شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
واحد صياد.. جداً
تذكرت صوت ((البلان)) وهو يزعق في الفلاة قائلاً:
ـ أنا صياد.. هايم في البراري!!
لا أدري.. هل هو هايم أو كان يمشي طبيعياً، أو يتقافز.. أعرف فقط أنه في البراري، ولكن ليس كل الصيد في البراري، وإن كان أمتعه هناك، وكان يصيد الطير، وأسود الضواري - كما يقول - وهذه الصورة تقزز، فالطير لا أحب أن أراه ((صيداً)). إن مجاله التحليق والتغريد، والطير نشاهده.. نستمتع بمتعة تحليقه!
وطردت ((البلان)) لأصغي إلى صوت آخر.. كان يغني في عصر الخطف ويقول:
ـ ((رمشك خطفني من اصحابي وأنا واد صياد))!
فليس كل صياد هو دائماً صاحب صنارة.. إنه أحياناً في داخل الشبكة، أو معلقاً في صنارة، وأعجبوا من ((الواد)) الصياد الذي يصطاده رمش. فيصرخ: (اوعوا تحلوا المراكب وأنا حاطط رجلي في المية)!
وغاب صوت الصياد ((المجدع)) الذي قال: صياد، ورحت اصطاد صادوني.
وشعرت بنفسي.. كنت أجلس قرب البحر، على الشاطئ ذات أصيل!!
هنا.. صيد البحر أيضاً.
البحر - وحده - أوحى لي بفكرة هذا ((الاستجواب)) الذي أجريته بعفوية، فأنا في ((سنارة)) أفكاري في ((شبكة)) التأملات التي غذاني بها البحر.
الصيادون يختلفون..
هنك صياد أسود، وهو ليس أسداً، وصياد صقور ولا يحب إلا أن يتوارى، وصياد ((طيور)) ولا يجب الغناء وإلا لما صاد الطيور!
وهناك صياد في الماء العكر، وصياد ((حوت)).. أقصد الذي يصطاد الإشاعات ويروجها، وكلامه كما نقول في تعبيرنا الشعبي: كلام ((حوت))، وصياد سمك لا يحب رائحته حين قليه!
ومن زمن بعيد - كان ياما كان - حكاية قرأتها عن صياد في بلاد الله الواسعة قام فجر يوم، ومعه شبكته على باب الرزاق الكريم وقضى يومه كله في البحر - وفي البحر لم فتكم في البر فتّوني! - قالتها له زوجته التي هرعت إليه في البحر من البر تقول له: الأولاد جاعوا وليس في بيتنا دقيق!
فحمل شبكته، وأتجه إلى المدينة، وهناك باع الشبكة واشترى غذاء لبيته، وفي أثناء عودته مات بالسكتة القلبية، والعمر واحد، والرزق على فتاح الأبواب. تزوجت التي فقدته برجل آخر: صياد مال وفلوس، وجمال، فقد كانت حلوة كما القشدة!
وانتهت الحكاية.. والكتاب الذي قرأت فيه هذه القصة لم يكتبوا عليه: قصص للأطفال!
وخلصت من تذكري، و((سرحتي)) فإذا بي أبصر رجلاً ((أسمراني اللون)) لم تره شاديه بعد.. على كتفه شبكة صيد، وبين يديه ((بيعة)) سمك يلمع من القشرة برغم أن الوقت غروب و.. ((فزيت)) واتجهت إليه:
ـ اسمع يا عم.
ـ يا مرحبا.. تراه سمك طازة جديد، وما هو خايس.
ـ ليه.. السمك يكون فيه خايس؟!
ـ إذا بات.. إذا تركته وما رعيته، وما حطّيته في الثلاجة.
ـ بخيس!
ـ زي كل شيء!
ـ وليس؟!
ـ لا.. باحكي مع حالي، قل لي.. إنت صياد؟!
ـ أجل..
ـ ومبسوط؟!
ـ الحمد لله يا ولدي.. ربك ما يقطع، ويسهل.
ـ اسمك إيه يا عم؟!
ـ شوف عاد.. إنت تبغي تشتري، وإلا تعطلني؟!
ـ لا.. اعتبر ((البيعة)) بثمنها من نصيبي!
ـ لا.. ثمنها من نصيبي، والبيعة لك!
ـ لا والله يقظ يا عم.. إسمك إيه!
ـ اسمي فجحان!
ـ عاشت الأسامي.. وكم سنة وأنت صياد؟
ـ إصبر (وأخذ يعد على إصبع يده!)..
ـ أنت ذاكرتك ضعيفة يا عم فجحان؟
ـ أنا أنسى السنين.. أفكر في يومي بس!
ـ عال.. واقعي، لكنك كبير في السن، ولا بد أنك صياد ((عتقي)).
ـ عتقي يعني إيه؟
ـ يعني صياد من زمان؟
ـ إيه بالله.. عشرين سنة.. حول كده!
ـ طيب، وطول السنين دي ما فكرت تبطل ((الصيد))؟
ـ ليه ابطل.. دا طريق رزقي، وأنا لا أعرف صنعة غيرها.
ـ قل لي.. كم تكسب في اليوم تقريباً؟!
ـ يا ولد الحلال، ويش دخلك أنت؟
ـ لا.. هو الموضوع.. أعني: هل يمكن يا عم فجحان أن أصبح صياداً مثلك؟
ـ (يضحك): لا حول ولا قوة إلا بالله.. أنت صياد؟!
ـ الله يسامحك.. ليه ما أملا عينك، وإلا يعني شايفني نحيف وحالتي ما هي حالة صيادين؟!
ـ لا يا ولدي.. نحيف لا.. كثير صيادين كماك، لكن أنت غني ولابس نظيف، وحاطط ناضور على عينك ومعك سيارة!
ـ اسمع يا عم فجحان.. خلينا نتبحبح كده!
ـ يعني كيف؟
ـ يعني لا تنكسف مني، ولا اضحك عليك!
ـ طيب.. نشوف الآخرة!
ـ تيجي يا عم فجحان تلبس ملابسي وتخليني أعمل صياد.. أقوم بعملك واحد يوم بس؟
ـ بس يا ولدي أنا ما أعرف أكتب وانت تشتغل في الحكومة وتعرف تكتب.
ـ ما يهمك.. روح اشرب شاي، ما هو كثير موظفين بيعملوا كده!
ـ وبعدين؟!
ـ بس تعلمني كيف أرمي الشبك.. كيف أعرف المناطق اللي فيها صيد.
ـ بعقلك.. تعال معي في البحر اوريك!
ـ لا.. إلاّدي.. عبد الوهاب ما يحب الطيارة وأنا ما أحب البحر!
ـ مين عبد الوهاب؟!
ـ عمي.. عمي يا عم فجحان!
ـ ها.. وافقت!
ـ لأ.. بس كده - نظرياً - اتعلم!
ـ لأ ما ينفع!
ـ بطلنا.. أصلك تحب عملك كثير! طيب قل لي..
ـ ويش بعد؟!
ـ لما يكونوا سمكتين من البحر مع بعض.. ممكن تصيدهم سوا؟!
ـ لما يكونوا صغار (أصل الشبكة عندي صغيرة)!!
ـ طيب والسمكة الكبيرة الثقيلة.. كيف تشدها وهي في داخل الشبكة؟!
ـ الصياد لازم يكون يقدر على الصيد!
ـ إنت بتقول حكم يا عم فجحان!
ـ والله ما أدري أنت ويش تقول!
ـ طيب.. لما تصيد سمكة ما تتأسف على صيدها، وإنها تموت، ويأكلها الناس؟!
ـ كيف.. مخبول إنت؟!
ـ لأ.. ماني مخبول.. بس قل لي.
ـ أصيد السمك لأنه دا رزقي، وتالي الكلام ان السمك للصيد وحلال أكله!!
ـ إيه.. أصبح فيه منطق في الموضوع! طيب.. ما يحدث إنك تلاقي سمكة خايسة في البحر على طول؟!
ـ يحدث.. بس أعرفها على طول، وأرميها!
ـ وليش ترميها.. ما هي كمالة البيعة.. زيادة فلوس!
ـ لا يا ولدي.. ربنا ما أمر بكده.
ـ حلو.. تعجبني أخلاقك.
ـ بعدين.. الخايس يعدي البقية!
ـ طيب يا عم فجحان.. أنا أخّرتك.. خذ قيمة السمك وهات البيعة وربنا يرزقك!
ـ اسمع.. أنت ليه تكلمت معي كثير؟!
ـ لأ.. أصلي طفشت من الكلام القليل.. حبيت أرغي!!
ـ تراه سمك جديد ما غشيتك..
ـ روح يا شيخ الله يسهل لك.. ما هي كلها سمك!
ـ يعني إيه؟!
ـ يعني رايح آكل سمك.. واسمع سمك، وأضطر أقول سمك.. بس ما هوعلى طريقتك..بأمان الله!
وقلت في نفسي: ولا على طريقة همنجواي في روايته ((العجوز والبحر))!!
* * *
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1091  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 375 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء العاشر - شهادات الضيوف والمحبين: 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج