شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
((كلمة سعادة الأستاذ الدكتور سيد بن محمد ساداتي الشنقيطي))
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم انفعنا بما علمتنا وعلمنا بما ينفعنا وزدنا علماً والحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار.
أخوتي في الله لا أستطيع أن أعبر عن مدى سروري وغبطتي بهذا اللقاء فأنا والله سعيد ومن حولي هذه الكوكبة من خيرة رجالاتنا سائلاً الله سبحانه وتعالى أن يوفقني لما أقول وأن يسددني فيه.
ونظراً إلى طبيعة الاثنينية فقد رأيت ان يكون حديثي حديث قلب إلى قلوب حديث روح إلى أرواح، وليست هذه القلوب والأرواح خالية عن العقل لكنه حديث بما أزعم وأتصور يجمع بين النظرة العاطفية والعقلية التي تؤسس حكمها على ما ينبغي أن يوصل صاحبه إلى الحق، حديثي هذه اللية بالصورة التي ذكرت والتي جعلتني أختار له عنواناً يناسب الخواطر التي سأطرحها وأكرر على كلمة ((خواطر)) جئت هذه الليلة من خلال ما قرأت عن الاثنينية أن جوَّ اللقاء جوٌّ ودِّي أهله مؤلفة قلوبهم على الحق راغبون في الحق يبحثون عن معنى يصل إليهم في يسر وسهولة، فرغبت أن يكون حديثي هكذا عفو الخاطر، اخترت عنواناً لما سأقول هذه الليلة وهو علاقة التوحيد بالإعلام رغبة مني في أن يستفيد من خبرتي في مجال الإعلام وخبرتي في مجال الدراسات القرآنية، رغبت أن أؤسس حديثي من خلال ما فهمت من هذين العلمين وما توافر لدي من معرفة بهما وأسال الله سبحانه وتعالى أن يجعل نصيبي من هذه الكلمة الحظ الوافر من التوفيق والسداد، وحديثي يحتاج إلى محددات أنطلق منها، التوحيد أنتم في غنى عن بيانه وكلكم على علم بحقيقة التوحيد والإعلام أيضاً من خلال الدراسات المعرفية المتخصصة في الفن كثير منكم يعلمه وله معرفه وثيقة به، وأيضاً من حيث كونه يطبق تطبيقاً عالياً في الحياة له آثاره تعرفونها وتدركونها كثيرون منا أصيب ببعض خيرها والآخرون أصيبوا بكثير من شرِّها، هذه حقيقة، حديثي سينصب على العلاقة، والعلاقة تبدأ بأمر أساسي هو تحديد مفهوم الحياة التي يتناولها الإعلام وينصب عليها الإعلام في وقتنا الحاضر، مدلول الحياة عندنا غير مدلول الحياة عند الكافرين، هذه القضية الأولى، وترتب على نظرتنا في الحياة المؤسس على التوحيد أن يكون لدينا تصور حقيقي عن الحياة سواء كان في مجال الدنيا أو في مجال البرزخ أو في مجال يوم القيامة، هذا المدلول الواسع لمفهوم الحياة صدق إعلامنا الصادر عن التوحيد بصفة لها نكهة خاصة وطعم خاص، لعلّي أستطيع من خلال ما سأضرب من أمثلة جانباً من الرؤية العامة للحياة بالأصل الذي أشرت إليه، أو التصور العام الذي أشرت إليه لطبيعة الحياة يفضي إلى سلوك له سماته وخصائصه، الحياة الدنيا تقوم على أنشطة متعددة وهذه الأنشطة عبارة عن سلوك، يصح السلوك بصحة التصور ويصح التصور بصحة الاعتقاد، إذن هذا أول الطريق في ماهية العلاقة بين التوحيد والإعلام، لأن الإعلام في الحقيقة عبارة عن ثمرة رؤية للحياة، بهذه الرؤية تزكى العواطف، وتنمو المشاعر ويصدق الحكم، ويحكم وتوصف الأحداث وتفسر وتحلل وبها أيضاً يتقدم رجال ويتأخر آخرون، إذن هذه الرؤية التي أسست على التوحيد لها أثر بالغ في طبيعة السلوك الإعلامي، أثر بالغ للغاية لأن الإعلام في الحقيقة هو جملة أحكام يصدرها المرء على الأفكار وعلى الأشخاص وعلى الأحداث، إن لم تكن هذه الأحكام قد أسست على أصل صحيح يحدث كثير من الشر الفساد كما نلحظه في الحياة يتقدم أناس لا يستحقون التقديم ويؤخر أناس حقهم التأخير، وتبرز مشاعر وعواطف وضروب من السلوك ما كان ينبغي أن يكون لها أثر ولا وجود في الحياة وسبب ظهورها، هو شدة تأثرنا بالغزو الذي تعرضنا له وشدة بعد كثير من الذين يمارسون الإعلام وأقولها بتجرد وصدق وإخلاص عن منابع النور التي تضيء الدروب، بُعد كثير من الذين يمارسون الإعلام في حياة المسلمين ليس فقط في المملكة العربية السعودية وإنما في حياة المسلمين، بعيدون البعد كله عن مصدر النور عن الوحي عن الحق الذي جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، عن القرآن عن السنّة ولو عادوا لكتاب الله سبحانه وتعالى وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، لما كان الأمر بالصورة التي نراها، ولكانت القضية أوضح بكثير وأجلى بكثير مما اختلط على الناس أو سبب إرباكاً للناس بحقيقة الإعلام.
والأمر الثالث والمهم والذي يحتاج إلى إيضاحه قبل بدئي في الحديث هو أن هناك غلطاً كبيراً شاع في الدراسات الإعلامية وارتبط بالممارسات الإعلامية في العالم، وهو الزعم بأن الإعلام لم يعرف إلا من طريق الحضارة الأوروبية، وهذه والله كذب وافتراء، وينبغي أن يدحض وتعاد الريادة للأمة، نحن أمة الإعلام، بدأ الإعلام بخلق أبينا آدم عليه الصلاة والسلام، وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ. وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاء هَؤُلاء إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (البقرة: 30 ، 31) ((هذه البداية، آدم عليه السلام عُلم الأسماء وآدم عليه السلام أمر بإخبار الملائكة عن حقيقة هذه الأسماء والأدلة كثيرة، فأكتفي بهذا المثال وأنتقل إلى أمر آخر مهم أحتاج إلى إيضاحه قبل الحديث عنه.
الإعلام مرتبط بحركة الحياة، لا إعلام بغير حياة والحياة ـ كما ذكرت ـ الحياة اليومية التي نعيشها لها جوانب كثيرة وأبعاد متعددة، والإعلام الإسلامي يستند إلى ما ورد في كتاب الله من حقيقة بيان هذه الحياة، نتحدث أولاً عن الأحداث، أول حدث هو خلق أبينا آدم وأثبت أن الله سبحانه وتعالى سجله بصورة كاملة وواضحة لا يستطيع إعلامهم أن يضيف إليها أو يقلل من قيمتها ومكانتها، ثم نتتبع حركة الحياة بعد ذلك، نوح أول رسل الله إلى الأرض لأن ما بين نوح وآدم عليه السلام عشرة قرون كلها كانت على دين واحد كما قال الله تعالى كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ (البقرة: 213) نوح أول رسل الله إلى الأرض، وبدأت الحياة البشرية على وجه الأرض بإهباط نوح عليه السلام وزوجه إليها، حصل شجار بين ابنين من أبناء نوح عليه السلام، وحدثت أول جريمة على وجه الأرض بقتل آدمي، أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام أن كل نفس تقتل بعده فعليه كفل من ذنبها، اسمع القصة والرسول عليه الصلاة والسلام أمر أن يتلوها علينا وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ . لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ . إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ . فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (المائدة: 27 ـ 30)، هذا أول حدث وقع على الأرض نعود إلى أمر آخر، أن الصراع بين قوى الحق والباطل قضية تشكل الإعلام على صورة خاصة وعلى هيئة خاصة وإعلامنا اليوم في هذه الظروف التي نعيشها وفي الأحوال التي نتعرض لها هي قضية الصراع بين الحق والباطل، وسمعوا ان أمر الله للرسول عليه الصلاة والسلام بتجلية هذه الحقيقة وبيانها وكشفها وإظهارها أنها قضية القضايا وأنها هي التي ينبغي أن تشغل بالك وبال كل مسلم. وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ. إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ. قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ. قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ. أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ. قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ. قَالَ أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ. أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ. فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ (الشعراء: 69 ـ 77)، ((العلاقة واضحة بين هذا النص الكريم بين التوحيد والإعلام، فالتوحيد هو الأساس لأن بالتوحيد يظهر الحق من الباطل، ويتضح الثابت من المنفي، ويصح فهم الإنسان للحياة، ويصح إدراكه، ومن ثم يصح سلوكه إن كتب الله له التوفيق، هذه قضية واضحة ومعالمها جليّة، ثم إن الحياة البشرية قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام مر عليها أقوام كثيرون قبلنا وقص الله سبحانه وتعالى قصة أولئك الأقوام وبيَّنها بصورة واضحة لا يستطيع أي إعلامي آخر أن يستدرك عليها ولا أن يلاحظ عليها، وسورة الشعراء كلها بيان لهذا الأمر، القصص القرآني متعلق بالأحداث التي جرت على وجه الأرض فيما مضى قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، أيضاً معالمها جلية، ولكني سأتوقف عند نماذج محدودة، كل نموذج منها يمثل نشاطاً من الحياة التي نعيشها، النظام السياسي كما نعلم له تأثير على بقية أنظمة الحياة بل هو النظام الأساسي، ضرب الله لنا سبحانه وتعالى مثلاً بمن كان على سدة هرم أحد الأنظمة، فرعون كان حاكماً لمصر وفرعون كما أخبر الله قال لقومه لا أعلم لكم من إله غيري، فرعون وصف الله سبحانه وتعالى حقيقته إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ (القصص: 4) هذا أحد ملوك الأرض، وبلقيس ملكة اليمن أخبر الله سبحانه وتعالى على لسان هدهد سليمان حقيقتها وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (النمل: 22)، ما هو هذا النبأ اليقين، أرجو أن تنتبهوا لصياغة الخبر بكل ما فيه من مكونات أساسية لا يستطيع إعلامي أن يستوعبها إذا كان يغطي حدثاً مثل هذا الحدث ((إني وجدت امرأة تملكهم (بيان للنظام السياسي) وأوتيت من كل شيء بيان للنظام الاقتصادي)) ولها عرش عظيم (المكانة التي تتبوأها)، وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله (نظام العبادة) وزيَّن لهم الشيطان أعمالهم فصدَّهم عن السبيل فهم لا يهتدون، سبب الضلال والضياع هو الشرك، إذا كان التوحيد هو إس الفضائل وهو جماحها عن الشرك هو إس الرذائل وقبائحها، إذن وضرب الله سبحانه وتعالى مثلين لنماذج بشرية تسعى في الأرض ويشتد تأثيرها في الحياة، قال جلَّ جلاله ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (التحريم: 10) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (التحريم: 11) وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (التحريم: 12) هذان نموذجان بشريان وضرب الله سبحانه وتعالى مثلا بالمرأة ولم يضرب مثلاً بالرجال لكنه ضرب مثلاً لرجلين أحدهما مؤمن والآخر كافر بين منطق الكافر وسلوكه الذي ترتب على كفره والعياذ بالله والمصير الذي آل إليه بسبب كفره، وضرب مثلاً بالمؤمن الذي آمن بالله ربه وحاول أن يشكر نعمة الله عليه وبيَّن سلوكه ومنطقه والآثار التي حصل عليها نتيجة لسلوكه في هذه الحياة، وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً رَّجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعاً . كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَراً . وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً . وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً . وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِن رُّدِدتُّ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِّنْهَا مُنقَلَباً . قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً . لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً . وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً . فَعَسَى رَبِّي أَن يُؤْتِيَنِ... (الكهف: 32 ـ 40) هذا نموذج من الحياة، حقيقة الحياة واضحة كما أخبر الله وهذه المعاني التي احتوى عليها صدر الكافر والمعاني التي احتوى عليها صدر المؤمن ظاهرة جلية والآثار المترتبة عليها ظاهرة جلية، وكل ذلك أخبر الله سبحانه وتعالى عنه بوضوح، الحياة كلها التي أغرت كثيراً من الناس وألهتهم وشغلتهم وانتقلت بهم من الفهم الصحيح والعمل الصحيح إلى ما لا يغني ولا ينفع، إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (يونس: 24)، أيضاً وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِراً (الكهف 45)، أيضا مثل آخر، نصوص القرآن من عاد إليها وتدبرها تدبراً صحيحاً أدت به أولاً إلى صحة الأفكار وسداد الأفكار وصحة التصور، واستقامة السلوك، بل مدته بشيء آخر يعجز عنه الإعلاميون، وهو القدرة على البيان بصورة واضحة، سمعتم ماذا قص هدهد سليمان على سيدنا سليمان، الصيغة التي صاغ بها الخبر هل يستطيع إعلامي في وقتنا الحاضر أن يغطي حدثاً بمثل هذه التغطية الدقيقة الثرية في معانيها، الجلية في كلماتها، السديدة فيما انتهى إليه تعليقه هو، إلا يسجدوا لله إلخ..... لو افترضنا أن هدهد سيدنا سليمان كان مراسلاً لإحدى وكالات الأنباء اليوم هل سنتوقع أن تحمل الأخبار التي ترسلها إلى وكالاتنا أنباء نسبة الحق فيها إن علت لا تصل إلى 80% وأخي الأستاذ الدكتور محمد عبده يماني يعرف هذا الكلام وقد أحضر إلي وكالة الأنباء الملك عبد الله يوماً ما وقال هنا تصنع الأخبار ((أريد أن أصل من هذه المقدمة المتواضعة إلى أن هناك فرقاً شاسعاً بين الإعلام الإسلامي الذي هو علم له أصوله وقواعده ومبادئه، إعلام المسلمين هو إعلام المسلمين إن صح تديُّن المسلمين صح إعلامهم، وإن اختل تديُّن المسلمين اختل إعلامهم، اعطني مسلمين حقًّا يطبقون الإسلام مائة بالمائة، أجزم يقيناً أنك تجد إعلاماً يمثلهم لأن الدراسات الإعلامية العامة تقول إن الإعلام انعكاس للمجتمع، نحن نرفض هذه المقولة، لكن الآن سنستفيد من هذه المقولة، لو اننا مسلمون حقا ستجد اعلاماً يعكس واقع المجتمع ويبين ما فيه من حق ومن باطل وسيكون الإعلام عندئذٍ أداة نصح وتسديد ونصح وتقويم أداة ريادة يقود الناس في الاتجاه الصحيح لأن الغاية من الإعلام هي الغاية من بقية أنظمة الحياة، أنظمة الحياة عند المسلمين تصاغ من عقيدة المسلمين، ولهذا اخترت هذا العنوان ليكون موضوعاً للخواطر التي سأسوقها، كما أن الإعلام الأمريكي ميثاق من عقيدة الأمريكان والإعلام البريطاني ميثاق من العقيدة البريطانية، والإعلام الصهيوني ميثاق من العقيدة الصهيونية وهكذا هذه مسلَّمة ليس حولها جدل أن الاعلام ميثاق من العقيد، دعونا نتمثل عقيدتنا حق التمثل ونحاول أن نؤسس حياتنا على أساس من هذه العقيدة لنرى بعد ذلك تغيّراً كثيراً لأنظمة حياتنا، المؤسسة السياسية والاقتصادية ستكون مؤسسة على الحق، والمؤسسة الإعلامية ستكون مؤسسة على الحق وسوف تساعدنا أساساً على تمكيننا على ما خلقنا من أجله، الله يقول: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، مهمة الإعلام في أن يقودني إلى تحقيق مرضاة الله، لأن الإعلام كما نفهمه هو بينة ورحمة وهدى، بيان لما يجري حولنا دون نقص ودون زيادة، دون غَبَش ودون مغالطة ودون مداهنة إلى غير ذلك من الصور التي تعرفونها وتدركونها، وتتعرضون لها أكثر، وهدى ينبغي أن يكون هدى للناس بمعنى آخر يكشف للناس الحق ويمكن الناس من إدراكه على الوجه الذي أراده الله سبحانه وتعالى ويقودهم في تجاه سلوكهم سلوكاً حقيقياً في تطبيق حياتهم، حتى تحصل لهم الثمرة والنتيجة وهي الرحمة رحمة الله سبحانه وتعالى، لو فرضنا جدلاً أن كل ما أقوله مجرد انطباعات ولم أسق برهاناً من كلام الآخرين حتى يكون كلامي محل تقدير وثقة لكنني حقيقة أنا لا أرى أنني في حاجة إلى أن أستعرض أي كلام ولدي كلام الله سبحانه وتعالى واضح لا لبس فيه ولا غموض، ويكشف لي عن الحقائق التي أبحث عنها وتأسيس حياتي عليها، أنا اريد أن تكون كل خالجة في نفسي متعلقة بربي، خالصة لربي، أريد أن تكون كل كلمة صدرت عني صواباً موصوفة بالسداد خالصة لله سبحانه وتعالى موافقة لما جاء عن الرسول عليه الصلاة والسلام، بمعنى أن لا كذب فيها ولا افتراء ولا تجنٍ ولا حيف إلخ... موازيننا صحيحة لكننا لم نحسن التعرف عليها والمشكلة الأساسية أننا لم نحسن قراءة الظروف التي تحيط بنا، حتى نستطيع أن نجلي لأهلنا وأمتنا حقيقة ما يتعرضون له ونمكنهم فعلاً من أن يمتطوا صهوة الإعلام ولكن بجدارة، مشكلتنا الأساسية الأخرى أننا نملك ما لا يملكه الآخرون لدينا كنوز من النور لدينا النور لكننا لم نستطع هذه اللحظة أن نحسن عرضه على الآخرين، وجرينا ولهثنا وراء تتبع الآخرين لنفوقهم فيما فاقونا فيه بسنوات طويلة، الأشكال والقوالب والعرض والأداة هذه مارسوها قبلنا بفترة زمنية طويلة أكسبتهم خبرة طويلة، لكن محتوى ما يقدمونه كله عبث وضياع أدى في النهاية بهم إلى أن يعيشوا قلقاً واضطراباً نسمع نهايته كل يوم بالانتحار وغير ذلك من صور الشقاء والبلاء الذي يتعرضون له، وآخرها موت من مات في زنزانته حقيراً وقد كان يسوم الناس سوء العذاب، إذن هذه هي الرؤية التي أنطلق منها في كتاباتي وتعاملي الإعلامي وقد هجرت الإعلام بعد أن مكثت فيه أربعة عشر عاماً بشهادة أخي الدكتور محمد عبده يماني، فكتبت في استقالتي كما يعلم أنني أمضيت في الإعلام أربعة عشر عاماً محصلتها سواد في القلب وفساد في اللغة وضياع الأفكار وغير ذلك من المعاني حتى ذهب الإحساس عندي بما أعيشه، أتيت للإعلام لأنه منبر ريادة وكنت أتمنى أن يكون لي حظ ونصيب في توجيهه وجهة الحق وكشفت أنني مخطئ غاية ونهاية وأدركت نفسي بعد فوات هذا الأمر، وطلبت من أخي الدكتور محمد عبده يماني وهو بجواري ويسمع كلامي أن يوافق على نقلي إلى جامعة الإمام وجعلت والده يشفع لي عنده فجزاه الله خيراً... فوافق على ذلك، هذه حقائق الليلة أعرضها لا لتقديم دراسة عن الإعلام لأن ليس هذا مجالها، أخبرني الإخوة في الاثنينية أن الاثنينية لقاء محبة ولقاء مودة وحيث وسمة الحديث ينبغي أن تكون سمته الغالبة هو ما تجيش به نفوسنا من معاني الخير والحق وأن نتطلع في حياتنا إلى الخير الذي نرجوه أن يتحقق اليوم قبل غد، ولهذا أردت أن يكون حديثي مختصراً في هذا الجانب وهي كما ذكرت خواطر لم أسجلها ولم أعدها بالصورة التي تريدونها، وهي خواطر أعتز بها وأحببت أن يشاركني إخوتي في فهم الأمور وأترك المجال للأسئلة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معالي الدكتور محمد عبده يماني: أولاً جزى الله خيراً أستاذنا الدكتور على هذه اللمحات وهذه النظرات التي لفتت النظر إلى أن هناك معانٍ عظيمة يتغافل الناس عنها في الإعلام الإسلامي وجزاه الله خيراً فقد سعدنا الليلة بحديثه وما يمتاز به من صدق وموضوعية، وسرّني إيضاحه منذ البداية أن قضية الإعلام عندنا كأمة مسلمة تبدأ بالاعتقاد، وبدون الاعتقاد لا يمكن للإنسان أن يتحرك إلا في اتجاه إعلامي لا يمكن للإنسان ألا أن يسميه إعلاماً إسلامياً ملتزماً بكتاب الله وسنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزاه الله خيراً، والحق أن الكثير من الأسئلة التي جاءت تستوجب أن أجمعها لأنها متقاربة في موضوعات ومحددة في تخصصات فضيلة الشيخ الدكتور، وكذلك في المطالعات التي طرحها، أما مسألة الإعلام وما عانيناه أنا وهو نقول: فإن عدنا فإنا ظالمون ..
الأسئلة كثيرة ولكنني سأتيح لمعالي الدكتور عبد الله بن بيه خمس دقائق حيث رغب رغبة ملحة ليعلِّق على كلام ضيفنا الكريم. وهو من الرجال الذين نعتز بهم فليتفضل.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :669  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 111 من 252
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الأربعون

[( شعر ): 2000]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج