شارع عبد المقصود خوجة
جدة - الروضة

00966-12-6982222 - تحويلة 250
00966-12-6984444 - فاكس
                  البحث   

مكتبة الاثنينية

 
مقاومة إخماد الانتفاضة
ما استطاعت أن ترسّخه الانتفاضة، وبعمق بعيد، في وعي جماهير الأمة العربية، هو أن الإنسان الفلسطيني في الأرض التي احتلَّها العدو الإسرائيلي، منذ نكبة حرب الخامس من يونيو عام 1967، قد أخذ على عاتقه مسؤوليةَ رفضِ ومقاومة هذا الاحتلال، بعد أن طال انتظاره للحلول الموعودة، التي ثبت عجزُ الواعدين بها، على الصعيد الدولي، وقبله - العربي - عن الوصول إلى أي حل. وكان أسمى وأروع ما سجَّله التاريخ - ولأول مرة - أن هذه الأرض المحتلة هي التي انتفضت... هي التي قدّمت السلاح وهي التي تفجّرت، ليس عن بارود وقنابل ومتفجرات... وإنما عن (الحجر)... عن الحصوة التي يلتقطها الطفل من الأرض، فتغدو سلاحاً، يحصِب به قوات (جيش الدفاع الإسرائيلي)... وقد لا تصل الحصوة إلى مرماها المنشود، ولكنها تصل إلى الأبعد والأعمق، وهو ضمير العالم... ووجدان الإنسان... تهزّهما... توقظه من غفوته ونسيانه ليعي ويدرك، أنها من هذه الأرض ومن يد الطفل، الذي اقتنصته رصاصة الجندي الإسرائيلي المدجّج بالسلاح، فأردته قتيلاً على الأرض، وفي يده حصوة أخرى تذهب معه إلى قبره، شهادة تضحية و استشهاد وفداء.
وها نحن نرى هذه الانتفاضة في شهرها الثلاثين، وهانحن نرى الحجارة، لا تزال في أيدي الأطفال، والصبايا والشباب... نراها عبر شاشات التلفزيون، وكل منا على مقعده المريح أو فراشه الوثير ونرى معها الجنديَّ المدجّج بالسلاح، يقتنص ويصرع، الصبية على صدور الأمهات، أو على أرض الشارع، تشرب الدماء الذكية الطاهرة لتتفجر من جديد بالمزيد من الحجارة في انتظار المزيد من الضحايا والشهداء.
نتبادل كلمات الإعجاب، وقد نصعّد الآهات والزفرات، وقد نذرف الدموع، ونحوقل ونحسب، ونضرع إلى الله أن ينتقم من الظالم... ولكن ماذا بعد كل ذلك؟؟؟
في تصريحات لشامير، وعناصر وزارته، أن الحل أو التصرف العسكري كفيلٌ بإخماد هذه الانتفاضة. وهذا التصرف، يختلف عن أعمال القمع والإرهاب التي ظلت تمارسها قواته المسلحة طوال الثلاثين شهراً وحتى اليوم... ولكن لا شك في أن قوات الجيش، سوف تواجه هذه الانتفاضة كما تواجه أي معركة حربية. وهي تعلم أن الرأي العام العالمي، سوف يستنكر... ومن المحتمل أن الولايات المتحدة - الحليف الاستراتيجي - سوف تردد عبارتها المشهورة في مثل هذه المغامرات، وهي (القلق)‍‍‍!!! ولكن كل هذا - قَلَّ أو كثُر - لن يعطّل هذا التصرف العسكري، الذي يكفل القضاء على الانتفاضة... وما يلي ذلك، معروف وإن كان لا بد من ذكره فهو اعتبار الأرض المحتلة، ومنها قطاع غزة ومرتفعات الجولان، والقدس بكاملها جزء لا يتجزّأ من إسرائيل.
ويستحيل قطعاً أن نتوقّع أن الانتفاضة بالحجارة في أيدي الصبية والصبايا يمكن أن تصمد وأن تستمر في مواجهة هذا التصرف العسكري. سنشهد على شاشات التلفزيون، - وهذا إذا لم تطرد إسرائيل عدسات التلفزيون الأمريكي - سنشهد سقوط الصرعى والقتلى، وسنشاهد الدماء تشربها الأرض، أو تحتضنها صدور الأمّهات... ولكننا سنكون - كما هو الواقع الآن - على المقاعد المريحة والفراش الوثير...
والسؤال الذي لا بد من طرحه، هو عن الخطة التي أعدتها الدول العربية، أو يمكن أن تعدّها لمقاومة عملية إخماد الانتفاضة التي تستعد لها إسرائيل؟؟؟
وسؤال آخر وهام ومنطقي - من وجهة نظري على الأقل - وهو: أليس التصرف العسكري الذي سوف تلجأ إليه إسرائيل لإخماد الانتفاضة، اعتداءً يشمله الإنذار بردع أي اعتداء يقع على أي دولة عربية؟؟؟ مفهوم أن الصبية والصبايا الذين سوف تحترم حياتهم إسرائيل إضافة إلى كل من قتلتهم، طوال الثلاثين شهراً... مفهوم أنهم ليسوا (دولةً عربية) ولكن ماذا هم؟؟؟ ما هي هويتهم؟؟؟ وكيف يمكن أن نصنّف وضعهم في مواجهة العدوان؟؟؟
 
طباعة

تعليق

 القراءات :600  التعليقات :0
 

الصفحة الأولى الصفحة السابقة
صفحة 109 من 113
الصفحة التالية الصفحة الأخيرة

من ألبوم الصور

من أمسيات هذا الموسم

سعادة الدكتور واسيني الأعرج

الروائي الجزائري الفرنسي المعروف الذي يعمل حالياً أستاذ كرسي في جامعة الجزائر المركزية وجامعة السوربون في باريس، له 21 رواية، قادماً خصيصاً من باريس للاثنينية.