شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
أكلني أبو تراب
كثيراً ما أدع ما يحمله إليّ البريد من الرسائل وأغلفة الطرود الكبيرة، جانباً من المكتب تحاشياً للانشغال بها، عمّا أكون معنياً بإنجازه من أعمال.. ومع أني كنت غارقاً في محاولة إنجاز عمل مطلوب، في يوم محدد، فقد امتدت يدي عفوياً إلى طرد من مؤسسة تهامة، ولا أدري كيف وجدتني أفتحه لأجد فيه كتاب الصديق العلاّمة الأستاذ (أبو تراب الظاهري) بعنوانه الطريف: (الموزون والمخزون).
ولا بد أن أعترف، أني أتحسّب كثيراً لأي كتاب أو حتى مقال يكتبه أبو تراب، فأعني بأن أدع قراءته إلى وقت أفرغ فيه له، وأنا آخذ نفسي بهذا التحسّب، مع أكثر الكتب التي أشعر بقيمتها، وضرورة التفرغ لها، إن لم يكن برغبة الاستفادة والاستيعاب فبرغبة الاستمتاع المتأتي بالجديد فيها، والجديد بالنسبة لي يتوافر في كتب التراث أكثر مما يتوافر في كتب المحدثين.
ولست أدري كيف فتحت (الموزون والمخزون)، وجعلت أقلب الصفحات الأولى بعد الغلاف، لأجد ما سمّاه أبو تراب (المقدّمة).. وأخذت أقرأها، وأخذت هي تستدرجني، صفحة بعد صفحة، فإذا بي غارق فيها إلى أذني، بحيث، نسيت العمل الذي كنت أحاول إنجازه في يوم محدد.
ومقدمة الكتاب تمتد، وتترامى، وتكثر فيها المنعطفات، والمداخل، والسبل كما تكثر فيها هذه التي أسميها الآن (اللقطات) التي يتعذّر أن أمر بها دون أن ألتقطها، وإن كان من المستحيل أن أستطيع أن أختزنها، مع ضيق الوقت، وإلحاح العمل المطلوب.
وللقارئ أن يتصوّر، أني لم أستطع أن أدع الكتاب جانباً إلاّ بعد أن كدت آتي على هذه المقدمة، التي تقع في أكثر من سبعين صفحة.
وانتبهت فجأة.. وأنا أرمق الساعة أمامي.. لأرى أني مضطر إلى الاعتذار عن التأخر، في إنجاز العمل المطلوب..
وضحكت، وأنا أدع (الموزون والمخزون) جانباً.. وأنا أردد (لقد أكلني أبو تراب).
* * *
التوفيق الذي يصاحب بعض برامج التليفزيون، يبلغ من قدرته على الشد، أن أتمنى لو أنني أستطيع أن أفرغ للجلوس، ومشاهدة مختلف المواد التي تعرض، عسى أن أقع على ما يستحق أن يشاهد من هذه البرامج. ومع ندرة توافر الوقت، إلى جانب البعض الآخر من المواد التي أستكثر عليها ما أنفق لتسجيلها، فإن لي أن أقول، إننا نظلم التليفزيون حين نذهب إلى أنه فقير إلى حد يرثى له، ونظلم أنفسنا إذا ذهبنا إلى أنه غني وسخي إلى الحد الذي نتمنى أن نتابع ما يعرض طيلة ساعات العرض.
ومن البرامج التي صاحبها التوفيق، وتستحق أن يتكرر مثلها، ذلك البرنامج الذي قدّمه الأستاذ علي داوود، منذ فترة، لنماذج حية من الفولكلور في المملكة، كانت أشبه شيء، بفتح مغالق كنز من الفن العريق، الذي يعيد إلى الأذهان صوراً من هذا الفن في عهود غابرة، ربمّا أمعنت في الابتعاد لتصل إلى قصور العبّاسيين، أو إلى قاعات وأبهاء الحضارة الباذخة، في الأندلس. ثم ربما اقتربت لتذكر أمثالي من الشيوخ (سناً بأيام الصبا والشباب الباكر)، التي حفلت - رغم ضيق الظروف وعنت الأحوال - بألوان من عطاء الفن - وأعني الموسيقى والغناء - حسبت أنها قد اندثرت، وابتلعتها تصاريف الزمان، فإذا بها لا تزال حيّة موفورة التوهّج والقدرة على أن تفشي أعماق الحس والوجدان.
وكان الأستاذ إبراهيم عبد الرحمن خفاجي، أستاذاً بحق، وهو يلقي الأضواء على ألوان من الموسيقى والغناء، هي التي يمكن أن نسميها فولكلور بلادنا، وأن نعتز بما يكمن فيها من عناصر العراقة والأصالة مع التمكن من التزام (الأصول) وقواعد الأداء، وهي أيضاً التي يمكن أن تكون منطلقاً ثراً لفن أصيل. نستطيع أن نقف به في نفس الصف الذي تقف فيه النماذج المتميزة من الموسيقى العربية، في بلدان العالم العربي.
وعندما أقول ((فولكلور بلادنا، فلأني أحرص على تمييز هذا المستوى من ألوان الموسيقى والغناء، عن الكثير الذي يقدم بعنوان فولكلور، من ألوان، أعتقد أن الأستاذ الخفاجي يستطيع أن يردها إلى مواطنها، وأن يقول لنا كيف تسلّلت واستقرت عند بعض من هاجروا إلى هذه البلاد من إفريقيا، أو من غيرها، وليس لها في الواقع أي انتماء إلى ألوان الفن العربي العريق، الذي رأينا وسمعنا نماذجه في ندوة أو سهرة الأستاذ علي داود.
وبعد.. فعسى أن يتيح لنا التليفزيون، سهرة يقدمها الأستاذ علي داود بأسلوبه المفعم بالكثير من اللباقة والظرف، فيفتح لنا مغالق الكنوز، التي يجب أن تفتح وأن تحتل مكانها الأرفع، لتختبئ تلك التفاهات التي يتاح لها أن تتطفل، وأن تضايقنا إلى الحد الذي يجعلنا نسرع، فنغلق الجهاز.
* * *
أعترف أني لم أكن أعلم أن في جدة مكتبة عامة، وإذا كانت موجودة فعلاً، فلا أدري أين هي ومتى فتحت أبوابها. ولذلك فإني كثيراً ما اضطر إلى استيراد الكتاب الذي أحتاج إلى مراجعة موضوع فيه، من القاهرة أو بيروت (أيام زمان)، لأن الأرجح عندي أني لا أجد الكتاب في المكتبات الموجودة في جدة، وهي كما يقال، ليست متخصصة في استيراد وبيع الكتب، لأن الأكثر رواجاً، هو الأدوات واللوازم المكتبية.
ولكن صديقاً فاجأني منذ أيام بأن في جدة مكتبة عامة، يغشاها طلاب العلم ومن يطلبون كتباً معيّنة، يكتفون بقراءتها في المكتبة، بدلاً من شرائها، إن وجدت في الأسواق - بأسعار أصبحت خرافية.
وقد سررت للخبر طبعاً، وقلت: وجود مكتبة عامة في جدة موشّر يؤكد أننا قد التفتنا إلى ضرورة حضارية ظلت ملمّة زمناً طويلاً، بينما ظل الالتفات إليها من الصفوف الثانوية، التي ربما كان منطق المختصين يقول إنها (يمكن أن تنتظر..).
ولكن مع هذا الخبر، ملاحظة لا بد أن تثير الكثير من الضحك، والأكثر من الدهشة وهي أن هذه المكتبة لا تفتح أبوابها في غير أوقات الدوام الرسمي (من الساعة الثامنة صباحاً إلى الثانية بعد الظهر). وهي نفس الأوقات التي يكون فيها الناس مشغولين بأعمالهم في وظائف الدولة، أو في وظائف الشركات والمؤسسات.
والأعجب بعد ذلك، أن المكتبة تظل مغلقة منذ بعد ظهر الأربعاء وطيلة يومي الخميس والجمعة.
أتساءل، أي منطق هذا الذي يعامل مكتبة عامة، فتحت أساساً ليقصدها القراء، في الأوقات التي يفرغون فيها من أعمال وظائفهم ومشاغلهم، كما يعامل موظفي المصلحة التي يديرها؟
صحيح طبعاً أن موظفي المكتبة، موظفون كغيرهم، وليس في النظام ما يسمح بأن يكلّفوا بالعمل في غير أوقات الدوام الرسمية.. ولكن صحيح أيضاً أن المكتبة العامة قد فتحت لخدمة طالب العلم أو الاطلاع، في كل وقت، وحتى الساعة الثامنة مساء على الأقل وإلا فلا لزوم لوجودها أصلاً..
ذلك هو المضحك في الملاحظة، أما الدهشة، فباعثها أن توجد عقول لا تستطيع أن تفرق بين طبيعة كل عمل، وأن تلتزم بتطبيق القاعدة، بهذه الطريقة العشوائية الغريبة.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :571  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 77 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

الدكتور سعد عبد العزيز مصلوح

أحد علماء الأسلوب الإحصائي اللغوي ، وأحد أعلام الدراسات اللسانية، وأحد أعمدة الترجمة في المنطقة العربية، وأحد الأكاديميين، الذين زاوجوا بين الشعر، والبحث، واللغة، له أكثر من 30 مؤلفا في اللسانيات والترجمة، والنقد الأدبي، واللغة، قادم خصيصا من الكويت الشقيق.