شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
النقيدان وحرية الكلمة في الغرب (1) !!
(إن كل ما يتفوّه به أصحابنا - اليوم - من حديث وجدل حول حرية التعبير، لم يكن سوى نفحة من حضارة نقتات على نتائجها، وننبهر بألقها، يسحرُنا جبروتها، ويكسرنا من الأعماق تفوقها، ولكننا نأبى إلا أن نحجب الشمس بأكُفنا).
هذا ما ختم به الأخ منصور النقيدان مقاله في صحيفة الرياض (17/5/1424هـ)، - وكان مما يثير - حنق أخينا (النقيدان) هو تساؤلات الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه حول الحكمة من التشريعات الإسلامية؟ وقد صوّر (النقيدان) الخليفة الراشد صورة تسيء إلى صحابيّ من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم، ومردُّ هذا التصوير - في نظري - أن النقيدان يسترجع بعض سلوكياته السابقة والمتشددة ويسعى للتخلص من ذكرياتها المُؤلمة بأن يُلصق - زوراً وبهتاناً - شيئاً منها لصحابة الرسول والذين رافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعلموا من أدبه وخلقه ما يجعلهم يستعظمون مساءلته ولا يحرّمونها لأنهم يوقنون بأن الرسول عليه صلوات الله وسلامه لا ينطلق في تشريعاته إلا من الوحي الإلهي ولم يكن ليضيق صدر رسول الله بهذه التساؤلات، ولا نعلم ماذا تريد يا أخي منهم - فإنهم سألوا - وهذا دليل على حرية التعبير - هم في نظرك متمردون! - وإن سكتوا فهم لا يفقهون حرية الكلمة، وهذا شيء شنيع في حق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم أجلّ وأعظم مكانة ومنزلة مما حاولت أن توحي به إيحاء عنهم، ولكنك حتى تصد عنك ما يمكن أن يترتب على سوء (الأدب) هذا مع الرسول وصحابته أوردت اسم (شيخ الإسلام ابن تيمية) - رحمه الله - وذكرت (أنه حورب لأجل اجتهاداته في حياته ومات مسجوناً مظلوماً) ولقد كان شيخ الإسلام يا أخي - معظماً لرسول الله وصحابته عليهم من الله سلامه ورضوانه - وما كان أغناك أن تزج به - فقط - ذراً للرماد في العيون، ولكن الأمر أوضح من نور الشمس التي زعمت أن البعض يحاول حجب ضيائها المغربي عنك.
نعم لقد كانت هناك سلوكيات لبعض أتباع المذاهب أبعد ما تكون من روح الإسلام ولكنها لا تُلغي الأصل ولا تمس الجوهر، وما دمت ذكرت في خاتمة مقالتك المذكورة بأننا نقتات على نتاجها، فإنني أحببت أن أورد أمثلة (لخروقات) كبيرة في الحضارة الغربية - وبعضها - كنتُ - شاهداً عليه أثناء دراستي بالمملكة المتحدة.
وأود أن أطمئن أخانا النقيدان بأنني معجب أشد الإعجاب بما يدور في مجلس العموم البريطاني من مداولات وحريص على مُتابعتها - حتى اليوم - ولكن هذا لم يسلبني هويتي، ولم يجعل قلبي يمتلىء - لا قدر الله - نقمة وكراهية لتراثي وتاريخي، ولو عاش البعض في الغرب ما كانوا على هذا القدر من الانبهار بحضارة لم يعايشوها بل الأدهى من ذلك أنهم لا يملكون الوسيلة اللغوية التي يستطيعون من خلالها أو تمكنهم على الأقل من النفاذ لحضارة الغرب نفاذاً قوياً يمكنهم من وضع الأمور في نصابها الصحيح، ولما كان تقلبهم بين اليمين واليسار على هذه الدرجة من الشدة والحدة والجفاء والغلظة فلا هم في اليمين مُعتدلون، ولا هم في اليسار منضبطون؟
فكان لا بد من إحاطة بعض مظاهر حرية الكلمة في الغرب والخروقات الخاصة بها وأورد لك هذه الأمثلة - يا أخي منصور - وبإمكانك إن أحببت أن تتأكد من صحتها ودقتها - لأنني أوردها موثقة بمصادرها الإنجليزية، ومؤلفوها ليسوا عرباً ومسلمين!
فلقد برز في الستينيات الميلادية، مفكر وزعيم عمالي اسمه يهوجيتسكيل (Hugh Gait-Shell) 1906 - 1963م وكان الرئيس الأمريكي جون كيندي معجباً به، وألقى خطاباً مؤثراً في شهر أكتوبر 1960، في مدينة (Scarborough) الإنجليزية، ضد من يسعون في حزْبه للتخلص من السلاح النووي، وكانت الحرب الباردة على أشدّها، ولم يخسر جيتسكيل المعركة - وحدها -، بل الأشد والأسوأ من ذلك أنه خسر حياته، فلقد توفي فجأة بعد ذلك.
وظلت وفاة المفكر جيتسكيل - لغزاً حتى كشف عن ملابساتها - عميد سابق لجهاز المخابرات البريطاني اسمه (بيتر رايت (Peter-Wright في كتاب له صدر في الثمانينيات الميلادية، تحت عنوان: (صائد الجواسيس) (Spy-Catcher) فهو يذكر في ص (380) من الكتاب (وبعد وفاته - أي جيتسكيل - جاء طبيبه وطلب لقاءً مع شخص مسؤول في (أم - أي خ) مقالة (آرثر مارتن) وشرح له الطبيب انزعاجه من الطريقة التي توفي بها (جيتسكيل) وقال إنه توفي إثر مرض جلدي يهاجم أعضاء الجسم، وقال إن المرض نادر في البلاد ذات الطقس المعتدل، وأضاف بأن (جيتسكل) لم يكن في أي مكان يمكن له أن يلتقط هذا المرض)، ويشير (رايت) إلى أن (جيتسكيل) سافر خارج بريطانيا قبل وفاته بشهر واحد، وأن أجهزة المخابرات كانت تخطط لعملية اغتيال سياسية عالية المستوى في (أوروبا) وذهب (جيتسكيل) ضحية الكلمة التي خاطب بها حزبه وهي: (سوف نقاتل، ونقاتل - مرة - أخرى - لننقذ البلد الذي نحب) وكان (جيتسكيل) يريد أن تكون (بريطانيا) مستقلة عن القطبين الكبيرين آنذاك - الولايات المتحدة - والاتحاد السوفيتي، وكان للكشف عن هذه المعلومة الهامة وغيرها أثر سلبي عند حكومة المحافظين بزعامة مارجريت تاتشر (ففي صيف: 1987م، استنفرت أجهزة الجمارك في المطارات والموانىء البريطانية وبدأت عملية - تفتيش - لا مثيل لها، للقادمين، وخاصة من أمريكا، فقد خرجتْ) لندن عن وقارها المزعوم وديمقراطيتها العريقة لتشن حملة واسعة لاصطياد كتاب عنوانه (صائد الجواسيس).
(انظر مقدمة عماد القنّوس للترجمة العربية من الكتاب ط3، 1988م وأزيد على ذلك أن (تاتشر) كلّفت وزيرها اليهودي آنذاك ديفيد ينغ (David-Young)، بمصادرة الكتاب ومقاضاة صحيفة (الأوبزرفر الأسبوعية البريطانية، لنشرها مقتطفات من الكتاب بعد أن صدر أمر بعدم نشر أي شيء من محتويات الكتاب، وتم رفع قضية ضد الكاتب الذي فر إلى (كندا) ثم إن الكتاب - من ناحية أخرى - غير تلك المتصلة بقتل (زعيم) لمجرد أنه أراد حيادية بلاده من التجاذبات السياسية - آنذاك -، هو يضيف جديداً في كيفية تصرّف الغرب إزاء الشعوب العربية التي كانت تطمع في التحرر - آنذاك - فهو يشير إلى عملية كانت سوف يقوم بها جهاز المخابرات البريطاني (أم. آي. 6) ضد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر سنة 1957م بسبب موقفه من تأميم قناة السويس، وإنني لسائل: أخي منصور النقيدان - ببساطة وعقلانية؟؟ - هل أن مثل هذه المصادرة الواضحة لحرية الكلمة سواء المتصلة منها بالتخلص من زعيم سياسي غربي لكلمات قوية عبر بها عن حبه لبلده - (بريطانيا)، ولم يشفعها بسلوك عملي، ولكن كان (داء الثعلبة) الذي حقن به (جيتسكيل) هو الرّد الوحيد على كلماته في سكار بور كما أن محاولات عبد الناصر لتحرير قناة السويس هي دافع قوي لدى الديمقراطية البريطانية للتخلص منه كما يكشف عن ذلك رجل مطلع على أسرار الغرب - نفسه - وهي أي الحرية الغربية عند اتخاذها هذه القرارات لا تنظر إلى ما يترتب عليها من إزهاق أرواح وتلويث اليدين بالدماء، فكيف تفكر بعد ذلك بأنها مصادرة للكلمة الحرة وتكميم للأفواه.
هل أن مثل هذه الخروقات تُلغي ما اتفق عليه الناس من إيجابيات ومحاسن للديمقراطية الغربية؟ فكيف تأخذ سلوكيات البعض - في الحضارة الإسلامية - لتُلغي بها الأصل؟ والأنكى من ذلك بأن في كلمات ما هو سوء أدب واضح مع النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته. اللهم أهد بعض أقوامنا فإنهم لا يعلمون ونوّر بصائرهم بنور اليقين.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :703  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 416 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.