شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
(( كلمة فضيلة الدكتور محمد الحبيب بلخوجة ))
ثم ألقى فضيلة الدكتور محمد الحبيب بلخوجة أمين عام مجلس الفقه الإسلامي كلمة قال فيها:
- بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
- أيها السادة: التاريخ الإسلامي والعربي كانت جذوره من هذا البلد الأمين، وفيه تركزت وتشعبت أنواره وسطعت في الآفاق، فامتدت شرقاً وغرباً، وإذا كنا نحن هنا في هذا الإطار البهيج، وفي هذا البيت الكريم، وفي هذه الأرض الطاهرة التي عرفت ظهور الإسلام وفجره، وانبلاج أضوائه وأنواره، ثم انتشار ذلك في الآفاق، فإن المشرق والمغرب قد اجتمعا الليلة في هذه البقعة المباركة، ولي شرف تمثيل هذا المغرب، ومعي ثلة من المغاربة في هذه الجلسة، لا أقول هذا لأني أريد إظهار تحيّز أو خصائص وظواهر هي موجودة عند المغاربة ولا توجد عند المشارقة، وإنما أقول أننا في الواقع اكتسبنا من المشرق، واغترفنا من فضله وعلمه وأدبه، وقبل كل ذلك من دينه الذي اختار الله رسوله من أرضه، ليعلنه في الخافَقين وينشره في العالمين، وإذا كنا - المغاربة - قد اتجهنا بمهجنا ونفوسنا إلى هذه الأرض الطيبة وتشهد بذلك الرحلات الكثيرة التي قام بها المغاربة ولم يقم بأكثر منها أو بمثلها المشارقة. فإن خمساً وأربعين رحلة، كتبها المغاربة الذين قصدوا هذه الأرض وأرادوا أن يتفيؤوا ظلالها، وأن يتعرفوا عليها من قريب، وأن يأنسوا بمن فيها من العلماء والفضلاء، وأن يعيشوا فيها عيشة كانوا يتمنونها فإذا هم يحققونها في هذه الرحلة إلى البلاد المشرقية العربية وإلى هذه الجزيرة.
- أقول هذا للاعتراف بما مَنَّ الله به على المغرب من وصول هذه الرسالة ومن وصول هذه المعارف، ومن اصطباغ البلاد المغربية بالصِّبغتين العربية والإسلامية، فنحن بعد ذلك جسم واحد، ونحن نشعر بالإطار، ونشعر بالصورة التي تعيشها، والإطار الذي من حولها، فإذا نحن نحقق بذلك معاني كبيرة، لو أننا ذكرناها وتدبرناها لكانت سبباً في خلود هذا الماضي وفي إبراز حقيقة هذا الحاضر وفي تحقيق المستقبل الذي ننشده.
- وإذا كان صاحبنا وصاحب الفضل علينا أخونا الشيخ عبد المقصود خوجه قد رحب واحتفى احتفاءاً كريماً هذه الليلة بعالمنا ومؤرخنا وأديبنا الكاتب اللامع الدكتور حسين مؤنس، فإنه قد جمع أيضاً بين المشرق والمغرب، لأن حسين مؤنس، كما تتصورون، وكما قرأتم له، وكما وقفتم على آثاره، لم يترك مجالاً إلا وطرقه في تاريخ الأمة الإسلامية في الشرق وفي الغرب، في الديار البعيدة عن هذه الأرض الكريمة المعطاء، التي تمتد أطرافها شرقاً وغرباً، فشمل هذا العالم العربي والإسلامي، وأنا عندما أذكر هذه الحقائق، بل هذه الأمجاد أجدني في هذه الرحاب وفي هذا المكان بالذات، ألتقي من حين إلى حين، ومن فترة إلى أخرى لا برجال تميزوا على غيرهم أو فاقوا نظراءهم بما كتبوا وقدموا ودبّجوا ونظموا، ولكن بمشاعل الفكر التي كانت تظهر مرة في الميدان الإسلامي، وغيره، ففي الدراسات القرآنية وقد احتفينا من فترة قريبة بأحد المفسرين للقرآن الكريم كما احتفينا بمحدثين جاؤوا من بلاد غير مكة وغير المدينة، من غير الجزيرة العربية، واحتفينا بالأدباء والشعراء، واحتفينا برؤساء الجامعات التي تكونت ومنها جامعة الخليج، واحتفينا برجال عُرفوا بالدراسات الفقهية والبحث في المقاصد الشرعية، وما إلى ذلك.
- والآن عدنا لنحتفل مرة ثانية وأرجو أن يتكرر في هذا البيت العامر وبحضور صاحبه مع إخوان لنا من المؤرخين، وفي مقدمتهم صديقنا وشيخنا الدكتور حسين مؤنس، عندما أريد أن أتحدث أو أذكر شيئاً عنه، أذكر ظاهرة عجيبة، التفت إليها النقاد، والتفت إليها الشعراء والأدباء، هذه الظاهرة هي التي تسمى بالإطار والصورة كما سماها "سيد قطب" في كتابه "النقد الأدبي" ومثَّل لها بأحسن الأمثلة وأجودها، وأكرمها وأبلغها في القرآن الكريم، عندما قال: والضحى والليل إذا سجى. ما ودّعك ربك وما قلى. وللآخرة خير لك من الأولى.. ثم جاءت الآيات تترى، فإذا هي تصور معاني لا تجد في كتاب الله أبهج وأجود وأتم تصويراً من هذا الليل الساجي، ومن هذا الضحى المشرق.
- وفي سور أخرى كان التقديم بغير هذا الشكل، وفي معاني أخرى كان التصوير الإلهامي الموحي يتماشى مع الحقيقة في القرآن، وهي التي أشار إليها "مصطفى الرافعي" عندما قال: "ألفاظ إذا اشتدت فكأمواج البحار الزاخرة، وإذا هي لانت فكأنفاس الحياة الآخرة".
- وأنا عندما أنظر إلى هذه الأشياء أعود إلى الأندلس، إلى هذا الكنز الذي ضاع منا كما قال الأستاذ أخونا عبد الفتاح أبو مدين، والذي قاله من قبله كثير من الشعراء، متلفهين حتى نادى بعضهم ملك المغرب "ابن سليمان ابن عبد العزيز" وقال:
متى أرى خيله في أرض أندلس
تعيد من بهجة الإسلام ما سلبا
 
- هذه حقيقة نعيشها لكن على الأقل أستطيع أن أقول بأن روح الإسلام تدب من جديد، وأن المعالم الحضارية القائمة في الأندلس تشد المواطنين من العرب، أي أصحاب العروبة الذين ما زالوا متمسكين بحقيقتهم الدينية والجنسية، وقد جلست إليهم وتحدثت معهم، وأشرفت على بعض جلساتهم، فكانوا طموحين إلى تحقيق هذا الغد الذي ينتظرونه، والذي يعملون من أجل تحقيقه.
- وإذا كان الناس يتحدثون عن هذا الكنز الذي ضاع، ويعملون لاسترجاعه ولتحقيق العودة إليه، فأنا أقول: ليس الأندلس فقط، بل إن شمال أفريقيا كله بما فيه من علماء، وبما فيه من كُتَّاب، وبما فيه من شعراء، وبما فيه من مفسِّرين، ومحدِّثين، ومن فقهاء وأصوليين، هؤلاء كلهم لم أعرف الكثير منهم إلا عن طريق أستاذنا وشيخنا الدكتور حسين مؤنس.
- فأنا شخصياً عكفت على تحقيق التراث الإسلامي وكتبت عن تاريخ النهضة الفكرية في العالم الإسلامي وبخاصة المغرب العربي والأندلس، وكلما مررت بمرحلة من هذه المراحل، سواء من الناحية التاريخية أومن ناحية التعريف بالرجال وطبقاتهم، أهرع إلى كتاب "طبقات علماء أفريقيا" للمالكي، الذي حققه أستاذنا الدكتور حسين مؤنس.
- وظللت أفعل ذلك كلما دعتني الأسباب والظروف إلى القيام بواجب من هذه الواجبات العلمية، فقد عدت إلى هذا الكتاب وغيره من الكتب التي ألَّفها الدكتور عندما كنت أبحث عن الشعر العربي وعن قانون الشعر العربي، لا على حسب ما كان عليه الشعر اليوناني القديم الذي أشار إليه أرسطو طاليس في كتابه "الشعر"، ولا على الشعر العربي كما صوّره لنا "قدامة بن جعفر" أو "ابن رشيق" أو غيرهما، ولكن كما صوّره الأندلسي العربي القرطاجنّي الذي فارق "قرطاجنّة" مولدَه وذهب إلى مراكش، ثم انتقل من مراكش إلى تونس وأقام بها، ووضع كتاباً كما قال هو في علم الشعر المطلق بحسب عادة زمانه، وقال: لعلّي أكون بذلك قد وفيت بما كان يرجو القيام به أبو الحسن بن سيناء في كتابه "الشفاء" عندما قال: لعل الله يقيّض لهذه المهمة رجلاً من الأعراب أو من العرب ليبين علم الشعر في أوسع معانيه.
- ثم عندما كنت أبحث عن الرجال من العلماء والمحدثين والفقهاء بالنسبة لأفريقية كنت أعود إلى كتاب طبقات المالكية الذي هو من تحقيق شيخنا، وكنت أتعرف على كنوز رائعة حقيقة، وهو الذي يحملنا نحن - كرجال فقه ورجال ثقافة ورجال دين ورجال سياسة ورجال تاريخ ورجال أدب - أن نقوم جميعاً بتحقيق هذا التراث وإحيائه الذي لم يكتب لأمة من الأمم أن تحقق جزءاً ولو قليلاً من هذا التراث الضخم العربي الإسلامي.
- فأنا أدين بكل فضل للدكتور حسين مؤنس على ما قدم في أعماله المباركة العلمية وعلى ما يقدم حتى الآن بفضل الله ومنّه عليه، وأعجب ولا عجب من أن يقوم هذا الرجل المبجّل المكرم المحترم بأن يحدثنا في الندوة القريبة القادمة هنا عن العرب في عصرهم الجديد، فكأنه يرد الأعجاز على الصدور، ويتحدث عن الماضي والحاضر، لتحقيق الغد المشرق، وشكراً لكم، وشكراً له، وشكراً لأخينا عبد المقصود، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
 
وعلق الأستاذ عبد الفتاح أبو مدين على كلمة فضيلة الشيخ بلخوجة بقوله:
- في حديث أستاذنا فضيلة الدكتور محمد الحبيب بلخوجة، مر مرور الكرام على "القرطاجنّي" ولم يذكر جهده الكبير في تحقيق ذلك الكتاب النقدي الضخم "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" والذي كتب مقدمته أستاذه المرحوم سماحة الشيخ محمد الفاضل بن عاشور، وقال في هذه المقدمة: إنه عندما كان يراجع هذه المخطوطة كان يتمنى على الله أن يهيء لها من يحققها، والعجيب أنني صحبت هذا الكتاب في رحلتي الصيفية وحاولت أن أدرسه ولكنني لم أستطع، وحينما رجعت قلت لصديقي الناقد الكاتب الدكتور عبد الله الغذامي: لقد أخذت معي كتاب كذا وكذا لأقرأه في إجازتي، ولكنني لم أستطع لأنه كتاب يحتاج إلى جهد، وإلى عَناء، فقال لي: هذا الكتاب ليس كتاب إجازة، ولكنه كتاب نقد وكتاب بلاغة أو فلسفة البلاغة كما سمَّاها الفاضل بن عاشور رحمه الله.
 
 
طباعة

تعليق

 القراءات :845  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 114 من 196
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.