيحاً في أحد الكتب الستة ـ مثلاً ـ مخالفاً لأحد المذاهب الأربعة فيقولون: خذوا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأضربوا بالمذهب عرض الحائط! وغاب عنه أن الحديث قد يكون منسوخاً، أو مُعارضاً بما هو أقوى منه سنداً، أو نحو ذلك من موجبات عدم العمل به، وهو لا يعلم بذلك، فلو فُوِّضَ لمثل هؤلاء العملُ بالحديث مُطلقاً لضلُّوا في كثير من المسائل، وأضلوا من أتاهم من سائل. قال الإمام سفيان بن عيينة رحمه الله: ((الحديث مَضلة لا للفقهاء)) يريد: أنّ غيرَهم قد يحمل شيئاً على ظاهره وله تأويل من حديث غيره، أو دليل يخفى عليه، أو متروك أوجب تركَهُ غيرُ شيءٍ، مما لا يقوم به إلاّ من استبحر وتفقه.
النقطة الثالثة: من القواعد المطّردة في ما يتعلق بالكُتُب والكُتَّاب قولُ أحد الفضلاء:
((من التأمل في صفات الكتاب يمكن التعرّفُ على صفات الكاتب))، وقد طبّقتُ هذه القاعدةَ على كتاب: ((أثر الحديث الشريف في اختلاف الأئمة الفقهاء رضي الله عنهم)) فوجدتها صحيحة، وبيان ذلك:
1 ـ الكتاب مخدوم بشكل ممتاز يدل على سعة علم مؤلفه وروح الإتقان التي يتحلّى بها.
2 ـ الذوق في إخراجه ذوقٌ عالٍ: في اختيار الحرف، وسعة الصفحة، ووضوح الحواشي.. إلخ، وهذا يدل على ذوق المؤلف، وما قرأت كتاباً لفضيلة المؤلف إلاّ ذكّرني بكتب أستاذنا الراحل الشيخ عبد الفتاح أبو غدة رحمه الله، فقد كانت مثالاً ناصعاً لجودة التحقيق وحسن الإخراج.
3 ـ صُلب الكتاب يقع في حوالى (175) صفحة مصادِرُها (177) مصدراً، والقارئ الفاحصُ للكتاب يدرك أن المؤلف لم يذكر مصادره لتكثير عددِها، وإلاّ لضاف إليها مئات، إما ذكر مصادر خَبَرها، وتعمّق في الاطلاع عليها، وسَبَر أغوارها، واستخلص كنوزَها وفرائدها، وجمع للقارئ شواردَها.
النقطة الرابعة: إشارة عميقة جديرة أن نطيل الوقوف عندها، وهي قول شيخنا مصطفى الزرقا رحمه الله عن المؤلف: ((وهو يبني بكتابه هذا جسراً بين علمي الرواية والدراية: رواية الحديث، وفقهه))، وما أحوجنا ـ في كل زمان ومكان ـ إلى من يجمع بين الحفظ والفهم، إذ ما طغى جانب على جانب إلاّ نجمت مشكلات أو مصائب تجرّ على المسلمين من الويلات ما لا يعلم عواقبه إلاّ الله تعالى.
وأقول ـ واصفاً حالي بعد قراءة الكتاب ـ : ((إن قراءة الكتاب بروية وإنعام نظر مثنى وثلاث تكوّن لدى قارئه ملكةً علمية فقهية تليق بحاله ينجُمُ عنها: معرفةُ قَدْرِ نفِسه، ومعرفةُ أقدار الأئمة العلماء، ومعرفةُ قيمةِ تراثِهم العلمي النفيسِ الزاخرِ المتكاثرِ على مرِّ القرون، وأن هناك فرقاً بين تقدير الرجال وتقديسهم، فالتقديرُ هو الاحترام والتقديس هو المبالغة في الاحترام، وأن قلّة الأدب مع العلماء والكبراء معصيةٌ في الدين، وأنّ الدفاع عن أخطائهم وتسويغَها على حساب المبادئ خطأٌ جسيم، ولا أعني بالطبع: الاعتذارَ لهم عنها والاستغفارَ لهم منها.
النقطة الخامسة: أساء بعض أهل العلم إلى المؤلف الفاضل وجرّحوه بكلام لا يليق، فردّ عليهم في الكتاب ردًّا شديداً (أقلّ من شدة إساءتهم)، وكنت أرجو له ألاّ يفعل، كنت أرجو له:
ـ إما أن يعرض عن الجاهلين، ويتركَ الأمر لله تعالى يدافع عنه وينتصفُ له.
ـ وإما أن يسامحهم ويكونَ من العافين عن الناس.
وفي الختام أدعو الله أن يُحسن جزاء صاحب الاثنينية على سنّته المباركة في تكريم أهل العلم والفضل، وأن يجزل الأجر لشيخنا الجليل ويبارك لنا في علمه وعمره، وأن يتولانا جميعاً بما تولى به عباده الصالحين.
والحمد لله رب العالمين.
عريف الحفل: أيها الجمع الكريم السيدات والسادة تحدث الكثير ويود الكل أن يتحدث عن فضائل ومناقب المحتفى به وضيفنا هذه الليلة فضيلة الشيخ محمد محمد عوامة، لكن الوقت يسرع بنا ونحن تواقون إلى سماع حديث ضيفنا فضيلة الشيخ محمد محمد عوامة المحتفى به في اثنينية هذا المساء فلنستمع إليه مشكوراً.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :544  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 212 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.