شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أبو الحسن الندوي بين وسطية الفكر ولغة الوجدان (1)
في مقالة كتبها أحد المشتغلين بالأدب وفي معرض حديثه عن الأدب الإسلامي، غمز من منزلة الشيخ أبي الحسن الندوي ملصقاً به تهماً عدة من بينها دعوته لتكفير المجتمعات الإسلامية والعربية تحت مصطلح (الحاكمية)، ولا بد من الإقرار بداية بأنني لست من المنتمين إلى رابطة الأدب الإسلامي العالمية، ولم أتشرف بالاجتماع مع فضيلة الشيخ الندوي في حياته - رحمه الله -، ولكنني التقيت به من خلال أفكاره القيمة ومؤلفاته التي تفيض حكمة واعتدالاً ووسطية، بما يكشف - حقيقة - عن هذا العالم الذي يعد قدوة كما يرى ذلك المرحوم الأستاذ علي الطنطاوي - المعروف أيضاً - بانفتاحه ووعيه العميق وبعده عن رمي الناس في عقائدهم جهلاً أو تعصباً أو غلظة لا تعرفها مبادئ هذا الدين الحنيف.
يقول الأستاذ الطنطاوي في تقديمه - لمذكرات الشيخ الندوي - الموسومة (في مسيرة الحياة) وأنا لم أر فيمن عرفت من الناس من هو أبعد عن التكلف، وأقرب إلى البساطة (بالمعنى المتعارف لا بالمعنى اللغوي) من أبي الحسن فهو في لباسه - كما وصف الشاعر إقبال - يلبس أيسر لباس وأرخصه، وأبعده عن الزهو والتعالي).
وفي تقديم الشيخ الطنطاوي للكتاب الذي ترجم فيه الندوي روائع (إقبال) في الشوق لديار الهدى والإيمان.. يقول الطنطاوي عن لغة الحب المتوهج التي كتب بها إقبال، والأخرى التي ترجم بها الندوي (على أن ذاك حب الجسد، وهذا حب الروح، وذاك حب الرغبة الأرضية التي تزول، وهذا حب العاطفة السماوية التي تبقى ما بقيت الحياة).
ويقول الشيخ الندوي بلغة الحب التي تكشف عن صفاء النفس، وحسن الظن بالآخرين وخلو الذات من شمائل الصلف والتكبر التي لا تمت لمبادئ الدين الإسلامي بنسب وصلة، يقول الشيخ عن كتاب (محمد إقبال) الفيلسوف والشاعر المسلم المعروف والذي دون فيه سيرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بكل صدق وشفافية (إن الحسنة التي لا أنساها لهذا الكتاب وصاحبه المخلص، أنه أثار في قلبي كامن الحب الذي لا لذة في الحياة بغيره، ولا قيمة للحياة بغيره وقد صدق الشاعر الفارسي حيث قال (قاتل الله ذلك اليوم الذي مضى ولم أذق فيه لذة الحب، ولا بارك الله في الساعة التي مضت ولم تهب فيها نفحة من نفحات الحب، بل إن الحب هو محصول الحياة ولب اللباب، وقد أجاد القائل الذي يقول (نظرت في هذا العالم فإذا هو بيدر واسع ونظرت فيه فإذا الحُبّ هو الحَب الوحيد، وكل ما عداه فهو تبن وحشيش وهشيم وحصيد) انظر الطريق إلى المدنية تأليف أبي الحسن الندوي، ص 19 - 20.
ومن روائع إقبال التي حفظها لنا قلم الشيخ الندوي رحمه الله تلك القطعة الأدبية الرائعة عن غار حراء، وشتان بين نظرة (إقبال) المتفتحة والمؤمنة إلى هذا المكان الطاهر ونظرة كاتب الأغلال، وتحمل تلك القطعة أو ذلك النص المبدع والمدهش في آن، أشواق الروح وتطلعات الذات الإنسانية إلى آفاق الحب والصفاء والسكينة يقول إقبال:
(طلعت جبل النور، ووقفت على غار حراء وقلت لنفسي: هنا أكرم الله بالرسالة محمداً، ونزل عليه الوحي الأول، فمن هنا طلعت الشمس التي أفاضت على العالم نوراً جديداً، وحياة جديدة، إن العالم ليستقبل كل يوم صباحاً جديداً وما أكثر ما استقبل العالم صباحاً لا جدة فيه ولا طرافة ولا خير فيه ولا سعادة، وما أكثر ما استقبل العالم صباحاً استيقظ فيه الإنسان، ولم تستيقظ فيه الإنسانية، واستيقظت فيه الأجسام، ولم تستيقظ فيه القلوب والأرواح، وما أكثر النهار المظلم والصبح، الكاذب في تاريخ العالم، ولكن من هنا طلع الصبح الصادق الذي أشرق نوره على كل شيء، واستيقظ فيه الكون وتغير مجرى التاريخ) (المصدر السابق ص 54).
ولم تتبدل لغة الندوي في كل ما كتب فهو واعظ على بينة وبصيرة، ومبشر لا ينحاز إلى تنفير، وكاتب من فنون الثقافة والفكر والأدب مما لا تتهيأ لكثير من معاصريه، فكيف بأولئك الذين يطوح بهم الهوى، ويستبد بهم الإعجاب بالنفس، فيتطاولون على القامات الشامخة عن جهل ونقص مركبين، فهذه سطور من كتابه الذائع الصيت في الشرق والغرب والذي نال عليه جائزة الملك فيصل العالمية إضافة إلى جهوده المخلصة والواعية في سبيل الدعوة إلى الله في شبه القارة الهندية وغيرها.
إنه السفر الرائع وغير المسبوق (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين) يقول المفكر الندوي: (صارت طباع الناس وعقولهم تتغير وتتأثر بالإسلام من حيث يشعرون ومن حيث لا يشعرون، كما تتأثر طبيعة الإنسان والنبات في فصل الربيع، وبدأت القلوب العاصية الجافة ترق وتخشع، وبدأت مبادئ الإسلام وحقائقه تتسرب إلى أعماق النفوس وتتغلغل في الأحشاء، وبدأت قيمة الأشياء تتغير في عيون الناس والموازين القديمة تتحول وتخلفها الموازين الجديدة).
ليس لحب أبي الحسن الندوي لجزيرة العرب.. أرضها وسمائها، وديانها، وجبالها، مساجدها وآثارها ليس لهذا النوع من الحب الإيماني حدود، مما ينفي عنه كل أنواع المشاعر السلبية إزاء العرب وتاريخهم ومآثرهم، يقول هذا المفكر الإسلامي العظيم والذي لا يستحق أن يرمى بالسهام الطائشة بعد أن قدم لأمة الإسلام والعروبة ما قدم من فكر ثاقب، وأدب رفيع، وسلوك إنساني أبعد ما يكون عن سوء الظن أو التحامل أو الحديث بغير فهم لمقاصد الشريعة الإسلامية ومقتضيات أحكامها:
يقول مخاطباً - في أدب وشوق - مهد العروبة والإسلام: (جودي علي أيتها الجزيرة بنفحة في نفحات محمد - صلى الله عليه وسلم - أحل بها مشاكل حياتي وألغاز مجتمعي، وأحيي بها موات قلبي واطفئ بها جحيم المادة التي أحاطت نيرانها بهذه المدنية، وبكل فضيلة إنسانية).
انظر: (العرب والإسلام، أبو الحسن الندوي، منشورات المكتب الإسلامي، ص 21).
ويقول في أحد كتبه التربوية: (والجزيرة العربية لا تشارك الشعوب الإسلامية في العقائد الدينية والشخصية الإسلامية - فحسب - بل إنها تنوء بأكبر أثقالها، وتنهض بأعظم مسؤولياتها من حيث هي الداعية الأولى لها، والمحافظة الدائمة عليها، فهي مصدر الدعوة الإسلامية ومعقلها ومأرزها، وقد جاء في حديث صحيح:إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها انظر: سياسة التربية والتعليم السليمة، أبو الحسن الندوي، المجمع الإسلامي العلمي، ص 16).
رحم الله عالم الأمة (الندوي) وجزاه الله خيراً عن أمة الإسلام والعروبة حيث يرقد - بإذن الله - مطمئناً في آخرته وعفا الله عن قوم يتحدثون في جهل ويطلقون الأحكام في تعميم.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :694  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 452 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج