شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الرسالة الخامسة
ـ أشياء كثيرة أضحت خلف أبواب الزمان!
فهل خبّروا الشمس.. ماذا يحدث بعد
مغيبها؟!!
ـ سيدتي:
ترى.. ما الذي حدث؟!
لا شيء بعد الآن.. وكل شيء قبل الآن بشهور!
كأنني وليدك الذي انزلق من أحشائك، ثم تبرأت منه، أو أنكرت أمومتك له!
أصداء صوتك تلاحقني في التذكر:
ـ الآن يمكننا أن نرتبط.. سقط العمر التافه، وأشرق عمر الحب منذ عرفتك.
ترى.. هل ستحتفظ بأجمل أمنية لوّنت صدرك وصدري؟!
ـ كيف لا أحتفظ بتلك اللحظات؟!
كل كلمة كانت بذرة من غرستك في ضلوعي. قلت لي ونحن ننسج العهد:
ـ سأكون زوجتك. صديقتك. حبيبتك. أمك. لن تحتاج إلى امرأة أخرى وأنا معك.. ولن أتركك أبداً!!
* * *
هل تفقد النساء ذاكرتهن بسرعة؟!
هل يقلّمن الذاكرة، كما أظافرهن عندما تطول أكثر؟!
هل يقصصن كلماتهن كما شعرهن الطويل.. ليستبدلن الشعر الطويل بـ ((باروكة)) ويستبدلن الكلمات الأصل بكلمات مستعارة؟!
لا شيء يحدث بعد الآن.. بشهور!
في الصيف الأخير لي خارج بلدنا.. كنت أحصي مقدار ما جمعته من مال. حصيلة لا بأس بها.. أسكن في بيت أبي، وهو تاجر موسر لا يحتاج إلى شيء من راتبي. أذكر كلماته جيداً يوم تحصلت على ((البكالوريوس)) وجئت إليه فرحاً، فقال لي بابتسامته الهادئة.. الباردة أحياناً:
ـ لقد دخلت الآن إلى دائرة المستقبل، وما زلت في هذا البيت معززاً وضيفاً. بإمكانك أن تعمل بـ ((البكالوريوس))، وأتمنى أن تطمح إلى شهادة عليا. إذا أردت أن تتزوج.. فإني أبارك لك ذلك، ولكني لا أختار لك، بل أعطيك هذه الحرية لتكون رجلاً.
بعد عام على انتظامي في وظيفتي، واستعدادي أيضاً لتحضير ((الماجستير)).. جاء الصيف، فأحصيت ما جمعت، وقررت أن أقضي إجازتي في الخارج!
كل شيء حدث في ((باريس)): رأيتك هناك أول مرة في مطعم مع أسرتك. كنت وحدي. شدني وجهك. جذبني أكثر أن ملامحه من أرضي وأهلي. كان الوقت مساءً... وكانت الليلة ممطرة، ووجهك مطراً يغسل أعماقي. ضحكت كثيراً لما كنت اعتبره طرفة تقول: الحب من أول نظرة!
عرفت الفندق الذي تنزلون به. تابعتكم، ووقفت بجانب أبيك وهو يطلب مفتاح الغرفة. ادّعيت أنني أسأل عن صديق من بلدي. التفت والدك يسألني:
ـ أنت إذن ((بلديات))؟!
قلت له إسمي، وعرّفني بنفسه، وألحّ أن ألقاه. وفي اليوم التالي رأيتك أكثر. نظرت إليك أطول، ومن قرب سمعت صوتك. قرأت أسرار عينيك. كنت - بالفعل - أبحث عن عروس.. رفيقة درب وعمر.
كل شيء حدث بسرعة. رآني والدي مبهوراً، متعجلاً. سألني ونحن نخرج في الطريق إلى بيتكم لخطبتك:
ـ هل هي جميلة إلى درجة إصابتك بالهلوسة؟!
ـ قلت لأبي: أنثى بوجه طفلة.. وطفلة بجاذبية أنثى.. وتفكير باهر!
ـ سألني والدك: هل اتفقتما من ورائي.. هل وصل صوتكما إلى قمة برج ((إيفل))؟!
ـ قلت لأبيك: لن نتظر وقتاً طويلاً.. فلا تزيد عذابي!
* * *
ـ سألتك بعد عقد القران: هل أنت سعيدة؟!
ـ أجبتني: وهل أنت مقتنع؟!
دائماً لا تردين على أسئلتي، ولكنك تجيبين بسؤال مقتبس من سؤالي!
وجلسنا نحلم بالعش. بكل زاوية في البيت. بعدد الأولاد. باليوم الذي نشيخ فيه، وأراك تضعين طقم أسنان!
تضربينني على كتفي وتقولين:
ـ أسنانك ستسقط قبل اسناني: فأنت أكبر مني!
ـ أقول لك مستفزاً: لكنهم يقولون إن المرأة تشيخ قبل الرجل!
أحلام عشناها في زمن قصير كالأسطورة.. كأن حبك السريع خرافة، ولم يكن في وريدك!
ترى... ما الذي حدث بعد ذلك؟!
عام مضى على اقتراننا.. كانت الحياة في عينيك: عمري، وكانت الحياة في عينيّ: وجهك. سألتك:
ـ هل تشعرين أن معاملتي لك تبدّلت.. هل آنست في نظرتي إليك فتوراً، وفي دفء يدي برودة؟!
لماذا لا تصارحينني بسبب هذا التغيير الذي طرأ عليك؟!
ـ أجبتني يومها: لا أدري.. صرت لا أطيق يدك. لا أحتمل قبلتك.. كأن رائحة فمك تبدلت عن ذلك ((المسك)) الذي كان ينعشني، ثم يخدرني.. فيخف وزني بين ذراعيك.
غثيان.. غثيان. إني لم أعد أحتملك!
ـ سألتك: هل هناك...
ـ قاطعتني صارخة: لا.. لا تظن هذا، ليس كل رجل يستهويني. من الصعب أن أحب رجلاً بعدك، وعندما أحببتك كنت أتساءل مندهشة: كيف حدث ذلك.. ما الذي فيك.. كيف أغويت قلبي، وفجّرته، وامتلكته؟!
لا أحب أحداً غيرك... ولا أكره أحداً بمثل ما أكرهك الآن!
ـ عجيب:.. فهل تشعرين باكتئاب.. هل هي حالة نفسية؟!
ـ لا أدري.. اخترتك بجنوني عندما وافقت عليك.. شدتني نظراتك، وهذا العمق في عينيك. عندما سمعتك تتحدث.. تمنيت لو أنك لا تكفّ عن الكلام. عندما مددت يدك لتصافحني.. سرت قشعريرة في جسدي كله.
ـ والآن.. ماذا حدث، ما سبب هذا التحول... ألا يكون هناك رجل آخر بتأثيره الأقوى؟!
ـ لا تذهب بك الظنون بعيداً.. كل ما هنالك أنني لم أعد أطيق رؤيتك، ولا لمستك. أرجوك.. اخرجني من حياتك!
ـ أخاف عليك من الندم بعد ذلك!
ـ الندم ليس نتيجة.. بل هو أسى كبير!
* * *
الآن... يا حزن النجمة في أمسيات ضباب العمر:
إنني ألملم الذكريات داخل هذا البيت الصغير، كقصاصات الورق.. من كل ركن. من كل جلسة. من الجدار الصماء.. وقد مضت أيام، وأنا وحدي بدونك، وأنت مع كراهيتك الغريبة، المفاجئة!
كنت أفضّل أن تكون هذه السطور لك قليلة في ورقة صغيرة.. لأنني لا أريدك أن تشاهدي المزيد من دموع الرجل!
لست أصدّق ما حدث.. تلفني دوامة الأسئلة.
توقفت عن الكتابة... أحدق في البعيد، وأتابع حزن النجمة!!
وما زلت أتساءل: ترى.. ما الذي حدث؟!
ـ لا شيء بعد الآن.. وكل شيء قبل الآن!!
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1111  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 205 من 545
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور عبد الكريم محمود الخطيب

له أكثر من ثلاثين مؤلفاً، في التاريخ والأدب والقصة.