شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الدكتور أحمد شوقي بنبين))
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه، السيد الفاضل عبد المقصود خوجه، حضرات السادة الكرام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
فقد كان بودي أن أرتجل هذه الكلمة الموجزة التي أتغيء فيها التعبير عما يخالجني من شعور وإحساس بالسعادة لوجودي بين هذه الثلة الخيرة من العلماء والوجهاء والكرماء وبالتالي عما أكنه من امتنان وتقدير لصاحب الفضل في عقد هذا اللقاء العلمي الكبير وللأساتذة الفضلاء الذين أطروني ووصفوني بما أنا دونه بكثير.
غير أن الكلمات لا تسعف صاحبها في مثل هذه اللحظات وأن اللغة تعجز في الغالب عن التعبير عما يخالج النفس ويغمر القلب من مشاعر، إن هذه اللحظة هي أشبه شيء بمقام الوجود الصوفي أو المشاهدة التي يدركها المتفاني بحب الذات الإلهية بعد المجاهدة الجسدية والرياضية الروحية فتصبح لغة البشر قاصرة عن وصف ما يتحقق من الأنوار الربانية. وبعد هذا أقول إن تكريم العلم والاحتفاء بالعلماء ظاهرة عربية أصيلة عرفت عبر التاريخ العربي أشكالاً متعددة وقد عقدت في قصور الخلفاء وبيوتات الوزراء ودور العلماء والمساجد والمدارس العتيقة مجالس أدبية وحلقات دراسية ولقاءات علمية كرم فيها العلماء، وأكرم خلالها الشعراء والأدباء وطرحت بين ثناياها قضايا علمية ولغوية ونحوية وغيرها تركت بصماتها في هذه الثقافة العربية ولدينا في كل التراث من هذه القضايا ما يمكن التدليل به على ترسيخ هذه الظاهرة العربية الصرف في المجتمع العربي القديم، وما يقام من ندوات علمية تكريمية في مختلف البلاد العربية الإسلامية هو امتداد لهذه الصفة الحميدة، والمكرمة النبيلة التي كان يتحلى بها سلفنا الصالح فقد هيأ الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة رجالاً يبذلون بسخاء مما رزقهم من المال الحلال في سبيل نشر العلم وخدمة التراث وتكريم العلماء فهنيئاً له على هذه الخصال الحميدة النادرة وطوبى لهم لاختيار الله تعالى لهم للقيام بهذه المهمة التي هي في عمقها موهبة ربانية إنه هو الفاعل المختار، يقول ابن عطاء الله الإسكندري وهو كما تعلمون من صوفية القرن السابع، في حكمه: إذا أراد أن يظهر فضله عليك خلق ونسب إليك.
حضرات السادة إن التكريم والإكرام والكرم بمعنى واحد وصاحب هذه الصفة كريم والكريم اسم من أسماء الله تعالى وصفة من صفاته فهو كثير الخير الجواد المعطي الذي لا ينفد عطاؤه ومن كان كريماً من خلقه وأكرمه بالتحلي بهذه الصفة فقد تسمى باسمه واهتدى على هديه وجمع أنواع الخير والشرف والفضائل وقد علمتنا شريعتنا السمحة وديننا الحنيف وتقاليدنا العربية الأصيلة أن الكريم لا يخيب يحفه الستر الرباني ولا يعرف الفقر أبداً سبيلاً إليه، يقول الصوفي الأندلسي المغربي ابن العارف رحمه الله وهو من صوفية القرن السادس، فكيف يخاف الفقر أو يحرم الغنى كريم ورب العالمين كريم، حضرات السادة: إن تكريم العلماء هو تكريم قبل كل شيء لصاحب الفضل قبل أن يكون تكريماً للعلم وليست غاية صاحب الفضل من هذا الاحتفاء سوى رفع عماد العلم وصقل عدته وشحن آلته والإسهام بقسط وافر في خلق نشء مبدع خلاق متسلح بأدوات العلم متصف بالصفات الإسلامية الحميدة التي تقوِّم الإعوجاج وترشد إلى سواء السبيل وما أحوج أمتنا الإسلامية اليوم إلى مثل هذا النشء العالم المستقيم وإلى كرماء متنورين يستثمرون بسخاء في مجال الفكر والثقافة والبحث العلمي، حضرات السادة لا أريد أن أنهي هذه الكلمة إلى ما تخلل مسيرتي الثقافية في مرحلتي التكوين والتأليف من جهود وأعمال.
فمن حيث التكوين فقد كان الأدب العربي تخصصي الأول وقد كان أثر هذا التخصص واضحاً في بعض الأعمال الأدبية التي أنجزتها عن ديوان سيدي عمر بن الفارض ومحمد بن إبراهيم شاعر الحمراء، وشاء الله تعالى أن أرحل إلى باريس إحدى عواصم الثقافة المعاصرة فتخرجت في المدرسة الوطنية العليا لعلوم المكتبات فوقع التحول الثقافي الذي شدني إليه فما زلت أطوف في فلكه حتى اليوم، يقول بن حزم رحمه الله في إحدى رسائله ولعلّها مراتب العلوم، لا بد للعالم أن يعيش في مدينة عالمة، وإن كانت مدن العلم قديماً بغداد دمشق القاهرة جوديسابور فاس قرطبة وغيرها .. فقد شاءت الأقدار أن تصبح اليوم مدن العلم باريس لندن بوسطن روما هيدل برج فرانكفورت وغيرها من المدن الغربية التي لا يسع الإنسان إلا أن يعترف بتقدمها العلمي وأن يؤمن بضرورة الدراسة في جامعاتها والبحث في مكتباتها لمن أراد التمرس بأدوات البحث العلمي الحديث، إن رحلتي العلمية إلى باريس قد مكنتني من الدراسة في جامعاتها والاستفادة من خزائن كتبها والاتصال بكبار المستشرقين وقد جعلت التحول في مسيرتي العلمية ضربة لازم، إن اختصاصي في علم المكتبات واهتمامي بالكتاب العربي المخطوط منذ سبعينيات القرن الماضي قد دعاني إلى الوقوف إلى أعمال الغربيين وعلى الأخص منهم الفرنسيين حول ما أنجزوه من أبحاث عن المخطوط الغربي وعلى الأخص منه المخطوط اليوناني والمخطوط اللاتيني فظهر عندهم علم جديد أطلقوا عليه اسم الكودوكولوجيا أو علم المخطوط بمفهومه الحديث وهو مصطلح حديث.
والكودوكولوجيا هي باختصار علم يهتم بدراسة المخطوطة باعتبارها قطعة مادية يعني كل ما يتعلق بالمخطوطة من حيث صنعها وتركيبها وتاريخها ومصدرها وما يحيط بالنص من حواش وتعليقات وتعقيبة وغيرها وقد هداني وقوفي على هذه الأبحاث الغربية إلى التأمل في قضايا المخطوط العربي فتمخض هذا التأمل عن مجموعة من المنجزات في هذا المجال. فكان أولها إقامة أول ندوة دولية في العالم سنة 1992م بإشرافي في جامعة محمد الخامس بعنوان المخطوط العربي وعلم المخطوط تلاها كتابي دراسات في علم المخطوط حاولت أن أعالج فيها بعض القضايا التي تدخل في صميم المخطوط العربي والتي لم يسبق أن تناولتها الأقلام منذ ظاهرة التعقيبة في المخطوط العربي والكودوكولوجيا العربية أي علم المخطوط العربي بمفهومه الحديث وعلاقة علم المخطوط بما يسمى بالتحقيق العلمي وأثر الوقفيات في تأريخ المخطوط وقضية الفهرسة التي تضع المشكلة إلى اليوم ليس فقط على مستوى التراث العربي ولكن في باقي أنواع التراث في العالم، وأريد أن أؤكد هنا للمهتمين بشؤون المخطوط العربي أن هذه القضايا مازالت في حاجة إلى المزيد من الدراسة والبحث وبحسب محاولتي هذه وضع الأسئلة وتحسيس أبناء العروبة بأهمية دراسة تراثهم المخطوط دراسة كودوكولوجية ولم تقف هذه المحاولة المتواضعة عند دراسة هذه القضايا فقط، بل عملنا على وضع معجم لمصطلحات المخطوط العربي، لأن العربية تخلو من هذا النوع من المعاجم ولأن تحديد المفاهيم وتدقيق معاني المصطلحات المتداولة أمر أساسي وضروري قبل البحث في هذا العلم ودراسة ظواهره وقضاياه، التعريف قبل التصديق يقول المناطقة، وبالرغم من ظهور الطبعة الثالثة من هذا المعجم، فإن اللغة العربية تبقى في حاجة إلى معجم يتم فيه تأصيل المصطلح وتحدد فيه المفاهيم تحديداً علمياً وذلك لتيسير سبل البحث في هذا العلم، ولن يتم هذا إلا بتضافر جهود ذوي التجربة والمراس من أصحاب الاختصاص تجمعه مؤسسة أو مجمع لتبادل الخبرات ومما يؤسف له أننا في عالمنا العربي لم ندرك بعد أهمية هذا العلم وأبعاد هذا المشروع العلمي الذي نقول بتواضع كبير إننا بدأنا في تحقيقه في المغرب، بشهادة المختصين في الشرق والغرب، إن من شأن هذا المشروع العلمي أن يجعل الباحثين العرب على اختلاف تخصصاتهم ينظرون إلى الكتاب المخطوط بعين أخرى تفتح لهم مجموعة من الأبواب لا قبل لهم بها من قبل ولا يفوتني في الختام أن أتوجه مرة أخرى بالشكر الجزيل إلى السمح السريد والجواد السخي الفاضل عبد المقصود خوجه شفاه الله وأمد في عمره، وإلى السادة الفضلاء الذين شرفوني بحضورهم، ولي اليقين أنني دون الكثير منهم علماً ومعرفة وفضلاً، كما لا يفوتني أن أبلغكم تحيات أستاذنا وصديقنا الحميم الدكتور عباس الجراري عميد الأدب في المغرب ورئيس النادي الجراري الذي أعتز بالانتماء إليه، فإن التوأمة المباركة التي تمت بهذا النادي واثنينية الفاضل عبد المقصود خوجه لتبشر بالخير وتعمل على تنمية التواصل الثقافي بين الناديين وعلى تبادل الخبرات واللقاءات العلمية بين علماء المملكة المغربية وأشقائنا علماء المملكة العربية السعودية الأجلاء، شكراً لكم جميعاً والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
عريف الحفل: شكراً سعادة الدكتور أحمد وهناك جملة من الأسئلة دكتور أحمد ونتمنى على سعادتكم أن توجزوا في الإجابة لإتاحة الفرصة لعدد كبير من الأسئلة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :688  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 67 من 242
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج