شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
الفصل الثاني: النّواحي الإعلامية
الصهيونية والإعلام الغربي
تحت عنوان ((الوصول إلى أوروبا وأمريكا)) وفي جريدة عكاظ، بعددها الصادر يوم السبت 24 جمادى الأولى 1407هـ أثَارَ الأستاذ عدنان كامل صلاح قضيتين حساستين متلازمتين: الأولى هي عجز الإعلام العربي عن استغلال الفرص المناسبة للوصول عبر القوة الصهيونية على هذا الرأي، ولعلّ هذه السيطرة - من وجهة نظري - هي الأكثر حساسية في قضية الصراع العربي - الإسرائيلي، الذي يمثل تحدياً حضارياً كانت بدايته في عام 1917م، عندما قام وزير الخارجية البريطاني - آنذاك - ((أرثر بلفور)) بكتابة رسالة إلى اللورد اليهودي ((روث شايلد)) تلك الرسالة التي عبر فيها ((بلفور)) عن تعاطف حكومته مع طموحات الحركة الصهيونية في إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي فوق أرض فلسطين، ولم يكن ذلك الوعد إلا نتيجة طبيعية لتلك الجهود التي بذلها الدكتور ((وايزمان)) رئيس الحركة الصهيونية العالمية - آنذاك - والذي استطاع خلال دراسته في جامعة مانشستر بالمملكة المتحدة في الفترة الزمنية 1904 - 1914م، أن يتسلل إلى المجتمع الأكاديمي البريطاني وأن ينفذ عن طريق تفوقه في حقل علم الكيمياء إلى عالم الصحافة حيث رحبت به صحيفة (الجارديان) وكانت يومئذٍ تصدر بمدينة مانشستر وقام محررها المعروف ((س.ب. سكوت)) ببناء سمعة خاصة لهذا الصهيوني الذي كان منبوذاً في فترة لاحقة بسبب عدائه الخاص للمجتمع البريطاني المسيحي، ولم يكتف ((سكوت)) بالترحيب بهذا المفكر الصهيوني ولكنه وضع أيضاً كل إمكانيات صحيفة (الجارديان) في خدمة القضية الصهيونية والتي كان ((وايزمان)) نشطاً في نشر مبادئها في الأوساط الثقافية البريطانية، ثم ما لبث ((سكوت)) أن قدم ((وايزمان)) إلى المؤسسات السياسية وتمكن هذا الأخير أن يبرز في شخصية العالم الزاهد في المناصب والجوائز العلمية التي عرضتها عليه الجامعة التي قضى فيها سنوات دراسته، ولكنه سعى سعياً حثيثاً لانتزاع وعود أعضاء تلك المؤسسات لمؤازرة القضية الصهيونية ولقد كانت الحركة العمالية البريطانية ميداناً خصباً للتغلغل العنصري الصهيوني منذ عام 1902م. وفي عام 1922م تأسست المنظمة العالمية الاشتراكية الصهيونية داخل حزب العمال البريطاني، ومن ضمن اهتمامات هذه المنظمة الدفاع المكثف عن القضايا الصهيونية إضافة إلى تدعيم أواصر الصداقة بين الحركة العمالية البريطانية والدولة العنصرية الصهيونية. وإذا كانت المنظمة الصهيونية العالمية تستخدم وسائلها المتعددة للتأثير في المسارات التي يرغب أفراد الشعب البريطاني في اتخاذها فإنها لا تقوم بهذا الدور وحدها فهناك مجلس النواب اليهودي البريطاني الذي تسيطر عليه مجموعة من اليهود المتطرفين والذين يؤمنون بمبادئ حزب ((حيروت)) الصهيوني الداعية إلى القتل والتنكيل بكل من يقف في سبيل انتشار الحركة الصهيونية. ويقف إلى جانب هاتين المنظمتين بعض العاملين في هيئة الإذاعة البريطانية والتي كان يرأس مجلس أمنائها إلى حد قريب أحد اليهود الذين يعلنون ولاءهم للصهيونية دون تحفظ وهو ((ستيوارت ينغ)) وهذا ما يجعلنا لا نستغرب ذلك التعاطف الذي تبرزه بعض وسائل الإعلام الأوروبي تجاه الحركة الصهيونية التي لا تألوا جهداً بمناسبة وبغير مناسبة في إثارة قضية التنكيل النازي باليهود حتى تتمكن من استدرار عطف الرأي الأوروبي تلك العقدة المفتعلة التي أخفت وتخفي وراءها حقيقة الجرائم التي ترتكب في حق الشعب الفلسطيني المناضل.
الإعلام الإسلامي في مواجهة التحديات
لم يتمكن الإعلام العربي والإسلامي بعد من إيجاد رؤية واضحة وشاملة تجاه القضايا التي ترتبط بمصير أمتنا في الوقت الحاضر ويأتي في مقدمة هذه القضايا موضوع السيطرة الصهيونية على قنوات الإعلام الغربي وما تؤدي إليه هذه السيطرة من إعطاء القضايا التي تتصل بالشعب اليهودي أبعاداً إنسانية وحضارية غير حقيقية كما أن هذه السيطرة حققت هدفها الذي سعت إليه منذ أمد طويل وهو الربط بين شخصية الفرد المسلم وقضية الإرهاب الدولي بكل صوره وأشكاله.
كان عام 1986 عاماً حافلاً بعدد من القضايا التي أبرزت تمكن هذا الإعلام الصهيوني في عرض آرائه والانتصارات لمبادئه، بينما كان تناول الإعلام الإسلامي والعربي للقضايا نفسها ينم عن شيء من الضعف في الإحاطة والمعرفة وعدم القدرة على اتخاذ الوسائل الملائمة لاستغلال هذه الأحداث الهامة في مواجهة النفوذ الصهيوني المتغلغل بصورة أسطورية داخل المجتمعات الأوروبية.
ومن ضمن هذه الأحداث التي أبرزت الفرق الشاسع بين الإعلامين الإسلامي والصهيوني، تلك الزيارة الخاصة التي حاول أن يقوم بها الزعيم الأمريكي المسلم ((عمر فرخانة)) في بداية عام 1986م للمملكة المتحدة، وبما أن (فرخانة) عرف بعدائه للاتجاهات الصهيونية وانتصاره للقضية الفلسطينية، فلقد كان ذلك كافياً لقيام الإعلام الصهيوني بشن حملة عدائية ضد هذا الزعيم المسلم كان نتيجتها منعه - بعد وصوله إلى مطار هيثرو - من دخول بريطانيا بحجة أن وجوده قد يثير بعض المشكلات الطائفية، لقد تمكّن المجتمع اليهودي في بريطانيا من أن يقول كلمته ثم يملي على الآخرين تنفيذها لأنه مؤمن كل الإيمان بمحتواها وعلى استعداد أن يضحي في سبيلها. وإذا بحثنا عن موقف الفرد المسلم من هذا الحدث فإننا نجده لم يعطه ما يستحقه من اهتمام ورعاية ولم يرتفع به إلى تلك الآفاق المتصلة بالوضع الحضاري والكيان الفكري للأمة، ولعلّ أشياء من هذه السلبية مردها إلى ذلك العجز الذي أشرنا إليه في قدرة المؤسسات الإعلامية الإسلامية. ولربما أن مرد ذلك العجز إلى أسباب يأتي في مقدمتها احتذاء هذه المؤسسات تقليداً وغفلة للإعلام الغربي في طرق معالجته أو تحليله للقضايا العالمية ونسيت هذه المؤسسات أن الإعلام الغربي يفتقد كثيراً من المصداقية بسبب عدم قدرته على التحيد عند تناوله لتلك القضايا استناداً إلى مواقف تاريخية وفكرية معينة وإنه ربما ارتكب الأخطاء الجسيمة واضطر إلى تغيير الحقائق خوفاً من طائلة النفوذ الصهيوني وتحسباً للعواقب التي ينجم عنها أي مساس بوجوده ومصالحه الذاتية.
الإعلام الغربي وقضية حقوق الإنسان
إن تحقيق الاستقلالية في المؤسسات الإعلامية الإسلامية قاعدة ضرورية لتجنب ما وصفناه في الموضوع السابق من عدم تحقق المصداقية في وسائل الإعلام الغربي ((صحافة، وإذاعة، وتلفزة)) فيما يتصل بتلك القضايا التي يمكن وصفها بأنها ذات سمة مصيرية في تاريخ أو كيان الأمتين العربية والإسلامية.
انساق إعلامنا الإسلامي خلف الإعلام الغربي حيث كان التوقف ضرورة يمليها استقراء الأحداث التي يحاول الغرب تفسيرها لنا من منطلقات تختلف تمام الاختلاف عن المنطلقات الحقيقية التي يؤمن بها، ويعمل من خلالها على تحقيق إرادته التي لا يؤثر فيها إلا ما يفرضه النفوذ الصهيوني من رغبات لا يقوى الغرب بمؤسساته الإعلامية والثقافية على مناقشتها فضلاً عن عدم تحقيقها.
جندت الصهيونية الإعلام الغربي في السنوات الأخيرة لإثارة موضوع ((حقوق الإنسان)) في المجتمع السوفياتي (سابقاً)، فلم يوافق زعيم أوروبي على القيام بزيارة رسمية للمعسكر الروسي ما لم يتضمن برنامج الزيارة الاجتماع ببعض المنشقين السوفيات ((كاندريه ساخروف)) وما لم يشتمل البيان النهائي للزيارة نفسها على التأكيد على الحقوق المهدرة لهذا الإنسان، وتنتهي الزيارة وتبدأ وسائل الإعلام الغربي في إبراز صور هؤلاء الزعماء الأوروبيين وهم يتحدثون إلى هؤلاء المنشقين والذين كثيراً ما تخلع عليهم صفات العبقرية والعظمة والإنسانية.
تعمدت هذه الوسائل الإعلامية في كثير من المناسبات عدم التعرض للتوجه الفكري أو الاعتقاد الديني لهؤلاء المنشقين والاكتفاء بوصفهم بالمنشقين السوفيات إلا أن هذه الوسائل تدرك تماماً أن العامل الوحيد خلف هذه الإثارة المفتعلة حول هذه الشخصيات هو انتماؤها العقائدي للديانة اليهودية وتوجهها الفكري للحركة الصهيونية وأنه لو تجردت هذه الشخصيات من انتمائها العقائدي والفكري لما حظيت بشيء من هذه الهالة العظيمة التي لم يتنبه الإعلام العربي والإسلامي إلى خطورتها فأخذ يردد المقولة الغربية - نفسها - دون وعي وتبصر وتلك غفلة ما كان لإعلامنا العربي أن يقع فيها وهو الذي تقع عليه مسؤولية تمحيص ما يتلقاه القارئ والمستمع في مجتمعاتنا اعتماداً على منطلقاتنا العقائدية والفكرية.
إن ما نراه أحياناً من شواهد حية تتصل بهذا الموضوع تجعلنا كالذي يضحك عندما يضحك الآخرون وينوح عندما ينوحون، ولعلّه مما يعمق أبعاد هذه الصورة المحزنة أن هذا الذي نحتذيه في أفراحنا وأتراحنا هو عدو لا يمكن الاطمئنان إليه لمجرد ابتسامة صفراء ترضي غرورنا أو صيحة حزن تمطر غيمة في عيوننا.
الإعلام الغربي وقضية تهويد القدس
حاول الإعلام الغربي أن يربط بين الاستيلاء الإسرائيلي على القدس الشرقية في حرب حزيران 1967م وبين ما أسماه بالمكتسبات التي تحققت للمدينة في ظل الإدارة الإسرائيلية، ومن بين هذه المكتسبات - بحسب زعمه - حرية زيارة الأماكن المقدسة التي لم تكن متوافرة خلال الفترة بين 1948 - 1967م (1) .
ويستند هذ الادعاء الإعلامي الزائف إلى تلك النبوءة المفتراة التي رسختها الصهيونية في الفكر المسيحي المعاصر عن أرض الميعاد التي وعد الله بها نسل نبيه إبراهيم من اليهود فقط.
إن المنطق ليقتضي من هذا الإعلام الذي كثيراً ما يفاخر بالعقلانية في تبني الآراء وبالمنهجية في تقصي الأخبار، أن يقف موقف المحقق الأمين الذي يرى أن نبوءة كهذه يمكن أن تتداعى بسهولة أمام رفض العقل البشري لادعاء باطل يقوم على تمييز الله بين عباده فيختص شعباً منهم برعايته ليمنحهم من ملكوته ما يحرمه على الشعوب الأخرى.
كما أن هذه الفكرة التي روج لها الإعلام الغربي تتناقض مع مقاييس الحق المعاصرة التي يمكن من خلالها أن نحكم على أحقية شعب ما على أرض معينة اعتماداً على حقيقة الولادة على هذه الأرض والإقامة الطويلة والمتواصلة عليها، وهو ما يستحيل انطباقه على الشعب اليهودي الذي تدفق إلى فلسطين خلال القرن الأخير من أواسط أوروبا، بولندا، روسيا، الولايات المتحدة وهم في غالبيتهم من الخزر أنسال القوقازيين الروس الذين اعتنقوا اليهودية في منتصف القرن الثامن الميلادي (2) .
ولقد كان من واجب الإعلام الذي نشط في التنصير بعصر ذهبي لمدينة القدس بعد توحيدها بصورة غير شرعية تحت الحكم العسكري الإسرائيلي، أن ينقل الصورة الحقيقية لسلسلة الأحداث البربرية التي استهدفت بصورة رئيسية الأماكن المقدسة للمسلمين أتباع ذلك الدين الذي سن خلفاؤه ابتداء من الخليفة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كل أسس المساواة والعدل بين أتباع الديانات المختلفة التي وجدت على هذه الأرض المقدسة، كما كان لأماكن العبادة المسيحية نصيب من تلك الأحداث. فلقد تم في عام 1979م إحياء الهجمات ضد المنظمات المسيحية من قبل جماعات يهودية أرثوذوكسية.
وبهذا نرى أن الإعلام الغربي قد فشل في تحقيق مبدأ المصداقية الذي يتشدق به في كل مناسبة فلم يجسر على النقد أو إبداء الرأي فيما أقدمت عليه الصهيونية من تعسف في تفسير نبوءة أرض الميعاد الكاذبة، والتي أقحمت فيها الكتب الدينية المسيحية، ثم لإغماض هذا الإعلام عينيه وصم أذنيه عن تلك الاعتداءات الإرهابية المتكررة التي شهدتها الأماكن المقدسة والمؤسسات والأحياء غير اليهودية، ولعلّ السبب في صمته المشين هو أنه مازال يحلم بتلك المكتسبات التي لم يكن لها وجود إلا في ادعاءات الفكر الصهيوني الجائر.
الإعلام الغربي والجاليات الإسلامية
بعد أن دالت دولة الاستعمار من تلك البلاد التي حكمتها تحت شعار إنقاذها مما وقعت فيه من تخلف اجتماعي واقتصادي، وبعد أن رفعت يدها عن تلك الشعوب التي لم تتورع يوماً في أن تنتشي بمنظر دمائها المسفوكة.. خرجت وفي نفسها حنين إلى العودة ولكن أخفته إلى حين، ولم يكن ذلك الإخفاء خوفاً من سطوة أو رغبة في وداد، ولكنها الاستراتيجية والطموح المنفعي الذي يحكم تصرفاتها وتنبني عليها سياستها.
وحيث إِن المبادئ التي تنادي إلى الأخذ بها الحكومات الغربية من المثالية والكمال فيها من القوة - ظاهراً - ما يجعلها فوق أي شبهة يوجهها الآخرون إليها لذا فهي تلجأ إلى عدد من الأساليب الملتوية التي تحقق بها رغباتها الدفينة والتي تعبر عن عقلية يمكن وصفها بأنها تتنافى مع ذلك التدرج الطبيعي الذي بلغته العقلية الإنسانية وحققت به مستوى حضارياً معيناً تنتفي معه كل سمات السيطرة والفوقية والعنصرية. لذا فهي تلتزم الصمت إزاء كثير من التصرفات غير الإنسانية التي ترتكبها بعض المؤسسات السياسية ضد الأقليات التي تعيش داخل المجتمع الغربي وتشارك في عملية تنميته ولكنها لا تحظى بالحصانة التي تمكنها من دفع ما يمكن أن يرتكب ضدها.
فالجالية الإسلامية والعربية المقيمة في فرنسا والتي يبلغ عددها حوالي ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة تتعرض لحرب جسدية ونفسية تقوم بها (الجبهة الوطنية) أو ما يسمى باليمين المتطرف.
والمسألة لا تتوقف عند أولئك الضحايا العرب - ومن بينهم الكثير من الكهول والأطفال - والذين كانوا هدفاً لرصاص هذه الحركة الفاشية، وتبلغ القضية ذروة مأساتها عندما نجد الأحزاب الأخرى (اليمينية واليسارية) وهي أحزاب رسمية مسؤولة نجدها تتبنى في غير استحياء الأطروحات اللوبية (نسبة إلى ماري لوبين زعيم الاتجاه المتطرف في فرنسا).
وفي بلد آخر كالولايات المتحدة الأمريكية فإن المنظمات الصهيونية الرسمية تتولى مهمة مضايقة الإسلام وأهله وليس بغريب علينا تلك الأعمال الإرهابية التي تعرض لها كثير من أعضاء ((جمعية الأمريكيين - العرب لمناهضة التمييز العنصري)).
وامتدت في حمأة ذلك الحقد الأعمى يد آثمة إلى المفكر الإسلامي ((عمر الفاروقي)) فقتلته مع زوجته وعلى مرأى من أطفاله وضاعت قضية إجرامية كهذه في بلد ما يسمى بالعدالة والحرية لأن القتيل مسلم والقاتل يهودي.
وفي بريطانيا لا يمر يوم من الأيام إلا وأنت تسمع عن قصة عائلة مسلمة وقد تعرض منزلها للسلب وأبناؤها للضرب وكبارها للشتم بألفاظ تكشف عن فكر عنصري متجذر عند من يقومون بهذه الأعمال التي يحاول البوليس - أحياناً - إخفاء تفاصيلها تعاطفاً مع المتسببين فيها.
ولا شك في أن وسائل الإعلام الغربي التي كثيراً ما تردد كلمات إرهابيون Terrorists أو عصابات Guerillas عند الحديث عن قضايا الشرق الأوسط وخصوصاً القضية الفلسطينية، أو كلمة Tribalism ((القبلية)) عند التغطية الإعلامية للشؤون الإفريقية. هذه الوسائل مسؤولة عن شحن نفسية الفرد الغربي بهذا الشعور العنصري الذي تتفجر طاقته بشكل مفزع.
صورة العربي في السينما الأوروبية
تناول الزميل الدكتور ((راكان حبيب)) في موضوعاته القيّمة التي ينشرها على صفحات مجلة ((اقرأ)) عدداً من قضايا الإعلام العربي، وكانت إحدى هذه القضايا الهامة التي نبَّه إليها هو استغلال الأفلام الأوروبية والأمريكية لأي فرصة لترسيخ النظرة العدائية ضد العرب.
ومع أن المقالة لم تعرض لأمثلة من هذه الأفلام إلا أنها اكتفت بتلك الإشارة الموجزة لهذا الموضوع الحساس الذي يجب أن تشغل موضوعاته مساحة كبيرة من صحافتنا الواعية في سبيل توفير أطر ثقافية واضحة وقوية للقارئ ليستطيع من خلالها مواجهة التيارات الفكرية والثقافية الأخرى، التي تعمل منذ أمد طويل وبوسائل عديدة على إثارة الشكوك حول الأسس الحضارية والمسار التاريخي للأمة التي ينتمي إليها هذا القارئ عقيدة وفكراً وسلوكاً.
وسأكتفي في موضوع اليوم بالإشارة إلى صورة العربي في السينما الفرنسية التي لم يكن من ضمن اهتماماتها في السنوات السابقة التعرض للشخصية العربية بهذه الصورة السلبية، إلا أن الحضور الصهيوني المتزايد في المجتمع الفرنسي - أخيراً - نجح إلى حد بعيد في التأثير على بعض المخرجين الفرنسيين لتنفيذ ما يسعى إلى تثبيته من صور سيئة ومشاهد دنيئة عن الفرد العربي.
ففي فيلم ((بوليس)) للمخرج ((موريس بيالا)) يمكننا أن نلاحظ اقتحام شخصية العربي للسينما الفرنسية، لكن، على أي شكل؟ فكل العرب الذين يطاردهم مفتش الشرطة ((مونجان)) بائعو مخدرات مجرمون صغار غشاشون ومزوّرون.
ولقد أنتج عدد المخرجين ذلك المسار الذي ابتدأه ((موريس)) فنرى صورة العربي نفسها لم تتغير إن لم تزدد سوءاً في فيلم ((الأخ الأكبر)) الذي أخرجه ((فرانسيس جيروا)) وقام ببطولته النجم السينمائي جيراردو بارديو وكذلك الحال نفسه في فيلم (الميزان) للمخرج بوب سوام وفي فيلم (وداعاً بونتان) لكود بيري (3) .
لقد أصبح العربي في السينما الفرنسية يقوم بنفس دور الإنسان الإفريقي في الأفلام البوليسية الأمريكية وبنفس دور الهنود الحمر في أشرطة رعاة البقر الأولى ولئن استطاعت شخصية الإنسان الإفريقي أو الهندي الأحمر أن تثبت وجودها في المجتمع الأمريكي وتبرهن على خيالية تلك الصور السلبية التي رسمت بإيحاء من العقلية الاستعمارية التي تؤمن بتفوق جنسي وتدعو إلى عنصرية غير إنسانية، فإنه مما لا شك فيه أن الوجود العربي والإسلامي في كثير من دول العالم الغربي لديه القدرة الكافية في أن يثأر لكرامته ويعمل على تغيير تلك الصورة المشينة بأسلوب حضاري يتمثل في تحمل الأمانة ومراقبة السلوك والتزام أسلوب المناقشة والإقناع وهو ما أمرتنا به الآيات البينات في كتاب الله الكريم وجسّده لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مرحلة من مراحل الدعوة الإسلامية.
الإعلام وهوية المعركة
ارتفع الإعلام الإسلامي والعربي إلى مستوى الأحداث التي تشهدها أرض فلسطين أخيراً، وكان دور الإعلام السعودي.. كما وصفه الأستاذ عبد الله الحصين في كلمته بعدد يوم الثلاثاء 7 رجب 1408هـ دوراً سبّاقاً إلى رصد وتجسيد الانتفاضة بكل ما فيها من زخم الإثارة وعمق الإحساس وصدق الموقف ولا شك أن ذلك الموقف هو التجسيد الحي لمواقف المملكة الثابتة من هذه القضية منذ عهد المغفور له جلالة الملك عبد العزيز - رحمه الله.
ولعلّ السؤال الذي يتطلع الكثير إلى طرحه من قبل الإعلام والصحافة العربيين هو: ما هي نوعية المعركة التي تخوضها الأمةالإسلامية مع الحركة الصهيونية العالمية؟ هل هي - فقط - معركة سياسية تريد فيها إسرائيل الاحتفاظ بالأرض التي احتلتها على مراحل متعددة؟ أم أن المعركة تنطلق من مواقف عقائدية وحضارية يمكن تلمس أوجهها في هذا الدعم العسكري والمعنوي الذي تحظى به الدولة العنصرية من المعسكرين الشرقي والغربي؟ فأمريكا مثلاً التي تريد أن تبرز وجهها الإنساني بالدعوة إلى الانسحاب العسكري من أفغانستان، هي القوة التي يستمد منها الكيان الصهيوني كل موجبات غطرسته وعنجهيته، في معركته، البربرية مع الشعب الفلسطيني الأعزل، والمعسكر الشيوعي الذي لا يحتفظ بعلاقات رسمية مع هذا الكيان نفسه، هو المصدر الأساسي الذي تستمد منه إسرائيل عوامل وجودها واستمراريتها وذلك عن طريق فتح باب الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين، وعياً منها بأهمية الجانب الديموغرافي ((السكاني)) في تحديد أبعاد ومستقبل هذا الصراع التاريخي والحضاري.
إن مصطلح ((إيباك)) الذي يتفوه الأمريكيون باسمه في حذر ويتحدثون عن مدى تأثيره في صناعة القرار الأمريكي بكل خوف وتهيب هو اختصار لاسم (لجنة العلاقات العامة الأمريكية - الإسرائيلية)، وهي أحد العناصر الأساسية في تشكيل السياسة الخارجية الأمريكية، وتختار لها مكتباً تتم حراسته حراسة مشددة، ويقع بالقرب من مبنى الكونجرس ويتحكم في بيع أسلحة أمريكية للدول الأخرى، وتتشاور الخارجية والبيت الأبيض مع هذه الجماعة ويجري الجنرالات وأعضاء الشيوخ اتصالاتهم بها (4) .
والغريب أن هذه الجماعة ليست إسرائيلية، وهي مؤسسة للأمريكيين الذين يؤيدون إسرائيل في الإدارة الأمريكية والكونجرس، والرأي العام.
ويوجد في دول العالم الغربي الأخرى شبيه لهذه المنظمة من حيث بواعث تأسيسها وتوجه أهدافها ولعلّ Paole Zion (5) ((المنظمة العالمية الاشتراكية الصهيونية لحزب العمال البريطاني)) هي الأكثر شبهاً بهذه المنظمة الأمريكية، ولقد بدأت المنظمة البريطانية نشاطها السياسي في عام 1920م بعد اندماجها بصورة رسمية في حزب العمال، فعملت على الدفاع المكثف عن القضايا الصهيونية في داخل الحزب وبين أروقة مجلس العموم البريطاني، كما استطاعت أن تفرض سيطرتها بصورة تدريجية حتى اصبح من حقها إخضاع الأفراد الراغبين في الحصول على عضوية في الحزب إلى امتحان عنصري عسير، وفي حالة عدم اقتناعها بالشخصية المتقدمة فإنه يصبح من المستحيل أن يتجرأ المسؤولون على ضم تلك الشخصية - صهيونياً - إلى مؤسستهم الحزبية.
ومن المواقف التي تحتفظ بها ذاكرتي عن هذه المنظمة هو استغلالها لاندلاع القتال بين بعض الفصائل الفلسطينية في ((لبنان)) في عام 1983م فلقد وقف أحد أعضائها البارزين، وهو النائب العمالي Ian Mikardo (اين ميكاردو) يحث مجلس العموم على اتخاذ قرار جماعي بقفل المكتب الفلسطيني ((بلندن))، ولكن المجلس أعرض عن رأي كهذا ولم يلتفت إلى تلك العبارات المغلفة بحماس صهيوني لا يستغرب من أعضاء اليمين أو اليسار في الحزب الذي طالما تحدث اليهود وأنصارهم من فوق منابره بكل غريب وعجيب.
وسوف تتحرك الصهيونية بعد القرار الأمريكي الذي يتناقض مع تلك المبادئ التي ينادي بها الإعلام الغربي من حرية، وعدالة، ومساواة تتحرك من خلال أصدائها في البرلمانات الأوروبية لإصدار قرارات مماثلة، وسوف يضحي الموقف الأمريكي سابقة سيئة في حق الشعب الأمريكي - نفسه - الذي أخضع للابتزاز الصهيوني، وهيئ بكل الوسائل للإيمان بجميع الترهات التلمودية، إنه رفض للعقل، وتحدٍ للعقلانية، واستخفاف بالمبادئ.
المجتمع الإسلامي في بريطانيا والضغوط الصهيونية
((تحت عنوان مثير وغريب وهو (((Which Way Leads to Paradise) ((أي السبل يقود إلى الجنة)) ((نشرت صحيفة التايمز)) اللندنية في عددها الصادر بتاريخ 19 أغسطس 1987م تحقيقاً عن وضع المسلمين في المجتمع البريطاني وقد حددت الصحيفة هدف هذا التحقيق بقولها في مقدمته ((إن المسلمين يواجهون اختباراً صعباً يتمثل في مدى قابليتهم لتقبل الثقافة المهيمنة في المجتمع الذي يعيشون فيه أو الاكتفاء بتراثهم الخاص وهو - أي التراث - ما سوف يؤدي بهم في النهاية إلى العزلة.
ثم يذهب التحقيق للإشارة إلى أن عدد المسلمين في الجزيرة البريطانية قد بلغ المليون، وإنه من المتوقع أن يزداد هذا العدد بصورة كبيرة مع حلول عام 2001م وتعود الصحيفة للتأكيد على الهدف الذي بنت عليه تحقيقها وهو معرفة مدى استعداد الأجيال القادمة لتقبل الثقافة الأوروبية وإنه في حالة رفضهم لمعطياتها سوف يواجهون مستقبلاً خطيراً ولا تتردد الصحيفة في أن تتنبأ بمستقبل انعزالي لأفراد الجالية المسلمة وهذا ما سوف يدفع المجتمع البريطاني لأن يربط بين هذه العزلة الثقافية وبين تلك المخاطر التي بدأت تشهدها مياه الخليج العربي.
وقبل أن نتعمق في كثير من جزئيات هذا التحقيق الفريد فإنه يحق لنا أن نتساءل عن الدوافع عند صحيفة معروفة كهذا في أن تبدأ تحقيقها بإثارة قضية المواجهة الثقافية أو الحضارية بين الجالية الإسلامية والمجتمع البريطاني. هل هو من قبيل تهيئة القارئ أو الفرد البريطاني ليتخذ موقفاً محدداً من الإسلام وأهله؟ أم هي قضية الخوف من انتشار الإسلام بين قطاع كبير من أفراد المجتمع البريطاني وخصوصاً في مدن بريطانية معروفة مثل لندن ومانشستر وبرمنغهام وكاروف وجلاسكو؟ وإنه مما يؤكد هذا الدافع الأخير هو أن الجزء الثاني من التحقيق ركز على شخصية الداعية الإنجليزي المسلم يوسف إسلام والذي كان يعرف سابقاً في عالم الموسيقى والفن بلقب Cat Stevens ((كات ستيفينز))، ثم قطع صلته بالفن وأهله بعد اعتناقه للدين الإسلامي في عام 1977م ليصبح واحداً من الدعاة الإسلاميين الذين تشغلهم قضية إيجاد مدارس مستقلة لأبناء المسلمين تتوجه نسبة كبيرة من مناهجها للدراسات الإسلامية. ويرى يوسف إسلام أن الدافع وراء قيام مثل هذه المدارس إنما يعود بالدرجة الأولى إلى وضع المجتمع البريطاني الذي لا يهتم أفراده بتعاليم الدين المسيحي بل إن الأجيال فيه غدت تتعرض بصورة واضحة للآراء غير الدينية والممارسات غير الأخلاقية ويرد على القائلين: بأن وجود المدارس الإسلامية في مجتمع غربي هو تجزئة لهذا المجتمع، لأن واقع هذا المجتمع يقول شيئاً آخر، فماذا عن هذه النسبة الكبيرة من الأطفال الذين يتركون دورهم ثم لا يعودون إليها؟ أليس في المناهج الإسلامية التي تدعو إلى الحب والاحترام، ما يصلح اعوجاج هذا المجتمع ويقوم ما فسد من سبل التربية فيه؟
ولكن الصحيفة التي طرحت قضية المواجهة الثقافية بين الجالية الإسلامية وبقية أفراد المجتمع البريطاني بصورة مفتعلة، لم تملك الشجاعة الكافية لتشير إلى أن الذي وقف ضد مطلب الجالية الإسلامية بإيجاد مدارس مستقلة لم يكن المجتمع البريطاني أو تقاليده العلمية، التي ينبثق بعضها من الديانة المسيحية التي يكن لها المسلمون في صورتها الحقيقية كل الاحترام والتقدير، ولكنها التعاليم الصهيونية ممثلة في شخصية الوزير اليهودي السابق للتعليم ((كييث جوزيف)) الذي قاد معارضة واضحة ضد المطلب الإسلامي منذ توليه مسؤولية التعليم في بريطانيا في عام 1983م حتى استقالته في عام 1986م بسبب مواجهة جميع نقابات المدرسين لما سماه ببرنامج الإصلاحات الجديدة الخاص بثقافة المدرس وعدد ساعات عمله وأجره.
لقد ظل جوزيف إلى اليوم الأخير الذي أنهى فيه عمله يعارض مطالب المسلمين التعليمية حفاظاً، بحسب تعبيره، على التقاليد العلمية والثقافية للمجتمع البريطاني. ولكن ماذا عن تلك الامتيازات الخاصة التي تحظى بها الجالية اليهودية في بريطانيا؟ وفي مقدمة تلك الامتيازات السماح لرجال الدين اليهود بالتردد على المدارس الإنجليزية بحجة إعطاء دروس دينية لجميع أبناء الجالية اليهودية المنتمين إلى هذه المدارس والذين يأتون لتلقي العلم فيها متميزين عن غيرهم بارتداء القبعات الخاصة بهم، بينما يبقى محظوراً على أبناء الجاليات الأخرى ارتداء أي لباس خاص يميزهم عن بقية زملائهم من الدارسين.
ولنا أن نتساءل أيضاً لماذا هذا التسامح المفرط مع كل ما هو يهودي؟ وذلك الحجر والتضييق على كل ما هو إسلامي؟ فهل من مجيب؟
(1) اليهوديان والصحافة البريطانية
لم تجد الصحف البريطانية وصفاً ملائماً للشخصيات العربية التي قامت بواسطة الطائرات الشراعية بعملية فدائية ناجحة ضد الأهداف العسكرية في الأرض المحتلة إلا تلك الكلمات المألوفة في قاموسها ((Zterrorist)) ((الإرهابيون)) معبرة بذلك عن تعاطفها مع الاحتلال الصهيوني للأرض العربية ورافضة في الوقت نفسه المقاومة المشروعة للشعب الفلسطيني ولم تبخل صحيفة مثل التايمز أو الديلي إكسبرس بنشر صور بعض الجنود الإسرائيليين وهم يبكون معانقين بعضهم البعض بعد انقضاء عملية دفن من قتل من زملائهم الجنود وذلك بغية كسب عواطف القارئ الإنجليزي إلى جانب ذلك الجندي الإسرائيلي الذي لا يهمه سوى إثارة الرعب بين أفراد شعب عزل يرون الظلم ثم لا يستطيعون له دفعاً.
والصحافة البريطانية التي دأبت على استعمال مثل هذه الكلمات التي تسيء إلى ذلك العدد الكبير من أفراد الجالية المسلمة التي تعيش داخل الجزيرة البريطانية نفسها وتشارك مشاركة إيجابية في تنمية المجتمع البريطاني منذ أمد طويل هي الصحافة نفسها التي تسيء إلى شعوب إنسانية أخرى وتتعامل مع شؤونهم بقاموس من الكلمات أنتجته عصور الاستعمار والإقطاع وكان على هذه الصحافة التي تربط بلدها بعلاقات سياسية واقتصادية مع شعوب أخرى أن ترفع ((حضارياً)) عن هذه الكلمات المسيئة وتنظر إلى قضايا هذه الشعوب بنظرة بعيدة عن التأثير اليهودي الذي يمارسه بعض الناشرين اليهود من أمثال روبرت موردخ الذي يملك مجموعة الصحف البريطانية المعروفة باسم الصن أو روبرت ماكسويل الذي يملك قطاعاً آخر من المؤسسات الصحفية في بريطانيا وأمريكا.
إن هذين التاجرين أو الناشرين اللذين يمارسان من خلال الصحافة سلطة قوية على العقول والأفكار يرفضان دوماً أي محاولة لدفع مسار هذه الصحافة إلى الاتجاه المعتدل ولكنها محاولات يجب أن تتم لأن الخاسر الوحيد في هذه القضية هو المجتمع الغربي.
(2) اليهوديان والصحافة البريطانية
تحدثنا في المقالة السابقة عن سيطرة الناشرين اليهوديين روبرت مردوخ وروبرت ماكسويل على قطاع كبير من المؤسسات الصحافية في بريطانيا فلقد آلت - في السنوات الأخيرة - ملكية صحيفة التايمز إلى ((مردوخ)) المعروف بإمبراطوريته الصحافية التي تتوزع بين دول كأستراليا والولايات المتحدة الأمريكية أما ماكسويل الذي يتحكم في ست صحف إنجليزية بما فيها الصحيفة المعروفة Daily Mirror (ديلي ميرور) فهو صاحب انتشار غريب في كثير من دول العالم الغربي وبعض دول العالم الآسيوي والأفريقي.
لقد ساهم ماكسويل في القناة الفرنسية المعروفة باسم T.F.I ويملك حصة في مؤسسة الطباعة الكينية كما وقع أخيراً اتفاقاً يتم بموجبه تزويد الصين ببرامج تلفزيونية ومن آخر أهدافه التجارية في مجال الصحافة والإعلام هو رغبته في الإسهام في شركة الطباعة الأمريكية (Bell and Howell).
لقد كان لتسلط (ماكسويل) على القنوات الإعلامية في دول العالم الغربي أثره في إضفاء سمات أسطورية على شخصيته فهو الذي تصفه مجلة (النيوزويك) في عددها الصادر بتاريخ 30 نوفمبر 1987 بأنه العامل الذي لا يفرق بين منتصف الليل أو منتصف النهار كما أنه يتحدث تسع لغات مختلفة لذا فقد حظي في أيام قصيرة بمقابلة رئيس جمهورية فرنسا ورئيس وزرائها وملكة الدنمارك ورئيسة وزراء بريطانيا وهو في الوقت نفسه المتعاطف العمالي الذي يصرح بعدائه للشيوعية ولكنه يحتفظ بعلاقات حميمة مع زعماء دول أوروبا الشرقية وللتدليل على ذلك فلقد قام أخيراً بزيارة ودية لدولة ((بلغاريا)) أثمرت في نهايتها عن تعاون صناعي وتجاري..
لقد ولد ((ماكسويل)) بحسب رواية ((النيوزويك)) في تشيكوسلوفاكيا من أسرة يهودية مزارعة وانضم إلى حركات المقاومة ضد النازية في موطن نشأته ثم في فرنسا وأخيراً انضم إلى الجيش الإنجليزي وكوفئ على خدماته في هذا الجيش بمنحه ميدالية عسكرية في سنة 1945م.
ثم جاءت حكومة ((هارولد ويلسون)) العمالية في عام 1964م، وكان (ويلسون) معروفاً بتعاطفه مع الحركة الصهيونية وزعمائها فأصبح ماكسويل على أثر ذلك نائباً عمالياً في مجلس العموم البريطاني، ومن هناك دخل التاريخ من أوسع أبوابه وعلى أكتاف الذين يهمهم أن تنتصر الصهيونية في كل الميادين، وبما أن ذلك لن يتحقق إلا بالسيطرة على الإعلام وقنواته، فكان لا بد لمردوخ وماكسويل أن يتربعا على عرش الصحافة في الغرب.
(1) الذين يجرؤون على الكلام
ذكر الأستاذ عبد الله القصبي في مقال له بصحيفة المدينة في عددها الصادر بتاريخ 29 شعبان 1408هـ أنه من المؤلم أن يأتي إلى بلادنا ((بول فندلي)) Paul Findly مؤلف كتاب (الذين يجرؤون على الكلام) They dare to Speakout ويقضي بضعة أيام ولا يدعوه نادٍ ولا تستقبله صحيفة ولا يطلب منه أن يحاضر أو يتكلم. وعبارة الأستاذ الفاضل السابقة فيها شيء من التعميم، فلقد قامت صحيفة سعودي جازيت بإجراء مقابلة مع فندلي ونشرتها في عددها الصادر بتاريخ 9 رجب 1408هـ ولقد كشف الكاتب الأمريكي في هذه المقابلة عن حقائق جديدة تتصل بخضوع الإدارة الأمريكية لنفوذ اللوبي الصهيوني، كما أن الصحيفة نفسها تقوم بنشر كتابه على حلقات متتالية، وهو جهد لا بد من الإشارة إليه وإن كان هذا الجهد لا يعفي الصحف الأخرى أو المؤسسات العلمية والثقافية من قيامها بالدور المطلوب تجاه هذا الكاتب ومؤلفه الذي أصبح منذ عام 1980م هدفاً لأهبط حملة برلمانية في تاريخ ولايته الأمريكية ((إلينوي)) شنتها المدن التي يتمركز فيها النشاط الموالي لإسرائيل وذلك بسبب انغماسه في شؤون الشرق الأوسط وكان هدف الحملة هو إقصاؤه عن التمثيل في الكونغرس الأمريكي وجعله عبرة للآخرين الذين يتجرؤون على اتباع نهج يخالف ذلك النهج الصهيوني الذي اختطته اللجنة الأمريكية - الإسرائيلية للشؤُون العامة ((إيباك)) Aipac والتي يطيع أوامرها جميع أعضاء مجلس الشيوخ والنواب حيث أدخل في روعهم أنها تعرف كل ما يقال عن سياسات الشرق الأوسط حتى وإن كان ذلك يجري في الأحاديث الخاصة.
وللتاريخ فإن فندلي لم يكن الشخصية الأولى في العالم الغربي التي تتعرض لضغوط اللوبي الصهيوني فقد سبقه إلى ذلك عدد آخر من الكتّاب السياسيين الأوروبيين الذين أرادوا أن يقولوا الحقيقة حول الصراع العربي - الإسرائيلي فعمل ذلك اللوبي على إسكاتهم بكل الطرق والوسائل. ومن هؤلاء العضوان السابقان في حزب العمال البريطاني كريستوفر مايهو Christopher Myhew ومايكل أدمز Michael Adams اللذان أصدرا كتابهما المعروف باسم (تغطية الشرق الأوسط) The Middle East Cover up في عام 1975م بعد أن رفضته كثير من دور النشر البريطانية لأنه يبحث في جذور اللوبي الصهيوني في بريطانيا وعلى وجه التحديد في المؤسسات السياسية والإعلامية، كما تعرض المؤلفان لاتهامات الصحيفة الصهيونية الصادرة من بريطانيا ((جويش كرونكال)) Jewish Chronicle وكذلك لضغوط المؤسسات الصهيونية الأخرى مثل مجلس ((نواب يهود بريطانيا)) والذي يحق لأعضائه ترشيح أنفسهم ليصبحوا ممثلين عن الأحزاب السياسية البريطانية في مجلس العموم مما يكسبهم نفوذاً قوياً داخل هذا المجلس لا يتحقق للممثل الإنجليزي، ولقد استطاع كثير من اليهود الوصول إلى عدد من المراكز السياسية الهامة في الحكومة البريطانية عن طريق مجلس النواب اليهودي Board of Deputies of British Jews ولا تزال حكومة المحافظين الحالية تعتمد في وزارة المالية والتجارة والصناعة وشؤون اسكتلندا على وزراء يهود إضافة إلى عدد آخر يتوزع بين مجلس اللوردات، والمجالس البلدية المحلية.
(2) الذين يجرؤون على الكلام
من الشخصيات البريطانية التي عانت من ضغوط اللوبي الصهيوني، شخصية رئيس مجلس بلدية لندن السابق ((كين ليفينقستون)) Ken Livingstone. S حيث عبر بصراحة في مناسبات عديدة عن رأيه في مجلس النواب اليهودي البريطاني وانتقد سيطرة اليهود المتطرفين والمنتمين إلى حزب (حيروت) على شؤونه، كما انتقد - أيضاً - في عام 1982م الغزو الإسرائيلي للبنان على حد سواء.
ولقد تمكّن اللوبي الصهيوني من ممارسة نفوذه بطريق غير مباشر حتى أصدرت الحكومة البريطانية قراراً بإلغاء مجلس البلدية الذي يرأسه ((ليفينقستون)) وإبداله بمجلس آخر يختلف في تكوينه وصلاحياته عن المجلس السابق.
ومن الكتّاب الذين تعرضوا لحملات مشابهة الكاتبة الاسكتلندية (ماريون وول فسون) Marion Wool Fson والتي تنحدر من أصل يهودي بسبب كتابها الجريء عن المناضل الفلسطيني بسام الشكعة والمعروف باسم (صورة فلسطيني) Portrait of Palestinian.
لقد تعرضت ((وول فسون)) لحملات عديدة عن طريق الرسائل والمكالمات التليفونية والتي كانت تحذرها الاستمرار في كتابة تاريخ هذا الزعيم الفلسطيني الذي أبعدته السلطات الإسرائيلية من بلاد أجداده بحسب تعبير الكاتبة نفسها.
إن الحركة الصهيونية تستغل جميع الإمكانات المتاحة لها في المجتمعات الغربية للتعتيم على الحقائق العلمية المجردة، وتستخدم كل الأساليب الإرهابية ضد أولئك الذين تحاول أقلامهم أن تسطر كلمة حق وإنصاف. ولعلّه من واجب الصحافة العربية والإسلامية أن تكشف للفرد الأوروبي ما تحاول الصهيونية فرضه من قيود على فكره، وهي بهذا تعمل على انتهاك حقوقه المشروعة في أرضه وبين أفراد مجتمعه.
منظمة ايباك وصناعة القرار الأمريكي
إن إغلاق المكتب الإعلامي الفلسطيني بواشنطن بقرار رسمي من الحكومة الأمريكية بعد أن أقره مجلس الشيوخ وتسابق الأعضاء الجمهوريون والديمقراطيون بتوقيع أسمائهم عليه، يؤكد ذلك الموقف العدائي الذي التزم به اللوبي الأمريكي اليهودي ضد الأمة الإسلامية والعربية منذ قيام الكيان الصهيوني الغاشم فوق الأرض العربية التي سلبت خيراتها وشرد أبناؤها في جميع أنحاء الدنيا. ولو كان لهذا اللوبي سلطة مطلقة لطمس اسم فلسطين من كتب التاريخ وجعل وجود الشعب الفلسطيني ضرباً من الخيال والأسطورة الكاذبة، ولا نستغرب ذلك فتلك العقيدة الصهيونية تجر المؤمنين بها من الشعوب الأخرى إلى ارتكاب صنوف من السلوك غير السوي، والإقدام على المواقف المذهلة التي سوف ينظر إليها التاريخ الإنساني في مستقبل الأيام على أنها رجعة بالإنسان - نفسه - إلى عصور الظلام التي صودرت فيها تلك الحرية التي منحها الله إياه ليعبر بها عن كل ظلم يلحق به ولا يستطيع له دفعاً.
لقد برّر الأمريكيون قرارهم بإسكات الصوت الفلسطيني المعتدل بأن إغلاق المكتب من أولويات أهداف اللوبي الصهيوني ((إيباك)) وهو الرد الوحيد الذي تملكه الإدارة الأمريكية عندما احتج سفراء العرب على هذا القرار الغريب والأغرب منه أن يأتي من شخصية مسؤولة في وزارة الخارجية الأمريكية مثل شخصية ((ريتشارد مورفي)) الذي كان من المتوقع أن يبدي مبررات تتفق مع أحكام العقل وحيثيات المنطق.
أما الدول الغربية فأحزابها العمالية والاشتراكية التي تدَّعي الالتزام بقضاياها العادلة والحرية هي الأكثر دفاعاً عن الفكر الصهيوني وقضاياه، وكمثال على ذلك فعندما اجتمعت دول عدم الانحياز في السنوات الأخيرة عارضت (أستراليا) إدراج كلمة فلسطين في البيان الختامي للاجتماع كما استطاعت الصهيونية أن تتسلل إلى أحزاب اليمين أو الأحزاب المحافظة في الغرب بصورة تدريجية، وأصبح عدد اليهود المتكلمين باسم هذه الأحزاب أمراً لافتاً للنظر، كما حدث في حزب المحافظين البريطاني الذي شغلت فيه شخصيات يهودية أو ما زالت تشغل المناصب الحكومية الرسمية كوزارة المالية، والداخلية، والثقافة، والتجارة، والصناعة، والعمل وشؤون اسكتلندا إضافة إلى وجود شخصيات يهودية دينية في مجلس اللوردات ومجلس أمناء هيئة الإذاعة البريطانية الرسمية B.B.C. كما يستحوذ اليهوديان الملتزمان روبرت ماكسويل وروبرت موردخ على قطاع كبير من المؤسسات الصحفية في بريطانيا وأستراليا وكندا والولايات المتحدة.
لقد ذكر أحد اليهود مرة في التلفزيون البريطاني أن عداء اليهود قضية تقليدية بين الشعب الألماني. ولكن ماذا عن قضية التعاطف مع الصهيونية في بعض المجتمعات الغربية، إنها قضية تقليدية - ايضاً - ولكن ما هي دوافع هذه القضية وجذورها؟
إن الإعلام الإسلامي والعربي مدعو للنظر في هذه القضايا بمنهاج علمي دقيق يستطيع أن يتمكن من خلاله تلمس أوجه التوافق أو الاختلاف ومواضع التأثر والتأثير بين الفكرين الأوروبي والصهيوني، فبالمواقف السياسية والتوجهات الإعلامية إنما تتشكل ضمن أطر فكرية واجتماعية وتكون وليدة قناعات عقدية وحضارية.
جورباتشوف والصحافة الغربية
خصصت مجلة ((التايم)) الصادرة بتاريخ 4 يناير 1988م جزءاً كبيراً من صفحاتها عن حياة الزعيم السوفياتي ميخائيل جورباتشوف، بل اختارته من بين الشخصيات السياسية العالمية ليكون الشخصية الأكثر تأثيراً وجاذبية، وقد حاولت المجلة أن تتعمق كثيراً في الحياة الشخصية للزعيم السوفياتي إلا أنها اعترفت بالعجز أمام بعض الأسئلة الخاصة بحياته العائلية مع أن العدد نفسه حمل مقالة خاصة عن شخصية زوجته نقلت صوراً من طريقة مناقشتها له وخصوصاً في الاجتماعات العامة التي تتطلب منها أن تكون أكثر هدوءاً ومجاملة له - أي لزوجها - بحسب تعبير المجلة.
وسارت صحيفة الصنداي تايمز على غرار المجلة السابقة فتحدثت في عددها الصادر بتاريخ 27 ديسمبر 1987 عن المنحى الجديد للتيار الإعلامي الغربي تجاه شخصية ((جورباتشوف)) فبينما كان الزعماء السابقون له يغلقون النوافذ بين بلدهم والبلدان الأوروبية الأخرى، نجده يحاول فتح هذه النوافذ.
وتناولت الصحيفة كتاباته السياسية التي أصبحت تحظى بشهرة كبيرة في الأوساط الغربية، بل إنها حققت مستوى عالياً من الانتشار بين طبقات المجتمع، إلا أنه مما يلفت النظر أن مجلة ((التايم)) ذكرت إشارة عابرة تفيد أن جورباتشوف شارك في حملة عداء ضد السامية Anti-semitic تزعمها الرئيس السوفياتي ستالين - في عام 1953م بينما تشير صحيفة الصنداي تايمز أن مستوى حقوق الإنسان قد تحسن في عهد جورباتشوف، فلقد أطلق سراح ما يقارب 275 سجيناً، وأن نوعاً جديداً من الديمقراطية قد بدأ تنفيذه في الاتحاد السوفياتي (سابقاً) وظهر ذلك في السماح لحوالي 7000 من اليهود بمغادرة البلاد، ولا أظن أن الربط بين ما ورد في مجلة التايم وصحيفة الصنداي تايمز يحتاج إلى كثير من الذكاء. فالإعلام الغربي يبحث مدققاً في حياة الزعيم السوفياتي ليجد مدخلاً مناسباً لإشعاره بتأنيب الضمير وهو في الوقت نفسه يهلل مرحباً بما يحلو له أن يسميه بالاتجاه الديمقراطي أو الإنساني الجديد في - روسيا - وهو اتجاه لا يعني في حقيقة الأمر أكثر من الحدب والعطف على الحركة الصهيونية داخل الاتحاد السوفياتي. وإذا علمنا أن جزءاً كبيراً من يهود أمريكا ينتمون أصلاً للاتحاد السوفياتي، ثم هاجروا إلى هذا العالم الغربي، وأخذوا يمارسون تدريجياً نفوذهم السياسي والاقتصادي فإنه عندئذٍ نجد تفسيراً واضحاً لهذه الضجة الإعلامية التي يحظى بها جورباتشوف في صحافة الغرب، إنها كلمة الشكر يقدمها الغربيون للزعيم الشيوعي نيابة عن المجتمع اليهودي، وإذا وجدنا تفسيراً لهذه الضجة الإعلامية التي تحمل لواءها كل أجهزة الإعلام الغربي فإننا لا نجد عذراً لبعض وكالات الإعلام العربي والإسلامي التي تسير خلف هذه الضجة الإعلامية الغربية فتظن جهلاً أن عبارات حقوق الإنسان تعني ذلك العدد الهائل من المسلمين الذين يعيشون تحت ديكتاتورية الحكم الشيوعي وتعسفه، وإن الاتجاه الديمقراطي يراد به الاعتراف بحقوق جميع الشعوب التي تنضوي تحت حكم الكرملين.
فهل ينتبه القائمون على صحافة عالمنا ووكالاته إلى هذا الخطأ الفادح الذي تترتب عليه كثير من الأضاليل التي عمد الإعلام الغربي إلى غرسها في أذهاننا، ودس زيفها بين مجتمعاتنا المسلمة التي تحتاج إلى توعية بقضاياها المصيرية وتبصير بما يدسه لها أعداؤها.
نصيب الشعراء في جائرة نوبل
قامت الدنيا ولم تقعد في صحافة الغرب بدءاً بصحيفة ((الأوبزيرفر)) البريطانية وانتهاء بمجلة التايم الأمريكية ولم تكن هذه الضجة المفتعلة إلا احتفاء بالشاعر Joseph Brodsky جوزيف برودسكي الذي فاز بجائزة نوبل في الأدب. فلقد أفردوا الصفحات لصوره الشخصية التي يبدو في بعضها مبتسماً وفي بعضها الآخر متأملاً أما قصة حياته فقد تناولوها من كل جوانبها، فهو ينتمي إلى أسرة من ((ليننغراد)) في الاتحاد السوفياتي حيث عاش هناك حتى عام 1972م وهي السنة التي أبعد فيها إلى الولايات المتحدة الأمريكية التي استقبلته استقبال الفاتحين، فذلك الشاعر الذي كان نصيبه الطرد من المدرسة في مراحل تعليمه الأولى أصبح عضواً بارزاً في جامعة (Michigan) ميتشيجن ثم منح الجنسية الأمريكية في عام 1977 وأهلته كتاباته وأشعاره ليفوز بجائزة مؤسسة ((آرثر)) والتي تقدر بحوالي 28 ألف دولار أمريكي.
لقد سلك الإعلام الغربي أسلوباً غريباً في تقديمه للشاعر برودسكي فهو يصفه بالإنسانية أولاً، ثم يذكر عن شخصيته جملة من الصفات التي تكاد تجرده من بشريته، وتضفي عليه شيئاً من الطهر والقداسة، فهو بارع في الأداء الشعري منذ أن كان في العشرين من عمره، والشعر جنى عليه وقاده إلى تهمته بالخروج على التعاليم الاشتراكية فسجنته السلطات السوفياتية لمدة معينة ثم أطلقت سراحه بعد أن ثار الغرب ممثلاً في زعمائه ومفكريه على هذا الصنيع المضاد للحقوق الإنسانية.
وتسعى وسائل الإعلام الغربية - أيضاً - إلى نفي السمة السياسية عن هذه الشخصية، وهي تبرز ما ورد في أشعاره من نقد واستنكار بأن أي إبداع إنساني يتم إنجازه في مجتمع ديكتاتوري يمكن تصنيفه ضمن دائرة الفكر المعارض ولئن أرادت هذه الوسائل أن تنفي عن ((برودسكي)) أي سمة سياسية، فإنها اعترفت بأن قصائده الشعرية أعادت الحياة إلى العديد من الكلمات الدينية التي اختفت في الحقبة ((الستالينية)) مثل الله، الروح، الضمير. كما أكدت أن برودسكي لم يفقد شيئاً من سماته الشخصية في الفكر واللغة والشكل أيضاً فعلى الرغم من إجادته للغة الإنجليزية فعملية الإبداع عنده لا تتم إلا في إطار لغته الأصلية.
إن التكنيك الذي يستخدمه الإعلام الغربي يسعى - دائماً - إلى إيجاد روح التعاطف عند الفرد الأوروبي مع فئة معينة من الناس دون سواها فكثير من المقالات التي تحدثت عن إنسانية وذكاء وخفة دم (برودسكي) تعمدت أن تغفل الحديث عن يهوديته وأن عملية نفيه - مع الاعتراف بدكتاتورية النظام الشيوعي - ترتبط بتلك العقيدة التي تؤمن بها الطوائف اليهودية في كل مكان وزمان وهي: (تسلط على كل خير تنبته أرض الآخرين وتآمر مع صهيونيتك ضدهم).
أما محاولة نفي السمة السياسية عن شخصية ((برودسكي)) فهو درء لهذا الإعلام من الوقوع في تناقش صريح، فأولئك الشعراء والكتّاب الذين كانت تتعقبهم فاشية النظام العنصري في جنوب أفريقيا وما زالت تتعقبهم ونازية الحركة الصهيونية في أرض فلسطين، يتعمد الغرب إهمالهم، إن أبدعوا، ولا يتحدث عن مأساتهم إن قتلوا أو عذبوا والحجة لهذا التنكر لإبداعهم الأناني ومواقفهم الثابتة هو التزامهم بالاتجاه الوطني. والفكر الغربي يدعي تجرد مقاييسه من الآثار الدينية أو الوطنية، وهي حجة واهية تتداعى مع هذا الضجيج الذي افتعلته وسائل الإعلام حول شخصية ((برودسكي)) الذي فاز بجائزة نوبل تدعيماً لموقفه الانشقاقي وإعجاباً بفكره الديني اليهودي الذي تمثل فيما ترجم من أعماله الشعرية إلى اللغة الإنجليزية.
وحتى تكتمل الصورة فقد منحت جائزة ((نوبل للسلام)) أيضاً لرئيس جزيرة كوستاريكا تقديراً كما يدعي الإعلام الغربي لجهوده في إحلال السلام بين دول أمريكا الوسطى، لكن بقي عليهم أن يعرفوا أن الآخرين يعلمون أن الجائزة منحت لهذه الجزيرة في ذكرى مرور عشرين عاماً على احتلال إسرائيل لمدينة القدس، فلقد تقدمت هذه الجزيرة عدداً من مثيلاتها من الدول الانتهازية في نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس في أثناء حرب حزيران 1967م.
واليوم يوم الوفاء والغرب على استعداد أن يكرم الأصدقاء نيابة عن الآخرين.
جائزة نوبل وقصر الأليزيه
الحديث الذي يتناقله الناس عن السيطرة اليهودية على جائزة (نوبل) ليس فيه أي مبالغة بل إن كل مناسبة تتصل بهذه الجائزة تزيد من حقيقة هذا التسلط وتوجهاته السياسية، كما حدث عندما منحت الجائزة للشاعر اليهودي السوفياتي المنشق سياسياً ((جوزيف برودسكي)) ولكن حدثاً مُهِمًّا جرى لم نجد له - للأسف الشديد - أي أثر يذكر في صحافتنا الإسلامية والعربية، ونوّهت عنه بالمقابل صحيفة التايمز اللندنية.
أما الحدث فهو أن السياسي اليهودي(Elie Wiesle) وأحد الحائزين على جائزة نوبل أقام رابطة تهدف إلى تنظيم شؤون الفائزين بهذه الجائزة حيث يتوجب عليهم مناقشة الأمور التالية: حقوق الإنسان.. نزع السلاح النووي.. المجاعة في العالم، وانتشار مرض الإيدز، أما أعضاء الرابطة الذين ينتمون إلى ثمانية عشر بلداً ففيهم السياسي اليهودي ((الدكتور هنري كيسنجر)) الذي منحت له الجائزة في عام 1973م - كما يدعون - لجهوده في إنهاء حرب فيتنام - وفي رأيي الشخصي - فإن الجائزة منحت له لجهوده الدائمة في تثبيت دعائم الكيان الصهيوني، والعالم اليهودي السوفياتي - الدكتور ((اندروسوخروف)) الذي يتخذ العالم الغربي من قضيته الشخصية عاملاً بضغط به على الدول الشيوعية لتقديم بعض التنازلات الهامة، وزعيم النقابات المستقلة في (بولندا) الذي تستغل أجهزة الإعلام الغربي - أيضاً - قضيته استغلالاً دولياً.
لقد أرادت هذه النخبة الأدبية (شكلاً) والسياسة (حقيقة) أن تختار مناسبة هامة لاجتماعها فلم تجد - بحسب تعبيرها - ذكرى أروع وأعظم من تلك الذكرى التي ترتبط بتاريخ الشعب اليهودي، وهي مرور ثلاثة وأربعين عاماً على إجلاء اليهود من المعسكر النازي وهي القضية التي تستخدمها الحركة الصهيونية للضغط على العالم الغربي في تحقيق مزيد من الابتزاز المالي والمكاسب السياسية على حساب الشعب الفلسطيني.
أما المكان الذي اختير ليتمكن أعضاء الجائزة من إلقاء خطبهم الرنّانة عن السلام المرتقب لهذا العالم على أيدي اليهود، فلقد كفاهم الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران مؤونة ذلك، لقد وضع تحت تصرفهم قصر (ألاليزيه) المشهور، ثم لم يكتف بذلك فقد تبرع بنصف تكاليف ومنصرفات هذا المؤتمر البالغة (470،000) جنيه استرليني.
أما السؤال الذي لن تكون إجابته صعبة فهو: لماذا أظهرت فرنسا أريحيتها وعطفها تجاه مؤتمر كهذا؟ والإجابة عن ذلك أن الانتخابات الفرنسية كانت على الأبواب والرئيس ميتران كان يطمع في تجديد مدة رئاسته والحل السحري - بحسب اعتقاد الأوروبيين - عند بني يهودا.
أما نحن هنا في بلاد المسلمين والعرب فعلينا أن نتبصر بأمورنا ونستفيد من الأولويات التي يهتم بها أعداؤنا ومستعمرو مقدساتنا إنهم يعملون ساسة ومفكرين وأدباء كل ما في جهدهم لخدمة أهدافهم الحضارية من تثبيت لهوية الشعب اليهودي ودراسة لتاريخه وإحياء للغته الكلاسيكية (اليديشية) ومحافظة على كل الفنون الأدبية المختلفة المتصلة بها، في الوقت الذي يشكك فيه بعضنا بتاريخنا الإسلامي العظيم وازدراء لأدبنا القديم وطمس معالمه ومميزاته بحجة التحديث والتجديد.
إن التاريخ لن يرحمنا إذا ما سلكنا طريقاً مميتاً كهذا واستمرأنا تهريجاً باسم الفكر والأدب يدفعنا إليه أعداؤنا ونحن سادرون.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1048  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 261 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الأستاذة الدكتورة عزيزة بنت عبد العزيز المانع

الأكاديمية والكاتبة والصحافية والأديبة المعروفة.