شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
عجائز الكريملين.. هل يرحلون أم (يرحّلون؟)
ميخائيل جورباتشوف، الذي تسنّم ذروة القيادة العليا في الاتحاد السوفيتي، بعد موت قسطنطين تشيرنينكو، هو أول من يتسنّم هذه الذروة، قبل بلوغه الستين من العمر.. إذ هو في الرابعة والخمسين. والإجماع على انتخابه لهذه الذروة، بعد أربع ساعات فقط من إعلان نبأ هلاك تشيرنينكو، يلمح إلى أن عملية ترشيحه كانت تعالج على نار هادئة طوال فترة مرض تشيرنينكو الذي أنذر بأنه في طريق الرحيل منذ ظهور أعراضه، فكان موعد هذا الرحيل مسألة وقت فقط.
وكانت زيارة جورباتشوف لبريطانيا مع زوجته، التي لوحظ أنها لم تكن تتحفظ في ابتساماتها - على غير المألوف عن الشخصيات القيادية السوفياتية، قد سبقها إعداد مدروس ومقصود، استهدف به الكريملين، أن يعطي أوروبا مؤشّراً للتغيير في تكتيك استراتيجية تتوخّى الوصول إلى توهين انحيازها، أو تضامنها مع الولايات المتحدة الأمريكية.. أو لعلّ هذا هو التفسير، الذي ذهبت إليه تحليلات المراقبين لبعض البوادر في مواقف الاتحاد السوفياتي، ومنها الموافقة على العودة إلى مائدة المفاوضات حول الحد من الأسلحة الاستراتيجية.
ولكن إذا كان التغيير في مسار السياسة الخارجية هدفاً تكتيكياً وجد أقطاب الكريملين أن جورباتشوف مؤهّل له، فإن التغيير في السياسة الداخلية يمكن أن يكون من طموحاته الذاتية التي يبدو أن الاتحاد السوفياتي، ودهاقنة الكريملين، لم يعودوا يملكون تجاهل الحاجة إليها، وفي حساباتهم، الدقيقة ما شهدته بولندة طوال أكثر من ثلاث سنوات، من حركة (تضامن) العمّالية بقيادة ليش فاليزا، وهي الحركة التي استطاع الحكم العسكري أن يطوّق انتشارها وتفاقم تفاعلها، ولكنّه لم يستطع أن يقضي عليها، كما لم يستطع الاتحاد السوفياتي أن يمارس أسلوبه التقليدي في التدخل للبطش بها، كما سبق له أن فعل في تشيكوسلوفاكيا أو قبل ذلك في المجر.. وهذا إضافة إلى التغيير، والمنعطف الحاد الذي اتجهت إليه الصين الشعبية في التخفيف أو التخفف من ثقل المظلة الحمراء، إلى ذلك الحد الذي لم يمنع تصريح القيادات العليا في بيكين، بأن التمسك بمبادئ ماركس ولينين، لم يعد يتفق مع المتغيّرات الحادة التي أصبحت تحكم مسيرة الحياة اليوم. وكان التسلّل البطيء والحذر إلى نوع من الانفتاح والخروج من طوق ومضامين الثورة الثقافية التي عصفت بالثقافة والفكر وجمّدت حركته طوال سنين مؤشّراً لا يستطيع التنظير في الكريملين أن يتجاوزه، وأن يتجاهل إفرازه على شعوب الاتحاد السوفياتي مهما حاولت وسائل الكبت والتعتيم وإغلاق قنوات الاتصال بينها وبين العالم.
وطبيعة التقوقع في خطوط السياسة الداخلية في الكريملين وما يمكن أن يطرأ عليها من رغبات واتجاهات التغيير، لا تسمح بالتكهن بما يمكن أن يقوم به جورباتشوف سواء بدافع من طموحاته الذاتية التي لا تخفى على التنظير والمنظّرين في الكريملين، أو بدافع التخطيط المسبق للتغيير على ضوء المتغيّرات الطارئة، ولكن الإجماع على انتخابه لمنصب الذروة، وإعلان ذلك بعد أربع ساعات فقط، من إعلان وفاة تشيرنينكو، يدل على أنّه مرشّح ومؤهّل لهذا التغيير.
كان خروتشوف، هو السابقة الفريدة، في تاريخ الحكم في الاتحاد السوفياتي، الذي استطاع بعد إزاحة مولوتوف ومالينكوف، وبولجانين، أن يتسنّم الذروة، في سن تعتبر صغيرة نسبياً إذ كان في الرابعة والستين عندما انتخب سكرتيراً أول للحزب الشيوعي. واستطاع بعد ذلك أن يجمع بين رياسة الحزب، ورياسة الوزراء لأول مرة بعد ستالين. وكان من أهم ما تميّز به عهده هو القضاء على أسطورة ستالين، وتحطيم وهدم بنية مذهبه الذي تعلّقت به معظم الدول الشيوعية في العالم، وكان اتفاق أعضاء الحزب الشيوعي وفي القمة منه (البوليتورو)، على نقل رفاته من القبر الضخم الذي شيّد لتكريمه، إلى مقبرة عادية، إيذاناً بأكبر تغيّر في مسار الشيوعية السوفياتية. وقد أكد هذا التغيّر بعد ذلك، إعلان مبدأ التعايش السلمي في السياسة الخارجية وتوقيع معاهدة الحظر الجزئي للتجارب النووية، وتقرير مبدأ التعاون الدولي مع البلدان غير الشيوعية، وعندما حمل صواريخه من كوبا وعاد بها إلى الاتحاد السوفياتي في عام 1962، قدّم أهمّ وأوضح دليل، على مرونته، وقد فسّرت الحركة، بأنها جنوح للسلام واقتناع بضرورة الحفاظ عليه.
فهل يمكن القول إن مجيء جورباتشوف، بعد تشيرنينكو، يعني نفض اليد من السياسة التي حكمت الاتحاد السوفياتي في الداخل والخارج، في عهود كوسيجين، وبريزينيف، ثم تشيرنينكو (مع تجاوز فترة أندروبوف الذي لم يمهله المرض ثم الرحيل ليضع بصماته على السياسة). وإن هذا الشاب (نسبياً) يمكن أن يعيد إلى الأذهان ملامح من عهد وأعمال خروتشوف؟
ذلك ما سوف تسفر عنه الأيام.. وهو ما تتعلّق به الآمال في الداخل والخارج على السواء.
 
طباعة

تعليق

 القراءات :654  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 40 من 207
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من اصدارات الاثنينية

الاثنينية - إصدار خاص بمناسبة مرور 25 عاماً على تأسيسها

[الجزء الرابع - ما نشر عن إصداراتها في الصحافة المحلية والعربية (2): 2007]

الغربال، قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه

[قراءة في حياة وآثار الأديب السعودي الراحل محمد سعيد عبد المقصود خوجه: 1999]

الاستبيان


هل تؤيد إضافة التسجيلات الصوتية والمرئية إلى الموقع

 
تسجيلات كاملة
مقتطفات لتسجيلات مختارة
لا أؤيد
 
النتائج