شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
جوابه عن أفضل القُربات، وعن الكبائر
(1) سألتم ـ وفقنا الله وإياكم ـ عن أقرب ما يُعْتِبُ به العبد المجرم ربَّه تعالى، وعن أفضل ما يستنزل به عفوه وفضله عز وجل ويستدفع به سخطه وغضبه، وعن أنفع ما يشتغل به من كثرت ذنوبه، وعن خير ما يسعى به المرء في تكفير صغائره وكبائره؛ فهذه أيها الصفوة الفاضلة أربع مسائل فرقتم بينها ومعناها واحد، فالجواب إن شاء الله تعالى عن ذلك. قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الْلَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [سورة هود /114]، وحدثنا الرجل الصالح [أبو] محمد [عبد الله] بن يوسف بن نامي، عن أحمد بن فتح، عن عبد الوهاب بن عيسى، عن أحمد بن محمد، عن أحمد بن علي، عن مسلم بن الحجاج، عن قتيبة بن سعيد وعلي بن حجر، عن إسماعيل بن جعفر، أنبأنا العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، كفارة لما بينهن ما لم تغش الكبائر (1) .
فكان هذا الحديث موافقاً لقول الله تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً [سورة النساء /31] فصحَّ أن بأداء الفرائض واجتناب الكبائر ـ أعاذنا الله وإياكم منها ـ تُحَطُّ السيئات التي هي دون الكبائر؛ فبقي أمر الكبائر، فوجب النظر فيها، فوجدنا الناس قد اختلفوا فيها (2) .
فقالت طائفة: هي سبع، واحتجوا بحديث النبي عليه السلام [236 ب] اجتنبوا السبع الموبقات (3) فذكر عليه السلام الشرك، والسحر، وقتل النفس، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولِّي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: هي إلى السبعين أقرب منها إلى السبع. فوجب النظر فيما اختلفوا فيه من ذلك، وردُّه إلى القرآن وحديث النبي [صلى الله عليه وسلم] الصحيح عنه كما أمرنا ربنا عز وجل: فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [سورة النساء /59]، فلما فعلنا ذلك؛ وجدنا الحديث المذكور الذي احتج به من قال: إن الكبائر سبع لا أكثر ليس فيه نص على أنه لا موبقات إلا ما ذكر فيه، ولا فيه ما يمنع من وجود موبقات أخر إن جاء بذلك نص آخر.. وأما لو لم يأتنا آخر في أن ليس ها هنا كبائر غير السبع المذكورة: لوجب علينا الاقتصار على ما في ذلك الحديث فقط. وأما لو وجدنا نصاً آخر بإثبات كبائر لم تذكر في هذا الحديث فواجب علينا إضافتها إلى الموبقات المذكورة فيه؛ لأنه ليس شيء من كلامه عليه السلام أولى بالقبول من بعض، بل الكلُّ واجبٌ قَبُوله، ولا تعارض في شيء منه؛ لأنه كله من عند الله عز وجل.. قال الله تعالى: وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى . إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى [سورة النجم /3 ـ 4]، وما كان من عند الله فلا اختلاف فيه، قال الله تعالى: وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً [سورة النساء /82]، فصح بهذا ما قلنا من ضمِّ ما يُوجد في النصوص ضماً واحداً، وقبوله كله وإضافته بعضه إلى بعض. فنظرنا في ذلك فوجدناه عليه السلام قد أدخل في الكبائر بنص لفظه أشياء غير الذي ذكر في الحديث الذي ذكرناه آنفاً، فمنها: (قول الزور، وشهادة الزور، وعقوق الوالدين، والكذب عليه ـ عليه السلام ـ، وتعريض المرء أبويه للسب بأن يسب آباء الناس، وذكر عليه السلام الوعيد الشديد بالنار على الكفر، وعلى كفر نعمة المحسن بالحق، وعلى النياحة في المآتم، وحلق الشعور فيها، وخرق الجيوب، والنميمة، وترك التحفظ من البول، وقطيعة الرحم، وعلى الخمر، وعلى تعذيب الحيوان بغير الذكاة لأكل ما يحل أكله، أو ما أبيح أكله منها، وعلى إسبال الإزار على سبيل البخترة، وعلى المنان بما يفعل من الخير، وعلى المنفق سلعته بالحلف الكاذب، وعلى مانع فضل مائه من الشارب، وعلى الغلول، وعلى مبايعة الأئمة للدنيا فإن أعطوا منها وفَّي [237/ أ] لهم وإن لم يعطوا منها لم يوفِّ لهم، وعلى المقتطع بيمينه حقَّ امرئ مسلم، وعلى الإمام الغاش لرعيته، وعلى من ادعى إلى غير أبيه، وعلى العبد الآبق، وعلى من غلَّ، وعلى من ادَّعى ما ليس له، وعلى لاعِنِ ما (4) لا يستحق اللعن، وعلى بغض الأنصار، وعلى تارك الصلاة، وعلى تارك الزكاة، وعلى بغض عليٍّ رضي الله عنه. وجدنا الوعيد الشديد في نص القرآن قد جاء على الزناة والمفسدين في الأرض بالحرابة، فصح بهذا قول ابن عباس.. وقد أطلتُ التفتيش على هذا منذ سنين، فصح لي أن كل ما يوعد الله به النار فهو من الكبائر؛ فلما صح هذا كله بنصِّ القرآن؛ إذ من اجتنبها أدخله الله مدخلاً كريماً، ونص الحديث أيضاً: وجب النظر في ذلك على المؤمن المشفق من عذاب ربه تعالى ومن النار هي أحرُّ من نار (5) هذه بسبعين ضعفاً (6) ...، ومن الوقوف بأصعب الأحوال وأشد الأهوال وأعظم الكرب وأكثر الضيق وأكثر العرق في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة (7) ، نسأل الله عز وجل أن يعيذنا وإياكم من شر ذلك اليوم، وأن يرزقنا فيه الفوز والنجاة.. فوالله أيها الأحبة إن أحدنا ليشتد روعه ويخفق قلبه من وعيد آدميٍّ ضعيف مثله لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ولا يقدر أن يتمادى شهراً واحداً في عذاب من عاداه وكاشفه (8) .... بأكثر من الحبس؛ فكيف بذلك اليوم المذكور، وبعذاب أهونُهُ الوقوف في حال دنو الشمس من الرؤوس، وبلوغ العرق إلى أكثر مساحة الأجسام.. في يوم طوله خمسون ألف عام، ثم بعد ذلك يرى مصيره إما إلى جنة أو إلى نار؟.. فأين المفر إلاَّ إلى الله وحده لا شريك له؟.. فوجدناه تعالى قال: وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ [سورة الأنبياء / 47]، وقال تعالى: فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ . وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ . فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ . نَارٌ حَامِيَةٌ [سورة القارعة] فعلمنا بهذا وبقوله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [سورة هود: 114]، أن من استوت حسناته وسيئاته وفضلت له حسنة واحدة لم ير ناراً؛ فيا لها (9) من سرور ما أجله، وهذا هو معنى قوله عليه السلام: إنَّ بغيَّاً سقت كلباً فغفر الله لها (10) ، وإن رجلاً أماط غصن شوكٍ عن الطريق فأدخله الله الجنة (11) وذلك أن هذين فَضَلَ لهما هذان العملان بعد موازنتهما سيئاتهما بحسناتهما؛ فخلصا من النار [237 ب] ودخلا الجنة فوجب علينا إذ قد جاءتنا عهود ربنا بهذا كله، أن نطلب الأعمال الماحية أو الموازنة للسيئات (12) ؛ فيثابر المرء منها على ما وفقه الله تعالى للمثابرة عليه؛ فوجدناه ـ عليه السلام ـ قد سئل عن أحب الأعمال إلى الله تعالى، فذكر الصلاة لميقاتها، والجهاد (13) ، وكثرة السجود (14) ، وذكر عليه السلام أنه: لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها، ورجلٌ أوتي مالاً فسلَّطه الله على هلكته في الحق (15) وذكر لعمر رضي الله عنه، تحبيس أصل ماله وتسبيل ثمرته (16) وذكر عليه السلام أنه لا يغرس مسلمٌ غرساً، ولا يزرع زرعاً فيأكل منه طائر أو سبع أو إنسان إلا كان له صدقة (17) . وصحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء وجب إتحافكم به؛ فهو من أفضل الهدايا، وذلك ما حدثنا أبو محمد عبد الله بن يوسف بن نامي بالإسناد المتقدم إلى مسلم: أنبأنا عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي: نبأنا محمد بن ميمون: نبأنا واصل الأحدب مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيل: عن يحيى بن يعمر: عن أبي الأسود الدؤلي: عن أبي ذر: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يُصبح على كل سُلاَمَى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة؛ وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بمعروف صدقة، ونهي عن منكر صدقة، ويجزئ من كل ذلك ركعتان يركعهما من الضحى (18) .
وحديث رويناه من طريق مالك: عن سمي مولى أبي بكر: عن أبي صالح: عن أبي هريرة: أن النبي عليه السلام قال: من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير في كل يوم مئة مرة كانت له عدل عشر رقاب، وكتب له مئة حسنة، ومحيت عنه مئة سيئة، وكانت له حرزاً (19) من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأتِ أحدٌ بأفضل مما أتى به إلا من عمل أكثر من ذلك (20) وصحَّ عنه عليه السلام أنه قال لأصحابه رضي الله عنهم: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ قالوا: وكيف يا رسول الله؟ قال: إن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن (21) ، وأنه عليه السلام ذكر لهم سبحان الله والحمد لله والله أكبر.. عدداً يبلغ مئتين وخمسين مرة لكل واحدة منهن عشر حسنات فذلك ألفان وخمسمئة حسنة كل يوم (22) ، وأنه عليه السلام قال: فأيكم يعمل في يومه ألفين وخمسمئة سيئة؟.. أو كلاماً هذا معناه؛ وأمر عليه السلام الفقراء إذ شكوا إليه [أن] الأغنياء يعتقون ويتصدقون، وهم لا يقدرون على ذلك [238 / أ] فأمرهم عليه السلام أن يقولوا في دبر كل صلاة: الله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، وسبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة، فتلك مئة (23) ، وقد نص الله أن الحسنة بعشر أمثالها؛ فعلى هذه للمئة المذكورة ألف حسنة، وحضَّ النبي [صلى الله عليه وسلم] على قول: لا حول ولا قوة إلا بالله، وأخبر أنها من كنوز الجنة (24) ، وحضّ عليه السلام على الاستغفار، وأخبر عليه السلام أنه ربما استغفر في اليوم مئة مرة (25) فهذه وصايا نبيكم [عليه الصلاة والسلام] الذي كان بنا رؤفاً رحيماً حريصاً على صلاحنا، الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يُوحى؛ فعليكم بها، ودَعُوا أقوالَ البطَّالين الكذَّابين المفسدين في الأرض القائلين: إن سرعة اللسان بالاستغفار توبة البطَّالين.. كَذَبوا وأفكوا، بل هم البطَّالون المبطِلُون حقاً، العائجون عن سبيل ربهم وعن صراط نبيهم المستقيم، بل الاستغفار تركه علامة الفاسقين المصرين المستخفين (26) ، ونعوذ بالله من مثل سيرتهم؛ فهذه وفقنا الله وإياكم خطوط رفيعة مع سهولة مأخذها، وقرب متناولها: لا تقطع بأحد منكم عن عمله، ولا تقطع جسمه، ولا ترزؤه كلفة، إذا أحصاها عالم الغيب والشهادة عز وجل اجتمع بها ما يرجى [به] (27) تثقيل ميزان الحسنات، فتحبط بذلك السيئات، فلعل النجاة تحصل.
ولسنا نقول هذا على الاقتصار على ذلك دون الاستكثار من سائر أعمال الخير، ومن تلاوة القرآن ما أمكن؛ فإنا روينا عن ابن عباس رضي الله عنهما، أو عن أنس بن مالك (الشك مني) أنه قال: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدقُّ في عيونكم من الشَّعَر كنا نعهدها على عهد رسول الله من الموبقات (28) .. فاعلموا أيها الإخوة أن الأمر والله جِدٌّ، وأنَّ المنْتَشَبَ صعب، وأنَّ التخليص عسير إلا بتوفيق الله عز وجل برحمته لعمل الخير، بقبول اليسير منا، وتجاوزه عن كثير ذنوبنا، فهو أهل التقوى وأهل المغفرة، ولكن الله تعالى قال وقوله الحق: وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى . وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى . ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الأَوْفَى . وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى [سورة النجم] و هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة النمل/90]، وقال تعالى: فَالْيَوْمَ لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ [سورة يس/54]؛ فيُستحب للمسلم الذي يطلب النجاة أن يأتي بما لعله أن يوازي ذنوبه ويوازن سيئاته، وأن يواظب على قراءة القرآن فيختمه في كل شهر مرة، فإن ختمه في أقل فحَسَن ما بين ما ذكرنا إلى أن يختمه في ثلاث لا أقل، ولا يسع أحداً أن يختمه في أقل من ذلك (29) ، ويواظب مع ذلك [238 ب] على قراءة قل هو الله أحد، ولو في كل ركعة من صلاته مع أم القرآن وسورة أخرى؛ فإِنَّا روينا أن رجلاً من الأنصار كان يفعل ذلك، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن فعله؛ ذلك فقال: إني أحبها، فقال عليه السلام إن حبك إياها أدخلك الجنة، أو كما قال (30) فإن لم يفعل فليقرأها ولو في كل يوم مرة، فإنها تعدل في الأجر ثلث القرآن (31) وهذا الآجر لا يحقره إلا مخذول، فإن كثر منها فحظه أصاب؛ وليكثر من الصلاة على النبي [صلى الله عليه وسلم] متى ذكر، فإنا روينا عنه أنه قال: من صلى عليَّ واحدة صلى الله عليه عشراً (32) أفيزهد أحدكم أن يصلي الله عليه؟.. لا يزهد في هذا [إلا] محروم، وليكثر من حمد الله عز وجل عند الأكل والشرب وعند المسرة ترده؛ فقد روينا عن النبي عليه السلام في ذلك كلاماً معناه: أن العبد لا يزال يفعل ذلك حتى يرضى الله عنه، أو كلاماً هذا معناه (33) ولكثر من قول: لا إله إلا الله.. فإنها ألفاظ تتم بحركة اللسان دون حركة الشفتين فلا يشعر بذلك الجليس. وليواظب على صلاة الفرض في الجماعة؛ فإنه صح عن النبي عليه السلام: أن صلاة الصبح في الجماعة تعدل قيام ليلة، وصلاة عشاء الآخرة في الجماعة تعدل قيام نصف ليلة (34) ، فأيكم أيها الأخوة يطيق القيام ما بين طرفي ليلة لا ينام فيها، أو نصف ليلة كذلك: فقد حصل له هذا الأجر تاماً بأهون سعي، وأيسر شيء؛ وليكثر من ألفاظٍ رويناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: وهي أنه دخل على إحدى أمهات المؤمنين وهي في مصلاها تذكر الله عز وجل؛ فقال لها رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: لو قلت كلمات ثلاثاً فوزنت بما قلت لرجحتهن ـ أو قال: لعدلتهن ـ وهي: سبحان الله عدد خلقه، ورضى نفسه، وزنة عرشة، ومداد كلماته (35) ، فنحن نستحب أن يقولها العبد ثلاثاً كل يوم، وليواظب جهده وقد صحَّ أنَّ العبد يُحَاسب يوم القيامة، فإن وُجِدَ في فرائض صلاته نقص جبر من تطوع إن كان له؛ وكذلك في صيامه وزكاته وسائر أعماله، ورويناه من طريق تميم الداري [رضي الله عنه] عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] (36) .. ويبين صحة هذا قوله تعالى: أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى [سورة آل عمران/195]، ولا يلتفت إلى قول من يصدُّ عن سبيل الله: لا صلاة لمن لا يتم الفرض.. فهذا قول لم يأتِ به نص ولا إجماع، وإنما هذا فيمن ضيع الفرض في آخر وقته، أو حلول وقته الذي لا فسحة فيه واشتغل بالنفل [239/أ] كإنسان لم يبق عليه من صلاة الفرض إلا مقدار ما يصليها فقط؛ فترك الفرض واشتغل بالتطوع، أو وجد الصلاة المكتوبة تقام أو تصلى فتركها وأقبل على ما ليس بفرض من الصلاة كمثل ما يأمر به بعض الناس: من وجد الإمام في الركعة الأولى من صلاة الصبح أن [يركع] ركعتي الفجر فهذا هو الخطأ؛ فهذا لا يقبل منه؛ لأنه لم يصل الصلاة التي أمر بها، ومن لم يفعل ما أمر به وفعل غير ما أمر به لم يقبل منه (37) .. قال عليه السلام: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد (38) .. وكإنسان صام رمضان في الحضر تطوعاً لا بنية الفرض؛ فهذا لا يقبل منه.
وأما من عليه من الفرض وسلفت عليه فروض قد عطلها: فيستحب له التطوع ما أمكنه كما روينا في الحديث المأثور آنفاً من جبر الفرض بالتطوع (39) .
واعملوا ـ رحمنا الله وإياكم ـ: أن الله عز وجل ابتدأنا بمواهب خمس جليلة، لا يهلك على الله بعدهن إلا هالك، وهي أنه تعالى غفر الصغائر باجتناب الكبائر فلو أن امرأ وافى عَرْصَةَ القيامة بملء الأرض صغائر إلا أنه لم يأت كبيرة أو أتاها ثم تاب منها، لما طالبه الله بشيء منها، قال تعالى: إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً [سورة النساء/31].
- والثانية: من أكثر من الكبائر، ثم منحه الله التوبة النصوح على حقها وشروطها قبل موته؛ فقد سقط عنه جميعها، ولا يؤاخذه ربه تعالى بشيء منها، وهذا إجماع من الأمة.
- والثالثة: أن من عمل من الكبائر ما شاء الله ثم مات مصراً عليها، ثم استوت حسناته وسيئاته لم يفضل له سيئة: مغفور له، غير مؤاخذ بشيء مما فعل، قال الله تعالى: إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ [سورة هود/114]، وقال تعالى: فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ [سورة القارعة/6].
- الرابعة: أنه تعالى جعل السيئة بمثلها والحسنة بعشر أمثالها، ويضاعف الله تعالى لمن شاء (40) .
- والخامسة: أنه تعالى جعل الابتداء ـ على من أحاطت به خطيئته، وغلب شره على خيره ـ بالعذاب والعقاب، ثم نقله عنه بالشفاعة إلى الجنة؛ فخلده فيها، ولم يجعل ابتداء جزائه على حسناته بالجنة، ثم ينقله منها إلى الناس. فهل بعد ذلك الفضل منزلة؟.. نسأل الله أن لا يدخلنا في عداد من يعذبه بمنِّه؛ فهذا أصلحنا الله وإياكم جواب [239 ب] ما سألتم عنه مما يكفر الذنوب الكبائر، وفيما يأتي بعد أيضاً من الجواب في سائر ما سألتم عنه، أشياء تستضيف (41) إلى ما قد ذكرنا بحول الله تعالى وقوته.
* * *
طباعة

تعليق

 القراءات :2028  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 6 من 17
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

المجموعة الكاملة لآثار الأديب السعودي الراحل

[محمد سعيد عبد المقصود خوجه (1324هـ - 1360هـ): 2001]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج