شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرسالة العشرون
ـ ((كتبت بالضوء عن عينيك هل أحد
سواي بالضوء عن عينيك. قد كتبا))؟!
ـ سيدتي:
إنني ما زلت أتذكر - حتى الآن! - عبارة رددناها كأصدقاء، وتحاورنا فيها - كحبيبين - واختلفنا على مضمونها كحضاريين، أو على الأقل كمتمدينين!
وربما تألمت ألسنتنا بحدة النقاش.. ولكننا اتفقنا بعد ذلك بالشعور!
ولعلّ ذلك الاتفاق كان قبل عام، أو أقل.. اتفقنا بما أحسسناه، وأيضاً بما تذوقناه.. قبل أن تصبح الأشياء، ويصبح الطعم تقليداً!
ثم... نبشنا صدورنا لنخبئه في عمقها، ونرتاح!
كانت تلك العبارة تقول:
ـ نحن في الزمن.. أرجوحة حيرى!!
ولم نحسّ بذلك الارتياح.. فالعبارة تتكرر في الأزمنة بصيغ مختلفة، والإنسان يتفسخ في ماديات الحياة، ويضيع.. وهو يفتش عن معاني الأزمنة ونتائجها!
وكنا - في العمر - نركض خلف تأكيد الإحساس... بينما نحن نتفرج بعد العمر، على العبث بالإحساس!
ولعلّك - يا سيدتي - قد وجهت نحوي سهمك المسدد إلى صدقي، واتهمتني بأنني: أغيب عنك تارة، وأشك فيك تارة أخرى... كأنني أنفيك عني، وكأنك تشعرين بأنني أقتلعك من قلبي؟!
فكيف تشوّهينني في أعماقك، وتذبحين أغلى عهد بيننا؟!
كلانا يصارع الأشواق.. كلما باعدت الأيام بيننا، ولكن الحب الصادق يبقى أقوى من التجريح، ومن علامات الاستفهام الحائرة، ومن النسيان... حتى لو أردناه!!
إذا كنت تقفين - وحدك - في العراء.. كلما رمتك الغربة بعيداً، فإنني أتفوق على هذا العراء، وأنا أشعر به مثلك.. ويكون تفوقي بواسطة هذا الوجيب الذي يملأ قلبي، مردداً اسمك، واصداء كلماتك!
والعبارة تلك - التي ألمحت إليها في مطلع هذه الرسالة - قالها واحد منا.. ليرسم معنى مجنحاً، أو يتنفس حتى يريح شجونه!
أو لعلّ قائلها.. قد أراد أن ينفي بها ((البعد الرابع))، وأن يسقط بها الأبعاد الثلاثة المعروفة: الطول، والعرض، والارتفاع!
وكان الذي يحاول أن ينفي ((البعد الرابع)).. يفتش بسخرية عن ((اينشتاين)) ليقرأ له تحديداً للأبعاد الثلاثة فقط، أو عليه أن ((يمصع)) أذن ذلك العالم الذي خرج بالبعد الرابع!!
وكنا نناقش: أن الجسم طول، وعرض، وارتفاع، ولكن... هل الإنسان هو مجرد جسد.. مادة فقط.. قدرة وضعف؟!
إن ((اينشتاين)) تحدث عن الزمن، وقال عنه: إنه ((بعد رابع)) يتحكم في الكم!
وهو عندما يبني أية نظرية.. يضع مواد بنائه من الأرقام والمصطلحات الرياضية!
ولكن اللذة - كبعد رابع - هي شيء مؤكد.. هي دعامة من دعائم البناء الإنساني، ولكن الذي يرفض ((الأبعاد)) في حياة الناس.. يبدو أسير ((البعد الرابع)) فقط!!
* * *
ولكن - يا سيدتي - كل شيء يتغير!
كل شيء.. لا يبقى على وجه واحد!
حتى عواطف الإنسان تتغير تغيرها الغربة، أو يغيرها الحزن والألم، أو يغيرها ((الاحتياج))!
ولكن هذا التغيير. لا يعني: الخيانة للحب.
قد يكون التعب، وقد يكون ((العجز)) الذي يقف سداً منيعاً ضد التواصل.
وقد تحدثنا عن ((العجز)).. يوم كنا في قمة التعب من الظروف، ومن الهزائم!
تبدو سنك الأصغر من سني.. أكثر حماساً وتوهجاً لخوض معارك الظروف، والأيام، ولكسر ((العجز))!
ورغم ذلك كله.. كان عهد قلبي منذ لحظة الالتقاء الأولى: أن خفقته لن تتغير، وأن وجيبه لن يردد سوى اسمك، وهذا العهد الذي بيننا.
أصدقك - يا حبيبتي - إن الليالي قد أتعبتني!!
لم يتعبني وجودك في وجودي.. بل كان دخولك: إضاءة فرحي وتوقي.
أتعبتني الليالي التي ((طلّقت)) نجومها.. فإذا ارتفعت نظراتي إلى السماء كنت أشتاق إلى كلماتك، ووجهك، ولكن... ما تلبث النظرات أن ترتد مبللة بالطل!
كلما بعدت بك الغربة... تأخذني الأمسيات البليدة إلى صقيع الفراغ!
صرت أضفّر هذه الأمسيات: جدائل ضنىً واحتراق!
كان الحب رائعاً في حياتي مرة واحدة... وأنت هذه المرة الواحدة، وما زلت أراك في العمر: شجرة لا تهرم، وأتنسمك مع الهواء عبقاً يضمخ وجودي!
وفي كل هذه المعاني.. يتبلور معنى ((التغيير))، ليكون الحب المتجذر بك في فؤادي.
وبهذا ((التغيير)) أركض بك نحو الأشياء التي لا تتساوى إلا في داخلنا معاً!
* * *
ويأتيني صوتك من أبعاد وحدتي، ومن ((حدّتي)) تلك التي أجابهك بها.. كلما ثارت غيرتي عليك أكثر.. كلما طلع صباح وهو نقيض عذوبة ودك!
وتأخذني - أحياناً أخرى - تلك الأسماك الملونة من كائنات بحرك الخرافي، العميق الحافل بأسرار تحجبينها لئلا تزداد ثورتي، ولئلا يغيب صوتي!
وأتخاطف... ما بين صوتك وأسماكك.. فأصبح طقساً آخر!
دعيني أصف لك طقسي الآن!!
هذا هو الليل الذي يمطر بأصدائك.. لكنه يغرق مدني بالظمأ!
هذا طفل.. ينام بسلام في الغرفة الأخرى، مشرق بأحلامنا، وأمانينا، وصفائنا، وعفوية أحزاننا!
ثمة طفل آخر.. أطالعه بخيالي. وما زلت أذاكر عواطفه!
إنه في عمر حبّنا... قد تجاوز العام الواحد، وبدل أن يحبو: وقف، ومشى، وتقافز... حتى ركض بنا إلى قدرة الاستمرار، وإلى التشبث بالتواصل.
فرحت بهذا الطفل كثيراً... أرغدني، ومنحني عافية النضج.
خفت عليه من ذلك الطفل الأول.. الذي ما زال ينام بسلام في الغرفة الأخرى!
خفت أن تبهت الأحلام، وأن تعجز الأماني، وأن يتكدر الصفاء..
خفت حتى على عفوية أحزاننا. أن يصيبها رهق من ظمأ مدني، وغرقها!!
وعدت أتلفت...
عدت أتأمل الدنيا والناس... وكيف يضطر المرء أن يطوّع حاضره أحياناً بمزيد من التبريرات، وبقليل من الصبر، وبنتفٍ من الضحك الذي ليس له صوت!
إنه - بذلك - ينساق إلى أشياء أخرى...
وهو بذلك أيضاً.. يتوصل إلى عبارات متعاقبة، لأنه يسلسلها، ثم يتخذ لها مسميات للظهور أمام الناس.. مثل: المنطق. العقل. الأمل. الفرح. الدهشة. الملل. النسيان. اللامبالاة!
فهل أدعوك أن تتلفّتي معي إلى الحياة والأحياء؟!
أنظري: لا يهم هذا الشخص سوى أن ينال ما يريد، بينما هو - بالتطويع له - تنال منه أشياء كثيرة.. يراها الآخرون وتتعمى عليه!
وشخص آخر.. يتمسك أحياناً بقشرة، ويعتبرها حلاً.. وهو يتخلى عن فكرة، وينظر إلى التخلي عنها كخلاص!
هكذا تعبت.. تعبت!
إن الذين عاملوا مشكلاتهم، أو مشاعرهم بالصمت.. ما زالت عروقهم تجري فيها الدماء، وما زال نبضهم كما ((رقاص)) الساعة.. وساعاتهم تجري، ولكن صدورهم فارغة، ورؤوسهم متقوّضة.. والدنيا هي لا شيء عندهم، وهو كل شيء في نفس الوقت!
إن الناس ينعمون فعلاً بذلك ((البعد الرابع)).. لكن هذا ((البعد)) يتضخم ويتطاول في أشيائنا ونزعاتنا.. فيستطيل حتى يصبح ((بعداً خامساً))، وهو: الخيال القاتل.. وهو التدرب على ((النقض))، بحثاً عن تثبيت ملامح صورة واحدة.. غير صحيحة!!
وتعبت... تعبت من تلك العواطف التي تتطوح فيها معانٍ روحية، فيسقط ((البعد الخامس)) تحت ثقل الإرهاق من الآخرين لنا، أو تحت وطأة الجحود والنسيان، أو... سقوطاً في الكراهية بسبب تفشي الاستعلاء، وحب الذات!
وتتطوح جوانب غالية من ((قيمة)) الإنسان في نفسه، وقيمة الآخرين فيه!
ونجد البعض يفلسفها.. فيصفها بأنها: التحول الاجتماعي، أو التغيير المعيشي أو المادي، أو سرعة الوقت.. مع عدم ضمان الحياة أو الصحة!!
وفي أفكارنا يتطوح ((الفهم)) بضربة شديدة تؤدي إلى إغماء العقل.. ثم يضحك المرء، وفي مفهومه الجديد أن أسلوب التعامل في حياة اليوم هو السلوك العصري، أو هكذا يريد الناس!
وقد تسألينني: لماذا أحدّثك بهذا الألم عن الحياة والأحياء؟!
حسناً... أردت أن أصل معك إلى حقيقة تقول: إن هذا ((البعد الخامس))، هو: الخيال القاتل، أو هو التخيل بلا ضوابط.. ذلك الذي يفوق ((البعد الرابع)) الموصوف بأنه: اللذة، أو الزمن!
حتى في الحب والعاطفة.. لا ينبغي أن يستدرجنا البعد الخامس!
إن الإنسان بذلك ((البعد الرابع)).. يجري إلى اللذة، ويسابق الزمن، ولكنه يتخطى ذلك أيضاً.. ليصل، أو ليرتطم في: ما بعد اللذة، وإلى خارج زمنه.. فيسقط في ((البعد الخامس)) أو في الخيال القاتل، أو في التخيل بلا ضوابط!
فلا تدعيني - يا حبيبتي - بهذا الجري، وغربتك، وأسرارك التي أعلمها فيما بعد.. أسقط في ((البعد الخامس))!
ولا تدعي حبنا يرتهنه ((البعد الرابع)) ليكون مجرد ركض إلى اللذة، وسباق للزمن!
حبنا عمر كامل.. حافل بالقيم، وبالعهد، وبكل ما نزفناه حزناً، وأمطرناه فرحا!!
إنه ليس ذلك الحب الذي نهدهده في ((أرجوحة)) الزمن الحيرى.. بل هو الزمن الذي نحياه بخفقتنا.. ونعمره بوفائنا!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :873  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 220 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج