شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أنا في دوّامة أخطاء يوم الإجازة
الابن الشاب الأستاذ أيمن حبيب، استطاع بما يتمتع به من لباقة، أن يقنعني بأن أقضي معه وقتاً، أجيبه فيه عن كثير من الأسئلة التي يوجهها. ولم يكن يسجل ما يدور بيننا من الحوار بقلمه، وإنما بمسجل صغير، مما يعني أن يسلم الحديث من الأخطاء إذا أجيد ما يسمّى (تفريغ الأشرطة).
ولكن الذي فوجئت به، في القسم الأول مما نشر في يوم الإجازة معي، كثرة الأخطاء التي تصل إلى حد أن تنسب إليّ كلاماً لم أقله. أو قلته بصيغة تختلف كثيراً عمّا نشر. وقد أبلغت أسفي، لمن نشر ذلك القسم في غياب الأستاذ أيمن، وقد عزوت وقوع الأخطاء إلى غياب المسؤول - وانتظرت بعد أن عاد أيمن واتصل بي وأعتذر عن الأخطاء، أن لا ينشر القسم الثاني إلا بعد محاولة تجنّب الأخطاء، أو بعد أن أراجع أنا البروفات مثلاً.
وها أنذا أقرأ القسم الثاني فأجده حافلاً بأخطاء وأجد نفسي مضطراً، إلى رفض أن ينسب اللقاء إليّ، وأن اعتبره مقولاً عني ودون موافقتي على أي كلمة فيه.
أعلم أن ذلك يزعج الابن الأستاذ أيمن حبيب، كما يزعج غيره من المسؤولين عن التحرير في هذه الصحيفة، ولكني أعلم أيضاً أني أنا أيضاً قد عانيت الكثير من الإزعاج، الذي أعتقد أن الأبناء لا يرضونه لي والمفروض أن يحرصوا على عدم تحميلي مسؤولية أخطاء من هذا الوزن الثقيل.
وقد سبق أن وقعت في مطب مماثل مع الابن السيد التميمي المحرر في مجلة المجلة الذي نشر اللقاء مشوّهاً أبشع تشويه، ولم أشأ أن أقف منه أو من المجلة موقفاً متوتراً لأنه قد اتصل وأعلن أنه يرى التشويه والأخطاء، وهو آسف جداً، ولكن لا حيلة له مع رئيس تحرير المجلة الذي يترك له أن يتصرف كما يشاء، لأنه مسؤول من جهة، ولأن تحديد مساحة ما ينشر من أمثال هذا اللقاء، يخضع لتقدير معيّن.
على أي حال، علّمني ما نشر عني في مجلة المجلة، ثم في جريدة عكاظ درساً لا ينسى، وهو أن أرفض منذ اليوم، أي لقاء، مع الأبناء.
* * *
من أخبار مناحيم بيغن، في هذه الأيام التي يواجه فيها ضغوطاً في الداخل، لا تزال تعزف مقولة أن إسرائيل حين لم تحقق شيئاً ذا بال بغزو لبنان، واحتلال ما احتلته من أرضه، فإنها قد خسرت قتلاها بالمئات وجرحاها بالألوف، ويمضي أحد عشر شهراً على الغزو، دون أن تتمكّن من سحب قواتها، وإعادة (الأولاد) إلى وطنهم، وهذا بالإضافة إلى ما استنزفته الحرب والاحتلال من اقتصاد إسرائيل الذي لا يزال يتدهور، رغم كل ما تمارسه من تصريف محصولها من الحمضيات، والفواكه، ومصنوعاتها، في أسواق لبنان.. من أخبار هذا الإرهابي العفن أنه قد رفض موقف وزير دفاعه الجديد موشيه أرينز، من الجنرال يارون، الذي كان أحد الثلاثة الذين حمّلتهم لجنة كاهان مسؤولية مجزرة صبرا وشاتيلا. وموقف أرينز هو رفض توصيات الجيش، تعيين يارون رئيساً للطاقة البشرية في الجيش والتدريب، وترفيعه إلى رتبة لواء.
رفض بيجين موقف أرينز، وأصرّ أن يعين يارون في المنصب الذي رشحّه له الجيش ولكن مع صرف النظر عن طلب ترفيعه إلى رتبة لواء.
وقد لا ينسى القراء أن بيجن، حين أوصت لجنة كاهان، بتنحية أرييل شارون وزير الدفاع الذي قاد حملة غزو بيروت، أصرّ على تعيين أو إعطائه وزارة بلا وزارة، وعهد إليه بأعمال استشارية في مجال وشؤون الدفاع.
وحين يصر اليوم على تعيين يارون رئيساً للقوى البشرية والتدريب، فإنّه يلتف على توصيات لجنة كاهان، أو يضرب بها عرض الحائط، وبتحدٍ هو الأول من نوعه بينه وبين أرينز.
ولم يبق من الثلاثة، الذي حمّلتهم لجنة كاهان مسؤولية المجزرة، إلا رافايل إيتان رئيس الأركان، الذي لم يطرد من الخدمة أو ينحى، وإنما خرج من الجيش لبلوغه سن التقاعد.
والتهمة التي أثبتتها لجنة كاهان على يارون هذا، هي أنه حين كان قائداً لقوات إسرائيل في بيروت الغربية، قد تلقى معلومات عن عملية القتل الجماعي، التي تقوم بها الميليشيات الكتائبية في مخيمي صبرا وشاتيلا، خلال ساعات بعد دخول هذه الميليشيات إلى المخيمين في 16 سبتمبر عام 1982، ولكنّه لم يقم بأي إجرء لوقف الذبح. كما لم يقم بإخطار مرجعه.. وفوق ذلك، أثبتت اللجنة، أن يارون، قد سمح للميليشيات الكتائبية أن تعزّز القوات التي كانت تباشر أعمال القتل في المخيمين، بقوات جديدة، في اليوم التالي (17 سبتمبر) واستمرت المجزرة، إلى أن فرغت الميليشيات من قتل المئات من الفلسطينيين، رجالاً ونساء وأطفالاً، في يوم 18 سبتمبر. وكانت النتيجة التي ترتّبت على موقف هذا المجرم تلك المجزرة الرهيبة المتوحشّة، التي أثبتت للعالم، أن إسرائيل التي تتباكى على السلام ولا يزال الغرب، يعتبرها مركز الإشعاع الحضاري الوحيد في منطقة الشرق الأوسط ليست في واقعها أكثر من مجموعة وحوش كاسرة قوام حياتها ووجودها، القتل.. بدأته بقيادة بيجين في دير ياسين، وصفد وقبية من الأرض المحتلة، ولا تزال تمارسه كلّما أتيحت لها الفرصة، وهي للأسف تتاح دائماً. دون أن تجد من المجتمع الدولي بجميع مستويات دوله، من يوقفها عند حدها، فضلاً عن ردعها، مع أن هذا المجتمع هو الذي حاكم وحكم على جميع مجرمي الحرب بعد انتصار الحلفاء على الألمان.
تصرف بيجين، بإصراره على استبقاء شارون في الوزارة، بعد تنحيته من وزارة الدفاع وعلى تعيين يارون، رئيساً للقوى البشرية والتدريب في الجيش، يؤكّد - ما لا يحتاج إلى تأكيد في الواقع - أن هذا الإرهابي العريق أو العتيق، هو المسؤول الأول والأخير عن تلك المجزرة التي هزّت ضمير العالم.
والسؤال الذي لا بد أن يطرح، هو: إذا كان ضمير العالم قد اهتز للمجزرة، وإذا كانت الدول العربية قد صاحت وناحت، ثم التزمت صمت القبور بالنسبة لميليشيات الكتائب ربما مراعاة للظروف غير الطبيعية التي يواجهها لبنان باحتلال أرضه، وضياع استقلاله وسيادته فهل يفلت المجرم من طائلة القانون وحكم القانون؟ محاكمة مجرمي العرب النازيين كانت سابقة دولية بالنسبة لكل مجرم حرب. أفليس من حقنا أن نتقدم إلى محكمة العدل، أو أي محكمة يحددها المختصون من رجال القانون، بطلب محاكمة بيغن.. وعصابته؟
أما بالنسبة للميليشيات الكتائبية التي نفذت الجريمة البشعة، فلا أشك أن الحكم في لبنان. عندما يتخلص من جيش الاحتلال الإسرائيلي، ويستجمع قواه، ويتوطد سلطانه، على أنه وجماهير شعبه، سوف يخرج عن صمته المطبق، ويؤدي واجبه نحو العدالة والحق.
* * *
أعتقد أن الذين يعنون مثلي، بتعمّق ما تنشره الصحف من كلمات المسؤولين في المناسبات التي يفتتحون فيها مشروعاً أو تكون لهم رياسة الشرف في حفل، لم تفتهم ملاحظة ما يتمتع به صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، من قدرة على الارتجال، وبعبارة تجمع بين الإشراق والدقة والإحاطة بآفاق الموضوع الذي يتحدث عنه، مع الابتعاد عن المبالغة في التنويه بأهمية المشروع الذي يفتتحه، أو الحفل الذي يرأسه.
وسموّه إذ يحسن العبارة، ويجيد إلقاءها، ويمتلك ناصية الموضوع الذي يعالجه يملأ العيون بطلعته الباسمة، ومحياه الودود، بحيث يجعل المصغين إليه، يشعرون بقربه من قلوبهم، وهذا ما يسمّى (الحضور) للشخصية، وتلك خصيصة يقل من يتمتع بها من الناس، وهي فيما يقولون سرّ جانب من النجاح الذي يحققه هذا، ويخفق فيه ذلك من الشخصيات التي تواجه الجماهير.
وآخر ما قرأت من أحاديث سموه، كان ذلك الحديث الذي أفضى به، بمناسبة الاحتفال بوضع حجر الأساس لمشروع محطة التوليد البخارية في رابغ، وقد استوقفني في هذا الحديث أن سموه التفت التفاتة نستطيع أن ندرك معها، أن ترشيد الإنفاق والاستهلاك للطاقة الكهربائية أو لغيرها مما أغدق الله علينا من فضله، واحد من الهموم التي تشغل أذهان كل معني بتوعية المواطنين للنتائج التي لا بد أن تترتب على ظاهرة الإسراف التي لا تزال تستشري، وتكاد لا تتوقف عند حد، ولعلّ أعجب ما في الظاهرة، أنها تتصاعد، وأعني أنها تنتشر، بحيث أصبح من النادر أن تجد من يميل إلى شيء ولو قليل من إمساك اليد عن التوسع في الإنفاق، وليس على ما يحتاجه فعلاً من مطالب يومه أو غده ومستقبله البعيد، وإنما على التوافه، التي يدفع لشرائها أضعاف قيمتها في الأسواق الأجنبية، مع أنها توافه، لا تصلح للاقتناء، ومصيرها إلى البلى، ومصير ما دفعه لشرائها إلى الضياع. واستهلاك الكهرباء ينطبق عليه ما ينطبق على الإنفاق على التوافه، إنما أكثر ما يبدد من هذه الطاقة ودون حساب بل ودون حاجة، بحافز سخيف، هو أن الجيب عامر والحمد لله، والكهرباء نعمة من حقنا أن نتمتع بها إلى أقصى حد. فالمكيفات مثلاً، ولا يقل عددها في المنزل عن عشرين، لا بأس بأن تظل مفتوحة، إن لم يكن كلها، فأكثرها. حتى وإن لم تكن هناك حاجة لها.. ومثل المكيفّات، مصابيح الإضاءة، إلى جانب عدد من الثلاجات وأجهزة التجميد، مع أن ما يحتاجه المنزل، ثلاجة واحدة، وجهاز تجميد لا أكثر.
الجيب عامر، وتلك نعمة حين نحمد الله عليها، يجب أن نعرف كيف نرعاها، وكيف نستفيد منها في الاستزادة من رضا الله. وما ينفق في هذه التوافه، وفي تبديد الطاقة دون مبرر، إذا استطعنا أن ننفقه، في رعاية المحتاج، أو مد اليد الحانية إلى الفقير أو المساهمة، ولو بالنزر اليسير، في العناية بخدمة مسجد، أو مدرسة، أو حتى بنظافة الشارع الذي نسلكه إلى البيت، فإن ذلك أخلق بأن يشعرنا بآدميتنا، ويحقق مسؤولية الفرد منّا نحو الوطن والمواطنين.
قال سموه: (إذا كانت الكهرباء تعطى للمواطن الآن بسعر أقل لا يمثل إلا جزءاً بسيطاً من التكلفة الفعلية، يصبح من واجب المواطن في هذه الحال، تجنّب إهدار هذه الطاقة الثمينة ومراعاة ذلك وفق حاجته للكهرباء).
ولا أدري كم هي التكلفة الفعلية، وما هو مقدار الدعم الذي تقدمه الدولة، ولكني أدري، أن فواتير الكهرباء، في كثير من بلدان العالم تثقل كاهل رب المنزل إلى حد يجعله، ويجعل كل فرد في الأسرة - حتى الأطفال في سن الخامسة أو السابعة - لا يخرج من غرفة أو حمام، إلاّ بعد أن يغلق النور. رأيت هذا في ألمانيا. وفي أمريكا، بل وفي كل بلد عربي أتيح لي أن أزوره. بل أذكر أني هبطت مطار كنيدي في نيويورك في أغسطس، فإذا بي أكاد أختنق من الحر، وأنا مصاب بمرض (هبوط ضغط الدم) الذي أتعرض فيه لنوبة إغماء أو انهيار في الجو الحار.. وسألت.. (ما هي حكاية التكييف، ونحن في عز الصيف؟) وكان الرد: (إنه الاقتصاد في استهلاك الطاقة).
وبهذا الاقتصاد في استهلاك الطاقة الذي اعتمده العالم، استطاعوا، أن يحققوا ما سموه (التخمة البترولية)، التي كان ولا يزال من ردود فعلها، أزمة (أوبك)، ثم انخفاض سعر البرميل من 34 دولاراً إلى 29 دولاراً، وهذا إلى جانب انخفاض سقف الإنتاج بالنسب التي لا شك أنها كانت ولا تزال تفرز ردود فعل اقتصادية ملموسة في جميع البلدان المصدّرة للبترول.
أعتقد أن ما ينبغي أن يعيه المواطن، أن سخاء العطاء، لا يعني الإغراء بالتبديد وإن امتلاء الجيوب بالأموال - قلّت أو كثرت - لا يستلزم، أن نفرغها، أو أن نلقي بها في التراب.. وليتنا ندرك أن جميع ما نتهافت عليه من التوافه.. ليس أكثر من تراب.
* * *
القارئ (سمير عطية) من قرّاء جريدة البلاد الغراء، قد يكون نموذجاً للمواطن الذي نفتقده في مرحلة بناء الإنسان، وفي مطلب المواطن المسؤول الذي كثيراً ما سمع المواطنون جلالة الملك فهد ابن عبد العزيز، يردد حاجة الوثبة التي تشهدها البلاد، إلى اضطلاعه بنفس المسؤوليات التي يضطلع بها مسؤولو الدولة في كل مرفق من مرافقها.
ومع أننا لا ينبغي أن ننسى أن ما تم من تطوير وإنماء، شمل مختلف مجالات الحياة عندنا، كان نتيجة لتضافر الجهود بين المسؤولين، في قطاع الدولة، وبين المواطنين في القطاع الخاص، مع ذلك، فإن الظاهرة التي لا ندري كيف يمكن أن تأخذ طريقها إلى الضمور أو حتى إلى نوع من التقلص القليل، هي ما لا بد أن يسمى بخلاً بالمساهمة المادية في ما تضمنه به الدولة من مسؤوليات، وما تنفقه من أموال، في مجال الخدمات المختلفة، ومنها (التعليم).
يقول المواطن سمير عطية إنه قرأ عن أن إدارات التعليم كلفت بالبحث عن أراضٍ في مناطق مختلفة، لإقامة مدارس لمراحل معينة عليها. وهو يسأل (الذين أفاء الله عليهم من نعمائه من الأثرياء) هل قام أحد منهم بالتبرع بقطعة أرض مما يملك، وهو في الغالب كثير، لإقامة مدرسة عليها؟
والمئات من الذين أفاء الله عليهم من فضله، إن لم نقل الألوف، لهم أبناء وبنات في مختلف مدارس الدولة، التي يتمتع فيها هؤلاء الأبناء والبنات بمجانية التعليم المطلقة بدءاً من المرحلة الابتدائية وحتى التخرج من الجامعة، فهل وجد بينهم من فكّر في أن يقدم قطعة أرض، لبناء مدرسة؟
صحيح، وألف صحيح، أن الدولة مستغنية عن تبرع المحسنين، وأنها تنفق على بناء المدارس، بل وعلى حافلات نقل (البنات) الملايين، بسخاء ما بعده سخاء، ولكن ما الذي يمنع أن يشارك المواطن القادر، الدولة السخية، في جزء - ولو رمزي - من نفقات التعليم ومنها بناء المدارس، التي تتكاثر يوماً بعد يوم، إلى حد يستوقف نظر كل من يسمع عن الزيادة التي تطرأ كل عام.
هل يعلم، هؤلاء الذين يتمتعون بمجَّانية التعليم، وإلى هذا الحد المترف في مدارس الأولاد والبنات، أن نفقات التعليم في جميع بلدان العالم تثقل كاهل الأب إلى الحد الذي يعجز فيه عن تأمينها، إذا زاد عدد الأبناء عن اثنين؟
أعلم أن هناك من (يبوّز) حين يقرأ هذا الكلام.. فهو لا يطيق أن يسمع أنه يمكن أن يكلّف، أو يطلب منه التبرع أو المشاركة بشيء، ما دامت (الحكومة الله يديمها) هي التي عوّدتنا أن تقوم بكل شيء.
ولكن،الحب والمواطنة أخذ وعطاء.. فإلى متى نأخذ.. ولا نعطي؟
ما يجده أبناؤنا وبناتنا من سخاء، أجهزة التعليم عندنا، يكاد لا يوجد له مثيل في العالم. إذ بالإضافة إلى مجانية التعليم في جميع المراحل، بما فيها المرحلة الجامعية فإن جميع الكتب تقدم ويزود بها الأبناء والبنات بدون أي مقابل.. وهي مطبوعة على ورق ممتاز، وبأغلفة مريحة للنظر، لوناً، وخطاً، وخامات، بحيث لا أشك في أن ما ينفق على الطباعة - وبهذه الكميات الضخمة - قد لا يقل عمّا ينفق كميزانية للتعليم في بلدان أخرى.
وفي أيامنا - إذا كان لا بد من التذكير والمقارنة بين أمس واليوم - كان الكتاب الذي نشتريه - إذا وجد - هو أغنى ما نحرص على الاحتفاظ به.. وحتى بعد أن نجتاز امتحان السنة أو المرحلة الكاملة، كان يستحيل أن نفرّط في الكتاب، إلاّ لزميل يحتاجه ولا يجده لا في الأسواق، ولا في المدرسة. وقد يضحك بعضهم، إذا قلت إني لا أزال أحتفظ حتى اليوم بكرّاسة لدرس الحساب الذي كنا ندرسه في المرحلة (الراقية) وهي التي تشبه أو تعادل المرحلة الثانوية اليوم، والذي قد لا يصدق، مدعو لزيارتي لرؤية هذا الكرّاس.
وأنا أفهم، أن يستغني التلميذ عن الكتب التي فرغ من دراستها في السنة التي اجتاز امتحانها وانتقل إلى سنة تالية.. أفهم مثلاً، أن ينساها في صندوق أو دولاب مهمل، وأن لا يعود إليها بعد ذلك.. له ذلك، ما دام الغرض من وجودها بين يديه قد تحقق.. ولكن لا أفهم، أن تلقى هذه الكتب، في صفائح النفايات أو في صناديق البلدية في الشوارع أو حتى على الرصيف أمام البيت.
أكثر من مرة لفت نظري بعضهم إلى هذه الظاهرة.. وأعني ظاهرة رمي أو إلقاء كتب السنة التي انتهت على الأرصفة وفي صناديق النفايات.. ولعلّي لم أر الموضوع يستحق أن أكتب عنه.. ولكن، مرة أخرى، حدثني بعضهم عن أنه يرى كتب الفقه والتوحيد والتفسير والحديث، ملقاة على الأرصفة، تتخطّاها أقدام المشاة، الذين يبدو أنه لا يعنيهم أن يبعدوها عن مواطئ الأقدام، بحيث توضع ملاصقة للجدار، فلا تمسّها هذه الأقدام.
وليس مما يجدي أن أتساءل عن الأمهات والآباء، أين هم من هذا التصرف البشع، تجاه كتب أبنائهم وبناتهم، فإني أعلم أنهم ليسوا أفضل إدراكاً من أطفالهم أو أبنائهم.. ولكن الذي ربما يكون مجدياً لمقاومة هذه الظاهرة، هو إلزام كل تلميذ بأن يسلّم ما بعهدته من كتب إلى إدارة المدرسة، التي تستطيع أن تتصرف فيها، إن لم يكن بإعادة صرفها لتلاميذ العام التالي، فبحرقها مثلاً..
إن ما يحدث في حياة الكثيرين منا نتيجة لتخمة الترف والبذخ، يكاد يستحق التعزيز.. ولا تعزيز، ولا حتى تأنيب وتحذير.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
* * *
لم يساورني شك قط، في أن الدولة ستولي ظاهرة المغالاة في أجور الخدمات الطبية في المستشفيات الخاصة اهتمامها العاجل، وشأنها في ذلك هو شأنها في كل ما يحقق للمواطنين والمقيمين في هذا البلد حياة مطمئنة وادعة، تميّزت بها المملكة، ولا سبيل إلى تشويه صورتها وحقيقتها بما يقع في مرفق هنا، أو مرفق هناك، من تجاوزات وأخطاء.
وها أنا أتلقى من معالي وزير الصحة خطابه أو برقيته الخطية العاجلة، التي أعتبرها الخطوة الأولى نحو الحسم، والتي يسرني أن أؤكّد أنها سوف تظل واحدة من أسطع الأدلة على أن الدولة لن تتردد في القضاء على أي بادرة من بوادر الانفلات والتغوّل إذا ما توافرت لديها الوثائق المثبتة، كما هي الحال في هذا الموضوع.
ويرى القراء في البرقية العاجلة التي بعثها إليّ معالي الوزير الشاب الدكتور حسين الجزائري، أنّه يطلب أن أزوّده بمعلومات حدّدها، منها اسم المستشفى واسم المريض واسم الراوي وقد كتبت إلى معاليه خطاباً أرسلته بالبريد تاريخه 26/3/1400هـ. وفيه تفصيل وافٍ عن كل ما طلب. وأجد من واجبي أن لا أذكر اسم المستشفى موضوع البحث إلاّ بعد أن يتقصّى معالي الوزير الحقائق ويتّخذ اللازم، كما ذكر في برقيته، إذ قد يظهر التحقيق الذي تقوم به الوزارة ما يدعم حق المستشفى في تصرفات نراها خطأ وتوحشاً وانفلاتاً، ويراها المختصّون في الوزارة متمشّية مع لوائح الوزارة وتنظيماتها.
وأكتفي اليوم بأن أطمئن القرّاء أني زوّدت الوزير بصور لفاتورة المستشفى، وفيها تفصيل المبالغ التي دفعت، ومعها صور بقية الفواتير التي تمثل الخدمات التي قدّمها المستشفى قبل إجراء عملية التجبير، ثم معها ما هو أهم، وهو أفلام الأشعة، للعظم الذي جبّره إخصائي العظام، واتضح بعد الكشف بعد بضعة أيام أن التجبير كان غير متطابق، وأن المستشفى يقترح عودة المريض إلى المستشفى ونومه فيه بضعة أيام، قالوا إنها لن تكلفه أكثر من 7 - 8 آلاف ريال وذلك لعمل (عملية تثبيت داخلي للكسر).
ولعلّ أفضل ما أقوله بعد كل الذي ذكرت.. أن الكرة الآن عند معالي الوزير.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :595  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 78 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

أحاسيس اللظى

[الجزء الأول: خميس الكويت الدامي: 1990]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج