شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
شكسبير في اللغة العربية
الترجمة الأمينة تهدينا متعة أدبية:
تظل مقولة الجاحظ التي أطلقها في كتابه (الحيوان) حول استحالة ترجمة الشعر إلى غير لغته رأياً يدور حوله النقاش، وتتشعب فيه المذاهب فمن قال: إنه على الرغم من الخصوصية التي تجعل ثقافة المجتمع معبرة عن شخصيته بحيث يتعذر قبولها كاملة عند مجتمع آخر له شخصية أخرى، فإن ما يمكن نقله، حتى وإن قل، له فائدته عند المنقول إليه نتيجة للتفاعل مع الثقافة المحلية وما عساها تؤديه من خصوبة وغنى، وإلا لما أحدث ما نقل من الأدب العربي إلى أوروبا من تأثير كبير وما أحدثه من روائع الفن هناك مثله، والعكس وارد كذلك، فكم أحدث ما ترجم من أدب الغرب إلى اللغة العربية من إضافة إلى الأدب العربي.
الشعر والترجمة:
ونجد الشاعر عبد الوهاب البياتي يُفرقُ بين نوعين من التجربة الشعرية التي يمكن ترجمتها إلى لغة أخرى فهو يرى أن الشعر العربي الذي يعتمد على سحر اللغة المكتوب بها يفقد جماليته، لأننا لا نستطيع نقل هذا السحر إلى لغة أخرى، أما الشعر الذي لا يعتمد على سحر اللغة وحده، وإنما يعتمد على العناصر الأساسية المكونة للتجربة الجمالية الشعرية، فإنه لا يفقد الشيء الكثير من جماليته عند الترجمة ؛ وفي مثل هذه الحال تصبح العملية عملية إبداع في إبداع.
القدرة الإبداعية:
ضرب البياتي مثالاً على القدرة الإبداعية بأعماله الشعرية التي ترجمت إلى اللغات الروسية والفرنسية والإسبانية والإنجليزية. فقد جاءت هذه الترجمات - على حد قوله - مقبولة من قبل قراء اللغات التي ترجمت إليها، وعزا ذلك إلى تخصص هؤلاء المترجمين في الشعر، وإلى معايشتهم التجربة الشعرية عند بدايتها. ولعلي لا آتي بجديد إذا ما أكدت رأي الشاعر ((البياتي)) حول ضرورة معايشة التجربة الشعرية مضيفاً إلى ذلك توافر القدرة الإبداعية عند المترجم الذي تتمكن أدواته الفنية من معرفة مكامن السحر في اللغة المنقول منها واللغة الأخرى المنقول إليها، وأن وجود الكثير من النماذج السيئة للترجمة الشعرية لا ينفي وجود نماذج أخرى في الترجمة تتصف بالقوة والإجادة - قوة وإجادة - حتى إذا ما صافحت عين القارئ خالها شعراً كُتِب في اللغة الفطرية للقارئ نفسه، وهذا ما حدث لي عندما قرأت لأول مرة النص الشعري:
أو تَرضينَ يَوْم صَيْفٍ شَبيهاً
أنت أَبْهَى مِنْ يوم صيف وأعدل
كمْ يُقاسي غَضُّ البراعم في الصيف
إذا الريح نكلت ما تنكل
وزهيد في طوله أمد الصيف
قصير عن أمنيات المؤمل
قد تلظَّى عين السماء سعيراً
يجعل الصيف فوق ما تتحمل
وكثيراً ما يُظْلِمُ الذَّهْبُ ال
لامع في نور وجهها المُتهلِّل
أو يُولِّي عن كل ربَّة حُسْن
كُلّ حُسْن كانت به تتجمَّل
يَسْلبُ الحظُّ سحره أو عوادي
الدَّهر’ والدَّهْرُ قلْبُ يتحوَّل
إنما أنتِ صَيْف حُسنك باقٍ
خالدٌ سِحْرُه فلا يتبدَّل
لا ولن تفقدي جمالك يوماً
أوْ تعيثَ الأيام فيه فيذبل
كذب الموت إن تشدَّقَ فخراً
لن تكوني في من أظلَّ وذلَّل
بل سينمو في خالدات القوافي
لكَ مَجد على الزمان مؤثَّل
طالما استنشقَ الهواءُ وظلت
تبصر العينُ ما يدورُ ويجري
سوف يحيا في الناس شعري هذا
وستحيين في الخلودِ بشعري
إننا إزاء نص تتوافر فيه الخصائص التي تجعل منه قطعة أدبية يمكن الاستمتاع بها قراءة، وحفظاً واستشهاداً، لا ينقصها سمو في المعنى، ولم يتطرق إليها خلل في وحدة أبياتها، ولربما خالها القارئ قولاً عربياً خالصاً وإننا لمضطرون أن نخرج القارئ من هذا الخيال الذي ذهب إليه، والوهم الذي وقعت فيه نفسه، فما هذه القطعة إلا ترجمة أمينة لقصيدة الشاعر الإنجليزي (ويليام شكسبير)William Shakespeare (1616-1564) ونصها الإنجليزي هو:
Shall I compare thee to a summer's day?
Thou art more lovely and more temperate:
Rough winds do shake the darling buds of may,
And summer's lease hath all too short a date:
Sometime too hot the eye of heaven shines,
And Often is his gold comploxion dimm'd:
And every fair from fair sometime declines,
By chance, or nature's changing cours untrimm'd;
Byt they eternal summer shall not fade,
Nor lose possession of that fair thou ow'st,
Nor shall death brag thou wander'st in his shade,
When in eternal lines to time thou grow'st;
So long as men can breathe, or eyes can see,
So long lives this, and this gives life to thee.
معايشة شكسبير:
إذا كان شكسبير قد حظي بالخلود في لغته وبين بني جنسه للحياة التي بعثها في أدب اللغة الإنجليزية فإن مُترجم هذه القصيدة هو أَحَدُ روّاد الشعر العربي الحديث إنَّه البروفيسور وليد ناصر عرفات الذي عايش تجربة شكسبير الشعرية معايشة حقيقية مكنته من سبر أغوارها ومعرفة أبعادها، إضافة إلى التمكن اللغوي، والعمق الثقافي في كلتا اللغتين. هذه العوامل وغيرها جعلت الشاعر وليد عرفات ينقل إلينا نصًّا شعريًّا خالداً لم نستمتع فقط بقراءته ولكنه ترك أثراً قوياً في نفوسنا، وأثار العديد من الأسئلة حول أدباء الترجمة الحرفية التي تطالعنا أعمالهم الرديئة بين الحين والآخر، ثم يدعون أنهم منظرو الفكر وأصحاب الرأي الأول والأخير في أقوال ((كوليردج)) Coleridge، ((وودز ورث)) Words Worth، و((ت. س إليوت)) T. S. Eliot.
الطبيعة الإنسانية:
ويذكر الدكتور زكي نجيب محمود في (فلسفة النقد) أن الشاعر إما أن يكون من الطراز الذي يريد أن يقود ويهدي، وإما أن يجيء وفي يده مجهر يُسلِّطه على الطبيعة الإنسانية كما هي كائنة لا كما ينبغي لها أن تكون . وقد كان شكسبير من هذا الفريق الثاني وبصحبته شعراء من أمثاله : زهير بن أبي سلمى، وأبو العلاء المعري، وسوفو كليز، ودانتي وغيرهم، فقد كان - أي شكسبير - شاعراً كاشف الغطاء عن طبيعة الإنسان كما فطرت، متعقباً إياها إلى جذورها التي تضرب في الأغوار العميقة، تلك الأغوار التي لم تخرج بعد إلى مستوى الإفصاح باللفظ فظلت خلجات يحسها الإنسان ولا يجد لها العبارة التي تصوغها فتجليها إلى أن يسعفه الشعر.
وفي القصيدة التالية التي قام بترجمتها من اللغة الإنجليزية الدكتور وليد عرفات يسلط شكسبير مجهره الشعري على الطبيعة الإنسانية في حالة صراعها مع الحياة قوة وضعفاً، غنًى وفقراً، قناعة وطمعاً، فَرَحاً وحُزْناً. ثم لا ينسى الشاعر في غمرة هذا التصوير الدقيق الذي اهتدت إليه أداته الفنية المبدعة أن يصف لنا أثر الحب الخالص المتجرد من النوازع المادية، المتطلع إلى الآفاق العلوية، وأثره في معالجة النفس البشرية من ظلمة ألمت بها، وضعف انقادت إليه، وصنيع تجرعت من ورائه كأس الحسرة والندامة: يقول الشاعر وليد عرفات:
عندما ابتلي من الحظ سخطاً
وألاقي من أعين الناس شذرا
فأواري عن أعين الناس دمعي
باكياً وحشتي وأندبُ سرا
عبثاً أُسْمِعُ الناس صراخي
إن في أذنها عن السمع وقرا
وإذا ما رأيت حالي وحظي
فتوالت مني الشتائم تترى
وتمنيتني كمن هو أغنى
أملا ضاحكاً وأسعد دهرا
وتمنيت مثل ما نال حسناً
ومن الصحب مثل ما نال وفرا
وإذا قل باللذيذ رضائي
بعدما سرني فصار الأمرّا
فتشهيت تارة علم هذا
وتمنيت حذق ذلك أخرى
ثم هانت نفسي وكدت أراها وسط
هذه الأفكار أحقر قدرا
ربما جئت خاطراً في فؤادي فإذا
جئت بدل العسر يسرا
فأغنّي كالطير طارت صباحاً نح
و باب السماء تسبِّح شكرا
إنه ذكر حبك العذاب إما جَ
اء أفضى من نعمة الله مجرى
فأراني ولست أرضى بحالي ع
رش ((قارون)) أو ممالك كسرى
ونورد أيضاً النص الإنجليزي الأصلي لقصيدة شكسبير
When in disgrace with fortune and men's eyes
I all alone beweep my outcast state,
And trauble deaf heavn with my bootless cries,
And look upon myself, and curse my fate,
Wishing me like to one more rich in hope
Featur'd Like him, like him, with friends posscss'd,
Desiring this man's art, and that man's scope,
With what I most enjoy contented least;
Yet in these thoughts myself almost despising,
Haply I think on thee, - and then mystate,
Like to the lark at preak of day areseng
From sullen earth, sings hymns at heaven's gate;
For thy sweet love rememper'd such wealth prings
That then I scorn to change my state with kings.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :1242  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 253 من 482
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

ديوان الشامي

[الأعمال الكاملة: 1992]

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الأول - مقالات الأدباء والكتاب في الصحافة المحلية والعربية (1): 2007]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج